الحادي عشر من سبتمبر، أحداث نيويورك الأليمة التي شكّلت بداية الإنحدار في نشاطاته تنظيم القاعدة، الذي على الرغم من دمويته في بعض الأحداث الفردية، إلّا أنّ قيادته بزعامة الرجل الهرم، أيمن الظواهري، أثبتت يوماً يعد يوم فشله، ففقد التنظيم القاعدة حضوره ميدانياً، فتراجعت ثقة أوساطه به في المنطقة، على مدى السنوات الماضية، وبات كلٌّ يغنّي على ليلاه.
ويجمع المراقبون والمحللون على فقدان الرجل كاريزما القائد، ومقوّمات القيادة، فيما آداؤه ساهم في سحب مركزية القرار من التنظيم، ليصبحَ المنصب الأعلى فيه مكانةً صورية لا أكثر، وليتحولَ دورُ القائد بعد أسامة بن لادن، من مقرّر في التنظيم، إلى مراقب لصفقات الفروع، مفاوضاتها، تقدمها وتراجعها.
وحتى مع توالي خسارات القاعدة، من ضربات أمنية موجعة، واعتقال قيادات مهمة في التنظيم، وصولاً إلى تصفية آخرين، بقي الظواهري صامتاً حيالها، فيما الفترة الأخيرة دفعت إلى الإعتقاد باحتمالية أن يكون ميتاً أو أصبح عاجزاً، بعدما غاب على نحو غير معهود عن الأنظار.
وفاة أيمن الظاهري
الصحافي المتخصص في شؤون الجماعات المسلحة، أكرم خريف، يقول لـ”أخبار الان“، إنّ الظواهري بطبعه كان رجلاً خجولاً وفاقد الكاريزما بصفة تامة، وأيضاً كان لا يعتبر صوته بين القادة في الفروع، مثل القاعدة في سوريا أو في شمال أفريقيا، وبالتالي كان يعتبر كرجل القش من طرف الفروع لإظهارها أكبر ممّا هي عليه. وتابع: كان الظواهري رجلاً مريضاً وضعيفاً، حتى من الناحية التواصلية كان رجلاً ضعيفاً جدّاً، ورأينا أنّه حتى من الناحية العملية، كان اجتهاد الامريكيين والدول الاخرى دور في القاء القبض على معاونيه ومساعديه وحتى الإصدارات الجديدة التي بدأت تبرز في القاعدة أكثر”.
وأشار خريف إلى أنّ خبر وفاة أيمن الظواهري سيشتت أكثر فروع القاعدة، خصوصاً تلك الموجودة بعيداً من المركز الذي هو الشرق الاوسط، وقال: أظنّ أنّ خبر وفاته هذا سينقص من الإلتحام بين الفروع المشتتة للقاعدة في العالم.
“في الوقت الصعب”
أمّا الباحث في الشأن والجماعات الإسلامية عرابي عبد الحي عرابي، فقال لـ”أخبار الان“، إنّ الظواهري جاء إلى زعامة التنظيم في وقت حرج جدّاً يمر به التنظيم، وأيضاً في ظلّ واقع سياسي عام، خصوصاً أن أسامة بن لادن قتل في مايو العام 2011، وهذا يعني أنّه جاء بعد موجة الربيع العربي، وكذلك هو تولّى هذا المنصب في نهاية حملة اعتقالات واغتيالات ومتابعة وملاحقة لتنظيم القاعدة، الذي كان أصلاً مترهّلاً، وكان بعيداً عن فروعه وعن التواصل المباشر معهم وعن السيطرة المباشرة عليها.
وأضاف عرابي: لذلك هو عندما جاء لم يستطع القيام بالكثير من الأعمال، فاستطاع مثلاً استحداث فرع جديد لتنظيم القاعدة عام 2014 في كشمير، في القسم الهندي من البلاد، وأيضاً استطاع توحيد بعض الجماعات ضمن مشروع محلّي، وهو تعزيز محلية التنظيم وفروعه، إضافةً إلى تدعيم تنظيم أنصار الشريعة في ليبيا وتونس. وهو يعمل في دول عديدة مثل أفغانستان والهند وماينمار وبنغلادش. بطبيعة الحال هو حاول أيضاً تعزيز حضور الفروع المحلية في كلّ من سوريا واليمن وليبيا. واستحدث تحالفاً جديداً في مالي تحت اسم جبهة أنصار الإسلام والمسلمين، لكن هذه الفروع ذاتها خضعت لدورة جديدة من العلاقات ولظهور متغيّرات في الوضع العالمي جعلته غير قادر على ضبطها، خصوصاً أنّ القيادة المحيطة به فقدت فاعليتها الواحدة تلو الأخرى بسبب الإغتيالات التي استهدفت قيادات مجلس الشورى العالمي للتنظيم.
“لا مقومات”
ومن جهته، قال الخبير العسكري يحي أبو حاتم لـ”أخبار الان“، إنّ الظواهري لم يكن يمتلك تلك الكاريزما التي كان يمتلكها بن لادن ولا المقومات كذلك، فبن لادن كان يمتلك كاريزما قوية ومقومات مالية وفنية، وكانت لديه القدرة على التاثير على أنصاره بشكل كبير على عكس المقاتلين. لقد تلقى التنظيم ضربات قوية من قبل التحالف الأمريكي داخل أفغانستان، وتمّ قتل الكثير من القيادات الميدانية، إضافةً إلى تدمير مقرّات التنظيم، كما أنّ الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا والموالون لهم في افغانستان وباكستان والاستخبارات، قضت على الكثير من أذرع التنظيم.
ولفت أبو حاتم إلى أنّ الظواهري لم يتمكن من إعادة إحياء التنظيم الذي بقي في حالة ثبات، وأيضاً الكثير من قيادات التنظيم بايعوا داعش وأصبحوا ينضون تحت رايته، وهذا ما أثر أيضاً على تنظيم القاعدة، وتابع: لذلك باعتقادي أنّ موت الظواهري ووجوده لن يؤثر على التنظيم، وهو أساساً في حالة ثبات وقد يكون غير قادر على إحداث أيّ ضرر بالمجتمعات كما كان يفعل سابقاً.
صراع الأفرع
تعيش القاعدة واقعاً إنحدارياً ملحوظاً… ومع شيوع خبر وفاة الظواهري، الغائب وغير الفعّال إلى حدٍّ كبير، ضجت أوساط القاعدة إرباكاً وترقباً، فالتشرذم ينخر تركيبته، إلّا أنّ غياب الظواهري عن المشهد “الجهادي” اليوم، يفتح سريعاً شهيّة الأفرع لإفراز القائد من نسيجه، ما قد يوسّع من إطار الصراع بين التفرّعات، وهو الأمر الذي يساعد في اتساع الهوة بين القيادة المركيزة والتفرعات.
وفي هذا الإطار، يقول عرابي: إذا لاحظنا سلسلة أو هرمية القيادات في تنظيم القاعدة، سنشاهد أنّ مثلاً أسامة بن لادن كان أحذ أقرب المقرّبين إليه الشيخ عطية الله الليبي وايضا ابو الخير المصري اللذان اغتيلا، المصري كان له رأي خاص في سوريا وانه يجب الانفصال عن تنظيم القاعدة اي ان اي شخص من داخل التنظيم، هو طلب من السوريين الانفصال عن تنظيم القاعدة وقد اغتيل هذا الرجل.
عملياً من ضمن مجلس الشورى العالمي لتنظيم القاعدة بقي هناك شخص واحد وهو ابو فاروق السوري، وهو صهر سيف العدل القائد العسكري للقاعدة (زوج ابنته) وقد يكون له دور في المستقبل لكن هل يوجد حضور لتنظيم القاعدة في سوريا؟ لا يوجد له ذلك الحضور القوي، خاصة ان هيئة تحرير الشام عملت على تفكيك خلاياه على الارض، وعمل ايضا التحالف على استهداف كل قياداته الفاعلة.
اغتيل في الأشهر الأخيرة ابو القسام الاردني وخالد العاروري وقبله ابو خديجة الاردني وبلال خريسات وايضا ابو خلاد المهندس وسامي شهاب وهم جميعا من القيادات العسكرية المهمة جدا في هذا التنظيم، وايضا تم اغتيال ابو محمد السوداني وهو من القيادات الشرعية ذات التاريخ الجهادي في أفغانستان وفي اليمن وصولا إلى سوريا.
وقد كان بعض هؤلاء الشخصيات خاصة العاروري ممن قام تنظيم القاعدة بتنفيذ صفقة مع ايران للافراج عنهم واخراجهم ليتوجهوا بعد ذلك الى سوريا وتلك الصفقة كانت عام (2013 – 2015). وتلك الصفقة كانت بغية اعادة تفعيل فروع القاعدة الخارجية لكن التحالف استطاع رسم الأهداف وبعد ذلك قام باستهدافها والقضاء على الرؤوس المهمة والفاعلة في تنظيم القاعدة فرع سوريا ولم يبقى منهم شيء.
نفس الاستراتيجية نراها في بلاد المغرب الاسلامي في علم 2020، قتل ما يزيد عن ثلاثة قادة في تنظيم القاعدة ، وحتى في اليمن اغتيل ابو هريرة الصنعاني قائد تنظيم القاعدة في اليمن وحل مكانه خالد باطرفي.
قد يقترح فرع القاعدة في اليمن ان يكون البديل منه، او فرع اخر مثل حراس الدين يطالب بان يكون الزعيم من فصيلهم، وذلك قد يؤدي الى التنازع بين فروع التنظيم، الامر الذي قد يتطلب التكتم او تاخير الاعلان من اجل التجهيز لخليفة الظواهري، واخذ البيعة او القبول المبدئي من بقية التنظيم لهذا الامر حرصا على ان يبقى ولو شكلا ضمن اطار موحد.
الخليفة
إعلان وفاة الظواهري قد يتأخر إلى حين، ريثما يتمّ الإتفاق على اسم قائد جديد، يمكن أن يكون مقبولاً من قبل أفرع القاعدة في المنطقة. محمد صالح زيدان أو سيف العدل، الإسم الأبرز لهذا المنصب، لكن خالد باطرفي يعتبر أيضاً منافساً قوياً له، ولو أنّه لا يحظى بتأييد داخلي. لكن إلى حين إعلان اسم القائد الجديد، يبقى الإرباك والتخبط يسيطران على أوساط القاعدة، قاداتها وعناصرها.
ويقول عرابي: من المرجح في ظلّ فقر التنظيم للقيادات الفاعلة ذات التاريخ الجهادي أو ذات البعد الإستراتيجي، وتشابك العلاقات مع الأطراف الأخرى من فروع التنظيم، يبقى لدينا اسم ظاهر على الشاشة وهو محمد صلاح الدين المكنى بسيف العدل، وهو المرجع والخبير العسكري في تنظيم القاعدة، وهو الادرى بالواقع العسكري لكافة فروع التنظيم. ويتابع: “سيف العدل كان ضابطا سابقا في الجيش المصري، ووفقا لبعض المعلومات كان خبيرا في صناعة المتفجرات ومسؤولا عن اللجنة الامنية التي قامت بحراسة اسامة بن لادن، فهو ايضا يمتلك رؤية امنية وخبرة عسكرية واستراتيجية، من الممكن ان يكون هذا الشخص القائد البديل ويحوز على رضى الأطراف”.
ويلتقي معه في ذلك خريف الذي قال إنّه من المرجح أنّ من سيخلف الظواهري هو سيف العدل، وهو عميد مصري منشق إسمه محمد صالح زيدان، وكان هو من قام بخلافة أسامة بن لادن في العام 2011 لمدّة قصيرة إنتقالية كأمير موقت للقاعدة.
مستقبل القاعدة
الضبابية تلف هذا التنظيم من مختلف الجوانب، خصوصاً مع الخسارات المتتالية له، فقد قضي على فرع التنظيم في سوريا في يونيو، وتعرض لهزيمة في اليمن بعد وقت قصير من مقتل زعيم التنظيم هناك في ضربة أمريكية بطائرة مسيرة، كما قتل زعيم التنظيم في شمال أفريقيا في غارة فرنسية بمالي في يونيو، ليعيّن التنظيم مؤخراً أبو عبيدة العنابي خلفاً لعبد المالك دروكدال.
ويقول خريف إنّ القاعدة تعيش اليوم ضغطاً رهيباً من الناحية العسكرية على الارض، ونرى أنّها تتراجع في العديد من الأماكن، خصوصاً في شمال أفريقيا وفي الجزيرة العربية، وهي في تراجع رهيب وكبير جدّاً، ونراها أيضاً تتراجع في سوريا ولكن نراها تتعز تتعز في بعض المناطق الاخرى مثل القرن الافريقي واليوم اسيا واسيا الوسطى. وأشار إلى أنّ القاعدة ما زال لها زمن طويل كمنظمة ارهابية واظن انها ستلعب دوراً للأسف “فعال” في السنوات المقبلة مع التطورات الجديدة ومع تغيير استراتيجيتها على الارض والميدان.
أمّا عرابي فقال: أرجح أن الظواهري قد يكون توفي او على وشك الوفاة، المشكلة ان اعلان الوفاة سيتاخر وهذا يخضع لظروف داخلية ضمن التنظيم لا نستطيع التأكد منها، لكن هناك مشاورات تجري داخل التنظيم للوصول الى بديل عنه يتفق عليه ضمن فروع التنظيم لانه من المحتمل وبشكل كبير جدّاً أن يؤدّي خبر وفاة الظواهري من دون ان يكون هناك بديل موافق عليه بأكثرية الافرع الى اعلان بعضها الانفصال عن التنظيم او ربّما المنافسة والمنازعة على ان يكون البديل جزءا منها.
يجب ان ننظر الى المشهد بصورة عامة، فعندما ننظر الى مشهد القاعدة في اليمن فنحن نرى له ضعفا كبيرا خصوصا انه محاصر من عدة جهات، خصوم وفاعلون، سواء من قبل الحوثيين او من قوات التحالف او من قوات تنظيم الدولة ذاتها.
في سوريا أيضاً، فإنّ فرع القاعدة في أضعف حالاته، وهو الآن انتهى عملياً… فصيل حراس الدين والفصائل التي كانت متحالفة معه انتهت عمليا وحتى الفصائل المحلية تأبى ان تتعامل معه وتخشى ذلك خاصة بعد ان رفعت هيئة تحرير الشام دعمها عنه وهي عملت على تفكيكه.
اذا في ليبيا انتهت عمليا سطوة القاعدة في تلك المنطقة، وفي تونس ايضا نرى انها انتهت خاصة بعد ضربات الامن التونسي وتفكيك الكثير من الخلايا منذ زمن طويل، ويبقى لدينا الفرع الوحيد الذي قد يكون او الحركات التي لها فاعلية هما حركة الشباب في الصومال، وجبهة انصار الاسلام والمسلمين في مالي ودول الصحراء، وهذه الفروع يمكن انها قد تتوجه الى تعزيز المحلية وطرد المنافسين خاصة تنظيم داعش لانه يحاول التمدد في وسط افريقيا وغربها وهذه ستكون مهمة صعبة امام جبهة انصار الاسلام والمسلمين.
وكذلك فرع القاعدة، حركة الاسلام والمسلمين ستكون امام تحدي القوات المحلية وقوات الدول الافريقية التي هي في الصومال التي ستكون في طور التحدي لاعادة بناء نفسها في هذه المنطقة، لذلك سيعمل هذان الفرعان على تعزيز حضورهما في المنطقة ولن يكونا منشغلين في التمدد الى دول اخرى او تهديد الامن العالمي.
وتابع عرابي: “إذا أعلن وفاة الظواهري، وتأكّد الأمر بذلك ولم يكن هناك بديل متفق عليه، قد تخضع هذه الفصائل المحلية لإعادة مراجعة ويحدث ضمنها انشقاق وانضمام لداعش، وربّما في الصومال قد تحدث انشقاقات ويتجه عدد كبير منها الى الدول الجنوبية الشرقية من أفريقيا خصوصاً موزنبيق التي بدأ يتصاعد تنظيم داعش فيها، وهذا انتقال من مرحلة جادية الى مرحلة جهادية أخرى.
“الحاجة لفكرة مضادة”
ورأى أبو حاتم أنّه لا نستطيع أن نقول إنّ التنظيم سيأفل أو سيغيب عن المشهد، فهذا التنظيم وباقي التنظيمات لديها أفكار عقائدية متطرّفة والفكرة لا تموت، وأعتقد أنّ الفكرة ستظل قائمة وهذه التنظيمات تنتظر من يحركها. وتابع: بالنسبة للفكرة، فهي ستبقى موجودة، ونحن نتعامل مع تنظيمات راديكالية عقائدية متطرّفة، وهذه التنظيمات لديها فكرة والفكرة لا تموت إلّا بمواجهتها بحرب فكرية تستطيع أن تقضي على هذه الأفكار التي دخلت إلى العقول.
أفول القاعدة، مصطلح يصف بوضوح مدى تقهقر هذا التنظيم إذاً، ومحطات عديدة أثبت أنّ الظواهري فشل في قيادة التنظيم، الذي باتت أفرعه أشبه بعصابات متناحرة فيما بينها.