كان تحرير الموصل من براثن إرهاب داعش بمثابة محطة مفصلية بحياة الموصليين الذين كانوا تواقين إلى حياة إجتماعية وإقتصادية حرمهم منها التنظيم الإرهابي، الإ أن حلم الموصليين اصطدم سريعاً بعدة عقبات سياسية وأمنية ولعل أبرزها تحكم المليشيات بمفاصل الموصل الإقتصادية بدءاً من عمليات التهريب مروراً بالأتوات والرشاوى والتحكم بثروات الموصل كمصدر تمويل لهذه المليشيات ومن ورائها.
اتاوات مفروضة على التجار
ليس من السهل الحديث علانية في الموصل عن المتحكمين بوضعها الأمني والإقتصادي بعد تحريرها من إحتلال تنظيم داعش الإرهابي، كما من الصعب التداول في معلومات أمنية تخص الفصائل المرتبطة بإيران فإذا ما أشرت إلى عمليات الإبتزاز التي تطال التجار وأصحاب رؤس الأموال والآتاوات التي تُفرض على المحال التجارية، فجميع الجهات هنا تتسر عن الجميع خوفاً وتتكتم عن الكثير مما يجري, وأي جهة أو شخص يكشف حالات إبتزاز فهو معرض لتهمة الإرهاب لتلصق به من قبل الجماعات المعروف ولاؤها إلى إيران.
التهديدات لا تستثني أي تاجر أو مواطن ثري في هذه المناطق التي تتحكم فيها فصائل لا تخفي إرتباطها بإيران, والكلام في العلن يختلف كثيراً عن الذي يتم تداوله في مجالس الناس الخاصة ولا سيما الذين يتعرضون للتهديد والإبتزاز من الصعب أن تحصل على معلومات دقيقة منهم خوفاً من الإنتقام، حتى المسؤولين الكبار في هذه المحافظات يشوب أجوبتهم الكثير من التوجس والرعب.
القيارة يشهد أكبر عمليات لتهريب النفط
ملف تهريب النفط من قبل فصائل الحشد الشعبي هنا في الموصل هو أكبر الملفات التي خضنا في تفاصيلها ولمدة عام كامل من أجل الوصول إلى معلومات قادتنا إلى واحدة من كبريات عمليات التهريب وبالتحديد من حقول منطقة القيارة جنوبي الموصل حيث لا تزال الفصائل هنا تتحكم فيها منذ تحرير المدينة قبل أربع سنوات.
أبو أحمد هو الاسم المستعار لهذا الشخص الذي عمل لسنوات عدة في تهريب النفط من حقول القيارة لصالح مليشيا عصائب أهل الحق التي يقودها “قيس الخزعلي” الذي يـُعرف بأنه أحد أهم الرجال في العراق الذين يعملون لحساب إيران وحرسها الثوري.. يتحدث أبو أحمد عن تجربته لـ أخبار الآن.
كميات النفط المهربة من حقول منطقة القيارة لا تتم خلسة بل تحت غطاء مسؤولين أمنيين في هذه المناطق دون أي رادع كونهم مستفيدين بنسب معينة من التهريب فضلاً عن كونهم عُينوا بتدخل فصائل مسلحة متنفذة بحيث لا يمكن لنقاط التفتيش الأمنية من محاسبة عشرات الصهاريج التي تمر من هذه المناطق يومياً، غير أننا حصلنا على كتاب صادر عن جهاز أمني يبلغ فيه مراجعه العليا بأن عمليات التهريب لا تزال مستمرة دون أن يتم التحرك لوقف التهريب برغم تكرار إرسال المعلومات إلى جهات أمنية رفيعة.
العقارات والمباني مصدر تمويل رئيسي للمليشيات المسلحة
بعد تحرير الموصل شكلت مليشيات تعمل تحت غطاء الحشد الشعبي مكاتب إقتصادية لها في المدينة، أما أهم النشاطات التي قامت بها هي السيطرة أولاً على العقارات والمباني التي كان تنظيم داعش قد أخفى جميع البيانات الخاصة بها لتتحول بعد ذلك إلى أحد أهم الموارد الإقتصادية لهذه الفصائل.
الفوضى الادارية التي أعقبت تحرير الموصل وإنشغال الحكومة العراقية بملف الإعمار وإعادة النازحين إستغلتها فصائل متنفذة بشكل كبير لتوزع أهم العقارات وأعلاها ثمناً فيما بينها، حتى أن عقارات تابعة لديوان الوقف السني في الموصل لم تسلم من عبث وسطوة هذه الفصائل كما تثبت هذه الوثائق الخاصة بالمخاطبات بين الوقف السني والحكومة المركزية بعد أن طالت عمليات السرقة والتزوير أكثر من ثلاثين عقاراً تابعاً لديوان الوقف السني.
تُبين هذه الوثائق المسربة من اللجنة المكلفة بالتحقيق بالتجاوزات على عقارات الدولة، حيث قام بها متنفذون في الوقف الشيعي بالسيطرة على موارد الوقف السني والأراضي التابعة له في الموصل بالإستعانة بمسلحين تابعين لفصائل تدعي العمل والإنتماء إلى الحشد الشعبي، كما تـُظهر هذه الوثائق الممارسات التي يقوم بها هؤلاء المتنفذون وكيف أنهم يستولون على المحال التجارية والمباني المملوكة للوقف السني بقوة نفوذها وسطوة سلاحها.
ومن بين هذه الأراضي على سبيل المثال القطع 2 و8 و9 في مقاطعة 39 نينوى الجنوبية والقطعة 7/149 في مقاطعة 38 في منطقة يارمجة الشمالية والقطعة 7/149 والقطعة المرقمة 1/38 في مقاطعة 41 في منطقة نينوى الشمالية، وهي بمساحات متباينة مواقع مهمة، وهناك أيضاً قطع أراضٍ مملوكة للدولة في حي المهندسين الراقي وتحديداً عند جامع الطالب بإتجاه الجسر الخامس، وكذلك في حي الشرطة السكنيّ المجاور، وفي معسكر الدفاع الجوي بين منطقتي يارمجة وسومر في الجهة الشرقية.
عمليات إبتزاز بالجملة
لم تترك فصائل الحشد الشعبي في المناطق التي تتحكم فيها بعد التحرر من تنظيم داعش فرصة الإ واستغلتها في جمع الأموال والآتاوات، ومن لم يدفع فتهمته جاهزة.
أبو خالد كان أحد التجار في منطقة الحضر جنوبي الموصل والتي تسيطر عليها جماعات مسلحة، فقد تعرض للإبتزاز والسجن بعد أن طلب منه قائد في هذه الفصائل في المنطقة ١٠٠ ألف دولار مقابل عودته إلى بيته ومنطقته التي تحررت من داعش.
قصة أبو خالد هي قصة العشرات من تجار وأصحاب الأعمال في المدن التي تنتشر فيها الفصائل المدعومة من إيران حيث تتولى هذه الفصائل تقسيم العائدات فيما بينها بدءاً من الباعة المنتشرة أكشاكهم في الشوارع وصولاً إلى التجار الكبار، وعلى الجميع الدفع لهذه الفصائل.
لم نجد حلقة ربط بين إنشاء هذه الفصائل لمكاتب إقتصادية، وعملية التحرر من داعش لاسيما بعد الإجراءات التي إتخذتها الفصائل من أجل التغطية على أنشطتها الإقتصادية خاصة بعد إنتفاضة تشرين التي أشار الكثير من ثوارها بوضوح في شعاراتهم بأصابع الإتهام إلى هذه الفصائل علانية في سرقة موارد العراق لصالح الحرس الثوري الإيراني، فبعد إفتضاح أمر هذه الجماعات وبعد الغارة الأمريكية التي قتلت قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ومساعده في العراق نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس قرب مطار بغداد الدولي، أصدرت ما تسمى بعصائب أهل الحق المدعومة من إيران تعميماً حصلنا على نسخة سرية منه تطلب فيه من تشكيلاتها بأن تحافظ على تداول التوجيهات والتعليمات الصادرة عن القيادة العليا للعصائب بشكل شفهي وليست كتابةً، الأمر الذي يؤشر تغير الطرق التي تعمل بها هذه الفصائل بعد غارة المطار لتواصل بشكل أكثر سرية سرقة موارد المناطق التي تنتشر فيها لاسيما في الموصل.