بعد نحو 20 عاماً من هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، أحبطت قوات الأمن الأمريكية والفلبينية هجوماً في 11 سبتمبر/أيلول، المنصرم، كان من المقرر أن يتبع الأسلوب الذي استخدم في أحداث سبتمبر الشهيرة ضد الولايات المتحدة.
قبيل الحادثة بنحو عام، اعتقلت قوات الأمن الفلبينية تشولو عبدي عبد الله، العضو الكيني في جماعة الشباب، والذي ألقي القبض عليه في إيبا، زامباليس في الفلبين، مطلع يوليو 2019، بعد مراقبته من هاتف محلي.
ونُقل عبد الله في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2020، إلى الحجز في الولايات المتحدة بتهمة التآمر لاختطاف طائرة وتحطيمها في مبنى شاهق في الولايات المتحدة.
قبيل أيام وبالتحديد في 5 يناير دعا أبو عبيدة زعيم جماعة الشباب أتباعه إلى تصعيد الهجمات ضد أهداف أمريكية وإسرائيلية، كما دعا أيضاً إلى اعتداءات على فرنسا بسبب ما وصفها بـ”جرائمها” ضد النبي محمد.
في الوقت ذاته أحيا أبو عبيدة الذكرى السنوية لهجوم الجماعة الإرهابية على معسكر سيمبا في كينيا، بدعوى أنه كان انتقاماً لجرائم أمريكية مزعومة ضد مسلمي الصومال، وأضاف أنها كانت أيضاً جزءاً من سلسلة اعتداءات تحت شعار “القدس لن تكون أبداً يهودية”، الذي أطلقته القاعدة رداً على قرار إدارة ترامب بالتحرك لنقل سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل إلى مدينة القدس.
ويُزعم أن مؤامرة تشولو عبدي عبد الله جزء من عملية “القدس لن تكون يهودية أبداً” التي انطلقت في عام 2019.
وتقول المدعية الأمريكية في مانهاتن أودري شتراوس “شكراً لعمل التحقيق الرائع من فرقة العمل المشتركة لمكافحة الإرهاب في نيويورك، وبالشراكة مع مكتب التحقيقات الفيدرالي العالمية مع سلطات إنفاذ القانون، والوكالات في جميع أنحاء العالم، تم الكشف عن مؤامرة عبد الله قبل أن يتمكن من تحقيق طموحاته، والآن يواجه اتهامات فيدرالية بالإرهاب في محكمة أمريكية”.
مؤامرة عبد الله الإرهابية
تشولو عبدي عبد الله، كيني يبلغ من العمر 30 عاماً، بايع جماعة الشباب والقاعدة منذ عام 2012، حيث تقوم جماعة الشباب بتجنيد الكينيين وغيرهم من مواطني شرق إفريقيا في محاولة لإطلاق المزيد من الهجمات خارج الحدود الصومالية.
وكان عبدالله يتحرك في الفلبين بتوجيه من قائد بارز في جماعة الشباب، إذ كان يخطط للهجوم بطائرة عام 2019، على فندق في العاصمة الكينية نيروبي، وكان هدفه تدمير الفندق وقتل كل من فيه.
تفاصيل الخطة التي أحبطتها القوات الأمنية
مدرسة الطيران في الفلبين
بدأ عبد الله عملية التسجيل في مدرسة الطيران بأكاديمية All-Asia للطيران في الفلبين في عام 2016، ثم تلقى التدريب وأكمل في النهاية الاختبارات اللازمة للحصول على رخصة طيار، وقبل اعتقاله كان عبد الله يستعد في الفلبين لاختطاف طائرة وصدمها بمبنى في الولايات المتحدة.
بحث عبد الله في الإعلانات عن طرق لخطف طائرة، مثل كيفية اختراق باب قمرة القيادة من الخارج، إضافة إلى ذلك قام عبد الله بإجراء بحث حول أطول مبنى في مدينة أمريكية كبرى وسعى للحصول على معلومات حول كيفية الحصول على التأشيرة الأمريكية.
عبد الله هو ثاني ناشط في جماعة الشباب يتم اعتقاله أثناء تلقيه دروساً في الطيران خلال العامين الماضيين.
الاعتقال في الفلبين
اعتقل تشولو عبدي عبد الله في إيبا، زامباليس في الفلبين، في 1 يوليو/ تموز 2019، بتهمة حيازته الأسلحة النارية والمتفجرات غير المشروعة.
وجاء اعتقاله من قبل عناصر من الشرطة الوطنية الفلبينية (PNP) والجيش في فندق Rasaca وصادروا مسدس عيار 9 ملم وذخيرة وعبوة ناسفة محلية الصنع وقنبلة يدوية إضافة إلى مواد أولية تستخدم في صنع القنابل.
كيف تمّ إحباط المخطط الإرهابي؟
جماعة الشباب
تطلق على نفسها اسم جماعة الشباب المجاهدين، أو جماعة الشباب المحارب، وهي فرع مما يعرف بـ اتحاد المحاكم الإسلامية السابق في الصومال وفرع القاعدة في القرن الإفريقي.
وتسعى جماعة الشباب إلى قلب نظام الحكم في الصومال وإقامة دولة (إمارة) إسلامية تحكمها نسخة صارمة من الشريعة الإسلامية.
وعلى مدى العقود الماضية، اعتمدت الحكومة الصومالية على دعم الأفارقة في قوات الاتحاد (أميسوم) لمحاربة جماعة الشباب، ووفقا للجيش الأمريكي يقدر عدد أفراد جماعة الشباب ما بين 5000 إلى 7000 مقاتل بعد طردهم من معقلهم الرئيسي من قبل بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال في عام 2011، لكنها لا تزال تسيطر على مساحات من الأراضي خارج المدن. لأنها في الأساس قوة حاكمة توفر خدمات قضائية فعالة – ولو كانت قاسية – وهي كذلك تحظى بشعبية لدى أولئك الذين يعيشون خارج المدن.
وتفرض جماعة الشباب الغرامات والضرائب، حتى في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، كما واصلت الجماعة شن حربها على الحكومة وهجمات منتظمة في مقديشو وضد الدول المجاورة (كينيا بشكل رئيسي) التي ساهمت في قوة أميسوم.
تعارض جماعة الشباب وجود القوات الأجنبية وتهاجم بانتظام المصالح الأجنبية وقوات حفظ السلام في المنطقة بما في ذلك أهداف أمريكية وأوروبية وتركية، ومن المرجح أن تظل جماعة الشباب كذلك إلى أن تشكل الحكومة الصومالية وحلفاؤها هيئة ذات مصداقية وقوة حقيقية تقضي عليها.
الفلبين كنقطة انطلاق للهجمات الإرهابية
في الماضي، كانت الفلبين منصة انطلاق لهجمات مميتة، فبالعودة إلى الوراء نجد أن خالد شيخ محمد، العقل المدبر للقاعدة في هجمات 11 سبتمبر 2001، عاش في مانيلا في التسعينيات، إلى جانب ابن أخيه رمزي يوسف، الذي يقضي عقوبة بالسجن المؤبد في الولايات المتحدة بتهمة اشتراكه في الهجوم على مركز التجارة العالمي.
عام 1993 خطط يوسف بشكل مفصل وواضح لتفجير طائرات ركاب أمريكية في وقت واحد تقريباً فوق المحيط الهادئ، باستخدام طائرات صغيرة مفخخة ولكنها ذات موقع استراتيجي.
ومن أجل اختبار القنبلة استقل يوسف رحلة الخطوط الجوية الفلبينية 434 في مانيلا، حيث قام بتجميع قنبلة في الحمام ووضعها تحت مقعده، نزل يوسف في سيبو، وانفجرت القنبلة بينما كانت الطائرة في طريقها إلى طوكيو، ما أسفر عن مقتل راكب وجرح عدة آخرين. وأعلن أبو سياف مسؤوليته عن التفجير فيما تابع يوسف حياته بشكل اعتيادي لإتمام مؤامرته.
في 6 كانون الثاني (يناير) 1995، أثناء خلط المواد الكيماوية المخصصة للقنابل، شب حريق صغير في غرفة يوسف وزملائه، عندما وصلت الشرطة، كان الجميع فروا بالفعل، تاركين وراءهم مواد لصنع القنابل وحاسوب يوسف المحمول؛ زود الكمبيوتر المحمول السلطات بمعلومات تتعلق بالهجمات المخططة في ملف يسمى “بوجينكا” ، والذي يفصل كيف كان خمسة رجال يزرعون القنابل في 11 طائرة أمريكية في الشرق الأقصى، كان أول قصف مقرر في 21 يناير 1995، أي بعد أسابيع فقط من عملية الفرار تلك.
بعد الفرار، وصل يوسف إلى باكستان وفي 7 فبراير / شباط 1995، اعتقلته السلطات الباكستانية في غرفته بالفندق، وتم نقله جواً إلى الولايات المتحدة بعد اعتقاله في انتظار محاكمته بتهمة التخطيط لتفجير مركز التجارة العالمي ومخطط بوجينكا.
في نوفمبر 1997، أدين بارتكاب جرائم تفجير مركز التجارة العالمي وحكم عليه بالسجن المؤبد دون إمكانية الإفراج المشروط.
عملية “القدس لن تكون يهودية”
في كانون الثاني / يناير 2019، أطلق تنظيم القاعدة حملة بعنوان “القدس لن يتم تهويدها أبداً” رداً على قرار إدارة ترامب نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى مدينة القدس، وضمن حملة “القدس لن يتم تهويدها أبداً” نفذ المنتسبون للمجموعة في الشرق وغرب إفريقيا هجمات إرهابية بارزة.
عبد الله كان جزءاً من المؤامرة الإرهابية
صدت القيادة الأمريكية في إفريقيا وقوات الدفاع الكينية في 5 كانون أول/ ديسمبر 2019 هجوماً على مهبط طائرات “ماندا” بالقرب من قاعدة كامب سيمبا الأمريكية في مقاطعة لامو، بالقرب من حدود كينيا مع الصومال.
عضو في الخدمة الأمريكية واثنين من المتعاقدين المدنيين العاملين في وزارة الدفاع قتلوا وأصيب اثنان آخران من أفراد وزارة الدفاع الأمريكية في الهجوم الذي أعلنت جماعة الشباب مسؤوليتها عنه، وقال الجيش الكيني إنه قتل أربعة إرهابيين على الأقل في صد الهجوم.
وقالت جماعة الشباب إن الهجوم “جزء من عملية عسكرية لها تحت مسمى “القدس لن يتم تهويدها”.
في 30 أيلول/ سبتمبر 2019، شنت جماعة الشباب هجومين على أهداف عسكرية أمريكية وأوروبية في الصومال، الهجوم الأول كان على مهبط طائرات بليدوغل العسكري وهو قاعدة للولايات المتحدة والصومال، عندما فجر انتحاري سيارة مفخخة معبأة بالمتفجرات عند بوابة مهبط طائرات بليدوغل يستخدمه الجيش الأمريكي كقاعدة لإطلاق طائرات بدون طيار تهاجم جماعة الشباب ولتدريب القوات الصومالية.
الهجوم الثاني كان على قوات في منطقة شبيلي السفلى في جنوب الصومال، نفذه انتحاري بسيارة ملغومة استهدفت جنود حفظ السلام الإيطاليين في مقديشو، أخطأ الانفجار قافلة الجنود التابعة للاتحاد الأوروبي وأصاب مدنيين صوماليين كانوا قريبين من الانفجار.
في 16 كانون الثاني / يناير 2019 هاجمت جماعة الشباب فندق دوسيت D2 في نيروبي، ما أسفر عن مقتل 14 مدنياً بينهم أمريكي واحد، وقالت جماعة الشباب في بيانها الذي أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم إنها شاركت فيه رداً على اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وقال الجماعة في بيانها: “حتى و إن كان على الصهاينة والصليبيين أن ينقلوا كل السفارات في العالم إلى القدس المقدسة، ستبقى الأرض إلى الأبد ملاذاً شريفاً للمسلمين، دون تنازل أو مساومة، بيت المقدس لن يتم تهويده أبداً “.
ما مدى خطورة ودلالة وجود عضو كيني من جماعة الشباب في الفلبين؟
الملخص
كانت جماعة الشباب في حالة هجوم منذ عام 2019 وزادت من هجماتها على الاتحاد الأفريقي وقواعد (أميسوم) ومنشآت حكومية صومالية ومسؤولين وقوات أمنية وقوات أمريكية وأوروبية وأهداف في كينيا وإثيوبيا المجاورتين.
وتشكل جماعة الشباب تهديداً خطيراً ليس فقط لأمن الصومال ولكن أيضاً لأمن أفريقيا القارة والعالم بأسره، لأنها تلتزم بنفس الأيديولوجية المتطرفة العالمية، فمثلاً القاعدة أدلت بعدة بيانات عامة مبايعة للجماعة ومدحت قادتها، وأصدرت الجماعة تهديدات عدة بتنفيذ هجمات خارج إفريقيا، بما في ذلك أهداف أمريكية وأوروبية.
وكان توجيه الاتهام إلى تشولو عبدي عبد الله آخر تذكير للقاعدة والجماعات التابعة لها، بأنها لا تزال تشكل تهديداً لأمريكا بعد ما يقرب من عقدين من الزمن بعد أن أسقط الإرهابيون مركز التجارة العالمي في مانهاتن وضرب البنتاغون بالطائرات التجارية.
صرح قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا، الجنرال توماس والدهاوزر، أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، أن الحملة الجوية للجيش الأمريكي ضد جماعة الشباب في الصومال لن توقف المتطرفين، وفي نهاية المطاف لن تهزم هذه الضربات الجوية جماعة الشباب.
أضاف هاوزر أن المطلوب هو تدريب الجيش الوطني الصومالي وتمكينه بشكل كاف، لكي يتحمل المسؤولية عن أمن الصومال.
كان الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب قد أمر في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بسحب معظم القوات الأمريكية البالغ عددها 700 في الصومال، بحلول أوائل عام 2021.
وأعرب مسؤولون أمريكيون وقادة عسكريون ومسؤولون صوماليون عن قلقهم من أن الانسحاب الأمريكي المفاجئ قد يزعزع الأمن في الصومال بينما تزمع البلاد إجراء انتخابات عام 2021، ما يمنح جماعة الشباب انتصارات تكتيكية ودعائية.