أوضاع المواطنين في تونس إلى تدهور مع تفاقم المأساة الاقتصادية
تتفاقم مأساة تونس الاقتصادية يوماً بعد يوم وسط غياب للإصلاحات والرؤية التنموية والاتفاقات التجارية المتكافئة مع الدول الكبرى وعلى رأسها الصين ما تسبب بعجز في الميزان التجاري أرخى بمؤشراته السلبية على المجتمع مسبباً الفقر والبطالة وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين وإقفال العديد من القطاعات الإنتاجية وغيرها من التداعيات الكارثية.
تقف تونس اليوم على مفترق طرق، فإما أن تعيد بناء نفسها كدولة قادرة وإما أن تتجه نحو المزيد من الإنهيار، فهل تنجح تونس أمام هذا التحدي؟.
يقول الأمين العام المساعد المسؤول عن المرأة والشباب العامل والجمعيات والمؤسسات الدستورية الأخ سمير الشفي أنه “بعد تقريبا أكثر من عشر سنوات ونيّف على ثورة الحرية والكرامة، هناك مؤشرات مخيفة لها علاقة باختلال الميزان التجاري، ويعود ذلك إلى العديد من العوامل والمؤثّرات، لعل أبرزها غياب رؤية جديدة تنموية وإعادة النظر في بعض الاتفاقات التجارية التي جمعت بين تونس والعديد من الدول الشريكة في علاقاتنا الاقتصادية والتجارية، يضاف إلى ذلك بالتأكيد حالة الانكماش والانحسار وغياب الاستثمارات الكبرى منذ أكثر من عشر سنوات، وغياب الاستقرار السياسي وغياب الرؤية البعيدة المدى لطبيعة المنوال التنموي وطبيعة الخيارات الاقتصادية والاجتماعية. إن كل هذه العوامل مجتمعة ساهمت في انخرام الميزان التجاري يضاف إليها أيضا حالة الانفلاش العام التي بموجبها وكنتيجة لها توسّع الاقتصاد الموازي غير القانوني وتعاظم، وبالتالي ساهم بشكل كبير جداً في هذا الاختلال المذكور”.
وأضاف “إن انخرام الميزان التجاري في تونس هذا له تداعيات مباشرة على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وعلى القدرة الشرائية لعموم التونسيين والتونسيات وبالتأكيد على رأسهم العمال والموظفين، وهذا ما يحتّم على القوى الحيّة وعلى رأسها الاتحاد تكثيف الجهود من أجل مراجعة هذه الأوضاع الصعبة التي يمرّ بها الاقتصاد والتي يمرّ بها عموم التونسيين والتونسيات كنتيجة لذلك”.
علاقات تجارية غير متكافئة
يؤكد الشفي أنه “ما من شك أن انخرام أوازن الميزان التجاري له عدة عوامل من ضمنها تلك الاتفاقات التجارية التي لم تبرم في إطار رؤية متوازنة تراعى فيها المصلحة الاقتصادية للتونسيين، على سبيل الذكر الاتفاقية التجارية بين تونس وتركيا. يضاف إلى ذلك، هناك أيضا عامل ثاني مهم، وهو يعتبر من أهم العوامل على مستوى العجز في الميزان التجاري الذي يربط بين تونس والصين، وهذا غير ناتج عن وجود اتفاقية تبادل تجاري، وإنما يمكن القول بأنه حصل بسبب غياب اتفاقية تبادل تجاري رسمية ما بين تونس والصين ما جعل العاملين في التجارة الموازية والتجارة غير الشرعية يلجأون إلى جلب البضائع الصينية، والكل يعلم أن الاقتصاد الصيني يعتبر من أهم الاقتصاديات الآن في العالم، وله قدرة غير قابلة للتنافس مع البضائع ليس فقط التونسية وإنما معظم المنتجات العالمية الأخرى وهو ما أسهم في هذا العجز وبالتالي ثمّة مقاربة تقول إنه على الحكومة التونسية أن تراجع الاتفاقات المبرمة مع بعض الدول وعلى رأسها تركيا، نظراً لأنها لم تعد تخدم المصالح التونسية، وأنها غير متكافئة فيما يتعلق بالصين في إطار معالجة هذا الانخرام في الميزان التجاري. فالأجدر بالحكومة التونسية أن تقيم علاقات مع الصين في إطار اتفاق يرعى المصالح التونسية الاقتصادية والتجارية، ويمنع بموجبه لجوء الأفراد من بعض أرباب العمل الذين يشتغلون في القطاع الموازي من الفرصة لتعويض الدور في التبادلات التجارية المقوننة والتي تراعى فيها مصلحة البلدين”.
وشدد على أن “غياب اتفاقات ناظمة للعلاقة التي يستوجب تأسيسها ما بين تونس والصين أو غيرها من الأقطار والبلدان التي أصبحت لها باعا وذراع في المجال الاقتصادي وقوة تنافسية أكبر، يؤدي إلى فرز نتائج وخيمة على المنتوج التونسي وعلى الصناعات التونسية وعلى أرباب العمل الذين يعملون بالطرق القانونية. وإن ما يؤكد ذلك هو المؤشرات والأرقام التي تتحدث عن انخرام كبير لهذه التوازنات التجارية ما بين البلدين وغيرها من البلدان”.
ولفت إلى أن الاتحاد العام التونسي للشغل يعتقد أنه “من الضروري إعادة ترتيب أوضاعنا الداخلية وإعادة تقييم علاقاتنا واتفاقاتنا الموجودة، والتي حان الوقت لمراجعتها بما يؤمّن المصلحة الوطنية وبما يحمي صناعاتنا الوطنية لأن الدول التي لا تراعي مصالحها فهي دول غير قابلة للاستمرار والحياة”.
بناء رؤية عربية مشتركة
يعتقد الشفي أن “الوضع الاقتصادي ووضع التغيرات الكبيرة التي تحصل الآن في العالم على مستوى تقدم التكنولوجيات وعلى مستوى طرق الترويج للسلع والمنافسات غير المتكافئة بين مختلف اقتصاديات العالم تحتاج إلى إعادة النظر في موقع تونس. أولا بد أن تكون لنا نظرة أكثر شمولية، وأن لا نكون حبيسي نظرة تقليدية في مجالات معينة وأن تبقى علاقاتنا مرهونة ومرتبطة بأوروبا على أهمية أوروبا، فلا بد من تنمية وتطوير هذه العلاقات مع أوروبا ولكن يجب أيضا توسيع هذه العلاقات إلى أفريقيا باعتبارها سوق مهم جداً وإن الموقع الجغرافي لتونس يسمح بذلك ويمنحها الأفضلية”.
ومن ثمّ لا بدّ أيضا بحسب الشفي “الالتفات إلى الأسواق الكبرى وإلى الاقتصاديات الكبرى، وأعني بذلك الصين والبرازيل والهند وغيرها، وهذا يحتاج إلى رؤية كاملة ومتكاملة تؤدي إلى اتفاقات تبادل تجاري للزراعة تراعى فيها مصالح البلدان المعنية وتكون أيضا الاتفاقات على مستوى الاستثمار وعلى مستوى التبادل التجاري وتكون لديها مقاربة جديدة. وتكمن المقاربة الجديدة في توطين التكنولوجيات في إطار هذه الاتفاقات، وهو أمر لا زال غير مطروح بالقدر الذي تستحقه التطورات الاقتصادية الحاصلة في تونس“.
وبرأي الشفي هناك اقتصاد على المستوى المغاربي “فلا بد من أن تكون لدى البلدان المغربية الفكرة والتوجه لإيجاد مبادلات تجارية بينية تتجاوز فيها النسب الهزيلة جدا وآفاق أخرى وأسواق أخرى على المستوى العربي والإفريقي. فحتى على مستوى التفاوض ما بين الاتحاد الأوروبي أو الصين يفترض أن يكون لدينا مقاربة تقوم على اتفاقات بين الأقطار العربية في إطار مقاربة شاملة تولّد التفاوض ما بين هذه الأقطار الصناعية والتجارية الكبرى في العالم مع أقطاب أخرى أثبتت كفاءتها وعندها أسلحة تستخدمها في هذا التفاوض. فالتفاوض المنفرد بين بلدان صغيرة كتونس أو ليبيا أو حتى المغرب، رغم أنها قطعت أشواطا مهمة على المستوى الاقتصادي، يبقى محدود النتائج ويكون لصالح المفاوض الأوروبي أو الاقتصاد الأكبر”.
إن موضوع التفاوض هذا بحسب الشفي “مرتبط بالوضع مع العلاقات بالنظام الرسمي المريض والذي ووري التراب منذ أكثر من 20 سنة لكن اليوم إدا كنا نرغب في تأمين مصالحنا ومستقبل الأجيال القادمة على المستوى العربي لا بد من إعادة النظر في كل هذه الإشكاليات والجزئيات حتى يصار إلى بناء رؤية عربية مشتركة يمكن بموجبها تأمين مصالح الأقطار العربية في علاقاتها التبادلية مع الاقتصاديات والتكتلات الاقتصادية الأخرى الكبرى”.
ويختم الشفي مشيراً إلى أن تونس اليوم تقف عند مفترق طرق “فإما أن نعيد بناء الدولة التونسية بكل ما تعنيه الكلمة من إعادة بناء على المستوى السياسي من تشريعات ومؤسسات لتأمين ديمقراطية سليمة حقيقية، يشترك فيها التونسيين بكل ما لديهم من إسهامات في هذا الصدد لبناء دولتهم، وأيضا لتصوّرات اقتصادية ورؤى اقتصادية جديدة تتأسس على إصلاحات كبرى وتكون هذه الإصلاحات بعيدة عن الإملاءات الأجنبية التي في الكثير من المناسبات والتجارب السابقة سواء في تونس أو في بلدان أخرى عادة ما تكون لغير صالح البلد المفترض به القيام بهذه الإصلاحات. وهذا في تقديرنا في الاتحاد العام التونسي للشغل هو من القضايا الجوهرية والتي تعتبر حجر زاوية لأي مشروع تنموي نهضوي يقطع الفشل الذي رافقنا قبل الثورة وتعاظم ما بعدها”.
لا بدّ لتونس أن تتخذ القرارات السيادية في قضاياها الاقتصادية وفي علاقاتها التجارية مع الدول الكبرى لتخرج من نكبتها، فهل تختار المواجهة والنهوض بأوضاع شعبها؟.