عقب أنباء “غير مؤكدة” نقلها تنظيم داعش في اليمن في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي عن أن خالد باطرفي، زعيم تنظيم القاعدة في اليمن، قد سلّم نفسه للقوات اليمنية بعد غارة على مخبئه في المهرة؛ وقتل سعد عاطف العولقي، ترد الآن أنباء بأن باطرفي قد تم عزله من منصبه أميراً للقاعدة.
بين المعلومتين، تحليل يحمل واقع الحال الذي وصلت إليه القاعدة في جزيرة العرب، وهو الخلافات والصراعات الداخلية على السلطة والتفكك وارتفاع الإنشقاقات في صفوف القاعدة، كما الانكشاف بين أفراد التنظيم، وكذلك أمام المجتمع المدني والقبلي في اليمن.
أحدث الأنباء المنقولة عن مصدر مختص بشؤون الجماعات المتطرفة، تشير إلى تأكيد عزل باطرفي نقلاً عن مصادره الخاصة، وتلفت هذه المصادر النظر إلى أن هكذا أمر لن تعلنه القاعدة في جزيرة العرب فوراً، بل ستعلن بعد مدة من هو أميرها الجديد، خصوصاً بعد الانشقاقات الكبيرة التي حدثت إثر الخلاف مع أبو عمر النهدي، القيادي الذي انشق قبل أشهر عن التنظيم مع مقاتليه.
اهم ّ الاسباب وراء امكانية عزل باطرفي
هناك نقاط عديدة تكون قد أدت إلى عزل باطرفي في حال ثبوت الأنباء هذه، إذ بعد قتل عدد من القيادات في القاعدة إثر الضربات الجوية الأمريكية، وآخر أبرزها كان قتل الأمير السابق للقاعدة قاسم الريمي، فإن باطرفي تفرغ لتحقيق مصالحه الشخصية، واعتقال وإعدام كل من يشك به، وكذلك توجيه الاتهام بالجاسوسية والعمالة لكل من خالفه الأمر، وفق ما نقله بعض المنشقين.
هذا الأمر أكدته كذلك إصدارات صدى الملاحم، الذراع الإعلامي للقاعدة، فعبر ثلاثة إصدارات تحت اسم “هدم الجاسوسية”، عملت القاعدة في اليمن على عرض بعض أفرادها الذين اتهمتهم بالجاسوسية، وأنزلت فيهم عقابها وهو الإعدام.
بعض المعلومات الواردة في مواصع التواصل الاجتماعي تشير إلى أن أكثر من 550 عنصر قد انشقوا والتحقوا بداعش بعد إعلان مبايعة خالد باطرفي أميراً للقاعدة في اليمن، هذا فضلاً عن المنشقين التائبين الذين عادوا لأحضان القبيلة والمجتمع المدني، ولو تخفياً حفاظاً على حياتهم.
وهؤلاء العائدين لحضن القبيلة، تحدث عنهم الإصدار الأخير من “هدم الجاسوسية” مشيراً إلى أشخاص رفضوا العمل العسكري لأنه “صار مسؤولية سوف تسأل عنها قدام الشيخ.. بدأ الدعم العسكري كل يهرب”.
إلى جانب هذه النقاط، فإن القاعدة في جزيرة العرب خسرت كثيراً من حاضنتها القبلية، خصوصاً مع التقارب الذي بدا واضحاً للجميع بين القاعدة والحوثيين وداعش.
منذ الشهر الماضي، تشرين الثاني/ نوفمبر، تساءلت حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي إن كان صراع على زعامة القاعدة في اليمن سيحدث بين باطرفي وسيف العدل، كما أن القاعدة، وفق المصدر الذي تحدث عن عزل باطرفي، بدأت بتحييده من الظهور الإعلامي الذي يعشقه، مقابل إبراز القيادي ابراهيم القوصي الملقب بخبيب السوداني.
أبو أمير: قيادات تريد الخروج من القاعدة لكنهم مذعورون من العقوبة
أبو أمير، المنشق عن القاعدة الذي قابلته أخبار الآن الشهر الماضي، كان قد أكد الانشقاقات والهروب من التنظيم، وأوضح أن القاعدة “لا تظهر للعلن حدوث أي خلاف أو انشقاق أو هذا الخلل الذي يحدث في القيادة، لأنهم متحفظون جداً في هذا الموضوع”.
وأكد قائلاً: “طبعا أعرف ناساً قد أخذوا هذه الخطوة أو أنهم حاولوا الهرب، لكن حسبما سمعت ورأيت فقد جرى الإعدام لبعض الأشخاص الذين حاولوا الهرب، لا أعرف عددهم بالضبط، أو كم من الناس الذين حاولوا الهروب من التنظيم، لكن هناك إعدام وهناك اتهام بالخيانة والتصفية لكل من يحاول أو تسول له نفسه الهرب من داخل التنظيم”.
وأضاف أبو أمير أن “هناك قلة من القيادات تريد الخروج من هناك، ولكنهم خائفون ومذعورون من العقوبة، لأنه إذا تم الإمساك بهم فأنهم سيعدمون وسيصفون”، مشيراً إلى أن “هناك تدريبات ومحاضرات تتم بعد شهرين من التدريب أو في أثناء التدريب لغسل العقول تماماً بحيث لا يكون تفكيرك إلا القتال ثم القتال ثم القتال”.
أبو أمير: بعد استيلائها سابقاً على الخدمة المدنية، القاعدة سرقت البيانات وتقوم بتزوير الهويات
وبسؤالهم عن الأمكنة التي سيلجأ إليها القياديون المنشقون عن القاعدة، ومنهم أبو عمر النهدي مثالاً، كشف أبو أمير أنه “بشكل عام قيادات التنظيم يختفون ويختبئون بشكل سري وبشكل كبير للغاية ولا يتم التعرف عليهم، وهم أيضا لديهم هويات مزورة وبطاقات مزورة كثيرة، وذلك بسبب أنهم عندما استولوا على مبنى الخدمة المدنية في مدينة حضرموت، أخذوا البيانات التي كانت توجد في الخدمة المدنية بشكل كامل، لذلك يتم تغيير الهويات والبطاقات بشكل دائم”.
كما شرح أبو أمير كيف تقوم القاعدة بإغراء الشباب واستغلال أوضاعهم وتمسكهم بالدين، مشيراً إلى أنه “خريج جامعي قسم إدارة أعمال، لكن بسبب الأزمة والأزمات التي حصلت في البلاد، وأيضا ليس هناك شغل، اضطرت أن التحق بهذه الجماعة لأنهم أغروني براتب شهري، وأيضا في الدفاع عن الدين وعن الإسلام، مما جعلني أنضم معهم وأذهب إليهم”.
لكن أبو الأمير نبذ العنف وقرر الانشقاق، لافتاً إلى أن “اليمن فيها فقر كبير جدا، وأيضا جهل، فضلاً عن الوازع الديني والإسلامي الذي يجعل أي واحد يتعصب، خاصة اليمني إلى الجانب الديني والإسلامي بشكل كبير، وهذه النقطة استغلها التنظيم في جمع الشباب لكي يدافعوا عن دينهم وإسلامهم، وأيضا لكي يعطوهم مبالغ لأنهم فقراء، فضلاً عن الجهل الذي طغى عليهم وصدقوا كل ما يقولون”.
ووصف أبو أمير العلاقة بين القاعدة وداعش بأنها “علاقة دم، القاعدة تسفك الدم، داعش تسفك الدم، كلهم تحت راية واحدة وتحت يد واحدة، اللهم اختلاف المسميات فقط، لكن العمل الذي يقومون به عمل واحد وهو سفك الدماء وهذا ما ننبذه”.
ووجه المنشق عن القاعدة أبو أمير رسالة، جاء فيها “أقول لأفراد القاعدة الذين لا يزالون هناك ، لا تنخدعوا مثلما أنا انخدعت، أيضاً بقدر الإمكان حاولوا أن تعرفوا الطريق الصحيح، طريق الرسول صلى الله عليه وسلم الطريق الصحيح، وليس ما يقوله هؤلاء الأوغاد الذين غسلوا عقولنا وأفكارنا بأننا نحارب من أجل الدين ومن أجل الإسلام، فنصيحتي لهم أن يحاولوا قدر الإمكان الإبتعاد والانشقاق عن هذا التنظيم وهذه الخلايا”.
أبو أمير: أتمنى أن يأتي يوم أكشف اللثام وأتحدث عن جرائم وأضرار القاعدة
وبسؤالنا إن كان يتمنى أن يأتي اليوم الذي يستطيع فيه أن يتحدث إلينا دون الاضطرار إلى إخفاء شخصيته، أكد أنه “طبعا أتمنى أتمنى أن أبعد اللثام وأتحدث عن الجرائم والانتهاكات التي تحدث من التنظيم، وأقولها بإسمي وأفصح بلساني، وإن شاء الله سيأتي هذا اليوم الذي سأتكلم فيه أمام الناس وأمام العالم عن الجرائم وعن أضرار هذا التنظيم”.
أخبار الآن قابلت كذلك الشيخ أحمد عمر بامعس، شيخ قبيلة البامعس وأحد أعيان حضرموت، الذي نفى معرفته بإعلان أي من قيادات القاعدة توبتهم أو تراجعه عن العمل مع القاعدة، لكن كثيراً من الأفراد العاديين قد انشقوا بحسب قوله.
الشيخ بامعس: العمل العقائدي شيء والمرحلة شيء مختلف
وتحدث الشيخ بامعس عن أن البعض كان قد التحق بالقاعدة بسبب ما سماه “المرحلة”، إذ قال “كثير أنا أعرفهم، لكن ليس عن قناعة أنه انضم إليهم، بل مجرد أنه خلاص هدول طاروا من البلاد انتهى دورهم، وانتهى تفكيرهم، لذلك الكل احتضنهم، ونحن نعرف قيادات كانت على رأس القائمة، موجودة في الساحل، وكانت متعاونة معهم أو بشكل آخر اشتغلت معهم، لكن مع ذلك تم العفو عن هذا لأنه العمل العقائدي شيء والمرحلة شيء مختلف”.
الشيخ المعاري: كلمني وسيط لأجل توبة أحدهم ورحبنا
من جانبه، تحدث الشيخ عبد الله سعيد المعاري، شيخ قبيلة المعاري وأحد الشخصيات الاجتماعية بحضرموت، عن رغبة كثيرين من أفراد القاعدة في التوبة والعودة إلى القبيلة.
وروى الشيخ المعاري أنه “في واحد كلمني الحقيقة يعني عن طريق واحد واسطة، قال واحد من المهرة يريد أن يتوب، من أبناء القبيلة، وذهبنا للمهرة فلم نجده، إذ كان هاتف الوسيط مغلقاً، ولم نستطع التواصل مع الراغب في التوبة، وإلا فنحن قد ذهبنا لنقبله ونعود به”.
وأشار الشيخ المعاري إلى أنه كان يتمنى العودة بهذا التائب “على أساس أن نأتي به ويصلح ويتوب ويرد له رشده، لكن لا نعرف ما الذي قرره الوسيط فأقفل جوّاله”.