أخبار الآن | تحقيق – (مرشد النايف)
اتسعت الآثار السلبية المترتبة على تراجع سعر الليرة السورية، لتشمل الإنتاج والدخل والتوظيف وتدفقات التجارة، وتتعرض هذه العناصر، مجتمعة، للضغط اليومي، فيما يقف نظام الأسد، وحليفه الإيراني، عاجزين عن وقف هذا التدهور او صدّه او التخفيف من اثاره الخانقة لمن يعيش في مناطق سيطرة الاسد.
يعرّي مسلسل انهيار الليرة نظام الأسد حتى من ورقة التوت، اذ يكشف زيف ادعاءاته في قدرته على لجم سعر الصرف، ويكشف أيضا شحّ "السيولة الدولارية" عند حليفه الإيراني.
التدهور الحاصل في سعر الصرف يعني في التحليل الأول انه لم يعد في أقبية مصرف سوريا المركزي أي احتياطيات نقد أجنبي يمكن استخدامها لبناء جدران صد عن الليرة، ويعني أيضا أن نظام الأسد استهلك، بعد خمس سنوات من قتله السوريين، احتياطيات النقد الأجنبي المقدرة بنحو 19.5 مليار دولار في نهاية عام 2010.
نضوب الروافد
وتناقص احتياطي العملات الاجنبية إلى نحو 14 مليار دولار في نهاية2011 ، العام الأول للثورة ، لينخفض إلى 3 مليارات في عام 2012، وإلى 1.8 مليار دولار خلال عام 2013، لتلامس 700 مليون دولار في 2015. وفق بيانات البنك الدولي التي أعلنها في تقرير "مينا إيكونوميك مونيتور" ونشره في04/20 الماضي.
وفي حين يحمّل البعض حاكم مصرف سوريا المركزي السابق اديب ميالة انهيار الليرة لعدم فعالية الأدوات النقدية التي اتبعها للدفاع عن الليرة، يرى اخرون ان مصير الليرة محتّم بسبب عوامل خارجة عن إرادة الحاكم.
ويقول عبد الله حمادة أستاذ النقد في جامعة حلب، إن توقف عجلة الاقتصاد كان من أبرز الأسباب وأقواها في تراجع سعر الليرة، فقد انكمش الاقتصاد السوري بما نسبته 28% في العام الماضي، وخرج ما يزيد على 60% من رجال وسيدات الأعمال السوريين، وهرّبوا معهم ما يقدر بنحو 22 مليار دولار، وتوقفت تحويلات المغتربين السوريين التي تقدر بنحو800 مليون دولار سنويا، وتوقفت روافد النفط السنوية المقدرة بنحو5 مليارات دولار.
ويمكن القول ان تدهور سعر صرف الليرة كان أكبر من طاقة الأسد على وقفه، اذ لم يعد لديه قدرة ضخ شرائح دولارية يومية تلبي حاجة السوق السورية والمقدرة بين 10-15 مليون دولار يوميا (وفق متعاملين في سوق الصرف) وكذلك كان الانهيار أكبر من طاقة حليفه الايراني الذي يعاني من شح مزمن في النقد الأجنبي فرضته عقود من العقوبات.
ولذلك فضلت طهران المواظبة على امداد نظام الأسد بالنفط، الفائض عن قدرتها على تصديره، وبمحطات تحويل كهربائية، وبالمرتزقة وبالقليل من البضائع، عبر خطوط ائتمان بلغت قيمتها التراكمية نحو 3.5 مليار دولار.
وتنفق طهران على حليفها الأسد نحو 6 مليارات دولار سنويا، فقد نقلت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" في نيسان الماضي عن المبعوث الأممي الى سوريا "ستيفان دي ميستورا" قوله في جلسة خاصة بواشنطن ان طهران تنفق 6 مليارات دولار سنوياً في سوريا.
إيران والكعكة السورية
وايغالا في ابتلاع إيران لسوريا والحاقها بها كمحافظة رقم (35) كما قال رجل الدين الإيراني "مهدي طائب" قبل عامين، فان طهران وقعت اتفاقية للتجارة الحرة مع حليفها في دمشق، دخلت حيز التطبيق نيسان 2016، لكن معظم السوريين لم يعلموا بها الا الشهر الماضي وعن طريق الموقع الالكتروني لغرفة تجارة دمشق.
ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور "عماد الدين المصبح" في حديث الى "الان" إن اتفاقية التجارة الحرة السورية الإيرانية، هي التعبير المركّز عن الخطط الإيرانية المستقبلية في سوريا، وليس المقصود بها البدء الفعال الآن.
ويشير المصبح الى ان إيران تعمل ما في وسعها من أجل ربط الاقتصاد السوري باقتصادها والحصول على أكبر نصيب من الكعكة السورية استباقاً لمرحلة ما بعد الأسد.
وبموجب الاتفاقية تفرض البلدان التجارة الحرة مع إيران تفرض رسوماً جمركية عند حدود 4 % فقط، ليأتي القرار الأخير القاضي برفع الأسعار ويمثل انتكاسة للمصنعين والمصدرين الذين يمتلكون إنتاجا يفيض عن حاجة السوق المحلية.
ويتوقع المصبح قرب انهيار الاحتياطي السوري، لأسباب عدة أبرزها عدم قدرة المركزي على ان يكون مرجعية لسوق الصرف، ولتراجع كتلة الموازنة المنفذة، ان كان في جانبها الاستثماري او الجاري.
وفي الوقت الذي يرى خبراء في الاقتصاد أن اتفاقية التجارة الحرة بين سوريا وإيران، تمثل فرصة للبلدين لدعم كل منهما الآخر، ولاسيما أنهما يعانيان من عقوبات أميركية وأوربية أنهكت اقتصاديهما، يسأل المصبح عن السلع التي تستوردها إيران من سوريا؟ ويسأل أيضا عن السلع المصنعة التي ينتجها الاقتصاد السوري وتستوردها إيران؟ وما هو حجم هذه السلع المصدرة لهم"؟
ويساوي سعر صرف الليرة السورية اليوم نحو 485 ليرة للدولار الواحد، في حين كان يساوي 47 ليرة في 2010.
ويسبب تراجع سعر الليرة إلى ارتفاعات في السلع والمواد الأساسية بلغت نسبتها نحو 500% وفق دراسة لمركز "إدراك للدراسات والاستشارات" السوري، بعنوان "أسباب ونتائج التضخم الاقتصادي في سوريا. قبل وبعد".
فقر "سوريا الأسد"
وأدى عجز المستهلك في الوصول إلى الاحتياجات الأساسية لمزيد من الامتعاض والغضب في أوساط مؤيدي الأسد، ولأول مرة في تاريخ "سوريا الأسد" يكتب الاعلام المحلي عن الفقر في سوريا وعن فشل حكومي في توفير لقمة العيش للمواطن.
وتشير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة "إسكوا" في تقرير لها للعام 2016 بعنوان "سوريا: خمس سنوات في خضم الحرب" إلى أن "أكثر من 80% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر ".
وبسبب نضوب الموارد ومداخيل القطع الأجنبي كالسياحة وصادرات النفط والمنتجات الزراعية وتراجع تحويلات المغتربين السوريين، فان الاحتياطي النقدي السوري الذي يتجدد عادة، بل ويتعزز عن طريق تلك الروافد فقد شريانه الحيوي وعليه ستبقى الليرة في "مهاوي الردى" الى ان يزول سبب التردي.. بشار الأسد.