أبرز هذه الأفرع هو فرع القاعدة في اليمن الذي على ما يبدو تتسارع التطورات فيه بعكس ما تستهي قيادة التنظيم.
الإنشقاقات تنخر جسد التنظيم المتهالك، تضاف إليها سلسلة عمليات الإستهداف وآخرها مصرع أبو سالم الوليدي في هجوم في أبين في الساعات الماضية، أفراد القاعدة يتساقطون الواحد تلو الآخر ولم يعد يبقى لدى الأفراد أي خيار غير ترك التنظيم ومحاولة إنقاذ أنفسهم ومحاولة إعادة حياتهم إلى سياقها الطبيعي، فهل تكّر سبحة القيادات المنشقة بعد أبو عمر النهدي التي قالت مصادر لأخبار الآن أنّه من المرجح أن يكون قد انخرط من جديد كمواطن عادي بعيداً من أوساط التطرف.
لم يعد يخفى على أحد أن القاعدة في جزيرة العرب قد بدأت تتآكل بفعل الخلافات والصراعات الداخلية، الإرهاب في البلاد بين القاعدة وداعش والحوثي دمروا البلاد ولعّله حان الوقت لخطوة إلى وراء من قبل أفراد التنظيم الإرهابي ومحاولة النفاد قبل فوات الأوان، فانحدار مسار التنظيم بات حديث الأفراد ولا سيما منهم المنشقون.
في مقابلة حصرية لأخبار الآن، تحدث المنشق عن القاعدة والمكنى لديهم بأبو أمير عن أسباب تركه للقاعدة، وكحال كل ما ينشق، سيرغب بالحافظ على حياته من الانتقام، تلثم أبو أمير وأجرينا تعديلاً على صوته، حفاظاً على حياته.
قال أبو أمير: “طبعا تركت التنظيم عن قناعة في نفسي بعد أن تدربت لمدة شهرين، وجلست هناك لمدة سنة، طبعاً كانوا يوهموننا بأننا نحارب الكفار، المرتدين عن الإسلام، المرتدين عن الدين، نحن جالسين نحاربهم، تفاجأت بأنه لا شيء هناك من هذا الكلام، أيضاً التحقت بالتنظيم لأنهم وعدونا برواتب شهرية، ولم نجد أي راتب، في البداية جابوا لنا لمدة ثلاثة أشهر، ثم قطعوا عنا الراتب تماماً، أيضاً سلموا لنا سلاح كلاشينكوف على أساس أن أكون عسكري في التنظيم”.
وبسؤاله عن رتبته التي كان عليها، أوضح أبو أمير أنه “لم يكن لدي أي رتبة، كنت مجنداً من الجنود، وأيضاً كانوا يلقبونني بأبو الأمير، إسمي أبو أمير وهذا لقبي وهذه رتبتي.”
وأكد أنه “ليس من السهل أن تترك القاعدة أو التنظيم، وأيضاً ليس من السهل أن تدخل فيه، أنا هربت من التنظيم في جزيرة العرب بسرية تامة ولم يتم اللحاق بي أو القبض علي، في ناس هربوا، أعدموهم، اتهموهم بالخيانة والعمالة لأميركا وتم القبض عليهم وتصفيتهم تماماً”.
أبو الأمير: لم أندم على هروبي من القاعدة
وبخصوص ندمه على الفترة التي كان فيها ملتحقاً بالقاعدة، قال أبو الأمير “عشت فترة سيئة جداً، موجعة، الحمدلله لم أقتل ولم أفعل أي عملية إرهابية، كانوا ناويين ياخدوني إلى أبين لكي نهاجم مواقع عسكرية بعد شهرين، ولكن الحمدلله هربت من هناك قبل أن أنفذ أي عملية، والحمدلله لم أندم على هروبي من ذلك المكان، والآن أعيش حياة طبيعية عادية، ولكن الخوف من أن يجد التنظيم مكاني حالياً”.
ونفى أبو الأمير علمه بما يرشح عن انشقاق أبو عمر النهدي، قائلاً إنه “لم أسمع بهذا الخبر أبداً وإنما حدث خلاف شخصي، وأيضاً هم إذا حدث أي خلاف لا يعلنونه أبداً لكي لا يفقد العسكر ثقتهم بأنفسهم ويحلوا مشاكلهم فيما بينهم، أعتقد أنه خلاف شخصي، ولا يمكن أن يكون إنشقاقاً”
كما قال إنه لم يتعرف على أبو عمر النهدي شخصياً، “ولكنه قال : كنا في المحاضرات نسمع إسمه دائماً، وأعتقد أنه كان في مدينة أخرى لأنني أنا كنت في مدينة البيضاء”.
أما في حال حدوث ذلك حقاً وفق ما بينته الرسائل المتبادلة بين النهدي وباطرفي والرسالة الصوتية التي وجهها النهدي للظواهري قبل إعلان خبر وفاته بأشهر عديدة، فرأى أبو الأمير أنه “إذا انشق أبو عمر النهدي، سيحدث تغيير جذري، وتغيير كبير لأنه سيدلي بمعلومات سرية وكبيرة جداً، لأنه يعتبر صندوقاً أسوداً، وسيدلي بمعلومات عن شخصيات كبيرة، وقيادات بارزة في التنظيم.. عشرات القيادات.. سيدلي بهده المعلومات وسيتم القبض عليهم”.
كلام المنشق عن القاعدة ابو أمير عكس جانبا من الكلام الذي باتت غالبية افراد القاعدة تردده داخل التنظيم،
فمنذ تعيين خالد باطرفي خلفاً لقاسم الريمي، والخلافات داخل التنظيم غير منضبطة، وهي على الملأ. اتهامات بالتجسس واتهامات لباطرفي نفسه بالضلوع في قتل الريمي.
ويبدو أن تصرفات باطرفي، بعد توليه زعامة القاعدة في اليمن في 23 شباط/ فبراير، لم تسعفه في تلميع صفحته، وفي هذا الإطار، أشارت وسائل إعلام القاعدة في جزيرة العرب إلى أنه عوضاً عن تحفيز أفراد القاعدة، اختار باطرفي إتباع نهج يحقق له مصلحته الشخصية، فهدد خصومه بعمليات الإعدام كردّ على معارضتهم. فكانت تصرفاته دافعا للكثيرين برفض تنظيم القاعدة و ترك صفوفه.
اتهامات داخلية بالجاسوسية والخيانة
التعاطي مع العديد من أفراد القاعدة من قبل القيادة عمّق من هول الانقسامات في صفوف التنظيم و لعلّ التصفيات المتتالية لقيادات في التنظيم التي عُرفت بعدم اتفاقها مع القيادة الجديدة مثال على ذلك. فضاق الأمر ببعض القيادات ذرعاً، فنشروا بياناً طويلاً اتهموا فيه قيادة التنظيم بإرتكاب تجاوزات شرعية في توجيه إتهامات بالجاسوسية جزافاً، وانتزاع إعترافات تحت التعذيب.
التسجيل الصوتي لأبي عمر النهدي ومنصور الحضرمي، والرسالة الطويلة الموجهة إلى أيمن الظواهري، اتُهمت فيها قيادة تنظيم فرع اليمن بارتكاب “تجاوزات وأخطاء شرعية ومظالم عظيمة”، وذُكرت أسماء ثلاث شخصيات مركزية، هم: أبو مريم الأزدي الذي قالوا إنه كان “شيخاً جليلاً”، والمسؤول الأمني الميداني فياض الحضرمي، وأمير اللجنة المالية سعيد شقرة المعروف أيضاً باسم عبدالله باوزير.
لم يتأخر الرد من قيادة القاعدة، إذ جاء في بيان طويل منتصف أيار/ مايو الماضي، تضمن كمّاً كبيراً من التخوين والإتهامات بالجاسوسية.
وقائع تبعتها معلومات صادرة عن تنظيم داعش، أبرزت بياناً ما سمته بالإعتزال الكبير، وتضمن لائحة بأسماء من اتهموا بالجاسوسية، ومنهم قادة ميدانيون، وأمراء مناطق ومسؤولن أمنيون وعسكريون.
من بين هؤلاء المتهمين، أبو عمر النهدي، الشرعي في تنظيم القاعدة الذي كان أمير المكلا أثناء إحتلالها من قبل القاعدة، وهو بعد أن خرج عن سياق الطاعة، إتُهم بالجاسوسية والخيانة.
كما ورد اسم منصور أبو الوليد الحضرمي الذي كان أميراً على الجبهة في قيفة بمحافظة البيضاء.
وبحسب بيان القاعدة، فإن منصور والنهدي حاولا تسليم قيفة إلى حكومة الشرعية “بعد أن أوهما المسؤول عليهما بأن الجبهة ضد الحوثي تستنزف التنظيم، وأن قوات ما يسمى بالشرعية ستأتي لا محالة”.
وأضاف البيان أن أبا عمر النهدي كان يقول إن هذا هو رأي مشايخ القاعدة، وأن زعيم التنظيم السابق قاسم الريمي تدخل شخصياً للحد من هذه “الكارثة”، بأن عزل منصور من الإمارة.
اتُهم أبو عمر النهدي بالخيانة وبتأليب أفراد القاعدة، والرسالة لم ترفع إلى الظواهري الغائب عن السمع، ما دفعه للإعلان عن الانشقاق عن القاعدة، فيما ترددت معلومات عن إنضمامه لداعش.
ترك أبو عمر النهدي للقاعدة
الإعلان عن ترك صفوف القاعدة، قابله بيان من داعش رافض لبيعة أبو عمر النهدي، ووصف فيه بالباغي والمرتد واللص.
أما النهدي، فانبرى للرد على بيان القاعدة المعنون (ولا تكن للخائنين خصيماً)، بسلسلة وقفات فنّد فيها خلافه مع قيادة التنظيم بشكل فضح كل خلفية الخلاف داخله. كما أشار إلى قضايا محقة كان قد طالب فيها، هي قضايا الدماء والأعراض.
كل ما ورد في وقفات أبو عمر النهدي كان يتمحور حول نقطة رئيسة، هي تعنت القيادة الحالية ونقضهم للاتفاقات المبرمة وتأكيد وتبرير اتهامات التجسس والخيانة. وقفات عكست أن هيكل فرع القاعدة هذا مبني على عدم الثقة وخوف القيادات من بعضها البعض.
مصادر ميدانية: إنفصال النهدي سينعكس حتماً على أفراد القاعدة
مصادر ميدانية متابعة لموضوع إنفصال أبي عمر النهدي، رجحت لـ أخبار الآن أن يكون خصوم النهدي في تنظيم القاعدة هم من روجوا لفكرة إنضمامه إلى داعش، في ردّ على إشهاره خلافه مع قيادة القاعدة.
وأضافت المصادر أن ما قام به النهدي لا يهدف من خلاله إى إنشاء فصيل يقارع القاعدة. ورجحت المصادر أن يؤدي هذا الإنفصال إلى المزيد من الزعزعة داخل صفوف التنظيم المتهالك أصلاً.
فبرأي المصادر هذه، لم تعد القاعدة في اليمن بوسعها التركيز على المهمة التي وجدت من أجلها، بل تركز على مهمة محاولة البقاء على قيد الحياة والاستمرار، وسط حديث عن ترك عدد كبير من الأفراد صفوف القاعدة وعودتهم للإنخراط في المجتمع القبلي اليمني.
فهل تقضي الصراعت الداخلية والانشقاقات على من تبقّى من قيادات لهذا التنظيم؟
أخبار الآن التقت بعض مشائخ محافظة حضرموت التي ينحدر منها النهدي، لإستطلاع دور شيوخ القبائل في إعادة المنشقين عن القاعدة والنابذين لعقيدتها إلى القبيلة وإدماجهم في المجتمع المدني لها.
الشيخ أحمد عمر بامعس، شيخ قبيلة البامعس وأحد أعيان حضرموت، أكد لأخبار الآن أنه “في حال أن أحداً من أبناء القبيلة أو المنطقة، يقول إنه يعتذر أو يتوب، وطالما أن يده لم تتلطخ بالدماء وبذنوب كبيرة فهذا مقبول، نقبله ونعذره لأنه ممكن أحياناً أن تكون المغريات المادية أو الظروف الإجتماعية أجبرته أن يكون معهم سائقاً أو حارساً أو شيئاً من هذا القبيل”.
برأي الشيخ أحمد، القيادات العليا لا تتراجع عن خطواتها، معتبراً أن هذا الفكر عندهم مستمر، لكنه أوضح أن “كثيراً من الشباب في حضرموت نعرفهم، ليس في منطقتنا فقط لكن في حضرموت كافة، كثير من الشباب كانوا يستمرون معهم فقط لأجل لقمة أو شيء بسيط، لكن عقليته ونفسيته غير ملتزمة بأفكارهم ولا بالأفكار المتطرفة”.
وعن الدعم الذي يمكن أن توفره المشيخة في القبيلة للتائبين الراغبين في العودة إليها، أوضح الشيخ أحمد أنهم يوفرون الدعم عبر “الاندماج أولاً في المجتمع مع أهله، وينبذ هذا العنف والتفكير التطرفي هذا، وثانياً أن يفتح له مجال للعمل، بدل أن تستغله الجماعات المتطرفة، وبدل أن يكون هناك فراغ لديه يذهب ويعمل، أن يذهب إلى عمل خاص وأن يبحث عن وظيفة تليق به، وأن يعمل له أي عمل يبعده عن هذا العمل التطرفي الذي يستغلونه الجماعات الإرهابية، فهم يستغلون هذا المستنقع والفقر أو الخلافات الأسرية أو الخلافات المجتمعية أو الفساد، ويصطادون فيهم”.
وبيّن أن إندماج المنشقين التائبين في المجتمع “سهل جداً، لكن كما قلت سابقاً بشرط ألا يكون الإنسان يده ملطخة بالدماء، أن لا يكون اقترف ذنوباً في قتلنا، أما الباقي فبسيط جداً، المجتمع متسامح والناس متسامحة ومن عاد إلى أهله تاب، الإسلام يجب ما قبله في الأمور الاجتماعية”.
من جانبه، أثنى الشيخ عبدالله سعيد المعاري، شيخ قبيلة المعاري وأحد الشخصيات الاجتماعية بحضرموت، على قيام قوات النخبة الحضرمية بإرساء الأمن في ساحل حضرموت بشكل عام.
وبسؤاله عن مدى تقبل المجتمع الحضرمي للتائبين من القاعدة وسط معلومات عن إنشقاقات كبيرة لأفراد التنظيم، أكد الشيخ عبدالله أنه “إذا تاب ودخل إصلاحية وتأكدت أنه تاب، أقبله، إن كان من المجتمع الحضرمي أو المجتمع الجنوبي بشكل عام، إذا تاب وعاد لرشده، الله قابل التوبة، أفلن يقبل الإنسان توبته؟”
وأوضح أنه من حق المنشق عن القاعدة قبوله في القبيلة والمجتمع إذا رد له رشده ورغب بإصلاح نفسه، مشيراً إلى أنه يجب على القبيلة أن توفر له مساعدات، “لأنه ليس لديه شيء أو حاجة يأكل منها، نوفر له مساعدات من أهل الخير، يدعمونه في مأكل أولاده ونفسه ويبحثون له عن عمل يشتغل به”.
كما تمنى الشيخ عبدالله أن يرجع جميع أفراد القاعدة عما هم فيه، “لأن هذا الطريق الذي يمشون فيه طريق غلط، يرجعون لرشدهم ويقررون مستقبلهم، مستقبل يرفعهم إلى فوق”.
هذه المعلومات التي أدلى بها المنشق عن القاعدة أبو الأمير، وتأكيد شيوخ القبائل لتسامح المجتمع الحضرمي مع التائبين العائدين، وما سبق ورشخ من مراسلات بين قيادات القاعدة وبيان داعش بخصوص النهدي، تؤكد أن شرخاً كبيراً يصدّع أركان القاعدة في اليمن.
ووفق ما صرح به لأخبار الآن الصحفي اليمني المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة سعيد بكران، فإنه لم يعلن عن عدد القيادات التي إنشقت مع أبو عمر النهدي، مشيراً إلى أنه “لا أتوقع أن يتم الإعلان عن الأسماء إذ يعتمد التنظيم التكتم عن أي معلومات عن أسماء القادة، لكن العدد المنشق كبير، والدليل على ذلك هي مراسلات محاولة الصلح بين الطرفين التي تم الكشف عنها”.