غارة جوية في مالي ومقتل اثنين وعشرين رجلاً
قوة برخان الفرنسية العاملة في مالي من أجل القضاءِ على الإرهابِ والإرهابيين، نفذت غارة جوية على قرية بونتي النائية وسط مالي، مطلعَ العامِ الجاري، فقتلت اثنين وعشرين رجلًا.
هذه الغارةُ، هي اليوم، مصدرُ تساؤلاتٍ عن امكانية تغلغل ارهابيين في العرس الذي كان قائماً في القرية وفق تأكيدات الجانب الفرنسي الذي يرفض الإتهامات باستهداف مدنيين.
هذا الرجلُ الذي أخفينا وجهَهُ واسمَهُ حفاظاً على سلامته يسرد لنا ما عاشَه في تلك اللحظات هو نفى تواجد ارهابيين في العرس لكنّه أكد أن المكان المستهدف كان فيه رجال وشباب، كون النسوة كنّ متواجدات في مكانٍ آخر لتحضير الوليمة.
شاهد عيان: تعرضنا للقصف ونحن متواجدين في حفل زفاف
شاهد عيان شارك بالزفاف قال: أنا من بونتي، سأخبركم بما أعرف، كنا مجتمعين بمناسبة زفاف في مكان ليس بعيداً عن القرية، اجتمعنا حوالي الساعة الثانية من بعد الظهر، عند الثانية والنصف تعرضنا للقصف، جُرِحَ وقُتِل العديد من الرجال وفرّ الباقون، ثم بدأنا نبحث عن بعضنا البعض.
وأضاف: كنا في الدَّغْل لأننا نعيش في الدَّغْل، نحتفل بالمناسبات في المكان الذي نعيش فيه، لم تكن هناك منازلُ قريبة، إننا نخشى الجهاديين، إنهم يمنعون حفلات الزواج أو العمادة، لو أنهم عَلِموا بهذه المناسبة لكانوا منعونا، إننا نخشاهُم حقًا، يخرُجون إلينا من حيث لا نعلمْ ومن أيِّ مكان، نجهلُ سببَ قصفِنا من قِبَلِ برخان لأنهم لا يقصفوننا عادةً، لو عَلِمْنا بالأمرِ لما اجتمعنا.
“مينوسما” أي بَعثةُ الأمم المتحدة لحفظِ السلامِ في مالي أجرَت تحقيقاتِها الميدانية وأصدرت بياناً أوردت فيه أن غالبيةَ الضحايا مدنيون، وأكدت أنهم كانوا يشاركون في حفلِ زفاف.
أولَ من أثارَ هذه القضية كان الدكتور حمادون ديكو، رئيسُ جمعيةِ شبيبةِ تابيتال بولاكو Tabital Pulaaku، الذي قال: “ذلك الأحد، عند الساعة الخامسة من بعد الظهر، تلقيت اتصالاً من بوني، وهي مدينة تبعُد بضعةَ كيلومتراتٍ عن بونتي، فعلِمتُ أن أحدَ أصدقائي قُتٍلَ بغارةٍ جويةٍ نفَّذَتها فرنسا أو الجيشُ المالي”.
رئيس جمعية حقوق الانسان في مالي: غالبية الضحايا هم مدنيون
وقال المحامي مختار ماريكو، رئيس جمعية حقوق الانسان في مالي: «وفق المعلومات التي جمعتها قوة برخان، يتعلق الأمر فعلياً بإرهابيين والاهدافُ هم عسكريون، لكنْ حين نتعمَّقُ في التحقيقات، نُدرِكُ أنَّ الأمرَ يرتبط بأناسٍ يشاركون بحفلِ زفاف، من هذه الناحية، يمكنُ القولُ إنَّ الهجومَ لم يكُنْ مشروعاً وَفق الاستنتاجاتِ الأخيرةِ لبَعثةِ الأممِ المتحدة ـ مينوسما، لأنَّ المستهدفين هم مدنيون وليسوا عسكريين”.
لكنْ خلال شهادتهم.. هل خضع السكان لضغط المسلحين المسيطرين على المنطقة؟
وأضاف المحامي مختار ماريكو: “تساءلنا عما إذا كان الشهود الذين تمت مقابلتهم لديهم القدرة على التحدث مباشرة عما حدث بالفعل، بشكل موضوعي وملموس، هل يمكنهم الإدلاء بشهادتهم للمحققين لأنهم أيضاً في منطقة يسيطر عليها مسلحون، ألم تكن هذه الشهادات تحت الضغط؟ ألم يملي عليهم هؤلاء المسلحين ما يجب قوله؟ لذلك ينبغي إعطاء الوقت لإجراء تحقيق قضائي حقيقي لفهم ما حدث، لأن الشهود أمام السلطات القضائية سيقولون حقاً ما فكروا به في الأمر ولن يكونوا بعد الآن تحت أي تهديد”.
وزيرة الدفاع الفرنسية: الغارة استهدفت مجموعة إرهابية مع تطبيق كل المعايير الأساسية لحماية المدنيين
وكانت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي فقد انتقدت تقريرَ الأمم المتحدة، وردت أن الغارة استهدفت مجموعةً إرهابية مع تطبيق كلّ المعاييرِ الأساسيةِ لحمايةِ المدنيين.
وقالت فلورانس بارلي: “يواجهوننا بأقوال غير متطابقة ومتعارضة تُظِهرُ إلى أي حدٍّ يمكنُ الاعتمادُ على مدى مصداقيةِ الشهادةِ الفرديةِ لأنَّ بعضَ الشهودِ أكدوا أنهم رأَوا طائرة مروحية، وأكدَ آخرون أنهم رأَوا طائراتٍ تحلِّقُ على مستوىً منخفضٍ، ما أكرره أمامَكم هو أننا استخدمنا طائراتٍ مقاتلة تحلًِّقُ على مستوىً مرتفعٍ جداً، فبالتالي هناك تشويهٌ كاملٌ للحقيقة وللوقائع وهذا ما وردَ في التقرير”.
صُوَرُ الموقعِ التي التقطتها الطائراتُ بلا طيّار التابعةُ للجيشِ الفرنسي هي أيضاً مصدرُ خلافٍ بين المنظماتٍ الأهلية وفرنسا.
حمادون ديكو: طالبنا بتزويدنا بصور الطائرات بلا طيار “قبل القصف” ولكن الوزيرة رفضت ذلك
في حين قال الدكتور حمادون ديكو رئيس جمعيةِ شبيبةِ تابيتال بولاكو: “مع الوسائلِ التكنولوجيةِ لدى فرنسا، يمكنُ التعرفُ على الموجودين في المكان، وفي تقريرِهم يقولون إنهم تحققوا وخَلُصوا إلى أنّ الأمر يتعلقُ بإرهابيين قبل الضربةِ، طلبنا تزويدَنا بصُوَرِ الطائراتِ بلا طيّار، لأن التصويرَ ضروريٌّ قبلَ القصف، الوزيرة كانت واضحة إذ رفضت تزويدنا بها”.
وزيرة الدفاع الفرنسية ذكرت بأن: “لا جيشَ في العالم اعتاد عرضَ أمامَ أعيُنِ عدوِّه عناصرَ تسمحُ له بفَهمِ ما نعرِفُ عنه، هذا مبدأٌ عام، إذًا، لن نخرُقْهُ أبداً لأسبابٍ بديهيةٍ مرتبطةٍ بسلامةِ جنودِنا”.
تحقيقُ مينوسما كشفَ الستارَ عن تساؤلاتٍ عديدة، ونعلم أن المعسكرين المتعارضين، منذ الثالث من كانون الثاني / يناير، متمسكان بمواقفهما بالرَغم مما أفضى إليه التقرير.
لذلك، قد تُرفعُ شكوى أمام المدعيين العامين المالي والفرنسي لتُتابِعُها جمعياتُ حقوقِ الانسان الدولية، مما سيسمحُ بفتح تحقيقٍ قضائي يُؤْمَلُ منه معرفةُ إنْ كانت الضربةُ التي قامتْ بها قوةُ برخان مشروعةً أم لا.