حمزة زين الدين
أخبار الآن | ليبيا – (نوال مسيخ )
المراسلة الحربية ناهد زرواطي … هكذا تحب أن تقدم نفسها … الحديث معها مثير فمن كلماتها تنبعث رائحة الموت والجثث وأصوات الرصاص والدبابات ، لكن أيضا الكثير من الشجاعة التي قد لا يسع رجلا التحلي بها ، تقول إن الصحافي الرجل في الحروب أقل شجاعة من زميلته الصحافية …سألناها عن الموت فقالت لا تخافه وإنما تخاف أن لا يعثرون على جثتها … تعتذر من عائلتها على كل الخوف الذي تسببه لهم …إلا أنها تحلم بأن تكون كبيرة مراسلي الحروب في العالم …أما الزواج فقصة أخرى …
رحب بها النظام السوري في فندق 5 نجوم قبل أن يطردها شر طردة ، أما في ليبيا فأرادت تغطية أخبار الثوار فوقعت بيد جيش القذافي …
صحافية غطت الحروب في العراق وسوريا وليبيا … هذه الاخيرة تكاد تعرفها " زنقة زنقة "، فهي تمضي فيها أشهرا قبل أن تغادرها لتعود من جديد …
"دخلت ليبيا لتغطية أخبار الثوار فوقعت بقبضة جيش القذافي" "كنت أول من حاورت خليفة حفتر"
ناهد زرواطي إسم تعرفه ساحات الحرب في ليبيا جيدا ، وأنت العائدة منها مؤخرا ، لتكن بداية حوارنا من ليبيا وتحديدا من أول مرة دخلتها؟
في 2011 دخلت ليبيا لتغطية أخبار الثوار فوقعت بين أيدي جيش القذافي … كان موقفا صعبا ، خضعت للإستنطاق لساعات طويلة. الحمد لله أنني انتبهت قبلها إلى تمزيق وثيقة "الأمر بمهمة " التي كانت بحوزتي … المهم إنتهت الامور بسلام والحمد لله .
منذ سنوات تقومين بتغطية الحروب لقناة "الشروق" الجزائرية في أكثر من منطقة لكن تركيزك السنوات الاخيرة على ليبيا دون غيرها …ما أهم الشخصيات التي حاورتها في ليبيا ؟
كثيرة .. أبرزها حوار مع خليفة حفتر وعقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي ، اسامة جويلي وزير الدفاع السابق رئيس المجلس العسكري للزنتان العقيد ادريس مادي رئيس غرفة عمليات المنطقة الغربية ، خليفة الغويل رئيس وزراء ليبيا بحكومة طرابلس وغيرها كثير جدا ….
كنت أول مراسلة تحاور خليفة حفتر …كيف وصلت لمحاورته في وقت لم تنجح وسائل إعلام عالمية في ذلك؟
كان الحوار فور دخوله ليبيا وتوليه عملية الكرامة كنت أول وسيلة إعلامية عالمية تحاوره داخل مكتبه في القاعدة العسكرية المرج . اعلن خلالها لاول مرة عن الدعم المصري والإماراتي لخدمة الشعب الليبي وتخليصه من الارهاب , من اوصلني الي حفتر هي شبكة علاقاتي التي سمحت لي ايضا ان اكون اول مراسلة تدخل جبهات القتال في بنغازي ودرنة .
طردت من سوريا لأني قلت "لا" لنظام الاسد
في سوريا الوضع مختلف … رغم أنك تمكنت من محاورة " بثينة شعبان" مستشارة الرئيس بشار الأسد إلا أنك طردت بعدها … ماذا حدث هناك؟
غطيت الحرب السورية مرتين وطردت لأني قلت لا للنظام السوري . هناك كان لي اصطدام مباشر مع أجهزة المخابرات المختلفة: السرية والجوية وغيرها ، والتي لا تتفق فيما بينها . دخلت سوريا رفقة صحافيين آخرين وتم استقبالنا في فندق خمس نجوم مدفوع التكاليف ، اعتقدوا أنني سأكتب ما يناسبهم ، لكن بمجرد خروجي للشارع اصطدمت بواقع آخر، ووقفت على مايعانيه السورين من قهر وذل و فقر . ولأني قلت لهم: "أنا لست صحافية خمس نجوم" ، فقد اقتادتني المخابرات للتحقيق معي لمدة 24 ساعة كاملة لأطرد في الأخير ، فقلت لهم وأنا أغادر: أتشرف بطردي ولا أتشرف بأن أكون صحافية خمس نجوم .
حققت كل هذا وأنت تحملين تاء التأنيث … ألم ترهقك ؟ ألا تخافين العمل في الحرب المشتعلة وأنت الضعيفة مثلما يعتقد المجتمع العربي ؟
لا أبدا ، على خلاف ما يعتقد المجتمع ، فإن ما لمسته خلال سنوات عملي في ساحات الحروب هو أن المرأة الصحافية أكثر شجاعة في العمل كمراسلة حربية من زميلها الرجل .
غطيت الحرب في أكثر من بلد ، وتعملين بساحات الحروب لسنوات …فما الذي غيرت فيك الحرب ؟
تغيرت الكثير من الامور في حياتي ، لا ألتقي بأصدقائي ، بل لم يعد لي الكثير من الاصدقاء المقربين ، حياتي كلها أصبحت خارج الديار ، أصبحت أكثر إيمانا بالموت من الحياة ، خاصة حين لامست الرصاصة شعري ونجوت بأعجوبة من الموت ، لكن الرصاصة قتلت قائد عسكري في ليبيا أمام عيني ، وكان آخر شخص نظر في عينيه أنا … أكيد الحرب غيرت الكثير من الامور داخلي ..
هل تتمنين ان تنتهي الحروب ؟ أم أن هذه الامنية تتعارض مع أمنياتك المهنية بأن تصبحي كبيرة مراسلي الحروب ؟
لا أتمنى أن تنتهي الحروب ليس لأنها تتعارض مع أمنياتي ، ولكن لأنها تكشف الكثير من الأسرار والحقائق.
متى تقولين لنفسك: هنا آخر خطوة وعلي التوقف أو التراجع ؟
لا أؤمن بوجود خطوط حمراء ، رغم أنهم في التدريب يقولون لنا يجب أن نبقى في الخطوط الخلفية للمعارك، لكن خلال عملي الميداني في الجبهات لاحظت أن التموقع في الخطوط الأولى يقلل من المخاطر ، أصلا مع أول لحظة من بدء الضربات لا أفكر في شيء إلا نقل الصورة …
حين تتوجهين لساحة حرب ما هي العدة التي تأخذينها معك ؟
لا استطيع حمل الكثير من الاغراض معي ، فقط كاميرا وبطارية صغيرة ، حتى الملابس آخذ ما يغطي الحاجة فقط ،في كل الحالات في الحروب انا مقيدة في لباسي جدا ، علي أن أكون حذرة في اختيار اللون وطول الأكمام وغيره ، فقد يتهمك البعض بأنك لم تحترمي الموت وجنائزهم وموتاهم .
حدثينا عن أيامك ولياليك في الحرب … أين تنامين ماذا تأكلين …؟
خلال تغطيتنا للحرب يسيطر علينا خوف وقلق كبيران ، كثيرا ما يتم تغييرمكان نومنا خاصة بالنسبة لي كفتاة ، إذ أجد من يقرع الباب ليلا ليقول لي " ناهد يجب أن نتحرك ونغير مكان نومك" ، فالنوم هستيريا حقيقية بالنسبة للمراسل الحربي ، أما الأكل فغالبا داخل ثكنات عسكرية وسط الطائرات والدبابات… تعودت ( مبتسمة) .
لما تكوني بساحة حرب متى تتواصلين مع عائلتك ؟
نادرا ما أتواصل مع عائلتي ، لذلك كثيرا ما تتهمني بأنني غير مكترثة بها ، وهو ما يجعلني في محاولة مستمرة لأشرح لهم أن انقطاعي عنهم غصبا عني .
قائد سلفي قال انه خسر المعركة بسببي
ما أصعب ما تواجهينه خلال عملك كمراسلة حربية .؟
أصعب ما واجهته هو عقلية المجتمع العربي الذي لا يتقبل المرأة في جبهة الحرب تصعد السيارات العسكرية وتدخل الثكنات … خاصة في ليبيا بالجنوب تحديدا حيث اضطر للمبيت وسط العساكر ليومين أو أكثر وأقطع برفقتهم مسالك برية صعبة لمسافات طويلة ، السلفيون تحديدا لا يقبلون عمل المرأة ، حدث مرة أن خسروا معركة فقال أحدهم إن السبب هو وجود تلك المراسلة معنا ..عملي صعب بالنسبة للمجتمعات العربية خاصة في المجتمع الليبي الذي نادرا ما ترى نساءه ، وبالتالي منظر إمرأة ترتدي سترة واقية من الرصاص على الخطوط الأمامية للمعارك ندا للند مع الرجل بكاميراتها … أمر ليس من السهل تقبله …الجميل أن هذه العقلية نفسها تجعل الرجل يفعل المستحيل لحماية هذه الفتاة وعرضها .
"لا أخشى الموت وإنما أخشى أن لا يعثروا على جثتي"
المراسل الحربي شجاع … لا نقاش في ذلك ، لكن أكيد هناك ما يخيفه …ما الذي يخيف ناهد ؟
الحمد لله لا أخاف الموت ، ومرات أستغرب هذا الشخص الغريب بداخل ناهد زرواطي ، رغم أني باستمرارأتخيل سيناريوهات عديدة لنهايتي : ذبحا ،غرقا ،تقطيعا أو وأدا … لست خائفة من قاتلي لأنني سألتقيه عند رب العالمين، كل خوفي أن لا تجد عائلتي جثتي أو قبرا تزوره لتبكيني … أخاف أن أغادر الجزائرفي طائرة ولا أعود في صندوق …
ما تأثير مظاهر الخراب والدمار ورائحة الموت على نفسيتك ونظرتك للمستقبل؟
مظاهر الدمار تعيش معي باستمرار، حين أغطي الحرب لأشهر طويلة ثم أعود إلى الجزائر يقولون لي أنني أرى العالم بسوداوية ، والحقيقة أن كل شيء أصبح تافها بنظري :الحياة ، المال ، القصور… ففي لحظة قد يذهب كل هذا .. أصبحت أستصغر من لا يشعر بالآخرين .
"راتبي قد يصدمكم "
هل ما تتلقينه من راتب ومكافآت يغطي حجم الخطر والضرر والتعب ؟
بصراحة لو يوما ما كتبت على صفحتي على الفايس بوك قيمة راتبي سيصدم الجميع ، على كل الراتب لا يعنيني كثيرا بقدر ما يعنيني طموحي . قد لا يصدقوني ، لكنهم سيتأكدون من ذلك يوما وسيتفاجؤون من الراتب الضئيل لهذه المراسلة التي خاطرت بحياتها ودخلت ساحات الحرب .
ماذا علمتك الحرب؟
علمتني الحرب أن اشعر بالجوعى والثكالى واليتامى ، علمتني معنى البرد القارس وأنا في قلب الصحراء لا خيمة ولا غطاء ولا وسادة ، علمتني معنى التشرد وملامسة الناس للموت ، علمتني أن أكون أكثر انسانية من الإنسان الذي يعيش داخل الحرب …
ما أكثر شيء تفتقدينه داخل ساحة الحرب ؟
داخل الجبهة افتقد للدفئ العائلي ، وأكثر شيء أتذكره حديث أمي التي دائما تنصحني أن لا أتوغل في ساحة الحرب ، فهي دائما تقول لي : "أنا من سيبكيك ". لكن بمجرد أن أرى اليتامى والمشردين والموجوعين أستعيد توازني.
أكيد بعد سنوات من تغطية الحروب وخاصة في ليبيا كونت علاقات قوية في ساحات الحرب ؟
ما محبة إلا بعد عداوة ، ومن غرابة الصدف أن من ألقوا علي القبض في 2011 وحققوا معي تحولوا إلى أصدقاء ، بعضهم اليوم يمثل مصادر معلوماتي داخل ليبيا ،ولولاهم ما كنت اليوم أنفرد بالكثير من السبق الصحفي في تغطيات الملف الليبي .
ما طموحاتك المهنية والخاصة ؟
طموحي ان يكون هناك مدرسة لمراسلي الحرب وأن أؤسس لجيل مراسلين حربيين ، لأن في الجزائر والمغرب الكبير عموما ثقافة المراسل الحربي شبه منعدمة.
أمي وحدها من يذكرني بأني أنثى
فكرك مشغول فقط بالسترة الواقية من الرصاص .. ماذا عن الزواج والفتسان الابيض ؟
لا توجد فتاة لا تحلم بالفستان الأبيض لكني أرى أنني قد أورث عائلتي الصغيرة الحزن ، لذلك أنا أتمهل حاليا ، فللتو شرعت في تحقيق حلمي ، رسالتي حاليا أنبل ، لذلك بثقة أقول لا يمكنني إستبدال السترة الواقية من الرصاص بالفستان الأبيض .
ما المطلوب في شريك المراسلة الحربية ؟ هل يجب ان يكون خارقا ليكون أكثر شجاعة منك ؟
مؤمنة أنه لا يحتاج الى مواصفات ، حالما ألتقيه سأعرفه وسيعرفني سيعرف كلانا أننا سنكون لبعض …لا ابحث عنه … سيأتي يوم ما إن قدر لي .
متى تهتمين بأنوثيتك؟
الحمد لله أن لي أما تهتم بأنوثتي أكثر مني ، هي من تحقق التوازن في حياتي ، فكلما عدت سالمة من الحرب أجدها قد اشترت لي فستان مناسبات أو افراح ، كما تدفعني دفعا لحضور المناسبات الاجتماعية والأعراس التي لم يعد هناك ما يربطني بها ,,و لكن أمي تذكرني دائما أنني أنثى .
ممن تطلبين الاعتذار ؟
من عائلتي التي أسبب لها ألما نفسيا فظيعا ، أغيب شهرين وأكثر ، الوالدة تبكي وتدعو لي بشكل يومي ، أعرف ذلك ولا أخبرها أنني أتأثر بإستمرار ، فعلا عبر هذا الحوارعلى صفحة " المغاربية_ الآن " أطلب منها الاعتذار ومن كل عائلتي لما أسببه لهم من ألم .
هل تفكرين بالاستمرار في هذا العمل الخطر أم أنك ترسمين أحلاما في أماكن أخرى غير ساحات الحرب ؟
لا أفكر ولم ولن أفكر في إعتزال هذه المهنة ، التي لطالما كانت حلمي ، بل طموحي أن ياتي يوم وأصبح كبيرة مراسلي الحروب في العالم ، العمل الصحفي في الحرب أنبل رسالة يقوم بها الصحافي ، بغض النظر عن المبالغ التي نتقاضاها وقد نموت ولا ننالها .