أعلن البرلمان العراقي في بداية نوفمبر الحالي أن العراق يقترب من تشكيل محكمة خاصة بجرائم داعش في العراق وسوريا، وسيعهد لهذه المحكمة المختصة بالتحقيق في جرائمه حيث يحتجز العراق المئات من مسلحيه بينهم عشرات الأجانب، كما التقى حسن كريم الكعبي النائب الأول لرئيس مجلس النواب العراقي بوفد أممي يترأسه كريم خان المستشار الخاص ورئيس فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة في وقت سابق من هذا الشهر لتعزيز المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها التنظيم .
وقد كان لـ”داعش” أيضا محكمتهم الخاصة فيما أطلقوا عليه دولتهم بالمناطق التي سبق وسيطروا عليها على مدار 4 أعوام في كل سوريا والعراق.
فكيف كان يحاكم التنظيم من يوجهون لهم الاتهامات التي تمثلت في واحدة من أكبر جرائم داعش في سوريا والعراق حيث طبقوا أحكامهم الدموية على الأهالي العزل الذين صاروا فريسة بعيدة عن أعين العالم للتنظيم وأفكاره شديدة التطرف، “أخبار الآن” التقت ببعض من ضحاياه في سوريا والعراق والذين كانوا يعيشون مع ذويهم داخل مدن وقرى يحكمها التنظيم الدموي.
إلتقطت صورا لسوق الرقة فقتلوها
أمام خيمة للنازحين في عين عيسى على حدود مدينة الرقة، جلس حمودي 15 سنة،طفل من أهل مدينة الرقة وأحد ضحايا “داعش” فقد والديه على يد التنظيم، لا يعلم حمودي إلا ان والدته كانت بالسوق واختفت ثم عادت بعد عدة أيام جثة مغطاة ببطانية ومقتولة رميا بالرصاص.
يقول حمودي ” كانت والدتي بسوق الرقة، قصوها الدواعش لأنهم رأوها وهي ترتكب جريمة تصوير السوق ودوار الجحيم، لأن والدي قتلوه الدواعش فكانت تريد ان تثأر له بأن تصور جرائمهم بمدينة الرقة فقتلوها.”
يعيش حمودي مع أخيه في كنف جيران الأم بينما أخته الصغيرة 6 سنوات يرعاها بعض أقارب ابيه، تشتت الجمع وافترق الطفلان عن اختهما بعد فقد الأب على يد داعش وهو يحاربهم في احدى المعارك ثم لحقته الأم بعد ان ضبطوها وهي تصور حياة اهل الرقة البائسة في ظل حكم داعش.
فقد حياته على يد “داعش” بسبب مزحة من ابن عمه
تروي خديجة حسن ابراهيم 57 سنة من مدينة الرقة السورية كيف فقد ابنها مهند ذو العشرين ربيعا حياته مذبوحا على يد “داعش” بسبب مزحة من ابن عمه اثناء سباحتهما في النهر فتقول ” في يوم ذهب مهند مع ابن عمه للسباحة في النهر، وبعد أن انتهيا أخفى ابن عمه عنه نظارته، وكان مهند ضعيف البصر، فأخذ يضحك مع أبن عمه حتى استفزه فسبه.”
كشاب غير متعلم ينفعل في منطقة شديدة الفقر، لم يكن يقصد مهند معنى ما يقول، ولكن حظه العثر جعل أحد “بصاصي” داعش يمر أثناء الخلاف ليبلغ عنه.
وتكمل الأم ” قبضوا عليه الدواعش، وعندما ذهبت للسؤال عنه اخبروني في البداية أنه غير موجود لديهم، وظل هناك 15 يوم ينكرون وجوده عني، ثم سمحوا لي بالزيارة بعد ذلك فوجدت وجهه مشوها وأثار التعذيب على جسده”.
تم تحويل مهند إلى المحكمة الشرعية لداعش وحكم عليه بقضاء 6 شهورفي سجن الرقة، أثناء الشهور الست ترددت الأم كثيرا على مقر المحكمة الشرعية تتوسل ليخرجوا ابنها فكانوا يخبرونها أنه يجب أن يقضي الشهور الست كاملة، وهو ما نقلته لابنها لتطمئنه عندما بكى بين يديها في احدى زياراتها وهو يخبرها انه يشعر أنه لن يخرج من هناك.
“داعش” يرميه بالرصاص بدلا من الذبح بعد غضب أهل القرية
تحكي الأم المكلومة لحظة معرفتها باعدام ابنها بينما لا تتوقف الجدة في الخلفية عن البكاء على كلام الام وهي تتذكر حفيدها المغدور بسبب كلمة تفوه بها في لحظة انفعال، فتقول الأم “عندما انقضت الشهور الست ولم يتبق الا أسبوع واحد، ذهبت لزيارته ، بعد ان ابلغني احد سكان قرية مجاورة اسمها الكرامة سلام ابني، وقال لي مهند بيسلم عليكي وبيقولك هو بالكرامة، فذهبت كي ازوره وأسألهم ” لماذا اخذتموه على الكرامة؟ قالوا لي ما في زيارة هذا الأسبوع لأنهم كانوا قد أعدموه يوم الخميس أمام أهل قرية الكرامة بتهمة الكفر.”
وكان “داعش ” قد اعتاد على تطبيق أحكام الإعدام العلنية يوم الخميس من كل أسبوع على مرأى ومسمع من أهالي القرية او المدينة التي كانوا يجمعون أهلها لمشاهدة تنفيذ الحكم .
تروي الأم قصة إعدام ابنها ولماذا لم يتم ذبحه رغم أن التنظيم جهز السيف ليوم ضرب عنق مهند فتقول “رحنا عالكرامة وجدناه قد انقص “قتل”, وجدناه معدوم وراسه مو مقصوص لان الناس بالكرامة اتجمعت وهو يصرخ ناطقا بالشهادة بين يدي رجال التنظيم، والناس يرددون ” حرام ما تذبحوه “، فضربوه بالرصاص لانهم لم يستطيعوا تنفيذ حكم قص الراس بسبب توافد الاهالي عليه وهو يصرخ بالشهادة .”
ختمت الأم كلامها بقولها ” الله ينتقكم منهم.”
الذبح جرائم “داعش” ضد ابراهيم بسبب بيت شعر لخطيبته
لم تمنع الحرب بسوريا ووجود “داعش” بمدينته تل أبيض ابراهيم الكلزي ذو الـ21 عاما من أن يعيش قصة حب بزميلة له بالجامعة باللاذقية، وفي تل أبيض كان كافيه الانترنت هو المكان الوحيد الذي يستطيع ابراهيم ان يرسل لخطيبته رسائل الحب وكلمات الشوق ولكن في ذات مرة واثناء تواجده دخل رجال التنظيم فجأة وأخذوا يفتشون الهواتف الخلوية للموجودين فوجدوا قصيدة شعر يمجد فيها ابراهيم حبيبته، وبعث لها بيت شعر له معنى انه يحبها حب عبادة.
فساقوه من تل أبيض الى الرقة وبتهمة الكفر والفسوق حاكموه في واحدة من جرائم داعش بمحاكماته للأبرياء، ويوم قطع رأسه بدور الجحيم (النعيم سابقا) بالرقة، أشهد ابراهيم أهل الرقة إنه مسلم وأهله مسلمون ونطق الشهادة بصوت عال وأشار إلى قاتليه قائلا ” أشهدكم أني أموت على الاسلام وهؤلاء لا دين لهم “، قتلوا ابراهيم وسط بكاء أهل الرقة وعلقوا جثته ليومين على الدوار حتى أتي أهله الذين لم يعلموا عن ابنهم شيئا منذ اختفائه من تل أبيض، واستلموه جثة مقطوعة الرأس.
“عميل النظام” تهمة “داعش” لمن لا تهمة له
كانت زوجته بمنزل أهلها، دخلوا عليه وساقوه من فراشه واتهموه انه عميل للنظام وهم يسبون عرض أهله.
في تلك الليلة ذهب محمد الى منزل والدته أمونة علاف بالرقة ليؤنسها في وحدتها حينما كانت زوجته في زيارة لأهلها، فإذا برجال التنظيم يقتحمون المنزل ويقبضون عليه متهمينه بأنه عميل للنظام أخذ يصيح ” انا برئ” كما تصف الأم وهي تؤكد” وهو برئ عند الله وعند عباده” و بعد 16 يوم جاءهم صديق لمحمد ليخبرهم أنه رآه في المستشفى مقصوص الرأس.
وبعدها انضم الاخ الى قوات التحالف ليأخذ ثأر أخيه ويفلت من جرائم داعش ضد المدنيين.
لم تكن الزوجة تعلم أن زوجها تم اعدامه فتقول “كان الدواعش حينما يقصون احدهم ينشرون جثته ولحظة تطبيق الحكم عليه على جروبات الواتسآب لأهل الرقة، أعدم معه 13 بعثوا صورهم أم هو فلم يبعثوا صور تنفيذ الحكم به الى جانب تعليق جثته على .”
“داعش” لم يكتف برأسه فأخفى ساقه
“عميل للنظام”، او “عميل لقوات سوريا الديمقراطية”، انها تهمة من يريد الدواعش قتله ولا يجدون له تهمة، هكذا قال ابراهيم الثلجي، رجل الخمسيني من أهل الرقة فقد أخاه على يد جلادي داعش بدعوى نفس التهمة يقول الثلجي ” جاء رجال داعش على البيت عند أخي، ضربوه أمام زوجته وأولاده كان شابا في الـ38 من عمره، أخذوه بتهمة انه يتعامل مع الديمقراطي، احتجزوه 50 يوما، بعدها طلبوا زيارة من زوجته واولاده، كان الموعد الاربعاء وفي الخميس قطعوا رأسه، أهله لا يدرون، ذهبنا الى المشفى الوطني فوجدناه مقصوص الرأس ورجله اليمنى أيضا قطعوها وأخذوها لا ندري لماذا.”
40 جلدة عقوبة داعش لأهل الرقة على تدخين سيجارة
وعن المحاكمات التي شاهدها ابراهيم بحكم كونه أحد سكان مدينة الرقة التي كان يجري فيها محاكمة السورين على يد “داعش” يقول الثلجي ” كانوا يعتقلون الرجل شهر او شهرين او 6 شهور، كل شهرين يعقدون محاكمة، ثم يحكمون عليه بالذبح ثم الصلب على عمود بدوار الجحيم، رأيت الصلب على الحديد، ورايت رؤوسا كثيرة مقطوعة، والتهم كانت اما عساكر او متهمين مع سوريا الديمقراطي او متعاملين مع النظام، فالتهم التي كانوا يلقونها على الناس كثيرة، ولا أحد يتجرأ على الاعتراض على قتل الناس وتعليقهم بالميادين، من يعترض يقتل أيضا.”
يرى ابراهيم انهم محظوظون بعض الشئ لأنهم حصلوا على جثة أخيهم فيقول “عطونا اخونا لانه برئ لكن فيه منهم ما يعطونهم الجثة، وفيه منهم ما يرمينهم في الهوتة او الفرات حتى لا يتم الصلاة عليهم ودفنهم بقبر معلوم “.
في “الهوتة” يدفن”داعش” أعداءه أحياء بلا قبر أو صلاة جنازة
“الهوتة” فكانت لمن لا يريدون لهم الدفن، او الصلاة عليهم او حتى الموت الرحيم، فقط يموتون بالبطئ مدفونون أحياء في حفرة عميقة بين الجبال تابعة لقضاء الرقة.
ابراهيم نفسه تعرض للصلب والجلد 40 جلدة بسبب سيجارة فيقول “كنت أقف أمام المنزل في المساء أدخن سيجارة، فاذا باحدهم يمسك بي من ذراعي بقوة ويصيح في وجهي أن هذا منكر وأني أعصي الله فأخذوني على الحسبة وهناك أخذوا البطاقة وصلبوني وجلدوني 40 جلدة من أجل سيجارة ثم حولوني لدورة شرعية حيث التأديب وتعليم الدين حتى يرجعون البطاقة”.
انضم لداعش من أجل 50 دولار فخرج منهم مقطوع اليد والساق
كان حمزة 21 من دير الزور قد انضم للعمل مع تنظيم داعش كميكانيكي سيارات حتى يتق شرهم ولكنه رفض أن يشترك في جرائم التنظيم أو يقاتل معهم. انضم لهم لمدة سنة عندما كان عمره 17 سنة، مقابل 50 دولار بالشهر فقطعوا يده اليمنى ورجله اليسرى، حينما استجابوا لبعض الوشاة الذيين اتهموه بسرقة سيارة من التنظيم ورغم انه أفسم لهم مرارا انه لم يسرق، أقاموا له محاكمة على مدار 33 يوما حكموا عليه فيها بقطع يده ورجله، هرب حمزة بعد ذلك من دير الزور الى عين عيسى حيث قوات سوريا الديمقراطية لانه خاف ان يكون القادم قص عنقه.
خرجت من مخبئها جائعة خوفا من جرائم داعش بعد ذبح ابنها لأنه “يهرب مدنيين”
عجوز وحيدة بالرقة، اختبأت على مدار أيام أثناء المعارك ولم تدرك أن المدينة خاوية إلا منها، ولم تعلم برحيل قتلة ابنها حينما أجبرها قهرهم وجرائم داعش على الاختباء بمنزلها دون طعام أو شراب على مدار أيام .
حينما دخلت قوات التحالف الرقة بعد تحريرها كانت سيدة وحيدة في الجوار حيث كان قد تم تهريب المدنين اثناء المعركة من جانب قوات التحالف، ولكن فاطمة لم تكن تعلم ان هناك معركة، كانت تختبئ في منزلها بجوار مسجد الأنصاري لا تعلم أن الدواعش قد هزموا وفروا، خمسة عشر يوما قضتها فاطمة ذات ال57 عاما وحيدة بعد مقتل ابنها تقول فاطمة “ابني قتلوه الدواعش لانه كان يساهم في تهريب المدنين خارج المدينة .”
كانت إحدى جرائم داعش أن رجاله كانوا يعاقبون بالذبح كل من يحاول الهرب من المدنين أو يساعد في تهريبهم لأنهم كانوا يستخدمونهم كدروع بشرية تحميهم من القصف الجوي.
ثلاثة أيام مرت وفاطمة تنادي من الشرفة ولا أحد يرد حتى انصتت الي صوتها إحدى المجندات من قوات سوريا الديمقراطية، تقول فاطمة “قالوا لي تعي، فقلت مافيني امشي، وعندما رأيتهم ركدت بالشارع رأت وجوها غير تلك التي قتلت ابنها وشردت اخوته حين فروا هاربين خارج المدينة، ولكنها فضلت البقاء مع ابنها الذي قتلوه .
“داعش” في العراق.. نفس الجرائم بذات الوحشية
لم يختلف الوضع في الموصل أو الحويجة بالعراق عنه في رقة سوريا، ففي قرية سرايا الملح التابعة لقضاء الحويجة، التي لم يكن أهلها يجيدون غير رعاية الاغنام قبل دخول “داعش” إليهم، يقول علي عزيز حمد شاب ثلاثيني ظل تحت حكم داعش اكثر من ثلاث سنوات “كنا أسرى حرب للدواعش يفعلوا بنا ما يشاءون، فإذا كان جلباب الرجل طويلا يجلد عليه، وتحديد اللحية يجلد عليها ومن يخرج من القرية يذبح، فقد كانت منطقة الحويجة وقراها محاطة بألغام، فمن نجى من الألغام وتم ضبطه هاربا يعدم مذبوحا”.
تنوعت أحكام الدواعش على أهل القرية بين ذبح وتحطيم ساق، وجلد، ورجم حيث يقول علي “كان التنظيم يقوم برجم الفتيات اللاتي يشكون في سلوكهن فكانوا يحفرون لهن حفرة لا يظهر منها إلا رؤوسهن، ثم يقومون برجمهن ويدعون أهل القرية للرجم معهم وفعلوا ذلك بثلاث فتيات من القرية شكوا في سلوكهن فاتهمهن بالزنا وطبقوا عليهن عقوبة الرجم”.
حاول تهريب أمه للعلاج فحطم “داعش” ساقه
هناك عقوبات أخرى يحكي عنها “علي” تعبر عن حجم جرائم داعش في محاكماته، منها قص اليدين والقدمين أو ضرب الرقاب فيقول “لو ان احدهم حمل تليفون محمول فان العقوبة هي الإعدام لأنهم يتهمونهم بالتجسس لصالح القوات العراقية، فقد كانت والدتي مريضة وتحتاج لعلاج من خارج القرية فحاولت وأخي تهريبها خارج القرية لتتقى العلاج، فما كان منهم إلا أن ضربوا ساق الأخ الأصغر بمطرقة حتى تفتت العظم وهذا حكم من تسول له نفسه مد قدمه خارج الحدود التي وضعوها لهم، ومنهم من توفى بسبب جرائم داعش ضده.”
عبدالله نوري أحد رجال القرية الذي جلد على يد “داعش” 35 جلدة لأنه كان مريض أحد أيام رمضان فلم يصم، يتحدث لـ “أخبار الآن” وفي يده سيجارة يدخنها بسعادة بعد حرمان، فيقول” حرمت منها لمدة 3 سنوات، فقد كانوا يخبروننا أن ذنب السجائر يعم عليهم حيث أنهم إذا تركوهم يدخنون السجائر فسوف ينهزم الدواعش وسوف تروح منهم الموصل والحويجة لان السجائر منكر .”
على مدار أربعة أعوام قام تنظيم “داعش ” بالعديد من الجرائم التي نصبت لها محاكمات خاصة للمدنيين العزل في المناطق التي سبق وسيطروا عليها في العراق وسوريا قبل هزيمتهم وخروجهم منها، بدأت الجرائم فور استيلائهم على جبل سنجار بقتل رجال الايزيديين واغتصاب نسائهم تحت دعوى ملك اليمين، ووصولا إلى قص الأيادي والسيقان وضرب الأعناق تحت مسمى القصاص للمسلمين وغيرهم من الديانات الأخرى، عديدة هي الجرائم التي ستستعرضها المحكمة التي ستنظر في أفعال داعش وجرائمه فهل هناك جزاء سيوازي كل هذه المعاناة التي عاشها كل من أوقعه حظه العثر بطريق التنظيم.