يحكم عليهم بالإعدام لأنهم سرقوا لإطعام عائلاتهم أو لأنهم شاهدوا أفلاماُ مهربة
عشرة أعوام من الترهيب والقمع والقتل مارسها كيم جونغ أونغ بحق شعبه في كوريا الشمالية، فقد رأى هؤلاء في وصوله إلى السلطة قبل عشرة أعوام بارقة أمل، معتبرين أن للرئيس الشاب القدرة على التغيير وعلى نقل بلادهم إلى الضفة الأخرى من الحياة التي يحلمون بها، غير آن آمال الإزدهار تلاشت فحكم كيم جونغ أون زاد عمق الهوة بين نظام الحكم والشعب، بات الأخير يعيش في خوف دائم على المصير وهاجس الإستمرار في ظل مجاعة أطاحت بكثر.
وأمام الجوع لم يعد هؤلاء يكترثون بحقهم في التعبير أو حتى في الترفيه، فباتوا أكثر رضوخاً أمام حكم جونغ أون الذي يدعّم ركائزه على قرارات تطلق أحكام الإعدام ظلماً بحق مذنبين بأفعال قد لا تستوجب السجن حتى. غير أن دكتاتوريّة كيم جونغ أون باتت محط أنظار واهتمام العالم خصوصاً مع إطلاق التقرير الذي نشرته مجموعة “العدالة الإنتقاليّة” بعنوان “رسم خرائط عمليّات القتل تحت قيادة كيم جونغ أون: إستجابة كوريا الشماليّة للضغوط الدوليّة” والذي يتناول إشراف الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون على عمليات إعدام علنيّة متعمّداً إثارة الرعب بين مواطنيه ليرسّخ نظام حكمه على قاعدة القمع والدم.
فماذا في تفاصيل التقرير؟ كيف من المتوقع أن يتعامل كيم جونغ أون مع تفاصيله وكيف سيواجه المجتمع الدولي؟ وما هي المخالفات التي استدعت أحكام الإعدام تلك؟
تأمل مجموعة “العدالة الإنتقالية” بحسب ما أوضحت المؤلفة الرئيسية للتقرير والباحثة في مجموعة العدالة الإنتقالية أيونغ بارك لتلفزيون الآن “أن يسهم عملنا في تحقيق العدالة واستعادة كرامة جميع الناس في كوريا الشمالية حيث يعيشون ويتأثرون بالعنف الممارس بوحشية ولاإنسانية من قبل الحكومة. ولكننا نريد أن نوضح تماماً أن عملنا وحده لا يمكن أن يحقق ذلك، وبالتالي إنه من المهم جداً للمجتمع الدولي أن يتحرك وأن ينشر التوعية حول هذه المسألة وأن يتحدث نيابة عن كوريا الشمالية حيث يتأثر الناس بأعمال الحكومة بشكل يومي”.
أوضاع حقوق الإنسان في كوريا ليست في تحسّن!
تشير نتائج التقرير بحسب بارك إلى أن “نظام كيم يولي المزيد من الاهتمام لقضايا حقوق الإنسان كرد فعل على زيادة التدقيق الدولي بشأن خطورة الوضع في كوريا الشمالية، لكن هذا لا يعني أن أوضاع حقوق الإنسان في تحسّن هناك، وذلك لأنه، وبناءً على البحث الذي قمنا به، إن عمليات القتل الحكومية لا تزال تحدث بطرق قد لا تكون مرئيّة للجمهور كما كانت في الماضي، لذلك نحن بحاجة إلى إيلاء المزيد من الإهتمام إلى الطرق المختلفة التي تمارس بها الدولة القتل داخل كوريا الشمالية حتى وإن كانت تتم بطريقة غير علنيّة مثل القتل السري أو غير المباشر”.
وشرحت بارك المنهجيّة التي اعتمدتها المجموعة في عمليّة جمع البيانات والمعلومات، فقد تراكمت المعلومات ككرة الثلج أو عن طريق ما يسمى بعينة الراحة “وهو ما يعني عمليًا أننا جمعنا الأشخاص الذين تمت مقابلتهم من خلال نظام الإحالة، على سبيل المثال بمجرد الانتهاء من مقابلة أحد الهاربين من كوريا الشمالية، كنت أسأله إذا ما كان يعرف شخصاً آخر في استطاعته تقديم معلومات تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان أو إذا كان لديه معلومات عن أصدقاء أو عائلات قد عانوا من العنف في كوريا الشماليّة. لهذا السبب نأخذ موضوع بناء الثقة مع المجتمع الكوري الشمالي على محمل الجد، خصوصاً وأنه يكاد يكون من المستحيل الحصول على عينة عشوائيّة، لذلك اعتمدنا على الأشخاص الذين تمّت مقابلتهم والذين هربوا من كوريا الشماليّة للحصول على بيانات لبحثنا، وأؤكد أنه ما كان يمكن إنجاز هذا العمل بدون الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات”.
وأوضحت أن المنهجيّة في الماضي استندت إلى شهادات الأشخاص الهاربين وبالتالي كانت المعلومات نوعيّة لكننا قمنا بتطوير منهجيتنا مع استخدام التكنولوجيا المتقدمة مثل GIS أو Google Earth ما سمح لنا بتتبع المعلومات غير المرئية التي لا تكشف عنها القصص وهذا مهم جدًا في تنفيذ نظام المعلومات الجغرافية. وقد سمحت لنا التكنولوجيا طوال عملية البحث بتحديد المواقع المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان داخل كوريا الشمالية ومع ذلك أؤكد أنه بدون مساعدة الهاربين من كوريا الشمالية، ما كان ليكون عملنا ممكنًا لأنهم المصدر الرئيسي لبياناتنا”.
وشدّدت على أن ما تريد المجموعة التأكيد عليه من خلال خلاصات التقرير هو أن “عمليات القتل لا تزال مستمرّة في كوريا الشمالية، وما نراه ونلاحظه أن الحكومة تستجيب للضغوط الدولية ما يعني أنه يجب علينا مواصلة الضغط على كوريا الشمالية وزيادة الوعي حول هذه المسألة لدى المجتمع الدولي”.
ولفتت إلى أنه بالإستناد إلى القصص التي رواها الهاربون “اكتشفنا أن الناس يستجيبون لدوامة العنف في كوريا الشمالية بطرق مختلفة. لذلك في تقريرنا الأخير، ذكرنا النتيجة التي مفادها أن بعض الناس ينظرون إلى مثل هذه الممارسات اللاإنسانية والوحشية التي تأخذ شكلاً من أشكال الإعدام العلني كحدث عادي لذلك قالوا في شهاداتهم خلال المقابلات أنهم لم يشعروا بأي صدمة أو لم يشعروا بأي شيء نتيجة مشاهدتهم لعملية إعدام علنية. في المقابل ذكر آخرون أنهم يعانون
من صدمة، وأن تلك الصدمة لا تزال تطاردهم حتى يومنا هذا وبالتالي نرى أن هناك العديد من الطرق المختلفة التي يمكن أن تظهر بها تداعيات العنف الذي ترتكبها الحكومة الكورية في حياة الناس”.
الرعب أبرز وسائل ترسيخ حكم كيم
تعتبر بارك أنه من الواضح بحسب التقرير أن “حكومة كوريا الشمالية تستخدم استراتيجية العنف هذه لغرس الخوف والسيطرة بين المواطنين الكوريين الشماليين وتشديد الرقابة الصارمة على سكانها من خلال القمع، وأشدد على أن عملنا وحده لا يمكنه أن يمنع الجرائم ضد الإنسانية ولا بدّ أن يكون هناك جهدًا جماعيًا للحد من ذلك، لذلك سيساهم عملنا في الدفع نحو المساءلة، وهدفنا هو العثور على المسؤول عن عمليات القتل هذه التي ترتكبها الدولة وأن نقوم بمحاسبته، وثمة هدف آخر نركز عليه في أبحاثنا وعملنا وهو إعادة رفات الموتى إلى عائلاتهم”.
واعتبرت أنه من المهم جداً تسليط الضوء “على حقيقة أنه لمجرد انخفاض عدد عمليات القتل التي قامت بها الدولة والتي سجلناها خلال عهد كيم جونغ أون، لا يعني بالضرورة أن أوضاع حقوق الإنسان في كوريا الشمالية آخذة في التحسن إذ لا تزال عمليات القتل الشبيهة التي تقوم بها الدولة تحدث بطرق قد لا تكون مرئية للجمهور كما كانت في الماضي لذلك فإن تركيزنا التالي في بحثنا سيكون إيلاء اهتمام أكبر للطرق المختلفة التي تحدث بها عمليات القتل العلني أو القتل الشبيهة التي تقوم بها الدولة في كوريا الشمالية، سواء كان ذلك يحصل بشكل سري أو علني. فقد مرّ عشر سنوات على حكم كيم وعمليات القتل مستمرة من خلال الممارسة الوحشية وغير الإنسانية المتمثلة في تجريد الأشخاص من إنسانيتهم وممارسة العنف ضدهم”.
وأضافت “يحاول كيم عبر نظامه السيطرة وقمع مواطنيه وبمجرد أننا نتلقى أعدادًا أقل من عمليات القتل العلنية داخل كوريا الشمالية فإن ذلك لا يرسم صورة دقيقة لما يحدث بالفعل خاصة وأن الإجراءات الوقائية التي فرضها وباء كورونا أعاقت بشدة تدفق المعلومات داخل وخارج كوريا الشمالية. لقد أصبح من المهم بشكل متزايد الاستمرار في تتبع الطرق المختلفة التي يتبعها نظام كيم ومواصلته ممارسة القتل داخل كوريا الشمالية”.
ولفتت إلى أن عدم قدرة كيم “على إحلال السلام في كوريا الشمالية وفي شبه الجزيرة الكورية ككل قد أثر على ملايين الناس كما تظهر أبحاثنا، أن عمليات القتل مستمرة وعلى المجتمع الدولي المساعدة في وقف الممارسات الوحشية وغير الإنسانية. ولأن الناس في كوريا الشمالية لا زالوا يعانون، فإن عملنا مهم للغاية لبناء قاعدة بيانات حول القتل والعنف الذي يرتكبه نظام كيم وحكومة كوريا الشمالية. لهذا السبب يجب أن نواصل أبحاثنا وجمع المواقع المختلفة المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان، والتي ستكون بمثابة بيانات وأدلة حاسمة وهامة تدين نظام كيم وتساعدنا على محاسبة حكومة كوريا الشمالية”.
في منهجيّة البحث وجمع البيانات
يشير المدير التنفيذي لجماعة “العدالة الإنتقالية” هوبرت يونغوان لي إلى أن جوهر التقرير يكمن في “تسليط الضوء على السنوات العشر من حكم كيم جونغ أون ومن ثم كيف وأين يستمر نظامه بإعدام وقتل شعبه”.
وقد أوضح أن “عمليات التفتيش في كوريا الشمالية كانت صعبة للغاية ولكن في كوريا الجنوبية كانت المسألة أسهل فهناك أكثر من 30 آلاف منشق على قيد الحياة تم الإستناد إلى شهاداتهم، ومع ذلك ثمّة ما لا يمكن للنصوص والأفلام الوثائقية أن تقوم بتوثيقه، لذلك كان اهتمامنا الأساسي يدور حول ما إذا كان هناك تغيير في أنماط السلوك. لم يكن لدينا فكرة عما إذا كانت المعلومات التي جمعناها كافية، وجدنا بعض التغيير في الأنماط بسبب التركيز على المواقع الجغرافيّة، والمواقع عادة تضمّ الكثير من المعلومات وليس من السهل إيجادها، وعندما تستمع إلى الشهادات لا تجد أنها تقال بطريقة سرديّة ذلك لأن المواقع الجغرافيّة يمكن تصوّرها، ومن ثمّ كنا نقوم بمقارنة المواقع وتحليلها وتبيّن السبب الذي أدى إلى إحداث تغيير، وهذا هو جوهر التقرير”.
ولفت إلى أنه “منذ حوالي الـ10 إلى 20 عاماً كانت الطريقة الوحيدة للحصول على المعلومات من الهاربين هي بالاستماع إليهم بعناية ثم كتابة شهاداتهم على الورق وبعد ذلك تتم مشاركة الحلقات مع الهاربين عن طريق الإستماع إلى شهادتهم في جلسات استماع عامة. وبعد ذلك ننظر إلى القصص الإستثنائية أو المثيرة التي يتبيّن فيها كمّ هائل من انتهاكات حقوق الإنسان والتي يجب أن نساعد على تفهمها من جانب الأهل وبكل المقاييس والنظر إلى تاريخ وقوع تلك الممارسات. لذلك التحدي الكبير بالنسبة إلينا كان في كيفية قراءة تلك المعلومات وتفسيرها بشكل شامل ومن ثم نشر الأمم المتحدة لكل تساؤلات لجان التحقيق تلك في العام 2013 وصدور التقرير الأخير الذي يشير بشكل واضح إلى كميّة الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية. لذلك عندما تكون الجريمة موضع البحث لا بدّ من اعتماد منهجيّة مختلفة تكشف لنا بشكل واضح من هو العقل المدبّر ومن خطط لذلك بالفعل ومن الذي أصدر الأمر ومن الذي قام بتنفيذه. إن المسألة هي نظام يقوم على سلسلة من الأوامر. في الماضي كنا نفوّت أمور كثيرة لأننا كنا نستمع إلى الشهادات ونحفظها لذلك كان الموضوع صعب للغاية وهو تطلّب ولا يزال يتطلّب الكثير من الوقت لتبيّن ما حصل فعلاً ومن ثمّ لشرح ذلك بطريقة منطقية، وتحديد كيف حصل ذلك بطريقة منهجية. هذه هي مهمتنا المستمرة والتحديات التي ترافقها قويّة”.
وكشف لي عن مقاربة مميّزة تتّبعها المنهجية في التعاطي مع الهاربين فهي تعتبرهم شركاء في التقرير ما يعزز من ثقتهم بالتحقيقات ويجعلهم أكثر راحة في إدلاء المعلومات. ويقول أن المنهجية تطبق “الطريقة التقليدية في إجراء المقابلة مع الهاربين فيجلسون ونطرح عليهم الأسئلة نستمع إلى إجاباتهم وندوّنها. لكن الاختلاف الكبير هو في أننا ننظر إلى بيانات الخريطة التي تظهر أمامنا على الشاشة ومن ثم نمنحهم الإمكانيات الكاملة لمعرفة وتحديد المواقع، وهذا يمنحهم الشعور بأنهم يشاركون حقًا في هذه التحقيقات. وهذا هو السبب الذي يجعلنا نشير إليهم في بياناتنا الصحفية أو في تقريرنا على أنهم شركاء في التقرير وليس مجرّد أشخاص نقابلهم وهذا يشكل فرقاً كبيراً بالنسبة إليهم”. وأضاف “من المهم بالنسبة للضحايا أن يشعروا بأن الملكية تعود لهم وبأنهم مشاركون بعمق في العمل لأن ذلك يمنحهم الثقة بالعمل وكذلك بالمحكمة مستقبلاً. فإذا ما تبين لهم أن تلك المقابلات هي فقط لإنجاز الدراسات أو للمخابرات، فإن ذلك سيضعهم في موقع دفاعي بعض الشيء فيصبحوا مترددين في الإفصاح عمّا شاهدوه. ولكن عندما يجلسوا أمام الشاشة، ويمنحوا الفرصة للتحدث عما يريدون كشهود وتسجيل حديثهم فإن ذلك يريحهم”.
ولفت إلى أن الشهود “لم يدلوا بتلك المعلومات لمخابرات كوريا الجنوبية لدى وصولهم إلى هناك وهذا يعني أن الأمر استغرقهم وقتًا للإفصاح عما يعرفون. عندما وصلوا إلى كوريا والتقوا المسؤولين الكوريين الجنوبيين لم يكونوا على علم إذا ما كان سيكون لأقوالهم وشهاداتهم وقعا إيجابياً أو سلبياً، لذلك تصرفوا بشيء من الدفاعيّة واحتفظوا بمعلومات أساسيّة ومهمّة إلى أن فهموا أنهم سيكونون بأمان وبأنهم عندما ينخرطوا في مجتمع مختلف لن تتم معاقبتهم على قول شيء ما أو الكشف عن شيء. بحسب تقييمنا إنهم يشعرون بأنهم أكثر راحة عندما يكوّنون خبرة في نمط الحياة المعتمد في كوريا الجنوبية، لبضع سنوات على الأقل، بعد ذلك سيثقون بسيادة القانون وبأنهم سيكونون محميين وبأنه لن يتمّ استغلال شهاداتهم. وهذا ما يشكل ميزة إيجابيّة في العمل أما الميزة السلبية هي أنهم قد ينسون بعض التفاصيل المهمة مع الوقت”.
يقول لي إن “معظم المقابلات أجراها باحثونا المتخصصون، لكنني في الماضي قمت بتصميم المنهجية ونظام العمل وكان ذلك منذ 6 أعوام ومن ثمّ قمنا بالمقابلات التي تساعد في تحديد الشكل اللاحق للبحث لاختبار النظام والمنهجية. عندما التقيت بأول مجموعة من الأشخاص الذين قابلناهم منذ ست أعوام، طرحوا علينا تلك الأسئلة البسيطة جداً ولكنها كانت جوهرية في الواقع. فقد سألنا الهاربون قبل إجراء المقابلات لماذا تبحثون في هذا الموضوع؟ لماذا يهمكم موضوع الإعدامات؟ لم يكن لديهم أدنى فكرة عن أهمية أو قيمة النظر في ممارسات الإعدام التي نفذت في كوريا الشمالية لأنهم كما قالوا لنا هم يصدقون أن في كوريا الشمالية يعتبرونهم مجرمين وبالتالي يجب أن يموتوا”.
التهم التي استندت إليها أحكام الإعدام
بحسب التقرير إن أكثر التهم التي تم على أساسها إصدار أحكام الإعدام كانت مشاهدة أو توزيع فيديوهات عن كوريا الجنوبية وإن ذلك يعني بحسب لي أن “كيم جونغ اون لديه ثقة قليلة جداً في كيفية الحفاظ على استمرار حكمه”. ويشير لي إلى أن الشعب يعاني من “الإنهيارات الإقتصادية، والمجاعة فملايين الناس يموتون من الجوع. وبات الكوريون الشماليّون يناضلون يومياً من أجل البقاء، لذلك لجأوا إلى المعامل والمزارع والسهول وسرقوها ليطعموا عائلاتهم. لذلك كان العدد الأكبر من التهم يطال الجرائم البسيطة كالسرقة والمعروف بحسب الموقف الدولي من هذه الجرائم أنه لا يتم المعاقبة عليها بالقتل”.
واعتبر لي أن كيم جونغ أون خائف جداً من أن يتغير منطق تفكير الناس في كوريا الشمالية كما يخاف من أن تفتح أعين الناس على الحقائق وأضاف “لا أعتقد أن قوّة كيم كونغ أون وسلطته العامة مستقرّة، ومن ثم إن المصاعب الإقتصاديّة مستمرّة، وأكثر ما يقلق كيم هو التغيّر في أنماط التفكير لدى الجيل الشاب، لأجل ذلك إن ردود فعله قاسية وتعتمد العقاب. إن التدفق الخارجي للمعلومات يساعد على فتح أعين الناس ومن ثمّ يغيّر منطق تفكيرها ويهدّد في الواقع سيطرة كيم وحكمه وهو قلق من ذلك”.
أما ما يؤكد أن أنماط تفكير الكوريين الشماليين يتغير كما يقول لي، لفت الأخير إلى أن “المسألة لا تتمّ فقط عن طريق المراقبة بل ثمة طرق أخرى تؤكد ذلك مثل القراءات والمعاهد التي تشدّد على أنها وجدت أن التغيير شائع بين الجيل الشاب وبين معظم الشرائح الكبيرة من الناس، وبين من تمكن من تجاوز فترة المجاعة الكبرى، وذلك من خلال الإعتماد على نظام السوق وأجهزة الهواتف الذكية والـUSB وبطاقات الـSD أيضاً ومن ثم التعرض للمواد المهرّبة. ومن المعروف أنهم يهرّبون الدراما من كوريا الجنوبية كما والأفلام والأغاني وحتى اللكنة المحلية المحكاة في كوريا الجنوبية أصبحت مشهورة بين الجيل الشاب هناك. وهو ما سجله كيم جونغ أون وهو أكثر ما يثير قلقه هذه الأيام، فهو يفقد سيطرة الدولة على تلك الدعاية ويخسر سلطاته”.
أما عن المواد المهرّبة والتي دفع البعض ثمنها بالإعدام قال لي: “من المعروف أن كل الدراما الناعمة هي عامة جدًا ومنتشرة على نطاق واسع في كوريا الشمالية بحيث يشاهدها الصغار أو كبار السن لكن بطريقة حذرة للغاية، لأنها قد تؤدي بهم في الواقع إلى القتل أو الإعدام، ويتم أيضاً تهريب بعض الأفلام الحسيّة نوعًا ما مثل المواد الإباحية في بعض الأحيان أيضاً، لا نعرف من أين حصلوا عليها، يتم إنتاجها في السوق الصينية، هذا ويمكن نسخها من قبل التاجر الصيني أيضًا لتلبية حاجة أو رغبات منافذ البيع في كوريا الشمالية أيضًا. ومن ثم هناك مستهلكون كثر في بيونغ يانغ كذلك لتلك الفيديوهات الإباحية، إن الافتراض الوحيد أو أحد الاحتمالات بالنسبة لمشاهدة تلك المواد المهربة هو مصادرتها من قبل المخابرات، في المجتمعات الطبيعية إن مشاهدة فيديوهات مماثلة ممكن أن يعتبر ذنبا وذلك بحسب الثقافات وبهدف الحفاظ على الرقابة، لكن قتل الناس وإعدامها بسبب ذلك شيء مختلف. إن الأمر خطير للغاية وغير مقبول”.
أما عن سبب رضوخ الناس لسياسة البطش تلك قال لي بأن خطاب الدولة يبرّر ذلك في قوله بأنه يعتقد أن تلك الممارسات “تفسد الناس ومن ثم تفسد النظام الإشتراكي، بحيث لا يعود الشعب يصغي إلى تصريحات الدولة، وتلك التصاريح هي أوامر كيم جونغ أون والشعب لن يصغي إليها إن اجتذبته تلك الأشياء الأخرى وتلك مسألة جديّة بالنسبة إليه للحفاظ على إمساكه بقبضة السلطة”.
من هو كيم جونغ أون بنظر شعبه؟
يشير لي إلى أن ثمّة إجماع في الرأي إلى حد كبير بين الكوريين الشماليين حول كيم جونغ أون “هو بالنسبة إليهم الوريث، شكلت رؤيتهم له لأول مرة منذ 10 أعوام عندما كان شابًا جدًا بارقة أمل، إذ انفتح على الثقافات الغربية وأحب كرة السلة والتزلج ومن ثم مستخدمي Apple فقد منحهم بعض الأمل بالتغيير، لكن هل هذه هي الحياة التي يريدها الشباب؟ ثم كيف تعيش النسب الكبيرة من السكان في بيونغ يانغ؟ إن كبار السن يكسبون عيشهم بأنفسهم ولا يتلقون المساعدة من الحكومة، كما وتم التحكم في السوق الموسع في بعض الأحيان، ويبدو أن التجارة باتت تتطلب موافقة وذلك من أجل السيطرة الساخنة على نظام التداول ونظام السوق أيضًا. كل ذلك كان سببا لشكاوى الناس”.
غير أن كيم يعتقد أنه يفوز باللعبة استناداً إلى حقوق السلاح بحسب ما أوضح لي “كما أنه استمتع ببعض اللقاءات وأضواء الإعلام الدولي حتى الآن، لكن الواقع هو أنه يواجه شكاوي قومه وغضبهم واستيائهم. وبالتالي، فإن السنوات العشر التي قضاها هذه سيكون لها فاتورة حساب لأنه لا يستطيع الحفاظ على المجتمع وعلى سلطته عن طريق ممارسة الوحشية وفرض العقوبات، ومن ثم لا يمكن لنظام مماثل ولجماهير مماثلة الاستمرار خلال العقود القادمة”.
وأضاف تظهر التهم أن العمر الفعلي لمن أطلقوا النار خلال الإعدامات “هو 16 أو 17 عاماً وتشير بعض الشهادات أو المقابلات إلى أنه تم إعطاؤهم بعض المشروبات الكحولية أيضًا، أو بعض الطعام مقابل القيام بهذه المهمة القذرة… شكل هذا القتل أو مثل هذه الحالات النموذجية تجربة جيدة لهؤلاء من أجل ترقياتهم المهنية، لكنهم يعتقدون الآن أن ذلك سيؤثر بشكل سلبي على مستقبلهم. إن نيتنا تكمن في إرسال إشارة لهؤلاء نقول فيها لهم ما أنتم منخرطون فيه الآن سيكون لديه تأثير عليكم في المستقبل. ومن ثم ثمة تقرير يوضح مدى الدقة في البحث عن تلك الوقائع ويقوم بتوثيقها والتي يمكن أن تشهد على أن الأشخاص الذين يقترفون ذلك يفتقدون إلى الوعي”.
وقال لي “لو كنت مكان كيم لكنت سأكون في موقف صعب للغاية ففتح المفاوضات مع الولايات المتحدة وهي واحدة من تلك القوى الكبرى قد فشل كما لا توجد طريقة للتغلب على الأزمة الاقتصادية ثمّ إن الجيل الشاب يشاهد ما هو آخذ في التصاعد حول دعاية الدولة. أما ما يمكن أن يفعله الآن فلست أدري عليه أن يجد الإجابة على ذلك بنفسه… نعتقد أو أن هذا الاقتراح الوحيد الذي نود أن نقدمه له وهو أن يفكر أكثر على مستوى دولي ومن ثم ما يعني ذلك على مستوى الموقف الدولي من المواطن وما يقع ضمن ذلك من مفاهيم حول قضايا حقوق الإنسان”.
عن الهاربين من الجوع والقمع
يقدّم جي تشول هو الهارب من كوريا الشماليّة والناشط من أجل الحريّة قراءة سريعة لما أصبحت عليه كوريا الشماليّة بعد 10 أعوام من حكم كيم جونغ أون فبالنسبة إليه “لا تبدو كوريا الشماليّة أكثر أمانًا، والسبب هو أن كيم جونغ إيل اتبع في عهده سياسة الجيش أولاً غير أن كيم جونغ أون منح السلطة لحزب العمال. وفي الماضي خلال عهد كيم إيل سونغ وكيم جونغ إيل، كان هناك عدد أقل من المحاولات الإرهابيّة أو الإغتيالات، لكنني الآن سمعت أن هناك حوالي 26 محاولة إرهابية منذ أن تولى كيم جونغ أون السلطة. لذلك، فإن العدد المتزايد من المحاولات الإرهابية يشير إلى أنه ليس جيدًا في السياسة وأن كوريا الشمالية ليست آمنة. يتظاهر كيم جونغ أون بأنه يهتم أكثر بشعبه عكس كيم إيل سونغ وكيم جونغ إيل، لكن في الواقع لقد أصبحت حياة الكوريين الشماليين أكثر تدميرًا، وانتهاكات حقوق الإنسان تزداد سوءًا، وأعتقد أن هذه هي المشكلة في كوريا الشمالية اليوم بعد 10 أعوام من حكم كيم جونغ أون”.
أمّا عن عدد الهاربين من كوريا الشماليّة وإذا ما كان هناك من رقم واضح حول عددهم وعدد الذين حاولوا الفرار ولم ينجحوا قال: “من الصعب العثور على بيانات علمية حول مدى نجاحهم ومدى عدم نجاحهم في الهروب، ولكن من الصحيح أن عدد الهاربين زاد كثيرًا في كوريا الشماليّة منذ شهر مارس الشاق. وفي عضون ذلك الوقت مات حوالي 3 ملايين شخص من الجوع، وقد هرب مئات الآلاف إلى الصين، فمسألة البقاء أو الهروب باتت مسألة حياة أو الموت. كان النافذون قادرين على العيش لأنهم تلقوا الرشاوى أما العمال العاديين الضعفاء والصالحين من الناس فقد ماتوا جوعاً بعد انتظار الحزب والقائد لتوزيع الطعام عليهم. أما أولئك الذين حاولوا القيام بشيء ما بدل انتظار توزيع الطعام لأنهم كانوا جائعين فقد جاؤوا إلى الصين، لذلك حتى الآن هناك حوالي 35000 هارب كوري شمالي قدموا إلى كوريا الجنوبية، وأنا أعلم أن أكثر من 100000 هارب كوري شمالي يعيشون في الصين الآن. لكن بالنظر إلى ذلك يتراوح احتمال النجاح في القدوم إلى كوريا الجنوبية من الصين بحوالي 70٪ إلى 80٪ ما يعني أنه إذا غادر 10 أشخاص سينجح 7 إلى 8 أشخاص بالوصول”.
وأضاف “لقد نجح معظم الهاربين من كوريا الشمالية بنسبة 50٪، لكني أعتقد أن الأمر أصبح أكثر صعوبة هذه الأيام. قبل شهر شاهدت في الأخبار أن عائلة من يانغانغدو في كوريا الشمالية هربت عن طريق إعطاء الحراس الحبوب المنومة، لكن في النهاية تم القبض عليهم مرة أخرى بعد بضعة أيام وتمت إعادتهم إلى كوريا الشماليّة. في الماضي مثلاً نجح أكثر من 70% إلى 80% شخص بالهروب، وقد نجح أكثر من 50% بالعبور من كوريا الشمالية لكن الأمر أصبح مستحيلًا الآن بنسبة 100% تقريبًا، لذلك من الصعب تحديد معدّل النجاح بشكل دقيق لأن ذلك يعتمد على الوضع وعلى العديد من العوامل الأخرى”.
مع وصوله إلى كوريا الجنوبيّة كانت حريّة التجمع أول ما لفت انتباه هو، ففي كوريا الشماليّة ما كان يمكن للأشخاص أن يحتجوا في تجمعات كما في كوريا الجنوبية “فنحن لم نكن قادرين على فعل ذلك، في حين أن الكوريين الجنوبيين يمكنهم فعل ذلك لأنه حق تكفله البلاد. في كوريا الشمالية، حتى ولو حدث شيء غير عادل كان علينا أن نعيش من أجل الحزب والقائد ولم نكن لنجرؤ على القول إننا لا نستطيع الإنصياع لشيء يقول القائد إنه لا يجب القيام به، لكن في كوريا الجنوبية الأمر ممكن وهذا بطريقة ما هو تفوق للديمقراطيّة الليبراليّة”.
وليست مسألة الحريات والحق بالتعبير والتجمّع مسألة الإختلاف الوحيدة بين الكوريتين فبحسب هو ثمّة “العديد من الإختلافات مثل الملابس والثقافة واللغات، ولكن عندما ننظر إلى ثنائية الديمقراطية الليبرالية والديمقراطية الشعبية والديكتاتورية والحرية، أعتقد أن الشيء الأكثر اختلافًا هو أن حرية التجمع مضمونة بطريقة أو بأخرى”.
كيم الذي نجح بالحفاظ على ديكتاتوريّته
في تقييم لنجاحات وإخفاقات كيم جونغ أون بعد مرور 10 أعوام على حكمه يقول هو “إن أنجح سياسة يتبعها كيم جونغ أون هي أنه لا يزال يحافظ على الديكتاتورية، فإذا وقعت مشكلة ما يقول بأن ذلك حصل بسبب خطأ اقترفه أحد مرؤوسيه وليس منه هو، فينحني ويعتذر أمام الناس، وأعتقد أن تلك هي وسيلة للحفاظ على ديكتاتوريته”.
وأضاف أنه “بسبب ذلك وبطريقة ما كلما كان القمع أقوى كلما زاد عدد الأشخاص الذين يتعرّضون للتعذيب في الكوانليسو حيث يضعون السجناء السياسيين والإقتصاديين وغيرهم، قبل 5 أعوام قلنا أن عدد الكوانليسو في كوريا الشمالية سيصبح أقل، لكن بعد أن رأيت أنه قد تم إنشاء 3 كوانليسو جدد مؤخرًا، فكرت في نفسي أن كوريا الشمالية لا تزال على حالها”. ولكن ثمة ما هو ملفت بحسب هو، وهو أن “الكوريين الشماليين مستنيرين جدًا هذه الأيام عكس الماضي، إنهم فضوليون بشأن المجتمع الخارجي لذلك فهم يحاولون جاهدين تقليد الموجة الكورية وأشياء أخرى، لكن النظام لا يزال يقوم بقمعهم بقوة وبشكل مستمر. فعلى سبيل المثال في إحدى المرات كنت في طريقي لإجراء تحقيق ميداني في ساحة الثورة في كوريا الشمالية، وسمعت أنه تم القبض على ثلاثة طلاب وهم يرقصون على أنغام فرقة Blood Sweat and Tears ، وسمعت أيضًا أنه تم فرض 14 عاماً من إعادة التأهيل على شخص شاهد مقطعاً مدته خمس دقائق من الفيلم الكوري الجنوبي The Man from Nowhere. لا تزال كوريا الشمالية في عهد كيم جونغ أون تحجب العالم الخارجي بنجاح، والوحيدين الذين يعانون من ذلك هم الكوريون الشماليون”.
أما في ما يخص نشاطهم النووي فالوضع لم يتغير بحسب هو “فوفق الأخبار التي شاهدتها قبل شهر، كان لكوريا الشمالية في الماضي مدخنة، لقد تخلصوا منها وقاموا بتفجيرها، لكنني شاهدت في الأخبار أنهم يعيدون بناءها مرة أخرى. يقوم كيم بصدّ الموجة الكورية، والسيطرة على الكوريين الشماليين، والتطوير النووي الذي لا يزال مستمراً بشكل مطرد وإذا ما استمرت كوريا الشمالية بذلك فسيكون لذلك مساوئ حتماً”.
وأضاف “هو يحدّ من حريّة الناس ومتى جاع هؤلاء أو شعروا بالإضطهاد يقول أن الخطأ هو من فعل مرؤوسيه فيقوم بإعدامهم حتى أنه أعدم عمه، إنه يفعل ما هو أسوأ من كيم جونغ إيل وليس أقل، وبما أن هذا النوع من الوضع مستمر فإن سياسته لا تزال تعتبر سياسة ناجحة، وبعبارة أخرى فقد نجح في جعل كوريا الشمالية مملكة منعزلة لكن الكوريين الشماليين أصبحوا يعانون من صعوبات أكبر بسبب ذلك بالإضافة إلى أن التضامن مع المجتمع الدولي يزداد سوءا. ولدى التفكير فيما إذا كان بإمكاننا حل هذه المشكلة، أو الأجزاء التي اعتقدنا أننا قادرون على حلها، تم توفير العديد من الدعم الاقتصادي والملابس والدعم الطبي، ولكن حتى ذلك يتم توزيعه من قبل حكومة كوريا الشمالية لذلك يتم استخدام ذلك الدعم كأرز عسكري أو كإمدادات عسكرية، أو يتم إرسال المواد لإطعام مزارعهم فلا يتبقى للناس الكثير ليأكلوه. بالإضافة إلى أن الدعم الدولي محظور أيضاً لذلك في الخلاصة إذا لم يكن لدى كيم جونغ أون القدرة الفعليه لإطعام شعبه فليسمح على الأقل بالحصول على مساعدة من الآخرين، لكنه يحظر ذلك حتى لذلك أعتقد أنه ديكتاتور سيء حقًا”.
ويفرض النظام أيضاً على الناس منذ زمن بعيد ما يطلق عليه إعادة التأهيل الذاتي، ويتم تنفيذه حاليًا من خلال تشغيل آلات المصانع وأماكن العمل بمنتجات مصنوعة محلياً دون استخدام أي منتجات أجنبية، إلى جانب فرض إعادة التدوير أيضاً. ويتشدد النظام بالقوانين من خلال جعل الناس يبلغون عن كيفية إعادة تدوير ملابسهم ومنتجاتهم. لكن ذلك سخيف بحسب هو لأنه “لدى إزالة جزء من شيء ما وإضافته إلى شيء آخر والقيام بإعادة تدويره سيتوقف هذا الجزء على أي حال وسيعمل الجزء الآخر. لذلك تستمر تلك الحلقة المفرغة ويسمى ذلك بإعادة التأهيل الذاتي في كوريا الشمالية اليوم ولكن لعقود من الزمن يتم فرض ذلك على الكوريين الشماليين بهدف إثارة الدعاية”.
فشل كيم في قيادة بلاده نحو السلام
يقوم فشل كيم في قيادة بلاد نحو السلام على اختلاف نظرة كوريا الشماليّة إلى مفهوم السلام بحسب ما يفهمه العالم فبرأي هو “ثمّة فرق بين تعريف السلام في كوريا الشمالية وذلك المتعارف عليه في المجتمع الدولي. فالسلام بحسب الأخير يقوم على التعايش مع الآخرين، والتفاهم، والمصالحة، والتعاون، لكن السلام بحسب مفهوم كوريا الشمالية هو دفع القوات الأميركيّة للخروج من كوريا الجنوبيّة والإتحاد مع العدو وبعد ذلك يعتقدون أن السلام سيأتي إلى شبه الجزيرة الكوريّة الموحدة. إذاً إن التصوّر الأصلي مختلف، فهم يعتقدون أن عليهم مهاجمة شخص ما وغزو شخص آخر من أجل إحلال السلام. لذلك سلامهم مختلف تمامًا كاختلاف نظرة الأطفال والبالغين إلى شيء ما ومقاربتهما له”.
وأضاف “يقولون إن السلام يأتي عندما يكون لديهم هذا القدر من الردع، سواء كان نوويًا أو أي شيء آخر، لكن ما نفكر فيه عن السلام ليس ذلك هو بالنسبة إلينا التبادل بين الناس والمنتجات. لكن في كوريا الشمالية يتحقق السلام عندما لا يكون هناك أناس على هذه الأرض غير مناسبين للإشتراكية أو الشموليّة. لذلك هذا ليس وئاماً ولا سلاماً هم يعتقدون أن السلام لا يتحقق إلا عبر الهجمات والمعارك لذلك فإن السلام في كوريا الشمالية لا يمكن أن يكون سلامًا”.
في كوريا الشمالية الضحك ممنوع!
ليس ذلك بمزحة فالضحك كما الفرح والإستمتاع ممنوع في كوريا الشمالية ويؤكد على ذلك هو إذ كشف عن أنه في العام 1994 “توفي كيم إيل سونغ فتوقفت جميع المصانع والشركات عن العمل لأن على العمال أن يشيدوا بكيم إيل سونغ لذلك لا يجوز للناس العمل على صنع المنتجات بل عليهم الذهاب إلى الجبال لقطف الزهور. وإذا لم تذهب إلى الجبال وتقطف زهوراً جميلة واخترت زهرة من الحقل عوضاً عن ذلك فثمّة مشكلة في الولاء. لذلك شكلت صعوبة المحاولة للذهاب إلى جبل بعيد واختيار زهور جميلة مقياسًا لتقييم ولاء الكوريين الشماليين في ذلك الوقت. وفي تلك الفترة أيضاً لم يكن من المفترض بالناس أن يشربوا الكحول، فإن هم ضحكوا فسيتم القبض عليهم لأن إله ذلك البلد قد مات. لذلك فإن الاستمتاع بالشرب والرقص وعيش حياة ترف وفسق في اليوم الذي مات فيه الإله أمر غير مقبول تمامًا من وجهة نظر كوريا الشمالية، على الجميع أن يشعروا بالحزن. هكذا هي كوريا الشمالية، شمولية، حياة الفرد فيها مثل إنسان آلي، وإذا لم تخضع فأنت رجل سيء وستكون سجينًا سياسيًا أو يتم إعدامك”.
وأضاف “عادة يمكننا أن نضحك أو نبكي في أي موقف، أو حتى أن نشتم إذا ما فعل شخص ما شيئًا سيئًا، لكن في كوريا الشمالية هذا محظور تمامًا. إن ذلك بحدّ ذاته يعتبر خيانة لكوريا الشمالية، وإن ذلك بحد ذاته هو هوية كوريا الشمالية لذلك لا يمكنك أن تشرب أو أن ترقص أو أن تضحك”.
ولفت إلى أن “كوريا الشمالية تعاني دائمًا من مجاعة وعلى نطاق واسع، فبمجرد النظر إلى الظروف البدنية والظروف الغذائية للأشخاص في كوريا الشمالية يمكننا أن نرى ما إذا كان بإمكانهم تناول الطعام بشكل طبيعي أم لا. إن كوريا الشمالية بدل إطعام شعبها تنظر إليه على أنه وسيلة ضرورية لاستمرار ديكتاتوريتها. فلو كانوا قادرين على الشعور بالحب تجاه شعبهم ولو أرادوا إطعامه، لذهبوا إلى بلد آخر وركعوا طلباً لإطعام الناس … هذا ما يجب أن يفعله الرجل الحكيم أو الرئيس، لكنهم لا يفعلون ذلك لذلك فإن الناس هم الذين يعانون من الصعوبات”.
ويعتقد هو أن كيم سيقود بلاده إلى العزلة المطلقة إذ إن شيئاً لم يتغيّر منذ وصوله إلى السلطة قبل 10 أعوام “فقد شكلت السنوات العشر التي انقضت خلال عهد كيم جونغ أون محاولة جاهدة للحفاظ على النظام الكوري الشمالي ولم يكن الهدف جعل الكوريين الشماليين أكثر ثراءً، أو أن يعيشوا بملابس حريرية وفي منازل مغطاة بالبلاط. فكي يعيش الكوريون الشماليون هذا النوع من الحياة يجب ألا تطلق كوريا الشمالية صواريخ باليستية عابرة للقارات أو صواريخ نووية. فلو استخدموا تلك الأموال لتوزيع الطعام لن تكون كوريا الشمالية معزولة تماماً وسيشبع الناس، لكن تركيز كوريا الشمالية المتزايد على الأسلحة النوويّة والصاروخيّة هو أكثر من تركيزها على حياة الناس وإن حجبها للموجة الكورية تماماً يظهر حرفيا أنهم سيستمرون على ما هم عليه في المستقبل، وبالتالي لا أعتقد أنه سيكون هناك أي تغيير على مستوى عزلة كوريا الشمالية ليس فقط في غضون 10 سنوات ولكن أيضًا في 20 أو 30 عامًا من اليوم”.
ويصف هو كيم بـ”الوقح” إذ برأيه “يمكن للديكتاتورية أو الشمولية أن تقوم بتحسين أو مفاقمة حياة الكوريين الشماليين بسبب ذلك الشخص فقط. ولكن بسبب قرار منه يعيش عشرات الملايين من الناس في سجن ضخم يشبه بلد، ولصالح كيم يتم إرسال العمال للعمل في الخارج لتوفير الأموال بالدولار لبلدهم. لذلك عندما أفكر في كوريا الشمالية تحت حكم كيم جونغ أون، أراه كشخص شديد الوقاحة وغير مبالي وأتساءل كيف يمكن لأي شخص أن يتصرف على هذا النحو، لأنه لو كان ينظر إلى شعبه على أنهم أناس وليسوا وسيلة، لما كان قادرًا على التصرف على هذا النحو ولكن مع ذلك يستمرّ نظامه بلا خجل، لهذا السبب أعتقد أن كوريا الشمالية وقحة”.
التعتيم على إصابات كورونا
يُقال أنه لا يوجد حاليًا أي مريض بفيروس كورونا في كوريا الشمالية ومع ذلك يقول هو أنه سمع أن العديد من الأشخاص قد ماتوا بسبب أمراض في الجهاز التنفسي ومع ذلك “لا يمكن لأي فرد من الخارج الدخول والتأكد من ذلك لكنني شاهدت الأخبار التي تفيد بأن هناك العديد من الأشخاص يموتون حاليًا من أمراض الجهاز التنفسي في كوريا الشمالية، لذلك أعتقد أنها حقيقة يجب ألا نتغاضى عنها، أي أن تقول كوريا الشمالية أن لا كورونا لديها”.
وعن التقرير الذي نشرته جماعة العدالة الإنتقالية حول الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب في كوريا الشمالية يعتقد هو أن التقرير يمكن أن يساهم في تحسين حقوق الإنسان بالنسبة للكوريين الشماليين “لكن لا أعتقد إلى حد كبير، ومع ذلك فإن التقرير يشكل دليلاً تاريخياً يساعد في المطالبة بعقوبات جنائيّة دوليّة ضد من ارتكبوا انتهاكات حقوق الإنسان”.
أما كيف يمكن لتقرير أن يمنع جرائم ضدّ الإنسانيّة قال هو “أعتقد أنه يمكن أن يمنع الجرائم ضد الإنسانية في المقام الأول، لأن عقوبة الإعدام أو عقوبات مثل هذه أصبحت أكثر تقدماً في كوريا الشمالية، إذ كان يتم الكشف عن كل شيء للخارج في الماضي أما هذه الأيام فيتم الكشف عن الأشياء الضروريّة فقط ويتم تنفيذ الباقي سراً لذلك أعتقد أن ذلك سيؤثر على استمرار الضعف في حقوق الإنسان في كوريا الشمالية”.
وأضاف “في الماضي كنا نجمع البيانات فقط مما نراه خارجيًا غير أن المنظمات والناشطين في الوقت الحاضر يجمعون البيانات ويقاربونها بطرق أكثر تنوعًا، وقد أصبح ذلك استراتيجيتنا الجديدة. حتى ولو بدا أن ثمة مشكلة في كوريا الشمالية عند النظر إلى الأمور من الخارج، فإن القانون الدولي لا يمكنه أن يفرض الأمور بالإكراه خصوصاً وأن كوريا الشمالية هي دولة لا تتبع مثل تلك القواعد. ولكن لمواجهة الوضع المتغير، من الواضح أنه يجب بذل المزيد من الجهود، وأعتقد أنه كلما حاولنا أكثر كلما قل قمع حقوق الإنسان في كوريا الشمالية”.
ولفت إلى أن كوريا الشمالية كانت لدى تنفيذ حكم الإعدام “عادة ما تقوم بالكثير من المظاهر التي تثبت أنك ستموت عند ارتكاب جرائم مماثلة لكن في هذه الأيام يُعدم الشخص أو يرسل إلى المشنقة داخل إدارة الأمن السياسي للدولة. وقد سمعت من الأخبار قبل ذلك أنهم قتلوا شخصًا بفأس، كان الموضوع أقل عرضاً للعالم الخارجي. فلدى عرضه يظهر كيفية إطلاق النار وكيفية تغطية الجثة ونوع الشاحنة التي تم نقلها إليها، ورقم الشاحنة وعدد الجثث وما إلى ذلك، ولكن لا يتم الكشف عن ذلك لدى تنفيذ الإعدام في الليل، لذلك أعتقد أننا بحاجة إلى الخروج باستراتيجية جديدة تساعد في الكشف عما يحصل في كوريا الشماليّة للعالم الخارجي”.