حتى مع توقيع الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان في فبراير العام 2020 حول أفغانستان، ومفاوضات السلام بين الحكومة الأفغانية والحركة، تصاعدت أعمال العنف في العاصمة الأفغانية كابول خلال العام الماضي، وقد أصبحت “القنابل المغناطيسية” في حوزة موظفي الحكومة والمركبات المدنية، “ترسانة حرب” جديدة تقتل الناس وتخلّف جرحى، وتخلق بالتالي خوفاً وانعداماً في الثقة لدى الناس الذين تحاصرهم الحرب.
ففي مساء يوم 14 مارس / آذار في كابول، انفجرت قنبلتان موضوعتان في مركبتين متتاليتين، لعربات يستخدمها المدنيون في تنقلاتهم مخلفة 5 قتلى ونحو 16 جريحاً، جميعهم من المدنيين.
وفي مساء اليوم التالي انفجرت قنبلة كانت موضوعة في حافلة صغيرة تقلّ موظفين مدنيين تابعين للحكومة الأفغانية، وأسفرت القنبلة عن مقتل 4 موظفات مدنيات وطفل يبلغ من العمر 3 سنوات وإصابة 15 آخرين. كانت إحدى الضحايا، خاطرة مييل، موظفة في وزارة التربية والتعليم، وحاملًا في الشهر التاسع.
وقالت الأفغانية نيلوفر أيوبي، التي فقدت شقيقة زوجها خاطرة مييل في القنبلة: “بالنسبة للكثيرين، كان الأمر مجرد خبر، لكننا فقدنا زوجة أخي الذي كان على وشك أن يكون له طفل ثانٍ. لا أحد يستطيع أن يتحمل مثل هذا الألم. لأيّ ذنب نحترق إلى الآن”؟
لقد ولّدت القنابل الموضوعة في المركبات، والإغتيالات المقرونة بعدم اليقين بشأن محادثات السلام مع طالبان، حالة من الذعر والخوف. وبدأت المفاوضات بين الحكومة الأفغانية وطالبان في سبتمبر 2020 في العاصمة القطرية الدوحة، من دون نتائج تذكر، بالتزامن مع تعثّر محادثات السلام. واقترحت الولايات المتحدة عقد مؤتمر تقوده الأمم المتحدة في اسطنبول لتقاسم السلطة بين الحكومة الأفغانية وطالبان.
تصاعد مستمر للعنف
وفي حين أنّ محادثات السلام حتى الآن لم تمنح الأفغانيين الأمان، يستمر العنف في التصاعد ويستمر في إزهاق أرواح الشباب والمتعلمين. ففي العام الماضي، قُتل العشرات من ناشطي المجتمع المدني والشخصيات الدينية والصحافيين في أفغانستان جرّاء القنابل والإغتيالات. وقالت بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان، إنّ ما يصل إلى 65 من المدافعين عن حقوق الإنسان والإعلاميين قتلوا بين يناير 2018 ويناير 2021.
وقالت ديبورا ليونز، الممثلة الخاصة للمبعوث الدولي إلى أفغانستان، لـ”أخبار الآن“: “يحتاج الشعب الأفغاني إلى مساحة من الحرية لأنّه يستحقها.. مجتمع يمكن للناس فيه التفكير والكتابة والتعبير عن آرائهم علانية من دون خوف”. وأردفت: “في الوقت الذي يجب أن يكون التركيز فيه على الحوار وإنهاء الصراع من خلال المحادثات والتسوية السياسية، يجب أن تُسمع أصوات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام أكثر من أيّ وقت مضى.. بدلاً من ذلك يتم إسكاتها”.
وقال المجلس الديني في أفغانستان، إنّ ما يصل إلى 90 شخصية دينية قتلت في عمليات اغتيال خلال العام الماضي. وفي 31 مارس 2021، اغتيل عبد الصمد محمدي، الرئيس السابق للمجلس الديني الإقليمي في تخار بأفغانستان، جرّاء انفجار استهدف سيارته.
استهداف الشباب الأفغاني بينهم ناشطون وصحافيون
ومن جملة الضحايا الذين قضوا في أفغانستان، فاطمة خليل ناتاشا، موظفة في لجنة حقوق الإنسان المستقلة في ذلك البلد، فبعد تخرّجها من الجامعة الأمريكية في آسيا الوسطى بتخصص حقوق الإنسان والأنثروبولوجيا أوائل العام 2020 ، عادت ناتاشا إلى كابول ووظفتها المفوضية كمنسقة للمانحين في كابول.
وفي صباح يوم 27 يونيو 2020، خرجت ناتاشا وسائقها من منزلها، سمعت فرزانا سرواري، والدة ناتاشا دويّ انفجار كبير.. وفي غضون دقائق اتصلت بأرقام هواتف ناتاشا، لكنّها لم تتلقَ أيَّ ردٍّ منها. هرعت للخروج من المنزل.. أخبرها أحد الجيران أنّ ناتاشا والسائق قتلا في الإنفجار.
وقالت سرواري، التي ما زالت حزينة على فقدان ابنتها، لـ”أخبار الآن“: “كانت ناتاشا سعيدة للغاية ومليئة بالطاقة.. هناك جرح كبير في قلبي. ما يؤلمنا هو أنّنا لا نعرف من قتل ناتاشا ولماذا”؟! ولم يعلن أحد مسؤوليته عن مقتل ناتاشا، التي كانت تبلغ من العمر 24 عاماً.
حلّت القنابل المغناطيسية الموضوعة في المركبات محل التفجيرات الانتحارية والسيارات المفخخة في كابول. فقبل الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان، كانت الحركة تستهدف المركبات بعبوات ناسفة وتترك وراءها عشرات القتلى والجرحى من المدنيين. الترسانة الأخرى كانت عبارة عن انتحاريين يمشون إلى المدينة ويفجرون انفسهم هناك.
وبعدما وقّعت الولايات المتحدة صفقة مع طالبان في فبراير 2020، انخفضت حدّة التفجيرات الإنتحارية والسيارات المفخخة، لكن القنابل المغناطيسية أصبحت ظاهرة جديدة، ووضعت في سيارات حكومية ومدنية وقتلت وجرحت العشرات.
قال جويد كوهيستاني، وهو محلل أمني، لـ”أخبار الآن”: “بما أنّ كابول هي موطن لآلاف الأطفال العاملين والمتسولين الذين يعملون في الشوارع، فإنّهم متورطون في وضع القنابل في السيارات. عندما يكون هناك ازدحام مروري، يتمّ وضع القنابل في المركبات وتنفجر بواسطة جهاز التحكم عن بعد”. وأضاف: “يمكن للمتسولين البالغين أن يساعدوا أيضاً في وضع القنابل في المركبات”.
وقد ألقت شرطة كابول القبض على ميكانيكي زرع قنبلة في سيارة، وقالت شرطي هناك، إنّ الإرهابيين استخدموا قرصاً تمّ وضعه في غاز لسيارة مستهدفة وانفجر لاحقاً.
طريقة أخرى تُستخدم في بعض الأحيان لتفجير القنابل، عبر رمي القنبلة في الشارع ومن ثمّ تفجيرها.. إذ تمّ القبض على سائق سيارة أجرة لإلقاء قنبلة مغناطيسية في الشارع كانت تستهدف إحدى المركبات.
وفي شوارع كابول المزدحمة، يتمّ وضع القنابل على الأرصفة أيضاً، ليتمّ تفجيرها بشكل عشوائي. وقال نائب الرئيس الأفغاني عمرو الله صالح في منشور على فيسبوك، إنّ القوات الأمنية اكتشفت آداة جديدة، عن أجهزة مستوردة من باكستان تستخدم لحفر ثقوب في الشارع. ومن ثمّ يتمّ وضع القنابل داخلها.
ومن وسائل القتل الشائعة الأخرى، الإغتيالات، كأن يقوم أحد المسلحين ببساطة، بفتح النار على الهدف ويبتعد لاحقاً عن مكان الحادث. وقد شكل الموظفون الحكوميون من ذوي الدخل المتوسط والمنخفض، الأهداف الرئيسية لعمليات القتل، على عكس الهجمات السابقة التي كانت تهدف إلى إلحاق إصابات جسيمة بمسؤولين رفيعي المستوى.
رعب الشعب الأفغاني
لا تقتصر أبعاد الإغتيالات على قتل الهدف فقط، بل تثير الخوف لدى الأفغانيين، وقال جافيد كوهستاني، وهو جنرال متقاعد: “القنابل المغناطيسية والإغتيالات تقوّض الثقة في مؤسسات الأمن القومي وتخلق حالة من الذعر”. وأضاف: “مع حالة عدم الثقة، سيتعاون المزيد من الأشخاص من داخل الحكومة مع طالبان لأنّهم يرون أنّ الحكومة غير قادرة على حمايتهم”.
وتنفي طالبان تنفي مسؤوليتها عن قتل موظفي الحكومة، لكنّها في الوقت ذاته، تقول إنّها ستستهدف أيّ شخص يعمل مع تلك الحكومة، فيما تحمل السلطات الأفغانية طالبان مسؤولية اغتيال الموظفين الحكوميين والمدنيين.
وقال داود ناجي، مستشار مجلس الأمن القومي في البلاد، لـ”أخبار الآن“، إنّ “الحكومة كانت تحاول حماية موظفيها بإصدار أوامر جديدة تمنعهم من استخدام المركبات الحكومية”، موضحاً: “نحن نعمل على حماية قواتنا المسلّحة”.
وألقى ناجي باللوم على طالبان في قتل ناشطي المجتمع المدني والصحافيين أيضاً، لافتاً إلى أنّ طالبان تريد ممارسة الضغط على الحكومة بقتل الناشطين والصحافيين.