- مقتل سليماني وجه ضربة قوية لإيران في العراق
- إيران تعيد هندسة دورها في العراق
- العراق على رادار الإستخبارات الإيرانية
أظهرت مرحلة ما بعد إغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني العام الماضي، حالة خلل كبيرة تعرضت لها إستراتيجية إيران في العراق، هذا الخلل تمثلت أبرز ملامحه في فشل القائد الجديد لفيلق القدس إسماعيل قآني في ملئ فراغ سليماني، إلى جانب دخول جهات إيرانية جديدة للساحة العراقية، لم تكن حاضرة بقوة خلال فترة سليماني، وأبرزها الإستخبارات ومكتب المرشد والخارجية، فضلاً عن تمردات فصائلية وتظاهرات شعبية وضغوط أمريكية، عقدت بدورها من الفعالية الإيرانية في الساحة العراقية، حيث بنى الحرس الثوري دوره في العراق؛ على أساس دور وتأثير عديد من الخلايا والفصائل المسلحة، وتحديداً الولائية منها، للتأثير في المجالات السياسية والأمنية والإقتصادية، وأظهرت الآونة الأخيرة تحول مهم في طريق عمل هذه الفصائل الخلايا تماشياً مع تطورات الساحة العراقية، والظروف الإقليمية والدولية المحيطة، وبالشكل الذي يؤثر على مجمل إستراتيجية إيران وتفاعلات الساحة العراقية.
فوز رئيسي مؤشر لبداية جديدة
أشرت عملية فوز المرشح المحافظ إبراهيم رئيسي في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة، إلى إمكانية أن نكون أمام إعادة هندسة للأدوار الإيرانية في العراق، وتحديداً على مستوى الجهات الإيرانية الفاعلة في الساحة العراقية، حيث تقوم الرؤية الإيرانية الجديدة، على ضرورة إحداث عملية إستمرارية وتغيير في طريقة إدارتها للفصائل الولائية، عبر توسيع نطاق عمل ودور هذه الفصائل، من أجل تعضيد نفوذها في العراق، كما تؤشر هذه الرؤية لفكرة مفادها؛ إن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لن تقدم أي تنازلات في الإتفاق النووي، دون أن يكون هناك تصعيد منضبط في الساحة العراقية، والأكثر من ذلك فإن هذه الرؤية تهدف إلى إعادة جميع الفصائل المسلحة في العراق، تحت سيطرة وتأثير فيلق القدس، كما كان عليه الحال في فترة سليماني، عبر بناء إستراتيجية جديدة، وإعادة توزيع للأدوار وكبح للتمردات الفصائلية، حيث أسست هذه الرؤية بناءً على ثلاث إستحقاقات في الساحة العراقية هي؛ تصاعد للتظاهرات الشعبية والتمردات الفصائلية والإنتخابات المبكرة، خصوصاً وإنها تؤسس لنتيجة مؤداها تقليل السخط الشعبي على النفوذ الإيراني في العراق، بسبب تصاعد حدة النقمة الشعبية العراقية على إيران، وضرورة اعادة الثقة للدور الإيراني، وفي إطار كل ماتقدم؛ تأتي التحولات الجديدة من أجل خلق حالة توازن بين تأثير فيلق القدس داخل هيئة الحشد الشعبي، والهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة العراقية، التي أصبحت مؤخراً أكثر قرباً من مكتب المرشد عن فيلق القدس.
عودة الملف العراقي لأدراج الإستخبارات الإيرانية
جاءت الزيارة السريّة التي قام بها رئيس جهاز إستخبارات الحرس الثوري حسين طائب للعراق في 6 يوليو 2021، لتؤسِّس بدورها لمرحلة جديدة للدور الإيراني في العراق، خصوصاً أنها تأتي بعد أيام من فوز رئيسي، وتكامُل أضلاع التشدُّد في إيران، سواء على مستوى المؤسسات أو الخطاب السياسي أو الرؤية العقائدية للمواجهة مع الخارج، أما عن رمزية هذه الزيارة؛ فإنها تحمل في طياتها العديد من المؤشرات المهمة، فهي تمثِّل أول زيارة لرئيس جهاز الإستخبارات في الحرس الثوري إلى العراق، منذ تسلُّمه للمنصب عام 2009، كما إنها تأتي في سياق تصعيد مستمرّ بدأت الفصائل المسلحة القريبة من إيران تنتهجه ضد القوات الأمريكية في العراق.
والأهم من كل ما تقدّم، إنها تأتي بعد سلسلة من حلقات الفشل التي مُنيَ بها قآني في العراق، سواء عبر فشله في إخماد التمرُّدات الفصائلية، أو تسريع عملية إخراج القوات الأمريكية من العراق، ممّا لا شكّ فيه إن الزيارة الأخيرة تؤسِّس لفكرة عودة الملف العراقي لأدراج الإستخبارات الإيرانية، سواءً كان جهاز الإستخبارات التابع للحرس الثوري أم وزارة الإستخبارات والأمن الوطني، وإبعاد المؤسسات الإيرانية الأخرى، وتحديداً الخارجية الإيرانية عن المشهد العراقي، إذ عقدَ طائب سلسلة اجتماعات مع قيادات في الفصائل المسلحة، من أجل وضع خارطة طريق للمرحلة المقبلة.
حيث أشارت الهجمات الثلاثة المتوالية في الفترة الماضية، التي استهدفت السفارة الأمريكية ومطار أربيل وقاعدة عين الأسد، إلى أن إيران ماضية بتصعيد منضبط في الساحة العراقية، حسب تطورات الأوضاع ومستويات العلاقة مع الولايات المتحدة، خصوصًا أن الجولة السابعة من مفاوضات فيينا ما زالت في قيد المجهول على مستوى النتائج.
وبالتوازي مع زيارة طائب للعراق، جاءت زيارة وزير الإستخبارات والأمن الوطني الإيراني محمود علوي للعراق في 14 يوليو 2021، في ثاني زيارة من نوعها لمسؤول إستخباري إيراني للعراق، وعقد سلسلة إجتماعات موسعة مع شخصيات حكومية وأمنية وسياسية، إلى جانب قيادات في الفصائل مسلحة. إلا إن اللافت في هذه الزيارة؛ أنها جاءت بالوقت الذي زار فيه منسق الرئيس الأمريكي جو بايدن للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت مكغورك العراق، من أجل مناقشة وضع آلية لسحب القوات الأمريكية من العراق، حيث جاء في البيان الحكومي العراقي، إن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ومكغورك ووفود كل منهما “ناقش التنسيق والتعاون المشترك في مختلف المجالات، وإستعدادات لعقد الجولة القادمة من الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية،” وكذلك “توسيع التعاون في المجالات الإقتصادية والثقافية والتجارية “.
إن إندفاع إيران نحو إنتاج مقاربة إستراتيجية جديدة في العراق، جاء نتيجة جملة من التحديات الداخلية “إيرانية / عراقية” على حداً سواء، فضلاً عن ضغوط أمريكية مستمرة، سواء عبر المفاوضات النووية، أو الحوارات الإقليمية، إن حقيقة بأن حكومة الكاظمي تتعرض لضغوط هائلة من قبل الفصائل المدعومة من قبل الحرس الثوري، تعطي مؤشر واضح على أن العراق خاضع لتأثير شبكة مسلحة عابرة للحدود، تقودها وتسيطر عليها إيران.
إستخدمت إيران هذه الفصائل والخلايا لتنفيذ خططها قصيرة المدى وإستراتيجياتها طويلة المدى، وأن جهود الإستخبارات الإيرانية الأخيرة تميل بشكل متزايد نحو هندسة طريقة عمل الميليشيات الصغيرة، لها سيطرة مباشرة عليها، مع إبقاء دور وتأثير الفصائل الكبيرة، وإن الإشارة إلى إن الحرس الثوري هو من يقدم الدعم للخلايا الصغيرة لتنفيذها، يبدو الأكثر قرباً للواقع، في إطار سعيه لترسيخ مركزية جديدة في العراق، خصوصاً وإن الأخبار القادمة من إيران تشير إلى أن وزير الإستخبارات والأمن الوطني الإيراني في حكومة رئيسي سيكون جنرالاً سابقاً في الحرس الثوري، ما يعني أن الحرس الثوري وعبر تحكمه بالمؤسسات الإستخبارية الرسمية والموازية، سيكون هو الجهة النافذة في العراق خلال فترة رئيسي.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن