أخبار الآن | الرياض – السعودية (خاص)
الفاغنر.. إحدى أدوات الارتزاق الروسي
لم تعد خافية على المتابع للشؤون الروسية وسياساتها الخارجية وخاصة أبان عهد الرئيس فلاديمير بوتين، النزعة التوسعية التي تسعى موسكو جاهدة لإذكائها عبر وسائل متعددة، منها ما كان تقليدياً أي عبر الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية وأداته جيش نظامي وأجهزة استخبارات، ومنها ما كان ذو صبغة غير تقليدية، استخدم على مر العصور وإن كان بشكل عشوائي، لتأتي موسكو وتنظمه وتجعل منه أداة لتحقيق أطماعها ووسيلة لرفدها بعوائد اقتصادية، ويحقق لها أهدافها الجيوستراتيجية.. بكل بساطة نتحدث هنا عن الشركات الخاصة الروسية، التي امتهنت القتل صنعة تطوف بها في أرجاء المعمورة بحثاُ عن بؤر صراع يمكن لموسكو أن تتغلغل فيها وتنهش خيرات لُطخت بدماء الأبرياء.
خير مثال على ما سبق أوكرانيا وسوريا، بلدان شكلا مسرحين لتجارب موسكو في ما يعرف بـ الحرب الهجينة، أي الحرب التي يتم فيها استخدام جيش البلاد النظامي إلى جانب قوات من المرتزقة ينفذون أجندة من صنعهم ويمولونهم ويمارسون القتل والاغتيالات والسلب والنهب وأعمال الحماية، دون أن تعترف البلاد الأم بهم أو بجرائمهم. وكان من أبرز الشركات الروسية شركة الفاغنر، التي تضم بين صفوفها خليطاً من العسكريين السابقين، والمجرمين المدانين.
وضمن السعي الحثيث لـ”أخبار الآن” للكشف عن جرائم الفاغنر، أوردنا تقريراً بحثياً شمل معلومات متنوعة عنها وعن شركات عسكرية روسية أخرى، إضافة إلى مقابلات سابقة لعسكريين فاغنر، انشقوا عنها نتيجة أعمال القتل التي تمارسها تلك الميليشيا.
واستتباعاً لما سبق، استضافت “أخبار الآن” المحلل الاستراتيجي والعسكري، أسعد الزعبي، والذي تحدث عن تفاصيل نشاط الفاغنر في سوريا استنادا إلى مصادر قال إنه كان على تواصل مباشر معها، وقال:
“اليوم هذه الشركات انتقلت من العمل لصالح أنظمة وحكومات إلى العمل لصالح شركات أخرى ورجال أعمال وحتى لصالح مهربين. سابقا كانت دول تستأجر هؤلاء القتلة. اليوم رجال أعمال وشركات كبيرة تستأجرهم من أجل حمايتهم ومن أجل القيام بعمليات ابتزاز وانتقام وتصفية لصالحها”.
وتابع: “لذلك عندما نتحدث عن شركات القتل وخاصة شركة الفاغنر الروسية، نتحدث عن شركات أثبتت أنها لها مجالات للعمل أكثر من الشركات الأخرى، وأثبتت أنها لها عمق في العمل العسكري، ومن الأمور التي تميزها عن نظيراتها من الشركات الآخرى، أنها تعتمد في المقام الأول على رجال العصابات وخريجي السجون، أكثر من اعتمادها على مقاتلين سابقين تركوا الجيش لأسباب معينة.. شركة فاغنر أو عصابة فاغنر أو حتى مرتزقة فاغنر تحت أي مسمى، أعطت أهمية خاصة لهذا النوع من العمل، أي الارتزاق، أكثر من عصابات وشركات أخرى في العالم”.
تاريخ دخول الفاغنر إلى سوريا
المحلل العسكري، كان له رأيه حول التاريخ الحقيقي لدخول الفاغنر إلى سوريا استناداً إلى مصادر قال إنه تواصل معها خلال السنوات الماضية، ووفقاً لتلك المعلومات، فإن الفاغنر دخلوا إلى سوريا في الفترة الأولى لاندلاع الثورة السورية في عام 2011، رغم أن كثيرا من التقارير الدولية تحدثت أن الفاغنر في الأساس لم يُعرف لها كيان حقيقي إلا بعد اندلاع أزمة أوكرانيا وحرب القرم التي يعتبرها الكثيرون أنها تشكل بدء العمل الحقيقي والموسع للفاغنر.
وقال الزعبي: “كثير من الناس لا يعرفون تاريخ دخول الفاغنر إلى سوريا، ولكن من خلال متابعتي المتواصلة والحثيثة منذ بداية اندلاع الثورة السورية، وبعد الاطلاع على الكثير من التقارير الواردة من الأرض، استطعت تكوين فكرة واضحة على أن قوات الفاغنر كانت من أوائل العصابات التي وصلت إلى سوريا منذ عام 2011، وكانت الفكرة مطروحة من قبل وزير المخابرات الخارجية الروسي الذي وصل إلى دمشق وبقي فيها مدة من الزمن، حيث قام بترتيب عمل الفاغنر وكانت المهام الأولى التي اسندت إليها، اغتيال المتظاهرين عن طريق عمليات القنص”.
وأردف: “اعتقد أن هناك صورة وفيديو نقلا عبر وسائل إعلام النظام السوري ووسائل إعلام عالمية، تظهر مجموعة من المقاتلين وصفهم النظام بأنهم من (المندسين). هؤلاء دخلوا إلى مجمعين سكنيين في مدينة دوما واخذوا يطلقون الرصاص على المتظاهرين. وقال النظام وقتها إنهم من المندسين في محاولة للتغطية على تلك الجريمة، ومن أجل تأجيج الفتنة ما بين النظام والشعب السوري. استطيع أن أجزم أن هؤلاء من الفاغنر، وبناء على تلك المعطيات أقول أن دخول الفاغنر إلى سوريا كان منذ شهر مارس عام 2011، وبعد ذلك انتشرت تلك الميليشيا حسب المهام التي أوكلت إليها في مناطق متعددة من سوريا.
وعن مناطق انتشار الفاغنر في سوريا، قال الزعبي: “أوكلت إلى تلك العصابة مهام قتل في مناطق مختلفة وخاصة في مناطق تدمر والبادية ومناطق شرق وجنوب سوريا. بعد ذلك خرجوا من العاصمة السورية بشكل نهائي”.
تصفية ضباط من النظام
اللافت أن المحلل العسكري تحدث عن قيام الفاغنر بتصفية ضباط من النظام وشخصيات محسوبة عليه، أصبحوا يشكلون عبئاً على النظام وروسيا، وقال: “اليوم نحن أممنا سجل كبير من الشخصيات السورية التي تم التخلص منها وخاصة من العسكريين، هناك الكثير من الشكوك حول قيام فاغنر بالتخلص أيضا من ضباط النظام الغير مرغوب فيهم، والتغطية على عمليات القتل والتصفية تلك بالإيحاء أننها من صنع الثوار، طبعا كل ذلك بإيعاز من النظام نفسه وبطبيعة الحال من المخابرات الروسية التي لها باع طويل وخبرة قوية في إشعال الفتن والتخلص من أي شخصية غير مرغوب فيها”.
جرائم الفاغنر في سوريا لا تعد ولا تحصى
ولم تغب جرائم الفاغنر عن ذهن المحلل العسكري، إذ أكد أن ميليشيا الارتزاق تلك، تورطت في جرائم كثيرة في سوريا وقال: “جرائم الفاغنر في سوريا لا تعد ولا تحصى، وكما ذكرت سابقا أولئك المرتزقة مارسوا القتل في مناطق متعددة في سوريا، اليوم ينتشرون بشكل خاص في تدمر والبادية السورية، لحماية الباحثين عن الآثار”.
وتابع: “إذا أردنا أن نعطي رقما تقريبا عن أعداد الفاغنر في سوريا قبل نحو 5 سنوات، فإنه يمكن القول بأن أعدادهم وصلت في ذلك الوقت إلى نحو 2000 مرتزق، اليوم عندما نتحدث عن العمليات التي تجري في المناطق الشمالية في سوريا، أي في إدلب وحلب فإنه يمكننا القول بأن هناك أكثر من 4000 مرتزق من الفاغنر يتواجدون في تلك المناطق ويقدمون دعما للنظام السوري”.
يذكر أن روسيا تدخلت بشكل صريح في الحرب السورية في الـ30 من شهر سبتمبر عام 2015، عبر ضربات جوية شنتها المقاتلات الروسية ضد أهداف من المعارضة.
وشكل التدخل الروسي نقطة فارقة لصالح النظام السوري، الذي كان يترنح تحت وقع ضربات المعارضة قبل أن تمده روسيا بقوات نظامية وغير نظامية مهدت لإعادة سيطرته على الكثير من الأراضي السورية.