منذ انتشار خبر موت زعيم القاعدة أيمن الظواهري غير المؤكد أخيراً، سقط نظرياً، الشخص الذي يدير القاعدة المفككة بعد تسلمها من زعيمها أسامة بن لادن منذ العام 1988 ولغاية العام 2011 الذي قتل فيه خلال عملية عسكرية للقوات الأمريكية في أبوت آباد بباكستان.
وأعلنت عن حسابات تابعة لعناصر في القاعدة ومن بينهم فصيل “حراس الدين”، خبر وفاة أيمن الظواهري، زعيم التنظيم، كاشفة أن فصيل “الحراس” انقطعت الاتصالات بينه وبين الظواهري منذ أسابيع، مرجحة وفاته، ومضيفة أن آخر تعليمات أيمن الظواهري كانت تجنب المواجهة العسكرية المباشرة مع هيئة تحرير الشام في سوريا.
من دون أدنى شك، وبعد ان تولى أيمن الظواهري زعامة التنظيم المنقسم على نفسه والمتهالك جراء الجهود الدولية المبذولة في ملاحقة الارهاب والقضاء عليه، عمٌق الظواهري خلافات التنظيم وساهم في تفككه واظهرت فترة قيادته، فشله الكبير في ضبط القيادات التي تدير الأفرع مما ساهم في انصراف اولئك لتحقيق مصالحهم الخاصة بعيدا عن أهداف القاعدة.
مرحلة بناء” قاعدة” بن لادن بشكلها الكامل
منذ عام 1988 الذي وضع فيه أسامة بن لادن حجر الاساس للتنظيم المعروف بـ”سجل القاعدة” (وهو سجل المعلومات المتعلقة بالمقاتلين ومعسكرات التدريب لتكون عبارة عن ادارة مستقلة لاحقا)، بدأت مرحلة ترتيب الاوراق المتعلقة بالمقاتلين العرب، وشملت ايضا تفاصيل شاملة عن جميع الاشخاص الذين وصلوا أفغانستان.
واتسمت مرحلة التأسيس والبناء التي ادارها كل من أسامة بن لادن وعبد الله عزام بدقة التنسيق رغم وجود الكثير من الخلافات والتناقضات التي استعرضتها “أخبار الآن” في تقارير عدة، لكن ما يعرف بـ “المافيا المصرية” داخل التنظيم ووفقا للكثير من الخبراء والمتخصصين في شؤون الجماعات الارهابية والراديكالية، كانت سببا في انهيار القاعدة لاحقا.
سعى أسامة بن لادن ومن خلال سلطته ونفوذه في التنظيم الى تجاوز الخلافات والمشكلات، الا ان الاخيرة زادت حدتها بشكل كبير جدا بعد احداث 11 سبتمبر الامر الذي جعل الصغيرة منها ظاهرة ومكن كثير من القادة لتنفيذ اجندتهم ومصالحهم الشخصية بصورة سرية.
الملاحقة لقيادات تنظيم القاعدة بعد 11 سبتمبر، فصلت القيادة عن الاتباع بشكل لا يمكن انكاره مما تسبب بظهور شخصيات جديدة منحها ذلك الأمر أهمية على مستوى التنظيم من خلال لعب حلقة الوصل بين مركزية التنظيم وباقي الأتباع على مختلف درجاتهم ومهامهم.
أيمن الظواهري، رفيق الاب الروحي للتنظيم أسامة بن لادن، استغل وبشكل مثير للشكوك الفترة التي أعقبت الهجمات على برجي التجارة في الولايات المتحدة الأمريكية، مما زاد من شهرته ومكن لما ذكرناه سابقا بـ “بالمافيا المصرية” (وهي مجموعة القيادات في الصف الأول من المصريين”.
رغم محاولات أسامة بن لادن الحفاظ على وحدة التنظيم وبالتزامن مع محاولاته بالتخفي والتواري عن الانظار في المناطق الجبلية والحدودية بين أفغانستان وباكستان من جهة وإيران من جهة ثانية، إلا أن القوات الأمريكية وبالتعاون مع الجيش الباكستاني تمكنت من تحديد مكانه في ايار (مايو) العام 2011 واسفرت تلك العملية عن مقتله.
مرحلة هدم “القاعدة” على يد الظواهري
انطلق أيمن الظواهري منفردا بزعامة تنظيم القاعدة عقب مقتل أسامة بن لادن في النصف الاول من العام 2011، وراح المنظر الرئيس للتنظيم بترتيب الاوراق المهمة للقاعدة وفق رؤيته الخاصة التي طالها انتقادات كبيرة على المستوى الداخلي الضيق وعلى مستوى الاتباع وايضا من قبل المراقبين.
الظواهري وبقراراته المثيرة للجدل وخلال فترة توليه الزعامة إلى حين توارد الأخبار المتعلقة بموته مؤخرا، وضع اسفين الهدم للصورة الكاملة لتمثال “القاعدة” الذي ورثه عن أسامة بن لادن، واتسمت فترة قيادته للتنظيم بالتخبط والأهمال لقضايا هددت مركزية التنظيم وساهمت في تمرد قيادات الأفرع.
اهمل أيمن الظواهري قضايا مهمة داخل تنظيم وركز على ظهوره الاعلامي والتمكين لنفسه من خلال سطوته التي فرضها بتنفذ رجالاته الذين يحيطون به، ويظهر ذلك جليا من خلال محاولات ابعاد حمزة بن لادن نجل أسامة بن لادن، عن المشهد المؤثر في التنظيم واوكل له مهام برفقة بعض القيادات التي عقب عليها بعض المحللين والمختصين بانها محاولة من الظواهري للتخلص منهم، اذ ارسلهم لايران وباكستان واخيرا لسوريا قبل مقتلهم ايضا في غارات جوية لقوات التحالف الامريكية.
وتعقيبا على الجزئية المتعلقة بموت أسامة بن لادن، تجاهل أيمن الظواهري ذلك الأمر وظهر بفيديو يتحدث عن حجاب المراة بالتزامن مع ذلك الحدث.
وتسبب الظواهري ومن خلال عدم قدرته على ادارة التنظيم في تمرد الكثير من القيادات التابعة له بدءا من أبو مصعب الزرقاوي الذي مهد بشكل أو باخر لظهور ما يعرف بتنظيم داعش الارهابي، والذي انتهج طريقا خاصا به فرض به توجهاته بصورة لم يستطيع الظواهري من لجمه وكبح جماحه.
التمرد على أيمن الظواهري لم يقتصر على أبو مصعب الزرقاوي، بل كان هناك الكثيرة من الامثلة، اذ لم يستطيع الفصل بمسالة تولي أبو بكر البغدادي لزمام الأمور في العراق ما ساهم بظهور داعش الذي حيد القاعدة بصورة واضحة في العراق والشام وجعلها في مرمى نيرانه.
ولاحقا اعيب على الظواهري مسالة انقلاب أبو محمد الجولاني الزعيم الحالي لهيئة تحرير الشام، على القاعدة، وذلك بعد ان سحب بيعته للظواهري وتنظيم القاعدة، الامر الذي دفع الكثير من القيادات والرجالات المهمة لانتقاده في تقصيره واهماله لذلك الامر، وساهم ايضا في تمرد الجولاني على قيادات جبهة النصرة التي تفككت وانبثق عنها فصيل حراس الدين الذي تمت ملاحقتهم وتحديد اماكنهم من قبل “هيئة الجولاني” (هيئة تحرير الشام).
وفي ما يتعلق بفرع القاعدة في اليمن، اكتفى الظواهري باستماع المظالم المتعلقة بقيام ابرز قيادات الفرع بالتضييق على مقاتلي التنظيم واتباعه، خصوصا بعد ظهور مسالة الخيانة والجاسوسية التي واكبت ثلاثة من القادة وهم ناصر الوحيشي وقاسم الريمي واخيرا خالد باطرفي الذي سوغ مسالة الجاسوسية واطاح ببعض القيادات في الصف الأول.
وفي الشأن ذاته ضعفت قدرة أيمن الظواهري في السيطرة على فرع التنظيم في المغرب الاسلامي، اذا ظهرت قيادات ذلك الفرع بصورة اكدت انفرادهم بالتنظيم لمصالحهم الخاصة بعيدا عن اهداف التنظيم، وذلك من خلال انشطتهم المتعلقة بتهريب المخدرات والاسلحة وفقا للتسريبات التي سلط تنظيم داعش الضوء عليها من جهة، ووفق ما ذكره الخبراء في شؤون الجماعات المتطرفة.
ويتضح من خلال الجزئية المتعلقة بفترة تولي الظواهري زعامة التنظيم ولغاية اللحظة، انه قاد القاعدة وافرعها الى الشتات والافول وساهم في انفراد بعض القيادات بافرع تتبع للتنظيم ظاهريا لكنها متمردة عليه واقعيا من خلال انشطتها واهدافها.
مرحلة انشطار “القاعدة”الى نسخ مصغرة
افتقار زعيم القاعدة للصفات أيمن الظواهري للصفات القيادة، ساهم بشكل اساسي في تمرد قيادات التنظيم وافرعه، الامر الذي مهد الطريق امام تلك القيادات لتولي دفة قيادة افرعهم بالاتجاه الذي يصب في مصالحهم، اذا باتت تلك القيادات تنفذ وتطبق توجهاتها بصورة واضحة مخلفة للاسس التي وضعها أسامة بن لادن.
افرع التنظيم في اليمن وبلاد المغرب الاسلامي، باتت اكثر استقلالية في تصرفاتها عن قيادة أيمن الظواهري الذي فشل في ضبطهم وتوجيههم، وبات تلك الافرع مرتبطة بالقاعدة وبالظواهري بالاسم فقط.
والجدير بالذكر هنا، ان الظواهري ورغم الشكاوى التي رفعت له وتطلبت تدخله فضل عدم التدخل وبقي صامتا من دون اتخاذ اي مواقف واضحة. وطالب الكثير من الاشخاص بضرور تدخل أيمن الظواهري لانهاء معاناتهم مع قيادات التنظيم في اليمن وذلك من خلال حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، الامر الذي اصبح مدعاة لسخرية التنظيمات المنافسة للقاعدة مثل تنظيم داعش.
ودفعت المظالم التي تقدم بها اتباع التنظيم في والتي بقيت منظورة لغاية الان من دون حل مباشر من الظواهري، الى تخليهم عن القاعدة وفرارهم والتحاقهم بتنظيمات اخرى مثل داعش، اذ استغل الاخير وخصوصا في اليمن الى نشر التسريبات المتعلقة بعناصر القاعدة وما يتعرضون له من قياداتهم امثال خالد باطرفي.
أيمن الظواهري، ووفقا لقراراته الضعيفة بحق قيادات أفرع التنظيم من جهة، واهماله للقضايا والمسائل المهمة، يبدو أنه يعي تماما حقيقة عدم قدرته على توحيد القيادات والافرع تحت مسمى القاعدة الأم، وفضل بقاء العلاقة الصورية التي تربطه بهم وتظهره انه زعيمهم من خلال سياسة الاهمال ليحافظ على بقاء صورته كزعيم للتنظيم.
الإنتكاسات والضعف وعدم القدرة على التنسيق، كلّها حقائق تعيشها القاعدة وأدّت إلى أفولها، الأمر الذي سيفرض عليها البقاء في الأماكن التي تتواجد بها.
وأظهرت ردّة فعل تنظيم القاعدة وقيادته المركزية في اتخاذ القرارات على الصعيد المتعلق بتطورات التنظيم داخلياً، أنّه بات مقيّداً في إدارة شؤون مقاتليه واتباعه ضمن أماكن تواجده، وذلك ينطبق أيضاً على الأفرع التي باتت قياداتها أيضاً تسعى للإنفراد بالقرارات وتغليب مصلحتها الشخصية على أهداف التنظيم المتهالك.
وجميع ذلك بالاضافة الى خبر موت الظواهري الذي لم يتأكد لغاية اللحظة من جهة التنظيم الذي اعتاد التأخر في تصريحاته المتعلقة بالقضايا المشابهة، فسيكون موت الظواهري من دون وجود شخصية متفق عليه لتزعم التنظيم سببا في تحول القاعدة الى نسخ صغيرة منبثقة عنها.