عند الشلال بمنطقة سدِ دهوك بـ العراق، انتظرناه في وقتٍ محدد على أن يأتيَ هو إلينا. فمقداد، العراقي الكردي يتخذ دائماً احتياطاتِه الأمنيةَ، ويحرص على إخفاء عنوان منزله والبلدة التي يسكن فيها، لئلا تصل إليه يدُ تنظيم داعش عبر فلوله أو بقاياه المتخفية، هو أساساً من بلدةٍ تابعة لقضاء تلعفر في محافظة نينوى التي عاث فيها داعش فساداً، وبالرغم من دحر داعش من هذه المنطقة، فإن اسم مقداد موجود في لائحة المطلوبين من قبل التنظيم.
الإنسانية أقوى من القتلة
لم يرضَ مقداد المسلم على دينه ونفسه ما فعله داعش من تشويهٍ للدين وجرائمَ بحق الإنسانية ومواطنيه على اختلاف أديانهم وإثنياتهم، فأخذ على نفسه عهدَ القيام ما بوسعه لإنقاذ الفتيات والنساء الإيزيديات اللواتي سباهن داعش، وكذلك عائلاتٍ مسيحية وإيزيدية ومسلمة كان التنظيم قد أسرها لتعمل لديه في أشغالٍ شاقة.
عبر شبكة علاقاته المنتشرة في مناطق سنجار وتلعفر وغرب نينوى، أوجد مقداد، أو كما يلقب بأبي أحمد، طرقاً متعددة للإنقاذ وتأمين الهروب من الدواعش، معرضاً حياته للخطر، حتى أنه كاد أن يقتل أكثر من مرة، لكنه مؤمنٌ بأن الإنسانية أقوى من كل القتلةِ وأفكارهم المتطرفة.
بالرغم من تهديداتٍ كثيرة تلقاها بعد أن كُشف اسمُه الكامل ورقمُ هاتفه بعد اعتقال داعش لبعض معاونيه وتعذيبهم ثم قتلهم، فإن مقداد الذي أنقذ حتى يوم لقائنا به 470 شخصاً، لا ينوي وقف نشاطه في إنقاذ من يستطيع من براثن داعش، أكبرُ عملية في عدد الأفراد قام بها، هو إنقاذ عائلةٍ مكونة من 45 شخصاً، هم إخوة إيزيديون وزوجاتُهم وأطفالُهم، كانت العائلة من خوفها تتردد في تنفيذ عملية الهروب ليلاً حتى أعطاهم مقداد مهلة أخيرة لأنه لا يستطيع تعريض معاونيه باستمرار لخطر الوقوع بيد مسلحي داعش، السيارات التي أقلت العائلة أوصلتهم إلى نقطة في منتصف الطريق، ثم أبلغوا مقداد أنهم لا يستطيعون تخطي تلك المنطقة خوفاً على حياتهم، قرر مقداد ورفيقُه دخول منطقة سيطرة داعش مشياً على الأقدام ليلاقي العائلة التي بدورها مشت باتجاهه، كلٌ منهم قطع أكثر من 4 كيلومترات في عتمة الليل، وسط الحشائش الشائكة.
داعش يقترف مجازر بحق الجميع
نتوجه لمصيف زاويتة حيث سيستضيف مقداد بعضَ أفراد عائلة العم أحمد التي أنقذها، جاء أحمد مع زوجته نورية وأربعةٍ من بناته، فقد زوج الكبيرات منهن بعد أن تم إنقاذُُ العائلة واستقرارها في سنجار من جديد، يحتفظ مقداد بعلاقات ود وصداقة مع كل الذين أنقذهم، فقد وضع حياته في كفه منذ عام 2014 ونفذ عمليات إنقاذ شملت إنقاذ فتيات ونساء إيزيديات من بيت قيادي داعشي ملقب بأبي ابراهيم، كان والياً على الجزيرة، وكذلك من بيت آخرَ كان يثير الرعب عند الموصليين الذين يعرفونه بسيروان الوحش، وجد لزاماً عليه، كما أخبرنا مقداد، أن يبيّن للعالم أن الإسلام بريءٌ من داعش الذي اقترف مجازرَ بحق الجميع، مسلمين سنة وشيعة ومسيحيين وأيزيديين.
في مصيف زاويتة حيث التقينا عائلةَ أحمد، أخبرنا قصةَ هروبه وإخوته وكيف اختلطت الأمور عليهم من الخوف، فأخذ هو أولاد أخيه في سيارته فيما أخذ أخوه أولاده هو، ثم تفرقوا لكن بقي الاتصالُ بينهما، وخلال أيام هروبه، لحق سيارتين ترفعان علماً أبيضَ ففعل مثلهما، وقصد قرية فيها أحد أصدقائه، لكنه في نهاية المطاف وجد نفسه في أراضٍ يسيطر عليها التنظيم، اتفق مع إخوتِه على التجمع سوياً، وقام داعش بعد ذلك بنقلهم إلى قرية كوجو ثم جزيرة البعاج للعمل في مزرعة هناك.