الإيغور ملف توافقي بين ترامب وبايدن
يبدو أن قاعدة “نتفق على ألا نتفق” التي اتسمت بها العلاقة بين الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، والرئيس الجديد جو بايدن، قد كسرت في أحد الملفات الحساسة التي تديرها واشنطن وتتعلق بالعمالة الجبرية وانتهاك حقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ الصيني الذي تقطنه أقلية الإيغور المسلمة.
مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، كانت قد أوردت تقريرا في الثالث من شهر ديسمبر الجاري، سلطت فيه الضوء على العمالة الجبرية في الإقليم الذي يعاني أهله من ويلات الحزب الشيوعي الصيني واضطهاد على أساس العرق والدين، صُنفت وفق الكثير من التقارير الحقوقية بجرائم ضد الإنسانية.
وكتب الصحافي المسؤول عن إعداد التقرير: “حظي العمل الجبري باهتمام جديد وبالغ على اعتبار أنه يشكل جزءً من القمع الصيني المروع لأقلية الإيغور في شينجيانغ، والذي يشمل أيضًا الإبادة الجماعية الثقافية والسجن والتعذيب.. العديد من التحقيقات والتقارير الواردة من المنطقة ركزت على معسكرات العمل القسري التي ترعاها الدولة. ومع تزايد عدد المخيمات بمرور الوقت، يصعب الحصول على الأرقام، لكن منظمات حقوق الإنسان تقدر أن ما يصل إلى 1.5 مليون من الإيغور والكازاخستانيين والأقليات المسلمة الأخرى محتجزون في نحو 1000 معسكر اعتقال بشينجيانغ”.
وكان بايدن قد وعد خلال حملته الانتخابية بمنح حقوق الإنسان وزنًا أكبر في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وترى المجلة الأمريكية أنه يمكن أن يشكل “القضاء على العمل الجبري في سوق أمريكا” أحد القضايا القليلة من إرث إدراة ترامب والتي يمكن لبايدن البناء عليها بشكل أكبر من سلفه.
ووقع ترامب قانون سياسة حقوق الإنسان لعام 2020، والذي يستهدف مسؤولي الحكومة الصينية الذين يُعتبرون مسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في منطقة شينجيانغ. وبعد فترة وجيزة من دخوله حيز التنفيذ، فرضت عقوبات على سكرتير الحزب الشيوعي في شينجيانغ “تشين تشوانغو”.
كما أقر مجلس النواب الأمريكي في شهر سبتمبر الماضي، قانوني الإفصاح عن العمل الجبري للإيغور لعام 2020 ومنع العمل الجبري لتلك الأقلية بدعم جماعي تقريبًا. ويسعى كلا المشروعين إلى معالجة الاستخدام المتزايد للعمل القسري في سلاسل التوريد العالمية. في حين أن الأول سيتطلب من الشركات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها تقديم تقارير ربع سنوية عن العمليات في منطقة شينجيانغ، فإن الثاني سيعرض الشركات لإجراءات جنائية في حالة وجود عمالة قسرية في سلاسل التوريد الخاصة بها.
شركات تقتات على دم الإيغور
من بين المستفيدين من انتهاكات الصين المروعة لحقوق الإنسان، قائمة طويلة من الشركات العاملة في أمريكا، وكثير منها من الموردين للشركات الغربية. على سبيل المثال، تضمن تقرير صادر عن اللجنة التنفيذية للكونغرس الأمريكي بشأن الصين في مارس / آذار الماضي، قائمة بالشركات “المشتبه في أنها تستخدم عمالة قسرية بشكل مباشر أو توفر مصادر من الموردين المشتبه في استخدامهم للعمل القسري” بما في ذلك شركات عالمية ضخمة مثل “آديدس” و”كوكاكولا” و”نايكي” و”أتش أند امز” و”كرافت” والعديد من الشركات الأخرى.
ورجحت “فورين بوليسي” في تقريرها، أن الإجراءات الجديدة من شأنها أن تجعل الكثير من الشركات تعيد حساباتها في التعامل مع العمالة الجبرية بشينجيانغ، وخاصة بعد صدور أوامر من قبل إدارة الجمارك الأمريكية (CBP) تضمنت حجب الإفراج عن كثير من الشحنات الواردة من شينجيانغ للاشتباه بأنها أنتجت وفق العمل الجبري.
وضربت المجلة مثالاً على ذلك في تقريرها الذي كُتب فيه: “في 20 من شهر أكتوبر، أصدر مكتب الجمارك وحماية الحدود أول اكتشاف له بشأن العمل الجبري منذ عام 1996، مستهدفًا إنتاج محلي “ستيفيا” الذي تنتجه شركة “بيور سيركل”. كانت هذه خطوة مهمة، لأن مثل هذا الاستنتاج يتطلب دليلًا قاطعًا على وجود عمل قسري، في حين أن أمر حجب الإفراج لا يتطلب سوى تصديق معقول. حتى كتابة هذه السطور، تم إصدار 13 أمرًا من هذا القبيل للمستوردين. دخلت إحدى تلك الشركات وهي شركة “بيور سيركل”، في تسوية بقيمة بلغت 575000 دولار مع CBP في وقت سابق من هذا العام”.
وتؤكد المجلة “أنه في حال أصبح مشروعا القانونين الجديدين الذين أقرهما الكونغرس قانونين، فسوف يلعب مكتب الجمارك وحماية الحدود دورًا محوريًا في استهداف القطاع الخاص، ويمكن توقع زيادة كبيرة في إصدار أوامر تتعلق بحجب الإفراج عن الشحنات وتوقيفها”.
كما ترى “فورين بوليسي” أنه “بالنسبة للشركات الأمريكية والغربية الأخرى التي تصنع في الصين أو تستورد منها، يمكن أن تتحول انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد إلى خطر كبير – ليس فقط على السمعة ولكن أيضًا التشغيلية والقانونية والمالية. قد يكون هذا أحد الأسباب التي دفعت شركة آبل وشركات أخرى لممارسة الضغط ضد تشريعات العمل الجبري المتعلقة بشينجيانغ في مبنى الكونغرس”.
وتختتم المجلة تقريرها بتفاؤل تبديه حول ولاية بايدن فيما يتعلق بحقوق الإنسان بشكل عام وحقوق الإيغور في شينجيايغ بشكل خاص، وكتب معد التقرير: “يمكن لبايدن تعزيز مكانة الولايات المتحدة على الساحة الدولية من خلال كونها الدولة الرائدة في إدانة انتهاكات حقوق الإنسان في الصين”.
وتحتجز الحكومة الصينية أكثر من مليون من أقلية الإيغور في معسكرات اعتقال جماعية، كما تحدثت تقارير دولية عن حملة إبادة جماعية يقودها الحزب الشيوعي الصيني ضد تلك الأقلية بهدف سلخها عن الوجود وتغيير التركيبة الديموغرافية لسكان إقليم شينجيانغ.