أخبار الآن | خاص
مضى أكثر من شهرين على قتل عبدالملك دروكدال، أبي مصعب عبدالودود، زعيم تنظيم القاعدة في شمال إفريقيا ولمّا يُعين خليفة له بعد. قتله تسبب في حالة من الاضطراب والشرذمة في التنظيم لا تختلف عمّا يعاني منه التنظيم الأم.
القاعدة الأم اليوم مبعثرة على مساحة جغرافية واسعة ومنقسمة على ذاتها إديولوجياً. وقاعدة شمال إفريقيا تعاني من المشاكل ذاتها. حتى إن دروكدال خاطر بحياته حتى يوحد مجموعات القاعدة وقُتل وهو يحاول تحقيق هذه المهمة المستحيلة.
من ناحية، ثمة صدعٌ بين قاعدة شمال إفريقيا وتحالف جماعة نصرة الإسلام والمسلمين؛ وثمة صدعٌ آخر بين قاعدة شمال إفريقيا وقادة القاعدة في الخارج.
في بحث معمّق يستند إلى مقابلات وجاهية قام بها الصحفي أكرم خريف والدكتور جليل الوناس، جاء أن زعيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، إياد أغ غالي، أعلن الولاء لدرودكال كما أعلنه للظواهري عندما تم تعيينه على رأس هذا التحالف، ما يعني أن دروكدال كان زعيماً “إسمياً” للمجموعة.
لكن لا يبدو أن دروكدال كان راضياً تماماً عن أغ غالي. في البحث أعلاه، نقرأ أنه بين عامي ٢٠١٨ و ٢٠١٩، ترددت شائعات عن أن دروكدال كان يفكر في استبدال أغ غالي، الذي أصبح يتمتع بنفوذ واسع في منطقة الساحل بعد أن تسلم قيادة حلف جماعة نصرة.
دروكدال ليس من الرجال الذين يسمحون للآخرين بتهديد نفوذه. والشاهد هنا هو خلافه مع بلمختار، الذي بدأ عندما شعر دروكدال أن بلمختار صار يتمتع بنفوذ أقوى في إمارة الصحراء المعروفة باسم المنطقة ٩.
كما أن دروكدال لم يكن مرحباً بقرار أغ غالي قبول مبادرة من حكومة مالي لبدء مفاوضات سلام. دروكدال يعارض بشدة أي محادثات أو مفاوضات مع الحكومات أو الدول.
كان دروكدال ضابط الاتصال الوحيد الذي وثقت به قيادة القاعدة المركزية للتواصل مع عناصرهم في شمال إفريقيا. بقتله يكون هذا الرابط قد انقطع.
وهذا يعني مشكلة للقاعدة في شمال إفريقيا الذين لم يعد بإمكانهم تحقيق تقارب عضوي مع القاعدة الأم.
في ظل هذه الظروف، يُتوقع أن تتعمق الخلافات داخل قاعدة شمال إفريقيا حول ما إذا كان بإمكانهم الإلتزام بالسمع والطاعة للقاعدة الأم.
دروكدال كان دائماً يسيطر على وسائل الاتصال مع القاعدة المركزية ولا يسمح لأي قائد آخر بتجاوزه. والرسائل التي عُثر عليها في تمبكتو بعد تحريرها في ٢٠١٣ تشهد على ذلك.
ورابط آخر سيعاني معه عناصر قاعدة شمال إفريقيا هو ولاؤهم لأصل التنظيم ومقره في الجزائر. في السنوات الأخيرة، كانت القاعدة تخسر مقاتلين وموارد بسبب استراتيجية السلطات الأمنية الجزائرية التي لاحقت الإرهابيين بالقتل والاعتقال أو حتى عرض اتفاقات مصالحة.
الأمر الذي تسبب في تناقص حاد في أعداد المقاتلين، فلم يعد التنظيم قادراً على تجنيد عناصر جدد لسدّ النقص من القتل والاعتقال أو تفضيل جماعات إرهابية أخرى مقاتلة.
جيف بورتر، وهو خبير في شؤون القاعدة في شمال إفريقيا، كتب في مارس ٢٠١٩ أن “القاعدة في الجزائر أصبحت كرجلٍ عجوز مريض.” قتل دروكدال سيُعجّل وفاته.
بالإضافة إلى ما تقدم، تعاني القاعدة في شمال إفريقيا من مشاكل عرقية. فثمة حالة مستعصية من عدم الثقة بين المقاتلين العرب والأفارقة ضمن التنظيم.
وفي وسط كل هذا، يأتي داعش ليزاحم القاعدة في مناطق نفوذها. لكن بينما يحاول التنظيم مواجهة هذه التحديات، يجد نفسه بلا قائد بمنزلة دروكدال.
المرشحون المحتملون لخلافته هم: مبارك يزيد (أبو عبيدة يوسف العنابي)، و يحيى جوادي، و آغ غالي؛ وجميعهم لا يصلحون لملء الفراغ الذي تركه دروكدال.
العنابي، هو رئيس مجلس الأعيان وعضو مجلس شورى التنظيم. وربما هوو الوحيد الباقي الآن الذي يتمتع بأقدمية تؤهله للمنصب. لكن، وبحسب بحث أكرم والوناس المُشار إليه أعلاه، العنابي كان “تاريخياً” على علاقة سيئة بدروكدال. فلم يكن راضياً عن توجه دروكدال إلى “عولمة الجهاد الجزائري.” وظلت العلاقة متوترة إلى درجة أنه ربما دفع دروكدال للتوجه إلى الجنوب قرب الحدود مع مالي.
والعنابي رجل دين يفتقر إلى الخبرة الميدانية. وكان دروكدال يكلفه بمهام ثانوية مثل التعليق على أحداث الجزائر الداخلية، بينما هو يتولى الحديث عن الصورة الأكبر – عن الساحل.
ولنقل أن العنابي عُيّن فعلاً زعيماً للقاعدة في شمال إفريقيا، فلن يكون قادراً على التحكم بجماعة نصرة الإسلام والمسلمين وزعيمها أغ غالي. فهو ليس نداً له. بعبارة أخرى، قاعدة شمال إفريقيا كفرع متنفذ ذهب من دون عودة.
ويحيى جوادي كان قائداً مهماً بالفعل. عيّنه دروكدال أميراً على منطقة الصحراء خلفاً لـ بلمختار إبّان الخلاف معه. لكن دروكدال نحّاه عن الإمارة لأنه زاد الطين بلة وتسبب في زيادة الفرقة والتنافس بين دروكدال وبلمختار. واليوم، لا يبدو أن أحداً يعلم أين هو أو ما يفعل.
أما إياد أغ غالي، فبالإضافة إلى ما تقدم حول علاقته مع دروكدال، سوف يتساءل أنصار دروكدال: “أين كان أغ غالي عندما قُتل الرجل؟”
وثمة مسألة أخرى تتعلق بالتكوين العرقي لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين وتنظيم القاعدة في شمال إفريقيا. فثمة مشكلة بين المقاتلين من أصل عربي والمقاتلين من أصل ساحلي أو إفريقي. وهذا قد يكون أمراً فاصلاً. في مالي، نعلم أن من العوامل التي تسببت في تفوق جماعة نصرة على تنظيم داعش هو أن مقاتلي نصرة محليون أما مقاتلي داعش فهم أجانب؛ أي ينتمون إلى دول من غير مالي وبوركينافاسو والنيجر.