يشكل ما يعرف بـ"الشبيحة" عصب بقاء النظام في سوريا، والحفاظ على مناطق سيطرته مقابل إطلاق يدهم وعدم محاسبتهم جراء الانتهاكات التي يمارسوها بحق المدنيين العزل.
بعد أشهر من اندلاع الثورة، اعتمد نظام بشار الأسد على قطعان الشبيحة الذين تلقوا تدريباتهم في إيران بإشراف قوات "الباسيج" المدعومة من الحرس الثوري، في سبيل بسط نفوذهم في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام واعتقال المعارضين والمطلوبين لأجهزة النظام الأمنية، والتنكيل بالمدنيين.
شوارع وأحياء دمشق وحواجز عسكرية، تعج بالشبيحة الذي ينحدر معظمهم من أحياء مثل "عش الورور، والتضامن، والمزة 86، والسومرية، وجديدة عرطوز، وعدد من المناطق المنتشرين فيها، ليمارسوا اعتقالات بالجملة، وضرب، وإهانات، وتحقير، وسرقة علنية، وممارسات عنيفة، بحق الأهالي دون حسيب أو رقيب.
شارع نسرين في حي التضامن الدمشقي والذي ذاع صيته بتصدير رجال يمتهنون الإجرام والهمجية، تحول اليوم بفضل تكاثر أعداد الشبيحة فيه ليكون مقاطعة أو فيدرالية لممارسة القتل والتشبيح على السوريين.
يقول أحد أبناء الحي لـ"أخبار الآن": "يشهد حي التضامن اكتظاظاً سكانياً هائلاً، وتجمعاً عسكرياً خانقاً، بعد أن تحولت بيوت كثيرة فيه لمستودعات ذخيرة، كل شبيح باستطاعته التصرف كما يحلو له، يفرض سيطرته على كل شخص موجود في الحي بحجة فرض الأمن والأمان، حتى وصل الأمر بهم لفرض سيطرتهم على شؤون الناس المدنية مثل تحديد ساعات التقنين، وساعات فتح مضخات المياه، وتوزيع اسطوانات الغاز، وطابور محطة الوقود… الخ".
مجندون لإراقة الدماء
بدوره، يشبه الحاج أبو أحمد وهو خمسيني من سكان الحي الأصليين ما يجري بالحي بالمضحك المبكي، ويقول: "بالأمس كانوا صغاراً لا يؤبه بهم، وبعد أن حملوا السلاح، ومنحوا صلاحيات لا حدود لها أصبحوا يتحكمون بسير حياتنا وكأنها ملك لهم، تم تجنيدهم بحجة حفظ الأمن فتحولوا إلى مجندين لإراقة الدماء والاعتقال، الدولة لم تعد تحاسب مثل هذه الانتهاكات وحال الشعب تسوء أكثر وأكثر".
ويردف، بالقول: "يمنعون سيارات نقل اسطوانات الغاز المنزلي من الدخول إلى الحي، وإذا دخلت سيارة يتسارعون لاستلامها بحجة أحقيتهم بذلك، ولا يتركون للمدنيين دوراً للحصول عليها، وكل هذا غيضٌ من فيض. فساعات تقنين الكهرباء تختلف بين حارة وأخرى لأن خطوط الكهرباء الممتدة إلى بيوتهم مسروقة".
ولا يختلف الأمر كثيراً في أحياء أخرى، يقول أحد المدنيين: "علويو حي المزة 86 أكبر شاهد على العنف المستشري في قلب العاصمة، يفرضون سيطرتهم على كل المناطق المحيطة بالمزة، ويحلون محل مركز الشرطة وأفرع الأمن بسيطرة أقوى ودموية أعلى، والمسؤول عن هذا القطاع هو بمثابة رئيس جمهورية فيه، يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة بشؤون الناس من تعداد سكان الحي لمراقبة الداخل إليه والخارج منه، خصوصاً وأن جمعية البستان التابعة لرامي مخلوف ابن خالة بشار الأسد تتخذ من الحي مقراً لها، وهي المصدّر الأول والأساسي لكل الشبيحة في دمشق".
من عشوائيات إلى دولة تشبيحية
"مدينة جرمانا هي الأخرى التي تحتضن مركزاً لتجمع "جيش الدفاع الوطني" التسمية الرسمية للشبيحة، وهو مقر للعمليات التشبيحية بنكهة عراقية إيرانية" وفقاً للناشط وسام العرب.
ويضيف: "ويستخدم المقر كمركز لعمليات الاعتقال والتعذيب والتحقيق، ونتيجة قربه من المليحة، وبيت سحم حيث تقاتل ميليشيات طائفية إلى جانب الشبيحة، تحولت الأبنية المطلة على بيت سحم من جهة جرمانا مصدراً للقنص والقصف والقتل بحق الجوار من قبل الشبيحة والعناصر الشيعة الأجانب".
ويشبه نشطاء دمشق حي عش الورور الجبلي المطل والمتاخم لمنطقة برزة، بـ"الدولة التشبيحية" القائمة بذاتها، حيث يدير شؤون الحي مجموعة من القتلة الطائفيين الذين يمارسون مهنة الخطف بحق أبناء مساكن برزة، ويجنون ملايين الليرات السورية يومياً من وراء عمليات الخطف.
يقول محمد الدمشقي: "إذا نظرنا للأمر جغرافياً سنرى أن الأسد دعم المناطق المؤيدة له بشكل جنوني، وعزز قوتها ودعمها حتى فرض أمراء الحرب فيها سيطرتهم على كل جزء من العاصمة، وأصبحت هذه الأحياء درع الأسد الواقي من الثوار، تحولّت الأحياء لفيدراليات مستقلة، حتى باتت دويلات صغيرة داخل دولته الهشة يستمد قوته منها، وإذا قرأنا هذا التغير اجتماعياً سنرى أن شكل دمشق الجامع للسوريين عبر التاريخ حوله الأسد إلى وحش ينهش بنسيج المجتمع السوري، ويقربه أكثر نحو الطائفية التي كرّسها النظام من خلال تجنيده للشباب في الأحياء العلوية، ودعمها، وأمدها بالسلاح".