بعد قتل عبد الملك دروكدال، زعيم تنظيم القاعدة السابق في بلاد المغرب الإسلامي، استغرق التنظيم هناك خمسة أشهر للاتفاق على القائد، خليفة دروكدال، وهذا الشخص هو أبو عبيدة يوسف العنابي، المعروف أيضًا باسم يزيد مبارك. يزيد مبارك ذو الواحد والخمسين عامًا، هو أحد قادة التنظيم المحليين في أفريقيا، ولا يمكن مقارنة مكانتِهِ بالأسطورة المعقدة، التي بناها دروكدال على مدار أعوام.
لم يكن تعيين العنابي مفاجئًا لأنه كان أحد الخيارات الضعيفة والقليلة التي كانت أمام تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بعد قتل دروكدال، فهو اشتهر كمتحدث باسم التنظيم في السنوات الأخيرة، كما أشار أعداؤه بالفعل، وهو ليس أكثر من “محارب دعاية”، وكذلك ليس لديه أي خبرة قتالية. وبالنظر لكون عمليات القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي تتم إلى حد كبير في إطار الدعاية، يمكن القول إن القائد الجديد يناسب التنظيم.
وكأيّ فرع آخر للقاعدة وجماعة جهادية تابعة، فإنّ القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي هي بالطبع منظمة إرهابية دموية، لكن في الوقت نفسه، يختلف الأمر من نواحي عديدة، لأنها تدرك التكلفة الهائلة لقتل الأبرياء.
لهذا السبب، تطلب في حملاتها الدعائية من المسلّحين تجنّب التسبّب في ضرّر “غير ضروري” للمدنيين، كما تحاول تجنّب استعداء الجماعات العرقية المحلية، لتكون قادرة على جذبها.
ووفقًا لوسائل الإعلام التابعة للتنظيم في بلاد المغرب الإسلامي، فإنّ العنابي خريج اقتصاد، وهو جهادي نشط منذ أوائل التسعينيات عندما كانت الجزائر تخوض حربًا وجودية مع الجهاديين.
عُرف العنابي بأنّه المتحدثُ الذي أعلن مبايعة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لـ أيمن الظواهري في العام ألفين وأحد عشر، وبعد ذلك، كان تركيزُه على الرسائل التي حاولت الاستفادة من أحداث الربيع العربي، واحتجاجات العام ألفين وتسعة عشر في الجزائر، لكن من دون أيّ دليل يشير إلى أنّه حققّ أيَّ نجاحٍ في هذا الصدد.
لماذا يفضل بعض الإرهابيين قادة مثل العنابي؟
يُفضّل بعض إرهابيي القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الظهور كمنظمة أقل عنفاً، فالأمر لا يتعلق بالواقع، إنّما بالصورة.
يعرف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، بأنّ أيديولوجية التنظيم وممارساته الدموية، أدّت إلى نفور المسلمين تمامًا في كلّ أنحاء العالم، ما يصعّب أكثر وأكثر على المنظمة التجنيد أو الحصول على أيّ تمويل.
إذاً، العنابي رجلٌ مناسبٌ لهذا العمل، إذ يُنظر إليه على أنّه رجلٌ يدّعي أنّه أقلَّ دمويةً. وبغيةَ تحسينِ صورةِ القاعدة كي تصبحَ أكثرَ قابليةً وأسهلَ تسويقًا، يحاول العنابي استخدامَ اللغة العامية المحكية أكثر، ومتجنباً المصطلحات الجهادية أحياناً.
إنّ براغماتية العنابي تصبُّ في سياق التفرقة بين الإرهابيين، ولكنها مع ذلك تعتبر خطرة، وخيرُ مثال على ذلك عندما ظهر مؤيداً لفكرة “الصلاة على روح” القيادي السابق في الإخوان محمد مرسي، رغم اعتبار الكثيرين في القاعدة أن الأخير شخصاً “مرتدًا”.
ومن الواضح أن ما يسعى إليه العنابي من خلال هذه البراغماتية، مع العلم أنّ رسالة القاعدة لا تصل إلى أيّ مكان، هو محاولة استخدام وسائل الإعلام بما في ذلك وكالات الأنباء العالمية الكبرى في حملاته الدعائية، وفي حال كان الأمر كطالبان والجولاني، فذلك ليس صدفةً.
انظر إلى الساحل لترى الوجه الحقيقي
بينما يلعب تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي دوراً يغلب عليه الطابع التصالحي في حملاته الدعائية، إلا أنّه لا يزال الرئيس الفعلي لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، فرع التنظيم في الساحل، الفرعَ الدموي إلى حد ما.
العلاقة بين تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين ليست فقط على الورق، فهناك تنسيق عملياتي وثيق بينهما، كما أظهر قتل كبار قادة التنظيم في بلاد المغرب الإسلامي، بما في ذلك دروكدال نفسُه، حيث تم العثورُ عل القادة وقتلوا في مالي، وهي منطقة تابعة لجبهة النصرة الإسلامية.
فعلياً، القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين هما وجهان لعملة واحدة. هذا مهم لأنه ليس من الواضح ما إذا كان زعيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إياد أغ غالي سيقبل قيادة العنابي. فقد كان إياد أغ غالي أيضاً منافساً لمنصب رئيس القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ومع مرور الوقت، يمكن أن يظهر الشقاق بين الزعيمين.
الأجندة الحقيقية: محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه
وبغض النظر عن كل شيء، هناك سبب واحد وراء محاولة الإرهابيين الموالين للقاعدة في شمال أفريقيا للاستفادة من قيادة العنابي، وهو امتلاكه السمات المناسبة لمحاولة إنقاذ الجماعة المحلية من الانهيار على أنقاض التنظيم المتهالك.
يبدو أن الجهاديين المؤيدين للتنظيم قد تأثروا واستلهموا أُنْمُوذجَ طالبان في أفغانستان في مفاوضات السلام مع الأمريكيين. حتى أمير إدلب الصغير، أبو محمد الجولاني، يتم ذكره على أنه حالة نجاح جزئية. ويتناقض مثل هذه الحالات مع الفشل التام لمافيا الظواهري المصرية التي تدير القاعدة المركزية. وتدرك أوساط القاعدة أن الجهاد العالمي قد ولّى وأن موت التنظيم بات وشيكًا، وهذا هو السبب في اهتمامهم بالتخلي عن الجهاد العالمي، والتخلي عن القاعدة وتوفير أيّ قوة وأموال وموارد أخرى ممكنة، لاسيما أن الفرصة ما زالت سانحة أمامهم.
أين يكمن الخطر؟
الصورة التي بناها العنابي حتى الآن تتوافق مع الواقع الجديد لانهيار هيكل القاعدة. قد تكون النهاية العملية للأجندة الجهادية العالمية بشرى سارة للعالم. ومع ذلك، فهذا يعني أيضًا أن منظمات مثل القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عازمة على بذل قصارى جهدها للبقاء على قيد الحياة، من خلال استغلال المظالم المحلية والقضايا العرقية. هذا هو السبب في أن ضعف العنابي لا يبعث على الارتياح لشعوب شمال أفريقيا والساحل لأن مثل هذا النهج لديه القدرة على إبقاء القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي حية وخطرة لسنوات قادمة.