لا يبدو اسم "فرح" الطفلة الصغيرة معبراً عن وجهها، أو كما يقال "سيماهم في وجوههم"، فهي دائمةُ الخوف والقلق، إثر القصف الذي تعرض له منزل عائلتها، فقدت جراءه بعض أفراد أسرتها، الأمر الذي جعل الطفلة في حالة من القلق الدائم، وعدم التوازن النفسي، أو حتى إمكانية تقبل فكرة الأمان في البيت.
"فرح" البالغة من العمر سبعة أعوام، من مدينة درعا، لعائلة نصفها شهداء قضوا بقصف طيران النظام على أحياء المدينة، وتعاني من اضطرابات نفسية خلقت لديها حالة من الخوف المستمر، واعتلال في جميع نواحي جسدها الصغير، وقلق دائم حتى كاد النوم يفارقها تماما، كل هذا أصابها إثر استهداف منزل العائلة، لتفقد والدها، وأخوين كانت قد رأتهما غارقان بدمائهما، مقطعا الأوصال.
ونتيجة للحرب التي تشنها قوات النظام من قصف، ودمار وما يرافقها من قتل ومجازر جعل الناس عموماً في حالة من عدم الاستقرار النفسي، والاطفال هم أكثر تضرراً منها، غير هذا فإن ترك منازلهم، ومدارسهم، وحالات النزوح، والعيش في خيمة تفتقر لأبسط معايير الحياة الإنسانية، أمور زادت الطين بلة في نفوسهم، كما ان بعضهم من فقد والديه أو أحدهما، او صديقه المقرب، أمور كلها جعلت أطفال درعا في معزل نفسي عن محيطهم الاجتماعي.
تقول والدة الطفلة لـ "أخبار الآن": "منذ الحادثة تعاني فرح من تبول لا إرادي، وفقدان للشهية، واضطراب بالنوم، يصل أحياناً لعدم قدرتها على النوم، مترافق بحالة من الرعب من سماع أي صوت انفجار حتى أبسط الأصوات في المنزل، وانعزال عن اللعب مع أقرانها من أطفال الجيران".
وتضيف الأم: "لم أترك طبيبًا في المنطقة إلا وراجعته، وكان كل تشخيصهم لها هو الاضطراب النفسي جراء الحادثة، ولا تعاني من أي مرض صحي يحتاج دواء معينا، وهي بحاجة للانخراط في برامج الدعم النفسي للأطفال".
بدوره يقول "محمد" لـ"أخبار الآن" وهو أحد المختصين بالدعم النفسي للأطفال في مدينة درعا، يقول: "ظروف الحرب خلقت لدى الأطفال حالة من اهتزاز الثقة بالنفس، وبالأخرين، كما خلق شعورا دائما لدى الطفل بالخطر الذي يهدد حياته، والخوف والقلق، وهنا تتكون لديه العديد من ردود الفعل الحادة على الصعيد النفسي، والاجتماعي".
ويضيف: "كل هذه الأمور مجتمعة تتسبب بأزمة نفسية للطفل، فيصبح ضحية الخوف الشديد، والكوابيس، والكآبة، وغالباً ما يتحول إلى عنف شديد، وتغير عام في المزاج، وفقدان للشهية، والشعور بعدم الاستقرار، واضطرابات النوم والقلق، والحزن، والخوف، وعدم المبادرة والتردد، وتشتت الذهن وضعف الذاكرة، وتظهر لديهم أيضا مشاعر القلق، والخوف، ومشكلة التبول اللاإرادي، ويشكوا بعضهم من الاعتلال الجسدي الشديد وهم بأمس الحاجة لمن يتعامل، معهم ويساعدهم لتجاوز هذه الازمات والعودة الى حياتهم الطبيعية".
منظمات كثيرة تعمل اليوم في درعا وريفها على برامج الدعم النفسي للأطفال، بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة "اليونيسيف" منها منظمة "بسمة" للدعم النفسي والارتقاء البشري، ومنظمة "غصن زيتون"، ومنظمة "عطاء" للدعم النفسي وغيرها من المنظمات التي تنتشر على امتداد المحافظة.
ويتطلب عمل المنظمات في مساعدة الأطفال على التعايش مع الواقع الجديد دور فعال من المنشطين، والمتطوعين، والمتخصصين، والأهم الدور الذي يؤديه ذوو الأطفال، وتوعيتهم بخطر الصدمات على شخصيات أبنائهم، ومدهم بآليات التعامل السليمة مع الأطفال في ظل الأزمات، وفق برامج تزودها بهم المنظمة.
"دجانة البردان" مدير مؤسسة بسمة للدعم النفسي، والارتقاء البشري، يقول: "المركز بدأ نشاطه منذ سنة وثلاثة أشهر بجهود أربعة اشخاص، واليوم وصل عدد الطاقم من المتطوعين، والمتطوعات إلى أكثر من 100 شخص، وتضم المنظمة في مراكزها الـ 10 المنتشرة في الريف 425 طفلاً، وطفلة، وتستقبل المنظمة الاطفال ما بين عمر الـ 6، والـ 12".
ويضيف البردان: "تعمل بسمة بالتعاون مع الأهالي على توفير أجواء الأمان للأطفال، وإعادة ترسيخ الشعور بالأمن، والحماية، من خلال تأمينهم بمكان أمن بعيداً قدر الإمكان عن مكان الخطر، وتهدئتهم، وطمأنتهم".
وبحسب البردان فإن المنظمة تعتمد في عملها على "تشجيع الطفل على مواصلة الأنشطة الاعتيادية اليومية، وخلق البدائل، إن لم يتمكن من ممارستها، ومساعدتهم في فهم انطباعاتهم، وردود أفعالهم اتجاه المواقف والخبرات الصادمة، والتحدث عن الأوضاع التي تخيفه، وتوجيه انتباهه الخائف إلى الأطفال الأخرين الذين يتعاملون مع أحداث الصدمة بدون خوف، من خلال سرد قصص عن الأطفال في أوضاع متشابهه وكيف تم التغلب على خوفهم".
كما أن من أهم أبرز ما تقدمه المنظمة في برامج معافاة الأطفال من الصدمات، إشراك الطفل في أنشطة بدنية، وألعاب، وأغاني، وتأليف قصص، وورشات الرسم، للتخفيف من حدة التوتر، والضغط النفسي لديهم، وتكليفهم بأعمال، ومهام صغيرة لتقوية إحساسه بالكفاءة، والثقة بالنفس، بالإضافة لتقديم الإرشاد النفسي للطفل، والأسرة حول مفهوم الصدمة، وأعراضها وكيفية التعامل معها، وأخراً تقديم العلاج النفسي للطفل المعرض للصدمة.
بسمة وغيرها من المنظمات الإنسانية تسعى اليوم على إعادة جزء من الفرح الذي فقدته "فرح" الصغيرة بحرمانها من والدها وأخويها، جراء حرب يشنها نظام لم تعرف له البشرية مثيلاً منذ الحروب العالمية مطلع القرن الفائت، ليستمر في تحويل حياة فرح، وغيرها من أطفال سوريا إلى حزن، وألم، ومعاناة نفسية قد لا تكون المنظمات قادرة على علاجها.