أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة (راغب شحادة)
هي نصف المجتمع وأكثر وهي أم ما تبقى منه وأخته وزوجته وهي المعلوم الأوضح في معادلة الوجود.. هي من تحمل رجل المستقبل في بطنها بضعة أشهر وفي حجرها بضع سنين وفي خاطرها وقلبها العمر كله.
عقود خلت قبل أن يتوج نضال المرأة في كثير من دول العالم بنيل حقوقها كاملة غير منقوصة، فيما تبقى سرايا المناضلات تسعى وتحارب في شتى ميادين الحياة طلبا لهذه الحقوق المكتسبة وذودا عن كل الرازحات تحت نير العبودية "المقنعة" أوالمفضوحة في بعض المجتمعات.
ولا تدور عجلة الزمن على حين غفلة من الحوادث العظام والتي تمتحن دور المرأة وتضعها أمام مستجدات القضايا، وفي السنوات السبع التي خلت، حين احتر الشارع العربي واشتعل طلبا لمقدراته، دقت يد الأنوثة المضرجة بالدم والطحين وبقايا الخوف وآثار القيود باب الحرية الحمراء.
ومن مزاج الواقع الأمثولة، والسيرة الملهمة نروي لكم قصة ملحمة كانت المرأة فارستها ترفع السلاح وتخفض الرأفة، تحل ألغاز الحيرة في وجوه الرجال، تسقي، تطعم، توقد نار الأنس وتطفئ ظلمة الوحشة وتبشر بجيل جديد، تنادي في مسامع الصم والواعين أن لا ركوع بعد اليوم، ولا حياة على شرط المستبد.. إنهن حرائر سوريا الثائرات، واللواتي تروي لنا "رئيس الحزب الجمهوري السوري" السيدة "مرح البقاعي" سطورا من تجاربهن في صياغة أحداث الثورة السورية وذلك لمناسبة يوم المرأة العالمي.
إقرأ: يوم المرأة العالمي.. التسلسل الزمني لنضال المرأة من أجل نيل حقوقها
المرأة والثورة
تقول السيدة "البقاعي" ردا على سؤال موقع أخبار الآن لها عن أبرز الأدوار التي اضطلعت بها المرأة السورية في خضم الثورة: إن المرأة السورية ساهمت منذ البداية في دفع عجلة التغيير السياسي الديمقراطي في سوريا الى الأمام حتى قبل الثورة، وجميعنا يعلم أن أول تنظيم حقيقي وواسع شاركت فيه المرأة بقوة، هو إعلان دمشق وأنا كنت إحدى الموقعات عليه، وكانت السيدة فداء الحوراني هي من يترأس هذا الإعلان ما أدى الى اعتقالها لمدة تزيد عن ثلاث سنوات، هذه المناضلة دفعت ثمنا باهظا نتيجة ترأسها لهذا التجمع والذي كان البذرة الأولى لكل ما جاء بعد 2004 من نشاط وطأ لقيام الثورة السورية سنة 2011.
السيدة "فداء الحوراني"
تتابع السيدة "البقاعي" هي ثورة سلمية عارمة لأجل الحريات والكرامة الإنسانية، بدأت بشكل سلمي وشاركت المرأة فيها بشكل كبير جدا، حيث كانت في مقدمة صفوف التظاهرات، كانت تحرض الرجال لإعلاء أصواتهم في البدايات، وكنا نراها في المنتديات الفكرية، وكثيرات هن اللواتي اعتقلن بسبب نشاطهن السياسي و مع قيام الثورة اشتدت وتيرة الإعتقال والقمع واشتد معها إصرار المرأة السورية للعب دورها الصحيح في كافة المجالات.
مطبات فكرية أمام عجلة تحرر المرأة العربية
واقع المرأة العربية ومستقبلها: في الحقيقة "والكلام هنا دائما للسيدة البقاعي" هناك تراجع كبير في حضور المرأة العربية في العصر الحديث، سواء كان حضورا سياسيا أو على المستوى المهني والوظيفي، وهذا ما لا يتفق مع ماضيها القريب، حيث كانت في الستينات وحتى السبعينات متقدمة جدا في الفعل السياسي والفكري والإجتماعي والمشاركة في كافة النشاطات المدنية، وقد تلا تلك العافية تراجع كبير في دورها على كافة الصعد والمجالات.
للأسف ساهم المد الديني المتطرف في قمع نشاط وفعالية المرأة وكان النزق الأصولي يتفاقم باضطراد منذ ما يزيد على عقدين من الزمن، ورأيناه بأبشع صوره بعيد احتلال العراق وبعد أن انتشرت القوى الظلامية في كل من أرض الرافدين وسوريا على حد سواء.
وبالطبع علينا أن لا نيأس أبدا من عودة المرأة العربية الى موقعها الحقيقي في الحراك المدني والسياسي وكلنا نساهم في هذا الأمر، كلنا شركاء في إعادة الأمور الى نصابها، والثورة السورية ونساء الثورة السورية هما خير مثال على ذلك.
معوقات النهضة النسوية…
تضيف السيدة "البقاعي": كما ذكرت آنفا، ضغط التطرف الديني وحالة الإنغلاق التي أصابت العديد من المجتمعات العربية وأخص المجتمعات التي خرجت في ثورات ولا سيما سوريا وضع ولو بشكل آني العصي في عجلة الحركة النسوية وكبّلها، لذا كانت الصبغة الأوضح في تلك الثورات أنها ثورات اجتماعية بامتياز ضد كل القوى الظلامية والإستبدادية بما فيها الإستبداد الديني.
نحن في سوريا حينما خرجنا، خرجنا ضد استبدادين، سياسي وديني، ونقصد هنا بالإستبداد الديني" القراءات المتطرفة للدين الإسلامي المعتدل" سوريا معروفة بإسلامها المعتدل، وفي ظل هذا المناخ من الأريحية والإعتدال كانت المرأة خلال مئات من السنين صاحبة دور أصيل وفعال في الحياة الإجتماعية والسياسية والأكاديمية وحتى الإقتصادية.
هذه الظلامية التي تجوب المنطقة الآن هي حالة طارئة وعارضة وسوف تزول حالها حال غيمة سوداء وستعود المرأة العربية الى مواقعها وستعود المرأة السورية لتساهم في بناء الدولة المدنية الدولة التعددية التي يتساوى فيها الرجل والمرأة تحت مظلة المواطنة ودولة القانون.
إقرأ: الكاتبة الأمريكية جين ساسون: يندر أن نجد عملاً فنياً يخلو من بصمة أو روح المرأة
مرح البقاعي ومشروع "هيلاري كلنتون" لتمكين المرأة
في شرح موجز لمشروع "هيلاري كلينتون" لتمكين المرأة وتجربتها معه تقول السيدة "البقاعي": مشروع السيدة كلنتون لتمكين المرأة هو مشروع دولي واسع الطيف، وهو مشروع أسست له عندما كانت هي"السيدة الأولى" زوجة الرئيس "بيل كلنتون" في التسعينات، حينها لم تكن تشغل أي منصب رسمي، وكان بإمكانها أن تقوم بعمل مدني فأنشأت مؤسسة تدعى "أصوات حيوية".
هذه المؤسسة تعنى بتمكين المرأة وتدريبها ومساعدتها على أن تكون راعية لنفسها وعائلتها ولا سيما في الأماكن التي تعرضت للحروب والكوارث والأماكن الأكثر فقرا في العالم، وهذه المؤسسة لها فروع في أكثر من مائة دولة، ونعم ساهمت مؤسسة "أصوات حيوية" في تمكين المرأة العربية من خلال مجموعة عمل كنت قد أشرفت على إدارتها وهي رابطة سيدات العمل العربيات.
بدأنا بمجموعة واحدة في تونس وانتشرنا فيما بعد باثنتي عشرة دولة عربية من أجل تمكين المشاريع الصغيرة للمرأة العاملة، وبالتالي تمكينها من إعالة نفسها وبيتها وأطفالها وتحررها الإقتصادي والذي يؤدي بالتالي الى تحررها الإجتماعي والسياسي.
مشروع هيلاري كلنتون طال بالنفع العديد من الدول العربية واستفادت منه الكثير من السيدات العربيات واللواتي تم تدريبهن من خلال هذا المشروع وتم تمكينهن من تحقيق الدخل اللازم لهن في حال غياب الزوج وفي حال حضوره أيضا من باب الشراكة في بناء الأسرة وضمان اكتفائها واستقرارها.
يتمثل التمكين للسيدات العربيات في إدراجهن ضمن مشروعات تدريب على مهن عدة مثل الخياطة والترجمة والأعمال الإدارية عن بعد، وهذا كله ساهم في تحسين الظروف المعيشية للمرأة في المناطق الفقيرة والنائية في بعض الدول العربية.
كلمة أخيرة.. نيابة عن كل الطامحات بغد أفضل
"مرح البقاعي": أعتقد وأؤمن أن المرأة العربية وأخص هنا السورية هي إمرأة متميزة جدا فكريا واجتماعيا وخلقيا وإنسانيا وثقافيا، وهي قادرة على أن تكون خلاقة ومبدعة ومنتجة كل مجالات العمل الإجتماعي والسياسي عندما تتوفر لها الظروف المناسبة، وعندما تتمتع بالحرية اللازمة لتحقيق أحلامها وتطبيق أفكارها على أرض الواقع، وإدارة مستقبلها ومستقبل عائلتها.
الحرية التي أتحدث عنها هنا هي مسؤولية كبيرة، الحرية لا تنفصل البتة عن المسؤولية، الإنسان الحر هو إنسان مسؤول، لذلك المراة السورية تحمل حريتها في كف ومسؤولياتها في كف أخرى وهي التي ستبني الى جانب الرجل سوريا الجديدة بعد زوال الإستبداد عنها، وسوف تساهم في كافة المجالات ولاسيما المجال السياسي ونحن نقوم الآن بحملات لدعم مشاركة المراة في العمل السياسي.
وأنا أعتقد بقوة بأن المرأة التي لا تساهم في صنع القرار السياسي بسوريا لن يكون لها دور كبير في مجالات أخرى. فمواقع القرار لا يجب أن تكون حكرا على الرجل في سوريا الجديدة التي هي لكل أبنائها ويجب أن تكون هذه المواقع موزعة حسب الكفاءات سواء كانت كفاءة رجل أو كفاءة امرأة فكلاهما متساويان تحت سقف الوطن ولا يحكم تقدم أحدهما أو تأخره أمام المنصب والموقع سوى الخبرة والقدرة على إدارته بما يعود بالنفع على الجميع.
أخيرا أتقدم في هذه المناسبة "يوم المرأة العالمي" بالتهنئة لكل حرائر العالم ولكل المناضلات اللواتي قدمن التضحيات العظيمة والخدمات الجليلة لأجل سعادة ورقي مجتمعاتهن، إيمانا منهن بأن الحياة بناء وأن "الإنسانية" هي قيمتها الأولى.
إقرأ أيضا