مساعي إيران لتقوية نفوذها في المنطقة عن طريق مسار اقتصادي لم تعد أمراً خافيا على أحد
مع استمرار العقوبات الأمريكية على طهران نتيجة استمرارها في تنفيذ مشروعها النووي، تحاول إيران الان إيجاد متنفس اقتصادي جديد لها، للخروج من مأزق الازمة الاقتصادية التي ضربتها خلال الفترة الماضية، وكالعادة فإن العراق هو البوابة الوحيدة لتنفيذ أي انتعاش اقتصادي لها.
تسعى طهران لتنفيذ مشروع خط سكك الحديد لربط محافظة البصرة مع إيران، عبر منفذ الشلامجة الحدودي بعد موافقة الحكومة العراقية.
الأحزاب السياسية العراقية التي تدور في فلك النظام الإيراني ضغطت على حكومة العراق لتنفيذ مشروع الربط السككي لإرضاء إيران
وفي هذا الاطار أشار مختصون إلى أن هذا المشروع سيكون بديلاً لإرضاء إيران بعد فشلها بفرض الشركة الصينية لتنفيذ مشروع ميناء الفاو الكبير جنوب العراق.
يعتبر خط سكة حديد المحمرة – بغداد – دمشق، مشروعاً قديماً سعى النظام الايراني لانشائه عقب حرب العراق عام 2003، لكنه لم يبصر النور لاسباب عدة، فمرة تراجعت إيران عن تنفيذ حلمها بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الولايات المتحدة، ومرات اخرى فشل تنفيذ المشروع بسبب الوضع الامني المضطرب في كل من العراق وسوريا وتداعيات ذلك.
وزارات نقل إيران والعراق وسوريا تشرف على تنفيذ المشروع والنظام السوري وعد بتقديم التسهيلات
اجتماع ثلاثي في بغداد
الحكومة العراقية ونظيرتها السورية، لم تبديا أي معارضة للمشروع، بل على العكس كان الترحيب واضحاً بتنفيذه، سيما وان رئيس جمهورية العراق برهم صالح قد بحث هذا الموضوع مع نظيره الايراني حسن روحاني خلال زيارته طهران في 12 تشرين الثاني نوفمبر 2018.
وفي الشهر الاخير من عام 2020 زار وفد من وزارة النقل العراقية ممثلا، بمدير عام شركة سكة حديد العراق، العاصمة السورية دمشق لبحث تسريع مد شبكة السكة الحديدية، وقد وعدت الحكومة السورية بتقديم التسهيلات في هذا الصدد.
مصدر مطلع في وزارة الخارجية العراقية، أشار في حديث لـ”أخبار الان”، إلى أن “وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين ناقش ملف الربط السككي مع ايران، وذلك خلال زياة اجراها الى طهران مطلع الشهر الجاري، التقى خلالها بنظيره محمد جواد ظريف”، مبيناً أن “الحكومة العراقية موافقة مبدئياً على خط سكة الحديد ايران- العراق- سوريا، ولكنها تبحث مع الايرانيين سبل التغلب على العقبات الفنية والامنية، وخصوصا فيما يتعلق برفع الالغام عن الطريق المقرر تخصيصه لسكة القطار”.
المصدر الذي رفض ذكر اسمه نظراً لحساسية الموضوع، أضاف أن “إيران اعدت مسودة عن طريق شركة بناء وتطوير البنى التحتية في وزارة النقل التابعة لها، وارسلتها الى بغداد تمهيداً لعقد اجتماع ثلاثي في بغداد الشهر المقبل يضم ممثلين عن وزارات النقل في العراق وإيران سوريا، للتوقيع على مذكرة تفاهم بخصوص سكة الحديد الثلاثية”.
طول المشروع 32 كيلومتراً وكلفته 2200 مليار ريال إيراني
تكاليف باهظة.. ومخاوف عراقية
يواجه العراق أزمة مالية حادة ألقت بظلالها على جميع مرافق الحياة، وقد نتج ذلك عن انخفاض في اسعار النفط دام لاشهر، وقد رافقه كذلك تفشي جائحة كورونا وما صاحبها من اغلاق شامل، وهو ما عطل بدوره العديد من المشاريع التنموية في البلاد من بينها مشاريع النقل وسكك الحديد، وأسهم في ايقاف تطويرها، وبلا شك فإن مشروعاً ضخماً مثل الربط السككي مع إيران وسوريا بحاجة الى مقومات مالية، وهو الامر الذي تقف الحكومة العراقية عاجزة امامه خلال الوقت الراهن.
وتؤكد مصادر خاصة، لـ”أخبار الان” أن “طريق السكك الحديد مخطط له بأن يبدأ من مدينة الشلامجة الايرانية المحاذية للعراق، ثم ينتقل بعدها الى مدينة البصرة العراقية حيث يبلغ طوله 32 كيلومترا، ويشمل تشييد جسر متحرك بطول 800 متر، وفي حين تبلغ كلفة مد الجسر السككي نحو 2200 مليار ريال ايراني”، بينت المصادر، أن “الخط السككي الذي سيمتد في الأراضي العراقية سيتحمل الجانب العراقي دفع نفقاته فيما بعد، وصولا الى الاراضي السورية عن طريق البوكمال ودير الزور وبعد ذلك الى محافظة اللاذقية المطلة على البحر المتوسط”.
المصادر لفتت إلى أن “المشرف على تنفيذ هذا المشروع هم وزارات النقل في الجانب الايراني والعراقي والسوري، وأن كلفة مجمل المشروع تقدر بـ 10 مليارات دولار، وهو الامر الذي يثقل كاهل الحكومة العراقية التي تعاني من ازمة اقتصادية”، كاشفة أن “ما يبحثه المسؤولون العراقيون حاليا مع نظرائهم الايرانيين هو قيمة مايدفعه العراق من تكاليف المشروع مقابل الاجزاء التي تمر عبر اراضيه”.
ويعول النظام الايراني، على مد السكك في نقل الزوار والبضائع التجارية الى العراق وسوريا والعكس، في وقت تعاني فيه إيران من ازمة اقتصادية خانقة دفعت بطهران للبحث عن حلول للتخفيف من حدتها، ويبدو ان النظام الايراني لم يجد أفضل من العراق وسوريا وسيلة لتحقيق اهدافه تلك.
ينطلق خط سكك الحديد من الشلامجة في إيران ويمر في البصرة العراقية ليصل إلى البوكمال في سوريا ثم دير الزور وصولاً للاذقية على البحر الأبيض المتوسط
العراق بوابة لاقتصاد إيران الجديد
الخبير الاقتصادي صفوان قصي أوضح أن “إيران دولة تعاني من الحصار الاقتصادي نتيجة العقوبات الأمريكية”، معتبراً أن “طهران تحتاج العراق كنافذة لتمرير السلع الخاصة فيها وإيصالها إلى العالم”.
قصي وفي حديث لـ “أخبار الان“، أشار إلى أن “الحكومة العراقية الحالية لا تعطي أهمية قصوى لتنفيذ مشروع الربط السككي بين العراق وسوريا وإيران نظراً لانشغالها في تنفيذ ميناء الفاو وقطار بغداد المعلق”.
كما اعتبر أن “توقيت تنفيذ هذا المشروع في هذا الوقت غير مناسب خصوصاً لناحية الربط مع سوريا لكونها تعاني من أوضاع امنية غير مستقرة بسبب انتشار تنظيم داعش“، لافتاً إلى أن “إيران تحاول استغلال الحدود العراقية لكي تصبح بوابتها الخاصة في ظل استمرار العقوبات الاقتصادية عليها”.
بدوره الخبير الاقتصادي منار العبيدي قال لـ”أخبار الآن” إن “كل الجهات العالمية تبحث عن مصالحها في جذب الدول لزيادة استثماراتها وزيادة الناتج المحلي، وايران من الدول التي تحاول جذب العراق اقتصاديا الى محيطها من خلال تبني مجموعة من مشاريع البنى التحتية اللوجستية التي تساهم في الاعتماد على ايران وزيادة الربط بين العراق وايران”.
انهيار الاتفاق النوويّ وانهيار العملة الإيرانية دفعا بإيران لتسريع العمل على مد سكة الحديد باتجاه العراق وسوريا
الكتل السياسية تحاول إرضاء طهران
مصادر سياسية متابعة قالت إن: “مشروع سكك الحديد يأخذ بعداً سياسياً بعد انهيار الاتفاق النوويّ وانهيار العملة الإيرانية مما يدفع بإيران إلى العمل بسرعة على مد سكة حديد باتجاه العراق وسوريا لأنّها ترى في المشروع منفذاً اقتصادياً وتجارياً لها باتجاه سوريا خصوصاً ان هناك ترجيحات باستمرار تلك العقوبات على الاقتصاد”.
وتضيف المصادر في حديث لـ “أخبار الان“، أن “الأحزاب السياسية العراقية التي تدور في فلك إيران ضغطت على الحكومة لتنفيذ مشروع الربط السككي لإرضاء طهران خصوصا بعد فشلها في إرساء عقد مشروع ميناء الفاو الكبير للشركة الصينية التي كانت مدعومة من إيران ورغم انها شركة غير مختصة ببناء الموانئ”.
المصادر أردفت ايضاً، أن “الكتل السياسية تعلم جيداً ان المشروع لا يخدم العراق في عائدات مادية جديدة لكون العراق بلد استهلاكي فقط، وليس منتجاً مما يعاني ان المشروع سيعمل على نقل البضائع الإيرانية عبر العراق فقط وقد يكون الاتفاق ايضاً ان يتم نقل البضائع عبر العراق دون مقابل مما يعاني كارثة اقتصادية جديدة تنتظر العراق قريباً”.
وفي الاطار عينه، رأى النائب العراقي السابق “حيدر الملا”، أن “مصالح العراق عندما تكون هي البوصلة فبكل تاكيد نحتاج افضل العلاقات مع عمقنا العربي ومع ايران ومع تركيا، ولكن عندما تستخدم الاراضي العراقية لتحقيق مطامع محور المقاومة في المنطقة على حساب مصالح العراق، فهنا تثار أكثر من علامة استفهام”
وأضاف: “يؤسفني أن أقول انه لحد الآن العلاقة مع الجارة ايران مبنية على اساس دعم مصالح ايران ودعم محور المقاومة في المنطقة دون الاخذ بالاعتبار لا المصالح العراقية ولا السيادة العراقية”.
الخط السككي في أراضي العراق سيتحمل الجانب العراقي دفع نفقاته فيما بعد
ماذا سيستفيد العراق؟
من الجانب الرسمي، اعتبر مدير سكك المنطقة الوسطى علي الموسوي ان الفائدة الاقتصادية كبيرة للعراق وذلك في مجال نقل المسافرين و نقل البضائع خصوصا اذا تم الربط مع سوريا فسيتم النقل بالعبور اي ترانزيت وهذا ينعكس ايجابا على الاقتصاد العراقي وسكك الحديد العراقية بحسب تعبيره لـ”أخبار الآن“، مشددا في الوقت عينه على أن أهم المعوقات هي الجانب المالي لكون هكذا مشروع يحتاج لمبالغ ضخمة.
في المقابل، يرى المواطنون العراقيون أن إيران غزت السوق العراقي لمصلحتها الخاصة واللوم يقع على من في الداخل، لكونه خاضعاً لإيران، التي جعلت من العراق معبراً فقط.