عام على حكم طالبان الجديد في أفغانستان، وواقع الأفغانيين من سيء إلى أسوء وسط فشل المجتمع الدولي لاسيّما الأمم المتحدة، في محاسبة أو مساءلة طالبان عن انتهاكاتها أو حتّى في توثيق كلّ ما ترتكبه الجماعة بحقّ الرجال والنساء والأطفال، علماً أنّ أجهزة المجتمع الدولي بقوانينه ولجان الأمم المتحدة، قادرة على وقف تلك الإنتهاكات والتخفيف من مأساة الافغانيين.
- طالبان تسعى بشكل علني وممنهج لمحو تواجد النساء في كل مجالات الحياة في أفغانستان
- وضع المرأة الافغانية توصف بحالة “الموت البطيء” بحسب منظمة العفو الدولية
- تقارير أممية توثّق ممارساتها طالبان من أعمال اختطاف وتعذيب وقتل نشطاء حقوقيين
- على الأمم المتحدة استخدامها آلياتها لرصد انتهاكات طالبان ووقف اعتداءاتها اليومية
مع اغتيال زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي أيمن الظواهري في غارة أمريكية على منزله المتواجد في شارع ديبلوماسي في قلب العاصمة الأفغانية كابول، يكتمل المشهد المأسوي لحكم طالبان في عامه الأوّل الذي بدأ منتصف أغسطس العام 2021، والحافل بالانتهاكات اللامتناهية لحقوق الأفغانيين.
تواجد الظواهري يؤكّد إيواء طالبان العديد من المنظمات الإرهابية
تواجد الظواهري تحت عيون طالبان حيث أنَّ البيت الذي قطن فيه مملوكاً من قبل وزير داخلية حكومة طالبان ونائب أمير الجماعة المنعزل سراج الدين حقَّاني، المُدرج على قائمة الإرهاب الأمريكية، يؤكّد أنّ عناصر طالبان تواصل إيواء العديد من المنظمات الإرهابية، وتسمح لهم باستخدام الأراضي الأفغانية الواقعة تحت سيطرتها لتخطيط وتنفيذ هجمات إرهابية في البلاد وخارجها.
وبتلك العملية الأخيرة، أثبتت طالبان أن لا مانع لديها ولا شيء يردعها عن الإخلال بكلّ وعودها الرئيسية، التي كانت أكّدت الإلتزام بها بموجب اتفاق الدوحة، من احترام حقوق المرأة والحكم الشامل إلى العفو العام عن أولئك الذين عملوا مع الحكومة المخلوعة، إلى ضمان عدم تحوّل أفغانستان من جديد إلى الملاذ الآمن للإرهابيين.
وفي وقت تحتفل فيه الولايات المتحدة الأمريكية وشركاؤها في المجتمع الدولي بالقضاء على الظواهري، ثمّة ثابتة واحدة تتمثل بأنّ أيّ شخص يدافع عن طالبان، عليه أن يشعر بالخجل من نسفها لاتفاقية الدوحة، التي كان من المفترض أت تجلب السلام لأفغانستان لا الحرمان.
ما تمّ إحرازه على مدى عقدين.. ضاع
الأحداث الدرامية التي وقعت منذ سقوط حكومة أفغانستان بيد طالبان في 15 أغسطس 2021، ليست أقل من مأساة إنسانية. للأسف، فإنّ التقدم الذي تمّ إحرازه بشقّ الأنفس على مدى العقدين الماضيين مع شركائهم الدوليين قد ضاع، من ضمان حصول المواطنين على التعليم والصحة، إلى الحقوق والحريات من حرية الصحافة وتأسيس مجتمع حر وديمقراطي… إذ سعت حركة طالبان، بشكل علني ممنهج، إلى محو تواجد النساء والفتيات في كلّ مجالات الحياة العامة.
الحظر المفروض على المدارس الثانوية للفتيات يجعل أفغانستان الدولة الوحيدة في العالم التي لا يُسمح فيها للفتيات قانوناً، بالحصول على التعليم الثانوي. وقد وصفت منظمة العفو الدولية مؤخّراً ظروف النساء والفتيات في أفغانستان بأنّها “موت بطيء” لهنَّ.
وفي السياق، يتحدّث ريتشارد بينيت (Richard Bennett)، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في أفغانستان، عن الانتهاكات التي تتعرض لها النساء والفتيات الأفغانيات مثل الزواج القسري والمبكر وتزويج الأطفال، بالإضافة إلى القيود على الملابس وحرية التنقل، وإقصائهنّ من التعليم والحياة بشكل عام، ووضع حواجز تحول دون توظيفهنَّ عبر مراسيم حكومية.
وعلى ذلك الخط، تواصل طالبان انتهاك حقوق المرأة عبر سلسلة من القرارات كان آخرها في 5 مايو 2022، حيث تمّ إجبار النساء على تغطية وجوههنَّ بالحجاب أو البرقع، والبقاء في المنزل إلّا في حالات الطوارئ.
وقد قامت طالبان بتشديد القبضة على المجتمع المدني الأفغاني، إذ قمعت أصواتاً بارزةً من خلال خلق بيئة من الخوف والترهيب. ومع مرور كلّ يوم، تظهر تقارير مقلقة عن تهديدات وترهيب، اعتداءات، اعتقالات تعسفية، اعترافات قسرية، اختطاف، تعذيب، اختفاء قسري، تفتيش منازل، وقتل ناشطين يدافعون عن حقوقهم في مواجهة القمع والتطرف.
تقارير دولية توضح النمط المقلق لانتهاكات طالبان لحقوق الإنسان
وفي السياق، يوضح أحدث تقرير صادر عن بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان، مع العلم أنَّه ليس دقيقاً بالشكل التام، النمط المقلق لانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها طالبان، على الرغم من انخفاض الخسائر في صفوف المدنيين منذ انتهاء القتال والهجمات الإنتحارية على نطاق واسع مع استيلاء طالبان العسكري على السلطة.
ويتناول أيضاً استمرار “المستويات غير المقبولة من الضرر نتيجةً للهجمات العشوائية التي تستهدف المدنيين”، والتي نفّذها في الغالب تنظيم داعش في خراسان (ISIL-KP).
وفي التقرير قامت بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان، برصد وتوثيق “حالات القتل المستمرة خارج نطاق القضاء والإعتقالات التعسفية والاحتجاز والتعذيب وسوء المعاملة” من قبل سلطات طالبان. كما أشارت المنظمة إلى إجراءات “لخنق النقاش وكبح المعارضة والحدّ من الحقوق والحريات الأساسية للنساء والفتيات على وجه الخصوص، اللواتي يخضعن لقيود صارمة”، بحسب ما أفادت بعثة الأمم المتحدة.
هل تؤدّي اجراءات المجتمع الدولي لتغييرات فعلية؟
ومن المحتمل أن يكون حجم الانتهاكات أكبر ممّا تمّ الإبلاغ عنه، وذلك يعود إلى عدم قدرة المراقبين على الوصول إلى مواقع معيّنة يحدث فيها الكثير من الإنتهاكات، مثل مقاطعات بنشير وباروان وكابيسا وبغلان وتخار وساريبول وسامانجان وننكرهار، وفي الإطار تغيب المساءلة عن الإنتهاكات. كما أنّه في ظلّ حكم طالبان، أصبح من الصعب للغاية، تقديم شكوى أو توثيق الانتهاكات في مناخ يتّسم بالخوف والإفلات من العقاب والممارسة الجامحة للسلطة. وقد كان صحافي أسترالي أبرز ضحايا حملة الترهيب التي تشنّها طالبان، إذ تعرّض للتهديد والاعتقال وأجبر على الاعتراف بالتآمر ضدّ “إمارة” طالبان.
تشتهر طالبان بتنفيذ سياسات تمييزية تجاه المجموعات العرقية الأخرى، لاسيّما في المقاطعات الوسطى والشمالية. كما أنّ المقاومة المزعومة للمساعدات الإنسانية والتدخل فيها ومحاولات ممارسة تأثير لا داعي له على المنظمات التي تقدم مثل تلك المساعدات، أمر مقلق للغاية، ويقابلها ضعف في استجابة المجتمع الدولي.
في أبريل الماضي تناول أحدنا قضية جدلية بارزة قوامها أنّه وبينما يعبّر المجتمع الدولي عن غضبه من الوضع في أفغانستان، فشل في منع الانتهاكات المتصاعدة أو على الأقل في اتخاذ الخطوات اللازمة للتحقيق أو جمع الأدلّة اللازمة، للقيام بالمساءلة اللازمة فيما بعد… ذلك الواقع يُقوّض مصداقية أيّ جهود أمريكية ودولية في مجال حقوق الإنسان.
في الآونة الأخيرة ظهرت دلائل على وجود استعداد دولي متجدّد لاتخاذ إجراءات ضدّ انتهاكات طالبان لحقوق الإنسان الأساسية. كان ذلك هو الحال بشكل خاص مع قرار مجلس الأمن في يونيو إلغاء استثناء إثنين من كبار أعضاء طالبان من الإعفاء من قرار حظر السفر، بالاضافة إلى المناقشة العاجلة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وقراره بشأن حقوق الإنسان للنساء والفتيات في أفغانستان. لكن الإجراءات التي اتخذها المجتمع الدولي حتى الآن لا يمكن أن تؤدّي إلى تغييرات فعالة على الأرض حيث الواقع الحقوقي تدهور بشكل كبير للرجال والنساء والأطفال في أفغانستان… إذاً، ما الذي يجب فعله أيضاً؟
المجتمع الدولي متردّد للغاية في إدانة جرائم طالبان
مازال المجتمع الدولي متردّداً للغاية في إدانة جرائم طالبان بشكل واضح وقاطع، واتخاذ الإجراءات اللازمة. يجب على المجتمع الدولي تحميل طالبان المسؤولية عن انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان والقانون الإنساني من خلال استخدام التدابير المذكورة أدناه وممارسة مزيد من الضغط على الحركة للامتثال. كما ينبغي أن تعرف طالبان أنّ احترام حقوق الإنسان لجميع الأفغان أمر لا غنى عنه من أجل ظهور حكم مستقر وشرعي، وذلك المعيار لأي مشاركة دولية مستقبلية، بما في ذلك الحصول على المساعدات المالية والإقتصادية والإنمائية المطلوبة.
أوّلاً، يجب على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إنشاء لجنة تحقيق دولية للتحقيق في انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، في سياق استيلاء طالبان غير القانوني على الحكم في أفغانستان. المجلس سبق وأنشأ عدداً من تلك اللجان حول عدد من الدول، بما في ذلك أوكرانيا في مارس من ذلك العام، وسوريا في مارس من العام 2011، على سبيل المثال. ومع ذلك، كما لاحظنا في أبريل فشل مجلس حقوق الإنسان في اتخاذ مثل تلك الخطوة بالنسبة لأفغانستان، إمّا خلال دورته الخاصة بشأن أفغانستان في 24 أغسطس 2021، أو في أعقاب استيلاء طالبان مباشرة في أغسطس العام 2021، أو في دورته العادية الـ48 في سبتمبر وأكتوبر العام 2021.
وثمّة آلية أخرى للأمم المتحدة يمكن استخدامها على سبيل المثال، أوّلاً: إنشاء بعثة مستقلّة لتقصّي الحقائق. وفي الإطار قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (Antonio Guetters) في وقت سابق من شهر أغسطس، إنّه سيشكل بعثةً لتقصّي الحقائق للنظر في الهجوم على سجن في دونيتسك في أوكرانيا والذي ورد أنّه قتل العشرات من أسرى الحرب الأوكرانيين. والأمم المتحدة لديها مثل تلك المهمة لإثيوبيا. لذلك يمكن تكليف بعثة لتقصّي الحقائق بالتحقيق في العديد من حالات جرائم الحرب المرتكبة في كلّ أنحاء أفغانستان بعد مرور عام على استيلاء طالبان على السلطة، فقد أصبح من المهم بشكل متزايد إنشاء آلية قوية لجمع وتوحيد وتحليل أدلّة الانتهاكات، وتوثيق المعلومات والتحقق منها، وتحديد المسؤولين، وتعزيز المساءلة وتقديم توصيات قادرة على منع المزيد من الانتهاكات.
لإنهاء الإعفاءات من حظر السفر لبعض شخصيات طالبان
ثانياً، وإنطلاقاً من كلام غوتيريش قبل عام خلال الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 16 أغسطس 2021، بشأن أفغانستان مع تولي طالبان زمام الأمور، يجب على المجتمع الدولي أن يتحد لضمان عدم استخدام أفغانستان مرّة أخرى كمنصة أو ملاذ للمنظمات الإرهابية. إنّ تواجود الظواهري في أفغانستان حتى وفاته في 30 يوليو يوضح أهمية إنقاذ أفغانستان من أن تصبح مرّة أخرى ملاذاً آمناً للإرهابيين. لذلك يجب على الأمم المتحدة إشراك لجان مكافحة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة ذات الصلة، ولاسيّما لجنة 1267 التي تشرف على العقوبات المتعلّقة بتنظيمي داعش والقاعدة، وفريق أخر يزور أفغانستان لمراقبة الوضع من الداخل.
ثالثاً، يجب على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يعمل بشكل عاجل لإنهاء الإعفاءات من حظر السفر لمزيد من كبار مسؤولي طالبان، كما فعل بالإجماع لمسؤولي التعليم في يونيو الماضي، وكما حثّ ستة سفراء سابقين للولايات المتحدة مؤخراً في المجلس الأطلسي. تلك الإعفاءات، التي مُنحت في الأصل العام 2019 حتى يتمكّن قادة طالبان من السفر لإجراء محادثات سلام، تسمح الآن لتلك الشخصيات بالاستفادة من مزايا الرحلات الجوية على درجة رجال الأعمال إلى العواصم والمؤتمرات الأجنبية، بهدف السعي للحصول على الشرعية والإعتراف.
ويبدو أنّ قادة طالبان يأملون أن يكون المجتمع الدولي قد نسي شعب أفغانستان، وأنّه مستعد للتنازل عن مبادئه من أجل المصلحة السياسية. لكن شعب أفغانستان، لاسيّما ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان وعائلاتهم وأفراد المجتمع المدني المنهك في البلاد في الداخل والخارج، يتوقعون الكثير من المجتمع الدولي، بما في ذلك مكتب مفوضية حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة،والمقررون الخاصون، بينما يستعد مجلس حقوق الإنسان لدورته الحادية والخمسين في سبتمبر المقبل.
في أقل من عام، شهد شعب أفغانستان وكبار أصحاب المصلحة الإقليميين والدوليين انتقال أفغانستان من حالة سيئة إلى أسوء في كلّ المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإرهابية. لا تكفي الإجراءات التكتيكية قصيرة النظر للحيلولة دون تفاقم الوضع.
بالنظر إلى عدم رغبة طالبان وعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المعلنة، يتوقّع شعب أفغانستان أن يتبنّى المجتمع الدولي نهجاً جديداً على قدر المرحلة. ففي بيئة فوضوية ومثيرة للإنقسام على الصعيد العالمي، مازال من الممكن أن يجعل التصميم والإبداع تحت قيادة الأمم المتحدة من أفغانستان مركزاً للتعاون الدولي والإقليمي لصالح الشعب الأفغاني والعالم.