الأزمة الاقتصادية تخنق الإيرانيين.. الأسعار تحلق عالياً ولا رقابة
يعيشُ الناس في إيران وسط أزمة اقتصادية صعبة أساسها انعدام الأمن الغذائي من جهة، وسوء إدارة النظام من جهة أخرى.
وفعلياً، فإنّ الأزمة القائمة ألقت بثقلها الكبير على أسعار السلع التي دخلت في مرحلة تصاعدية منذ زمن، في وقتٍ تواجه فيه العملة الإيرانية تقلبات عديدة وسط خسارتها لقيمتها.
وأظهرت بيانات صادرة عن مركز الإحصاء الإيراني أن معدل التضخم خلال شهر بهمن (يبدأ من عشرين يناير/كانون الثاني وينتهي عشرين فبراير/شباط) مقارنة بالوقت نفسه من العام الماضي، بلغ 48.2%، بينما بلغت نسبة التضخم في المواد الغذائية خلال الفترة نفسها مقارنة بمثيلتها في العام الماضي 66.8%.
جُنون الأسعار يضرب إيران.. الغضب كبير
وللاطلاع على ظروف تقلبات أسعار الغذاء والواقع المعيشي، جالت “أخبار الآن” في طهران، وكانت لهُ لقاءات مع العديد من المواطنين الإيرانيين الذي أعربوا عن غضبهم إزاء ما يشهدونه من تدهور للواقع الاقتصادي والمعيشي. وواقعياً، فإنّ الكثيرين أجمعوا على أنّ الأسعار ارتفعت بشكل كبير، مشيرين في الوقت نفسه إلى أنه لا توجد إدارة ورقابة على أسعار السلع، الأمر الذي يؤكد على عمق الأزمة وتجذرها.
وفي حديث لـ”أخبار الآن“، يقول أحد باعة اللحوم في إيران إنّ “سعرها أصبح باهظاً ولا يستطيع الناس تحمّله”، ويضيف: “لقد ارتفع السعر 3 أو 4 مرات أعلى من العام الماضي. إنّ ما شهدناه هو ارتفاع جنوني فعلاً، ونسمع أن السلطات ستقوم بإدارة الأسعار وتخفيضها، إلا أنها ما زالت باهظة كثيراً”.
ولفت البائع إلى أنّ “أسعار اللحوم والأسماك تقلبت كثيراً خلال السنوات القليلة الماضية، ولا أحد يدير أسعار هذه المنتجات”، ويردف: “إنّ تقلبات الأسعار أثرت على قدرة الزبائن لشراء اللحوم، الأمر الذي انعكس على ظروف العمل، الأمر الذي تسبب بخسائر كثيرة”.
من جهته، يشير أحد المواطنين الذي كان يبحث عن بعض المنتجات لشرائها لعائلته إلى أنّه أدخل تغييرات كثيرة على قائمة مشترياته، خصوصاً في ظل ارتفاع الأسعار الجنوني، ويقول لـ”أخبار الآن“:
“كل الأسعار شهدت زيادة كبيرة. على سبيل المثال، فإنه خلال العام الماضي، فإننا كنا نخصص مبلغاً من شهرياً لشراء البقالة. أمّا اليوم، فإن هذا المبلغ لا يمكن التسوق به حتى لمدّة أسبوع”.
ويضيف: “كنا نستخدم الدجاج مرتين أو 3 مرات في الشهر أو أكثر. لكن السعر الآن أعلى ونحن نستخدمه مرة أو مرتين فقط كل شهر. ولهذا، فإننا نشتري دجاجاً أقل من السابق”.
ويتابع: “لقد تقلصت سلة التسوق الخاصة بي مقارنة بالماضي. إذا كان استهلاك عائلتي من اللحوم في السابق يبلغ 10 كيلوغرامات كل شهر، فقد بتنا الآن نستهلك فقط 2 كيلوغرامات. ولذلك، نحن نشتري أقل ولا يمكننا شراء أكثر لأن الظروف المالية وتقلبات الأسعار والقدرة الشرائية لا تسمح بهذا الأمر”.
بدوره، يتحدث مواطن آخر عن ظروف الحياة المعيشية وتعاطي الحكومة مع الواقع القائم، ويقول لـ”أخبار الآن” في رد على سؤال عما إذا كانت الحكومة الإيرانية تقدّم الدعم: “لقد أعلنوا أنه سيكون هناك دعم من النقابات ولكن في العام الماضي لم يكن هناك دعم أو مساعدة لا من الحكومة أو النقابات ذات الصلة”.
ويشرح هذا المواطن كيف أن أنشطة العائلات حالياً تغيرت مقارنة بالسابق، ويقول: “لقد اعتدت أنا وعائلتي للذهاب مرة في الأسبوع إلى المطعام، ولكن الآن بسبب ارتفاع الأسعار، ربما يمكن باستطاعتنا الذهاب مرة واحدة في الشهر. ولهذا فإننا نادراً ما نذهب إلى المطاعم، وفقط في المناسبات الخاصة جداً نقوم بذلك. في الماضي، كنا نذهب من دون أي مناسبات، ولكن هذا العام يجب أن نحسب الأوقات التي نذهب فيها إلى تلك الأماكن”.
إيران.. الحكومة غائبة عن تقلبات الأسعار في الأسواق
وفي إطار جولته في طهران، التقى “أخبار الآن” بمدير أحد المطاعم، والذي اعتبر أن الظروف فرضت عليهم زيادة الأسعار خصوصاً أن أثمان السلع والبضائع شهدت قفزة كبيرة، ويقول: “لقد حققنا زيادة بنسبة 50% تقريباً على أسعارنا. ارتفعت أسعار اللحوم والدجاج بشكل كبير. لقد تغير كثيراً. الدواجن التي اشتريناها بالكيلو مقابل حوالى 17 إلى 20 ألف تومان هي الآن 45 ألف تومان، كما أن أسعار اللحوم التي نستخدمها تضاعفت أيضاً، وستؤثر هذه على أسعار قائمتنا. كذلك، انخفضت القدرة الشرائية للأفراد مقارنة بالعام الماضي، وهذا يؤثر أيضاً على أعمالنا”.
ويردف: “لقد تضاعفت أسعار السندويشات أو شرائح اللحم أو المعكرونة لدينا مقارنة بالماضي على الرغم من أننا حاولنا عدم زيادة الأسعار لأن العميل لا يمكنه دفع 100 ألف تومان مقابل الطعام على سبيل المثال. لكن علينا، بسبب ارتفاع ثمن البضائع أن نزيد أسعارنا”.
وفي حديثه، يحمّل مدير المطعم الذي رفض الكشف عن اسمه، مسؤولية ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن للحكومة الإيرانية، ويقول: “إنها لا تراقب الأسعار، وهي من تتحمل المسؤولية بشأن ارتفاعها. إن المسؤولين يقدمون الوعود تلو الوعود للسيطرة على الأسعار ولكننا لا نرى أي اجراء على الأرض”.
ويضيف: “أول شخص في الدولة المسؤول عن ضبط الأسعار هو الرئيس الذي لا يعطي إجابة واضحة للناس، ولا نعرف من المسؤول عن ضبط الأسعار ومراقبتها. يجب أن تكون هناك جهة منظمة يمكنها الاستجابة للناس”.
في المحصّلة، فإنّ ما تؤكد عليه الأزمة القائمة هو أنّ النظام الإيراني فشل في إدارة شؤون البلاد، خصوصاً أنه بات صعباً على الناس تأمين غذائهم. وفي حال أراد المواطنون التحرّك ضدّ السلطة للمطالبة بحقوقهم ولتغيير الواقع الصعب والمرير، فإنه ستتم مواجهتهم بشكلٍ كبير من قبل أجهزة الأمن وقوات القمع الخاضعة لسلطة النظام.