فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات ضدّ 32 فرداً وكياناً تجارياً روسياً وباكستانياً الأسبوع الماضي، وذلك ردّاً على القيام بحملة قرصنة إلكترونية كبيرة ضدّ الوكالات الفيدرالية الأمريكية، بالإضافة إلى محاولة للتدخّل في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية.
كما طرد الرئيس بايدن 10 ديبلوماسيين روس الخميس الماضي، لتورّطهم في تهم تجسّس. وفي أمره التنفيذي، وسّع بايدن القيود على البنوك الأمريكية التي تتداول في ديون الحكومة الروسية. ورداً على ذلك صرحت روسيا، يوم الجمعة الفائت، بأنّها سوف تطرد 10 ديبلوماسيين أمريكيين وتتخذ خطوات إنتقامية أخرى، مع تصاعد التوتّر بين القوى العظمى.
هناك ما يصل إلى 10 شركات وأفراد باكستانيين متورّطين في عملية القرصنة، وقد قاموا جميعاً بمساعدة شركة (IRA) ، وهي شركة ترول روسية “سيئة السمعة”، والتي اتهمها المحققون الأمريكيون بدورها في التلاعب بالإنتخابات الأمريكية.
يفغيني بريغوجين، وهو مستثمر روسي يتمتّع بصلاتٍ عميقة الجذور مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والمعروف بـ”طباخ بوتين” بسبب أعماله في مجال التموين، وهو يساهم في تعزيز مصالح بوتين في الخارج، لا سيما في أفريقيا، لديه حصة إدارية في شركة IRA. ولقد تموضع لائحة المطاعم المرتبطة بالكرملين في قائمة المطلوبين لمكتب التحقيقات الفيدرالي في فبراير من هذا العام بمكافأة تصل إلى 250 ألف دولار مقابل أيّ معلومات تؤدي لاعتقاله، وهي خطوة أطلق عليها بريغوزين “مطاردة الساحرة”.
وقد حددّت وزارة الخزانة الأمريكية شركة Second Eye Solution (SES)، ومقرها كاراتشي، بالإضافة إلى مالكيها وموظفيها، على أنّهم “وكلاء لشركة IRA ، وأنّهم متواطئون معها للتأثير على الإنتخابات الأمريكية بعناوين وهويات مزوّرة للتهرّب من العقوبات الأمريكية.
المواطنون الباكستانيون محسن رضا، مجتبى رضا، سيد حسنين، محمد حياة، سيد رضا، وشاهزاد أحمد، هم المالكون والموظفون الذين زُعم أنّهم حصلوا على مبالغ كبيرة من شركة IRA لتقديمهم هويّات وبيانات اعتماد مزيفة لاستخدام مواقع التواصل الإجتماعي وتشكيل التصوّر العام لتحقيق مكاسب سياسية. وتعدّ الشركات التالية، وهي Fresh Air Farm House و Like Wiseو MK Soft-Tech واجهة لشركةSES ، إضافة إلى كونها قامت بغسيل الأرباح غير القانونية، والتي تقدّر بالملايين، وقد تمّ فرض عقوبات على كلّ هذه الشركات من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
كما قام مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) بتوزيع ملصقات “مطلوب” ضدّ كلّ من محسن رضا ومجتبى رضا، بتهمة التآمر لتقديم ونقل مستندات مزوّرة والاستخدام المزيّف لجوازات السفر، وقد أوصى مكتب التحقيقات الفيدرالي الأشخاص الذين لديهم أيّ معلومات تتعلق بهؤلاء الأشخاص، الاتصال بمكتب الـ FBI المحلي أو أقرب سفارة أو قنصلية أمريكية.
ومن المثير للإهتمام أنّ شركة SES متورّطة في صور رقمية لمستندات، بما في ذلك جوازات السفر ورخص القيادة والبيانات المصرفية وفواتير الخدمات ووثائق الهوية الوطنية منذ العام 2012 على الأقل، حيث أنّها تسوّق هذه المستندات المزيّفة لاستخدامها في التحقّق من الحسابات عبر الإنترنت، بما في ذلك خدمة تحويل الأموال وحسابات الأعمال وحسابات مواقع التواصل الإجتماعي.
في العام 2017، قامت شركة IRA بشراء 15 رخصة قيادة أمريكية مزوّرة من شركةSES ، والتي تمّ استخدامها كوثائق داعمة لحسابات وسائل التواصل الإجتماعي عبر الإنترنت التي أنشأتها شركةIRA للتدخل في الإنتخابات الأمريكية.
وقد حققت شركة SES ثروةً ضخمة بالتواطؤ مع الكيان الروسي IRA. ويقع مقر شركةFresh Air Farm House ، التي تمتلكها شركة SES، بالقرب من طريق كاراتشي – حيدر أباد السريع في ضواحي مدينة كاراتشي الساحلية الباكستانية. وتنتشر المزرعة على مساحة 4000 ياردة مربعة مع غرف مكيفة ومفروشة جيّداً، وحمامي سباحة كبيري الحجم، إضافة إلى بعض الألعاب المائية وملعب كريكيت.
وقال مصدر حكومي رفيع المستوى في كاراتشي لـ”أخبار الآن“، إنّه إلى جانب مزرعة محسن رضا ومجتبى رضا، قام مالكو شركة SES بشراء العديد من العقارات في كاراتشي وإسلام أباد.
في هذا السياق، قامت السلطات الباكستانية بإغلاق الموقع الإلكتروني الخاص بشركة SES، وزعمت بعض التقارير الإعلامية أنّ محسن رضا قام بإغلاقه بنفسه صباح الخميس الفائت.
وبالرغم من ذلك، تُظهر الصفحة القديمة للموقع أنّ الموقع كان يقدّم خدمات للهويات والوثائق وبيانات الإعتماد المزيّفة والتحقق من الحسابات في الغالب باستخدام خدمة PayPal. وكان الموقع يتفاخر بـ”أكثر من 6000 عميل راضٍ” في أكثر من 200 دولة، وقد أعلنت شركة SES أنّه يمكن استخدام مستنداتها المزوّرة على وسائل التواصل الإجتماعي ومنشورات الوظائف المستقلّة والمنصات التجارية.
الهواتف المحمولة لمالكي وموظفي SESشرك،ة بما في ذلك رقم المزرعة، لا تجيب أبداً، لذلك لم يتسنَّ التأكّد ممّا إذا كانوا قد أغلقوا هواتفهم أم أنّه تم احتجازهم من قبل وكالات تطبيق القانون.
وقال أحد جيران محسن رضا لـ”أخبار الآن” عبر الهاتف، إنّ محسن لم يظهر منذ يوم الجمعة الماضي. وفي وقت سابق، يوم الخميس، كان أكّد رضا لوكالة رويترز للأنباء هويته، معترفاً بأنّه مزوّر رقمي واستخدم تعديلات “فوتوشوب بسيطة” لتغيير بطاقات الهوية والفواتير والمستندات الأخرى، بما يتماشى مع مواصفات الطلب. وأكّد أيضاً أنّه قام بتصميم الغرافيك والتجارة الإلكترونية والعملات المشفّرة، ونفى ارتكاب أيّ مخالفات، قائلاً إنّه كان يساعد الأشخاص فقط في الوصول إلى الحسابات التي تمّ حظرهم من الدخول إليها.
من جانبه، أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، أنّ المستندات المزورة التي تقوم بتحضيرها شركة SES تُستخدم على الأرجح في العديد من الخدمات عبر الإنترنت، للتهرّب من العقوبات وبروتوكولات فحص مكافحة غسل الأموال.
وقالت الوزيرة جانيت يلين: “ستستهدف وزارة الخزانة القادة والمسؤولين وأجهزة المخابرات الروسية إضافةً إلى وكلائهم الذين يحاولون التدخّل في العملية الإنتخابية الأمريكية أو تقويض الديمقراطية الأمريكية”. وأضافت: “هذه بداية حملة أمريكية جديدة ضدّ السلوك الروسي الخبيث”.
جان أشاكزاي، المحلّل الجيوسياسي والصحافي والسياسي من بلوشستان والمستشار السابق لحكومة بلوشستان للإعلام والتواصل الاستراتيجي، قال لـ”أخبار الآن” إنّ هيئة الإتصالات الباكستانية (PTA) تنظم حركة الإنترنت وتحارب المعاداة الاجتماعية والمواقع الإحتيالية. وأضاف إنّ هذه الهيئة التنظيمية فشلت في اتخاذ إجراء ضدّ موقعSES على الإنترنت الذي قدّم خدمات غير قانونية لعملائه وانغمس في التشهير بالبلد.
وتابع جان أشاكزاي قائلاً إنّ “سياسة العقوبات الأمريكية المتعلقة بالأمن السيبراني مشكوك فيها، وليس لها اتجاه واضح. وقد كان الأمن السيبراني مصدر قلق لدى السلطات الأمريكية لكن في الوقت نفسه، هناك دول أخرى قلقة بشأن سلامة الأمن السيبراني الخاص بها أيضاً”.
وأضاف: “إذا أرادت الولايات المتحدة حماية فضائها السيبراني، فعليها أن تحترم حقوق الدول الأخرى”. وزعم أنّ الولايات المتحدة قد تورّطت في الماضي في هجمات إلكترونية في دول مثل إيران وروسيا والهند وباكستان.
وأكمل أشاكزاي حديثه قائلاً: “لقد تمّ تطوير هذا المجال بشكل كبير وأصبج متطوراً جدّاً. في المرتين السابقتين من الإنتخابات الأمريكية في الولايات المتحدة، كانت هناك بعض الدلالات السياسية عندما ألقت السلطات الأمريكية باللوم على روسيا في التدخل في الحملة الإنتخابية. ليس هناك شك في أنّ وسائل التواصل الإجتماعي والفضاء الإلكتروني يتمّ التلاعب بهما لتحقيق مكاسب سياسية من قبل الدول المتقدمة”.