ذبح داعش في العراق عائلتها فقررت إنقاذ أبناء العراقيين وتهريبهم
على ضفاف نهر دجلة تقع ناحية “علم” وهي منطقة تتبع إداريا لمحافظة صلاح الدين في قضاء تكريت حيث أكثر المناطق التي سيطر عليها داعش في العراق، ويسكن المنطقة نحو 30 ألفا من أفراد قبيلة الجبوري الشهيرة والممتدة جذورها بمناطق السنة في العراق، وما ميز منطقة العلم خلال السنوات الخمس الأخيرة هو أنها المنطقة المحاطة بسيطرة داعش في العراق من جميع الجهات ولكنهم لم يستطيعوا ان يدخلوها إلى بعد نفاذ أسلحة أهلها وطعامهم، ومقتل الكثير من أهلها في القتال مع داعش، كما انه لم يكن لهم فيها عناصر من أهل العلم داخل المنطقة، فالجميع كانوا يلفظونهم، في أحد المنازل بناحية علم، منزل مفتوح لجميع العراقيين، شيعة وسنة، أكراد، وتركمان وعرب، إنه منزل عطوة الجبورية،الملقبة بأم قصي الجبوري.
أم قصي تقرر الوقوف بوجه التنظيم الدامي بعد ثلاثة أيام من ذبح عائلتها
عندما دخل الدواعش ناحية علم، كان أول من أمر قيادات داعش في العراق بقتلهم من أهالي علم هم عائلة عطوة الجبوري، المرأة السيتينة التي ذبح التنظيم الدموي زوجها اسماعيل الجبوري وولدها قصي وابن أخيها. لم تستطع أم قصي أن تطلق لحزنها العنان كثيرا فعقب مقتل عائلتها بـ 3 أيام استفاقت السيدة عطوة من حزنها على أخبار مذبحة قاعدة سبايكر العسكرية بتكريت، حيث قتل “داعش” 1700 مجند من شباب العراق بالقاعدة العسكرية العراقية هناك، كان مكان المذبحة لا يفصله عن منزل أم قصي إلا فرعا صغيرا من نهر دجلة، فتلقت الأم المكلومة نبأ مقتل باقي شباب العراق الذين لحقوا بابنها بفزع شديد وخوف على من تبقى من أبنائها وأبناء العراق، فقررت ان تهرب أبناء العراقيين من يد داعش في العراق قبل أن يذبحهم ويمثل بأجسادهم.
الشباب العراقي يقفون على الشاطئ الآخر ملوحين بقمصانهم البيضاء
تحكي عطوة الجبوري ل”أخبار الآن” عن بداية معرفتها بداعش فتقول” في البداية لم يكن اسمهم داعش، كان اسمهم القاعدة، انها القاعدة التي ذبحت نصف العراق، وأخذوا يفجرون في الحسينيات فيتم اتهام السنة، ثم يفجرون في مناطق السنة فيتهم بها الشيعة، لكن الحقيقة انهم لم يكونوا السنة ولا الشيعة، فقد كان الشيعة والسنة واحد، أهل دين واحد وإيمان واحد وعقيدتهم واحدة، “ماكو فرق” حتى جاءتنا أيادي خبيثة حاولت أن تفرقنا بكل طريقة.”
وعن جرائم تنظيم داعش في العراق في منطقة “علم” تروي عطوة:
“أول ما بدا وطب علينا داعش في منطقتنا بناحية علم، ذبحوا أول ما ذبحوا زوجي وابني وابن أخي، وبعد ذبح عائلتي بأيام، تمت مذبحة سبايكر في تكريت على يد داعش أيضا، وبيننا وبين تكريت نهر صغير، وكان الشباب يفر من تكريت بعد المجزرة ويأتون إلى منطقتنا كي يهربوا منها إلى بغداد، وعندما يجدون جثث المجزرة، كانوا يخافون ويرجعون من حيث أتوا، في هذه الأثناء كان أبنائي يعملون على زوارق النجدة النهرية في ذلك النهر الفاصل بيننا وبين تكريت، وكانوا يرون الشباب فارين على شاطئ النهر حاملين قمصانهم البيضاء ليلوحوا بها للقادم عبر النهر عله يغيثهم”.
أهالي علم فضلوا الجوع على وضع ختم داعش على بطاقة التموين
حينما حكى أبناء أم قصي لوالدتهم ما يرونه من رعب الشباب العراقي على الشاطئ الآخر وهم يعجزون عن العودة إلى ديارهم وأهلهم في بغداد، تأثرت الأم بشدة وقالت لأبنائها “أنا عيلتي اتذبحت وراحت وما حد قدر يحافظ عليها ويرد لهفتي، وهؤلاء شباب وولد عراقيين، وغدا يدافعون عني وعن غيري، لماذا لا نحميهم؟”مئات الشباب من جميع المذاهب والأديان والأعراق بمناطق سيطرة داعش في العراق مروا من هنا، من “علم”، واتخذوا من منزل عطوة معبرا بالطريق إلى ذويهم.
وعن هؤلاء الشباب تقول عطوة “شباب بعمر الورود بيهم إيزيديين ومسيحيين ومن الموصل ومن الحويجة ومن كركوك ومن تكريت، وبينهم تركمان وأكراد وبعضهم كان من الجنوب، مئات الشباب في منزلي أحيانا يقيمون بالأيام وصل بعضهم أن قضوا عندي 17 يوما مختبئين حتى دبرت لهم سبل الهرب، وانا ما عندي لقمة خبز أقدمها لهم، فقد كان داعش يحاصرنا ويمنع عنا التموين، كانوا يريدون ختم البطاقات التموينية بخاتم الدولة الاسلامية حتى يعطونا طحين ومواد تمونية وما تعطونا البطاقة نختمها تموتون من الجوع، فأخفيناها منهم وتحملنا الجوع، نجوع ولا نعطيها لهم يختموها بخاتمهم، دلالة على أنهم يمثلون دولة، كان من لديه كيس حنطة يطحنه ويوزع على أصحابه وجيرانه، وكذا المواد التموينية.”
كيف كانت تهرب عطوة الشباب بهوية أبنائها وأقاربها من قبيلة الجبروي
تحكي أم قصي لـ”أخبار الآن” كيف كانت تساهم في تزوير هويات بأسماء أبنائها أو أي من اقاربها من عائلة الجبوري لكي يخرج الشباب الهارب من منطقة حكم داعش ناجيين بأرواحهم فتقول “كنت أنزع صور من الجنسية (بطاقة الهوية العراقية) وأسماء أقاربنا ونضع الوظيفة طلاب جامعة، وأهربهم بأسماء أبنائي.”
وتكمل عطوة رواية قصتها فتقول “كنت أضع بناتي في السيارة مع كل مجموعة أهربها، لأن داعش حين يرون نساء بالسيارة لا يقتربون للدرجة التي يمكن أن يكتشفوا معها ما نفعله، لا يقتربون من السيارات التي بها نساء، وأطلع بهم على مدينة الحويجة، ثم كركوك ومن كركوك يجدون من ينقلهم إلى بغداد وكنت أنقل يوميا من 5 إلى 10 شباب.”
وتكمل عطوة قصة تهريب الشباب من تكريت وأجوراها إلى بغداد فتقول ” كان يساعدني أستاذ جامعي اسمه عبدالحق، حيث يقوم هو بوضع ختم فسفوري مزور على الجنسيات التي تحمل اسماء أولادي وأقاربي، فجميعهم من قبيلة جبوري، ومعروف أن الجبوري سني، فإذا كان اسم الشاب كرار أو حيدر يعرفونه شيعي ويذبحوه، لكن إذا حولت اسمه لعبدالله اسماعيل عبدالله وهو ابني، يقولون هذا جبوري سني.”
داعش ذبح شريكها في تهريب الشباب وفرت عطوة هاربة قبل أن يقتلوها
ذاع صيت أم قصي وأصبحت مشهورة بأنها تهرب الشباب العراقي وتعيدهم لأهاليهم، فبات كل من يريد العودة إلى أهله يتصل بها، وفي إحدى المرات طلبهم شباب في منطقة اسمها حجاج تبعد 40 كم عن قريتهم، فأمرت ابنها أن يصطحب شقيقته بالسيارة ليحميهم وجودها من اقتراب الدواعش عالطريق، وعندما خاف الابن على أخته ربما يطمع فيها احد الدواعش لجمالها، قالت له “أختك ما أغلى من أولاد الناس الذين سيذبحونهم إن وجدوهم “.
وصلت أخبار عطوة الجبورية إلى أسماع الدواعش، ففوجئت يوما بمكالمة على هاتفها المحمول من شخص يخبرها أنهم كشفوا أمرها وذبحوا عبدالحق الأستاذ الجامعي الذي يساعدها في تزوير الهويات، ويبحثون عنها الآن.
عن تلك اللحظة تقول أم قصي:
“أخذت عائلتي وخرجت مهرولة حافية القدمين، 14 ساعة بين الجبال وليس من الطريق العادي من العلم لكركوك ومن كركوك لبغداد حتى وصلنا بغداد فاستقبلني أحد الذين هربتهم و آويتهم من قبل في منزلي .”
الرحلة إلى بغداد ورد الجميل من الشباب الذين سبق وهربتهم عطوة
لم تمكث مهربة الشباب ومتحدية أوامر داعش في العراق ببغداد إلا قليلا، فقد علم بوجودها في العاصمة الكثير ممن ساعدتهم من قبل وردوا لها الجميل وأمدوها بزاد وخزين وأوصلوها إلى سامراء حيث تجمع آخر لقبيلة الجبوري لتبقى هناك بين أفراد قبيلتها حتى عادت منزلها بعد تحرير منطقة العلم من الدواعش.
لم تكتف عطوة بدورها في تهريب الشباب من جميع المذاهب والأعراق و بعيدا عن اعين داعش بل كانت تذهب إلى معسكرات القتال بعد تحرير منطقتها لتشجع الشباب المتطوع لقتال داعش وتحثهم على الوقوف أمام دموية التنظيم وتحرير أرضهم من سطوته.