خامنئي يواصل المتاجرة بآلام الشعب الإيراني
وصف المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي الخسائر التي تتعرض لها إيران مع دخول البلاد الموجة الخامسة لفيروس كورونا بـ”المؤلمة”، داعياً الحكومة الإيرانية إلى تبني حلول عاجلة لمواجهة هذه التداعيات الخطيرة التي تمر بها المنظومة الصحية في إيران، في ظل الأعداد القياسية من الإصابات والوفيات، فحتى اللحظة لم يتلقى سوى 3 ملايين مواطن إيران اللقاح، في بلد يبلغ تعداد سكانه ما يقرب من 80 مليون نسمة، داعياً إلى تسريع وتيرة عملية إستيراد اللقاحات من الخارج، إلى جانب بذل جهود لزيادة فاعلية لقاح بركت الإيراني في مواجهة هذه التداعيات الخطيرة، حيث بلغت نسبة الوفيات في إيران منذ بدأ الأزمة أكثر من 96 ألف شخص، إلى جانب 4.4 مليون إصابة، وسط تحذيرات من إمكانية انهيار المنظومة الصحية في ظل هذا التصاعد الخطير.
حاول خامنئي ومنذ بدأ الأزمة التعامل معها كأزمة أمنية – سياسية، وإحدى ملفات المواجهة مع الخارج، وهذا ما جعله يرفض فكرة استيراد اللقاحات من الخارج، وأوعز للحرس الثوري بإنتاج لقاح إيراني يعالج أزمة الفيروس المتفشية، ورغم عدم حصول اللقاح الإيراني على موافقة أغلب المنظمات الصحية العالمية، إلا أن النظام مضى قدماً في تلقيح المواطنين دون مراعاةً للظروف الصحية في البلاد، وهو ما جعل إيران أكثر دول الشرق الأوسط تأثراً بالجائحة، خصوصاً وأن اللقاح الإيراني غير قادر على مواجهة النسخة المتحورة من فيروس كورونا، ولعل هذا ما دفع خامنئي إلى أن يخصص كلمة للتلفزيون الإيراني في 11 أغسطس 2021، معتبراً أن “كورونا هي اليوم قضية البلاد الأولى والمستعجلة”، وكان خامنئي الذي تلقى جرعتين من لقاح بركت الإيراني، قد حظر في يناير الماضي استيراد اللقاحات المصنعة في الولايات المتحدة وبريطانيا، معتبراً أن “لا ثقة بها”، إلا أن الكلمة الأخيرة له تؤشر إلى إنه لم يعد يثق بفاعلية اللقاح المنتج محلياً، فرغم نشر صحيفة “جوان” المقربة من الحرس الثوري صوراً للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وهو يتلقى لقاح بركت الإيراني في عددها الأخير، تجنبت الصحف الإيرانية الأخرى نشر هذه الصورة، بسبب التصاعد المخيف في أعداد المصابين.
لقد تضررت إيران بشدة من فيروس كورونا، إذ أنتج هذا الفيروس واقعاً صحياً صعباً في البلاد، ففي الوقت الذي يئن فيه المواطن الإيراني من عجز النظام في مواجهة الوباء، يُشاهد من جهة أخرى نجاح الدول الأخرى في تجوز هذا العجز، وقد تزداد الأمور سوءاً في المستقبل القريب، وهو ما تؤكده أعداد الإصابات المتصاعدة منذ بداية الشهر الماضي، وعلى الرغم من أنه في ظل الظروف الحالية، لن تصل العدوى إلى ذروتها حتى بداية سبتمبر، إلا أن إصرار النظام على أمننة الأزمة الصحية، وجعلها جزءاً من مؤامرة خارجية تحاك ضده، هو ما قد يعقد المشهد الأزموي في إيران، الأمر الذي قد يتطلب مزيداً من التباعد الاجتماعي، ورصد المزيد من التمويل المالي من أجل التجهيز الطبي، وهو ما أشار إليه اجتماع عُقد الثلاثاء برئاسة رئيسي، حيث أشارت الهيئة الوطنية لمكافحة فيروس كورونا، إلى أنها تدرس فرض قيود جديدة اعتباراً من السبت المقبل.
وقد يبدو هذا الأمر كافياً لتوضيح حقيقة المشهد الصحي في إيران، خصوصاً وأنه يأتي مترافقاً مع عقوبات أمريكية مستمرة، فليس هناك من شك في أن العقوبات الأمريكية أعاقت قدرة إيران على مواجهة مضاعفات إنتشار الفيروس، إذ أنتجت هذه العقوبات دولة إيرانية معوقة تتدافع للحصول على الإمدادات الخارجية، وجعلت المسؤولين الإيرانيين عاجزين عن اتخاذ تدابير مجتمعية فعالة، من شأنها أن تحسن الوضع الاقتصادي والصحي في البلاد، وهو ما حذر منه تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، من أن العقوبات الأمريكية على إيران قد قيدت بشدة قدرة البلاد على تمويل الواردات الإنسانية، بما في ذلك الأدوية، مما تسبب بشلل كبيرة في قدرة الدولة على مواجهة تحدي انتشار فيروس كرورنا في أغلب مدن البلاد اليوم.
واقع يقترب من الانهيار الكامل
رغم رفض خامنئي الاعتماد على أية لقاحات مستورة، إلا إن الواقع الصحي في إيران اليوم، يبدو أكبر من مكابرة خامنئي نفسه في الإصرار على موقفه السياسي، فهو لا يريد أن يظهر بمظهر الانهزام السياسي أمام المجتمع الإيراني، فحديثه الأخير عن ضرورة توفير اللقاحات بأي طريقة ممكنة، سواء عبر الاستيراد أو الإنتاج المحلي، يشير إلى أن هناك تغيير كبير طرأ على طريقة تعاطي النظام مع الأزمة، وخشيته من أن تتحول إلى أزمة أمنية في البلاد، خصوصاً وإنها تأتي مترافقة مع احتجاجات واسعة تشهدها البلاد مؤخراً، كما عبر عن ذلك وزير الصحة الإيراني سعيد نمكي من أنه هناك سعي لعدم تحول أزمة كورونا إلى مشكلة أمنية في البلاد، فرغم انطلاق حملة التلقيح الوطنية منذ فبراير الماضي، عبر استخدام اللقاح المنتج محلياً، موافقة وزارة الصحة الإيرانية على استيراد لقاحات أجنبية منها ” «سبوتنيك في” و”سينوفارم” و”أسترازينيكا – أكسفورد”، إلا ان تعنت خامنئي في تأخير الاستجابة للقاحات الخارجية أدخلت البلاد في دائرة المجهول.
لابد من القول هنا بأن ثقة الشعب الإيراني تضاءلت بنظام ولاية الفقيه بمرور الوقت، وتراجعت كثيراً بعد سلسلة من المراوغات السياسية التي مارسها النظام، من أجل ترسيخ سلطته ونفوذه على حساب آلام الشعب الإيراني، والتي كان أخرها تعيين علي رضا زاكاني عمدةً لطهران، ما أثار حفيظة السواد الأعظم من سكان العاصمة، فسلسلة فقدان الثقة بهذا النظام كانت قد بدأت منذ أن نفت الحكومة الإيرانية بشدة أي مسؤولية لها في إسقاط الطائرة الأوكرانية؛ قبل الاعتراف بإسقاط الطائرة عن طريق الصدفة، بعد ذلك بشهر نفت الحكومة الإيرانية أولاً وجود فيروس كورونا في مدينة قم، ثم اضطرت إلى تأكيد وجود الوباء عندما مات شخصان بسبب الفيروس، وهذا الحادث قلل من الثقة.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن لدى إيران تاريخ طويل في محاولة تحويل إخفاقاتها إلى مؤامرات، ويمكن القول بأن الصعوبات التي تواجهها إيران اليوم جاءت بمستوى يفوق قدرة النظام على استيعابها، وهو تحدي جديد بدأ يعيشه هذا النظام، بعد تحديات عديدة واجهها منذ مطلع العام الماضي، وعلى هذا الأساس فإن التأكيد على مسألة أن النظام قادراً على تجاوز تداعيات هذه الأزمة في المستقبل القريب، يبدو ضرباً سياسياً بعيداً عن الواقع، فإلى جانب كل ما تقدم؛ يعيش النظام اليوم مخاضاً عسيراً في تجاوز هذه الأزمات، والأكثر من ذلك هو أن مداخيل شرعية هذا النظام بدأت تتعرض للكثير من الأسئلة والاستفسارات، فإلى جانب الاحتجاجات الشعبية المستمرة، تطرح مسألة مستقبل هذا النظام في مرحلة ما بعد خامنئي، السؤال الأكثر صعوبة في البحث عن إجابة مقنعة، حيث أن إصرار النظام على ربط موضوع انتشار فيروس كورونا في البلاد، بإستراتيجيات الإذعان التي تقوم بها الولايات المتحدة، سيُدخل البلاد في دوامة خطيرة جداً خلال الفترة المقبلة، سواءً على الصعيد السياسي والاقتصادي، وهو ما قد لا يستطيع الشعب الإيراني مواجهته خلال الفترة المقبلة، وقد يطمح لتغييره ولو بالقوة.