جذور العلاقة البراجماتية.. أسرار الشبكات الإخوانية على أرض الثلوج البيضاء
داخل سوق مزدحم بمدينة بيتروزافودسك (عاصمة جمهورية كاريليا)، وقف “وسام” بملامحه العربية المميزة، يتحدث مع مجموعة من التجار المحليين حول فضل التبرع بالمال لصالح ما سماه بخدمة الدعوة الإسلامية، داعيًا إياهم لدعم جهوده في تنفيذ المشاريع المختلفة في شمال غرب روسيا الاتحادية.
على مقربة من الشاب العربي، جلس أحد التجار المحليين يُنصت باهتمام لكلامه وما أن انتهى الحديث، حتى غادر مسرعًا وكأنما تسابق خطواته عقارب الساعة، حتى توقف أمام إحدى المقار الأمنية الكبيرة، وطلب لقاء أحد الضباط لإبلاغه بمعلومات هامة عن شبكة لتمويل الإرهاب.
في أروقة المقر التابع لجهاز الاستخبارات الاتحادي الروسي، روى التاجر قصة الشاب العربي الذي يجمع التبرعات داخل العاصمة الكاريلية بدعوى أن حصيلتها تذهب لبناء المساجد والأعمال الخيرية والأنشطة الاجتماعية للمسلمين داخل البلاد، وفي حين شكك التاجر في أغراض “وسام” واتهمه بتمويل الإرهاب، فضلت السلطات الروسية أن تتركه يواصل عمله بحرية.
كانت أجهزة الأمن والاستخبارات الاتحادية الروسية على علم بأنشطة “وسام البردويل”، منذ بدايات نشاطه في عام 2006، بتكليف وتنسيق مع جماعة الإخوان (المحظورة رسميًا في البلاد منذ عام 2003)، وفرعها الأوروبي المعروف بـ”اتحاد المنظمات الإسلامية“، غير أنها قررت الاستثمار في الجماعات الوظيفية لتطويعها واستخدمها عند الضرورة، في تجسيد واضح لمبدأ البراجماتية التي اتسمت بها السياسة الروسية منذ وصول الرئيس فلاديمير بوتين لسدة الحكم في البلاد.
بعد سنوات قليلة من تلك الواقعة، صار “وسام البردويل“، رئيسًا لفرع اتحاد المنظمات الإسلامية في روسيا وبيلاروسيا، بالتوازي مع شغله منصب مستشار العلاقات الدولية لمفتي عموم روسيا الاتحادية، وهو ما يكشف عن جزء هام من طبيعة العلاقة الموجودة بين جماعة الإخوان والسلطات الرسمية في روسيا، ويعطي لمحة عن التماهي الموجود بين الحركة والنظام الحاكم في موسكو.
جذور إخوانية في التربة الروسية
منذ صعوده اللافت داخل هرم السلطة في البلاد أواخر تسعينيات القرن الماضي، اتبع الرئيس “فلاديمير بوتين” نهجًا براجماتيًا في سعيه للبحث عن الإرث السوفيتي القديم، معتمدًا على تكتيك الصداقة/ العلاقة مع الجميع، فرجل الاستخبارات السابق أدرك بخبرته الطويلة أن طموحه نحو السيطرة والمكانة العالمية مرتبط بحدود قدرات روسيا العسكرية والاقتصادية المحدودة نسبيًا، ومن ثم توجب عليه وعلى النخبة الحاكمة التي يقودها أن تعيد صياغة استراتيجية تكيُفية لتوائم بين طبيعة الدور الذي تطمح له وبين حدود مقدراتها القومية.
واستخدم النظام الروسي تكتيكات قديمة/ جديدة، فلعب بورقة الدعاية والحرب النفسية، وعقد حلفًا غير معلنٍ مع بعض الجماعات الوظيفية كجماعة الإخوان، الموضوعة على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية في البلاد، ليستغل الحركة الأصولية كأداة صراعية في لعبة القط والفأر التي يمارسها مع بعض خصومه المفترضين في إطار استراتيجية موسكو الإقليمية.
وتبدو المعلومات المتاحة عن العلاقة بين الإخوان والحكومة الروسية مبتورة ومرتبكة إلى حد كبير، ففي حين تذكر المصادر الرسمية أن الجماعة المحظورة ممنوعة من ممارسة أي نشاط داخل أراضي الاتحاد الروسي بسبب انخراطها في تمويل بعض الحركات الانفصالية في القوقاز، في أوقات سابقة، تكشف عدة تقارير وبيانات إعلامية صادرة عن اتحاد المنظمات الإسلامية، حجم تغلغل الجماعة داخل البلاد، وتبوَّء عدد من رموزها مناصب رسمية داخل مؤسسات السلطة الاتحادية أو في المنصات الدعائية التابعة لها كقناة روسيا اليوم المملوكة للدولة.
ووفقًا لتقارير منشورة عبر الموقع الرسمي لاتحاد المنظمات الإسلامية في روسيا، فإن وسام البردويل– ينحدر من أصول فلسطينية وهو أحد أقارب صلاح البردويل عضو المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية (فرع الإخوان) على ما يبدو من لقبه- بدأ نشاطه التنظيمي عام 2006 تقريبًا، برفقة صديقه وزميل الدراسة نضال عوض الله الحيح (فلسطيني من مواليد محافظة الخليل).
وانتقل “البردويل” و”الحيح” لروسيا للدراسة في إحدى كليات الطب، أوائل تسعينيات القرن الماضي، وحصلا على الجنسية بعد تخرجهما وإقامتهما في البلاد وتفرغا للعمل التنظيمي منذ التخرج، ولهذه الغاية درسا بالمراسلة في المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية بباريس (محسوب على الإخوان)، كما شغل الأول منصب مفتي جمهورية كاريليا لمدة 15 عامًا، وعمل مفتيًا لمحافظة مورمانسك (تبعد عن العاصمة حوالي 2000 كم) لمدة 3 سنوات، فيما عمل الأخير نائبًا لمفتي منطقة حوض الفولجا للعلاقات الخارجية.
وسخر الفلسطينيان الحاصلان على الجنسية الروسية جهودهما لتعزيز الجذور الإخوانية داخل التربة الروسية، وأسسا سويًا فرعًا للتنظيم داخل البلاد، تفرع عنه لاحقًا سلسلة من الجمعيات والمراكز الإسلامية والمدارس المملوكة بشكل مباشر للجماعة.
علانية الدعوة وسرية التنظيم
يُجسد المبدأ الإخواني الحركي: (علانية الدعوة وسرية التنظيم) وضع الفرع الروسي للجماعة، ففي الوقت الذي تتواصل في أنشطتها المختلفة كجمع التبرعات والانخراط في العمل المجتمعي، إضافةً لتجنيد الأعضاء وتكوين/ تربية الأعضاء التنظيميين على المنهج القطبية (نسبة لسيد قطب عضو مكتب الإرشاد ومسؤول نشر الدعوة بالإخوان سابقًا) القائمة على فكرة العزلة الشعورية مع المجتمع الجاهلي/ الكافر، يخفي فرع الجماعة الروسي أي معلومات حول بنيته الهيكلية وقياداته الفاعلة، وحجم ميزانيته والتبرعات التي يجمعها.. إلخ، ولا يتضمن موقعه الإلكتروني أي تعريف بهيراركية الاتحاد أو الأعضاء والمسؤولين عنه ويكتفي بوضع عنوان بريد إلكتروني خاص برئيسه للتواصل.
وتلجأ الحركة للحفاظ على “سرية التنظيم” كنوع من تكتيكات البقاء المستمدة من أدبياتها الحركية التي تعتبر أن للدعوة 3 مراحل- (الدعوة العام، والدعوة الخاصة، والعمل لتغيير العرف العام)- يجب أن تتسم في الحركة بالسرية والحذر على اعتبار أنها في طور النشأة والتكوين ولم تصل لطور التمكين الذي يعني في وعيها الجمعي إقامة دولة إسلامية/ إخوانية عالمية.
ومن الملاحظ أن السرية الحركية يتم تطبيقها بصورة خاصة في بعض البيئات التي تنشط فيها الإخوان تحت ناظري أجهزة الأمن والاستخبارات، كروسيا وبعض الدول الأوروبية على سبيل المثال، ويبدو أن تلك السرية ساهمت في استمرار التمدد والانتشار الإخواني الصامت في الداخل الروسي، وهو ما أبقى تكوينات الحركة بعيدةً عن الرصد والدراسة الحقيقية لسنوات، وحال دون تحديد هيكلها التنظيمي أو إيجاد حصر دقيق بأعداد الجمعيات التابعة لها أو تفاصيل كافية حول أنشطتها المستمرة المحجوبة بستار من الضبابية المتعمدة/ شبه المتعمدة.
وبنظرة تحليلية لأنشطة وبيانات اتحاد المنظمات الإسلامية بروسيا على مدار السنوات الثلاث الماضية، يمكن تحديد الملامح العامة لبنيته الهيراركية، والتي تتكون من:
– رئاسة الاتحاد والمكتب التنفيذي
يشغل وسام البردويل، منصب رئيس الاتحاد في روسيا وبيلاروسيا، وهو بمثابة المراقب العام للإخوان هناك، ويتولى بشكل أساسي تنسيق أعماله داخل البلاد بمعاونة أعضاء المكتب التنفيذي (الهيئة القيادية والتنفيذية العليا)، والذي يتكون من 6 أعضاء- بخلاف رئيسه- ينتخبهم مجلس شورى الاتحاد (الهيئة التشريعية لإخوان روسيا).
ويعاون “البردويل” بمعاونة عدد من أعضاء الاتحاد البارزين في مقدمتهم رفيقه نضال الحيح، ويستفيد “البردويل والحيح” من صفاتهم الوظيفية الرسمية (كنواب مفتين للعلاقات الخارجية والدولية) للظهور عبر المنصات الإعلامية الروسية كقناة روسيا اليوم، والتواصل مع أفرع الإخوان في الخارج، وتنسيق زيارات رموز الجماعة للداخل الروسي، وهو ماحدث عام 2008 عندما أجرى شكيب بن مخلوف، القيادي الإخواني البارز في أوروبا ورئيس اتحاد المنظمات الإسلامية سابقًا، زيارة لروسيا تفقد خلالها عددًا من الجمعيات والمراكز الإسلامية التابعة للإخوان هناك.
وتضم قائمة قيادات الإخوان بروسيا أيضًا، عددًا من الشخصيات البارزة من بينهم: (محمد صلاح دينوف، الصحفي بقناة روسيا اليوم، ورئيس تحرير وكالة الأنباء الإسلامية الروسية “إسلام نيوز” الناطقة بعدة لغات منها الروسية والعربية وهو أيضًا رئيس جمعية المجلس الخيرية الإخوانية، وعبد الله محمدوف، عضو مجلس الخبراء التابع لمجلس شورى المفتين بروسيا، ورسلان قربانوف، الباحث بمعهد الدراسات الشرقية في أكاديمية العلوم الروسية، ومنسق لجنة التفاعل مع وسائل الإعلام بمجلس الخبراء التابع لمفتي البلاد)، إضافةً للنائب السابق بمجلس الدوما (الغرفة البرلمانية الأولى في روسيا) عبد الواحد نيازوف، والذي يشغل عدة مناصب أخرى في المراكز والهيئات التابعة لجماعة الإخوان منها منصب رئيس المنتدى الإسلامي الأوروبي (أحد المؤسسات الإخوانية)، ورئيس المركز الثقافي الإسلامي ورئيس الجناح الاجتماعي لمجلس المفتين في روسيا، وشفيق بشيخاتشيف رئيس جمعية “البعثة الاسلامية العالمية”، وشاميل سلطانوف النائب السابق بمجلس الدوما.
مجلس شورى الاتحاد
يعتبر مجلس شورى اتحاد المنظمات الإسلامية بروسيا، الهيئة التشريعية والرقابية داخل التنظيم في البلاد، ويُوكل له مهمة إقرار الموازنة السنوية، واختيار أعضاء المكتب التنفيذي، ومتابعتهم ومناقشة تقارير العمل السنوية التي يعدها أعضاء المكتب عن أدائهم.
ويتضح من الهيكل التنظيمي للاتحاد أنه بُني على أساس قواعد اللائحة العالمية لجماعة الإخوان والتي أقرت في اجتماع مجلس الشورى العالمي عام ،1982 وعُدلت لاحقًا، وتنص على أن الأفرع القطرية/ الإقليمية تضع لنفسها لائحة تنظم أوجه النشاط بما يتفق مع ظروفها، شريطة عدم تعارضها مع اللائحة العام للإخوان، واعتمادها من مكتب الإرشاد العام بمصر قبل تنفيذها.
ويمكن افتراض أن التنظيم الأم (الفرع المصري) وافق سابقًا على اللائحة الداخلية لفرع الإخوان الروسي، وذلك بالنظر إلى طبيعة الديناميات والتفاعلات التنظيمية الإخوانية، وهذا يكشف جزءًا من طبيعة العلاقة والروابط التي تجمع بين الطرفين.
الأقسام الحركية:
تندرج الأقسام الحركية، تحت المكتب التنفيذي لاتحاد المنظمات الإسلامية في روسيا، وهي بمثابة أجهزة متخصصة للعمل التنظيمي والدعوي، وتضم عدة أقسام أبرزها:
– القسم التعليمي
تُشكل المدارس التعليمية حجر الزاوية في مشروع الحركة داخل روسيا، ويشرف الاتحاد على سلسلة المدارس الهادفة لصياغة عقول النشء الروسي المسلم، وفقًا لأيدولوجيا الإخوان، وتضم تلك السلسلة مدرسة الأحد (في حوض الفولجا- جنوب شرق البلاد)، ومدرسة الشيخ سعيد الإسلامية في منطقة ساراتوف (جنوب شرق) والمسجلة بصورة رسمية في وزارة التعليم العالي، إضافةً لمدرسة “المدينة” الابتدائية في العاصمة موسكو والتي تضم فصولًا من الأول حتى السادس وتدرس مواد اللغة العربية والتربية الإسلامية، والحاصلة على اعتراف وزارة التعليم الفيدرالية، وغيرهم.
– قسم التربية والتكوين
بجانب المدارس المذكورة، يدير الفرع الروسي للإخوان سلسلة مراكز ثقافية إسلامية في أنحاء متفرقة من البلاد، كمركز بطرسبرغ (ثاني أكبر المدن الروسية وتقع في الشمال الغربي)، ومركز بيتروزافودسك (عاصمة جمهورية كاريليا- شمال غرب الاتحاد الروسي)، ومركز فيسوكايا غورا (على بعد 19 من من قازان- عاصمة جمهورية تتارستان)، فضلًا عن سيطرته على مراكز إسلامية بالعاصمة موسكو- كمركز دار الإسلامي- وغيرها.
وتسعى الجماعة عبر السيطرة على المراكز الإسلامية لترسيخ رواياتها الخاصة ورؤيتها للإسلام في أذهان المحليين، وتكشف الرسائل والمقالات التي تُنشر عبر صفحات ومواقع اتحاد المنظمات الإسلامية في روسيا، تأثر كاتبيها بأفكار منظر الإخوان الشهير سيد قطب خصوصًا في قضايا الجاهلية والعزلة الشعورية والاستعلاء على المجتمع.
– القسم الدعوي
يؤدي القسم الدعوي دورًا في دعوة غير ، واحتضان ورعاية وتربية الجدد وفقًا للرؤية الخاصة بفرع الإخوان في البلاد، ويروج القسم نشاطه تحت شعارات مختلفة كتعليم “الدين الإسلامي الصحيح”، وأسس الإسلام وغيرها، ويشارك في نشاطه كوادر ودعاة الجماعة من مختلف المحافظات والجمهوريات الفيدرالية الروسية.
– قسمي العلاقات العامة والإعلان
يتولى قسم العلاقات العامة التشبيك مع الشخصيات والجمعيات والهيئات المختلفة، كما يعمل على تنسيق الزيارات والاجتماعات الخاصة بالاتحاد، وغيرها من المهام.
في السياق ذاته، يدير القسم الإعلامي حسابات اتحاد المنظمات الإسلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويشرف على عملية النشر عبر الموقع الإلكتروني والصفحات الخاصة بالجمعيات المرتبطة بالاتحاد، بجانب دوره في الاتصال بالصحفيين والإعلاميين داخل وخارج روسيا.
ومن الجدير بالذكر أن الغالبية العظمى للمواد المنشورة عن جماعة الإخوان باللغة الروسية عبر شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، تُركز فقط على صياغة وتصدير رواية إيجابية عنها وإبراز نشأتها كحركة دينية هادفة للرجوع إلى تعاليم الإسلام، وأدورها الاجتماعية والخيرية.. إلخ، دون الإشارة إلى أي سلبيات عنها، ولعل هذه جزء من استراتيجية ترويجية أكبر للحركة تهدف لتعظيم انتشارها وكسب الدعم والتأييد داخل المجتمعات الإسلامية المحلية في الاتحاد الروسي.
لكن اللافت للنظر هو عدم وجود تقارير رسمية تُحذر من خطر الجماعة باستثناء سطور قليلة منشورة عبر موقع جهاز الأمن الفيدرالي الروسي “FSB” تحوي معلومات غير تفصيلية عن المنظمات المدرجة على لائحة الإرهاب الروسية ومنها جماعة الإخوان، فضلًا عن مراوغة بعض المسؤولين الرسميين عند الحديث عن الحركة والتفريق بين فروعها الإقليمية وفرعها المصري، الذي يرجعون سببه حظره داخل الدولة الاتحادية إلى حظر التنظيم الأم في مصر دون الإشارة إلى النشاطات الإخوانية السابقة الداعمة لانفصال بعض الجمهوريات المسلمة عن الجمهورية الروسية، ودعوة بعض المحللين السياسيين والمنظرين الاستراتيجيين المقربين من الكرملين لتشكيل تحالف معلن بين موسكو وتيار الإسلام السياسي وفي القلب منه الإخوان.
– الجمعيات الخيرية
يدير اتحاد المنظمات الإسلامية في داخل روسيا شبكة واسعة من الجمعيات الخيرية التي تنخرط في أعمال جمع التبرعات المالية التي تُوظف لتحقيق أغراض الإخوان وتمويل تحركاتهم، والأنشطة الاجتماعية الهادفة لاستقطاب وجذب المحليين، ومن بين أبرز تلك الجمعيات: جمعية الرحمة (جنوب العاصمة موسكو)، وجمعية المجلس، وجمعية البعثة الإسلامية العالمية.
– قسم الأخوات
وفي ذات السياق، تولي الجمعيات المحسوبة على “إخوان روسيا” اهتمامًا خاصًا بالشابات والسيدات المسلمات الذين يتم توظيفهن في أنشطة القسم النسائي/ قسم الأخوات المسلمات، وتشترك ناشطات الحركة كمتطوعات في بعض أقسام اتحاد المنظمات الإسلامية، والجمعيات الخيرية المملوكة له كجمعية “بيت الخير” في موسكو، والتي تعنى بتدريب وتأهيل الأخوات المسلمات وصقل مهارتهن التنظيمية والدعوية.
أساليب تقليدية وامتدادات خارجية
تُعد أساليب وممارسات اتحاد المنظمات الإسلامية في روسيا مماثلة ومتطابقة مع الأساليب التقليدية لجماعة الإخوان، التي اعتمدتها منذ بداياتها المبكرة كميكانيزمات تنظيمية هادفة لكسب الدعم والتأييد واجتذاب الأعضاء الجدد.
ويحرص الفرع الروسي للإخوان على تطبيق “المانفستو الحركي” للإخوان في أنشطته داخل الدولة الاتحادية، عبر استغلال المناسبات الدينية الإسلامية كشهر رمضان وصلوات الأعياد والجمع والاحتفالات الدينية للترويج للجماعة وتجنيد العناصر الجديدة، وتشمل تلك الوسائل إقامة المخيمات أو المعسكرات، واللقاءات الدورية بالأطفال والشباب المرشحين للتجنيد، وتضمينهم في أنشطتها وفاعليتها كمباريات كرة القدم أو المشاركة في ما يسمى بفرق الفن الإسلامي.. إلخ).
ويستفيد الفرع الروسي للإخوان من ارتباطه باتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، في تدريب وتأهيل الكوادر التنظيمية، ويعقد الجانبين اجتماعات دورية/ شبه دورية، ويحرص قادة إخوان روسيا على المشاركة في المنتدى السنوي لمسلمي أوروبا والذي يقام في إحدى الدول الأوروبية.
الاحتواء المدروس وعلاقة المصلحة المتبادلة
بناءً على ما سبق، يمكن القول إن السماح بالتمدد والتشعب الإخواني في الفضاء الروسي، تم بصورة مخططة من قبل أجهزة الأمن والاستخبارات الروسية التي سعت لاحتواء مدروس لنشاط الجماعة على أرضها وذلك لتحقيق أهدافها الخاصة، إذ يمكن الاستفادة من الحركة وامتدادتها العالمية في عملية إدارة الصراع التي تحبذها روسيا، فتستغلها في إرباك خصومها، وخلق حالة من الاستقطاب تسمح للدب الروسي بإيجاد موطئ قدم له في أكثر من بقعة جغرافية، وبالأخص في المنطقة العربية، وتعزيز مكانتها العالمية في مواجهة الولايات المتحدة والمعسكر الغربي.
وفي سياق متصل، لعبت المتغيرات الدولية دورًا في تقوية العلاقات الإخوانية- الروسية، إذ ساهم بروز الجهاد المعولم بنسخته الأحدث (تنظيم الدولة – داعش) في تحفيز مئات الجهاديين المحليين في داخل البلاد على الانخراط في الأنشطة الإرهابية سواءً بالسفر إلى سوريا والعراق أو تخطيط/ شن الهجمات ضد أهداف داخلية، وبالتالي ارتفعت الحاجة لتوظيف جماعة دينية على صلة بدوائر السلطة الرسمية لمواجهة تنامي النزعة الجهادية خصوصًا في مناطق شمال القوقاز، ومن ثم عمدت الحكومة الروسية إلى الاستفادة من العلاقة التي نسجتها مع الإخوان لمواجهة بقية التنظيمات الإسلاموية.
ووُظفت الجماعة بصورة جلية في هذا الصدد، رغم القرب الفكري النسبي بينها وبين التنظيمات الجهادية والمرجعيات المشتركة لهما، وشارك أعضاء الإخوان في محاضرات وأنشطة وفاعليات افتراضية وواقعية ترسخ لرؤية موسكو الأمنية، من بينها سلسلة محاضرات ألقيت بجامعات حكومية (منها جامعة أوليانوفسك) تحت عنوان: “طرق تأثير المنظمات المدمرة والأفكار الهدامة بين الشباب“، وعلى نفس المنوال حرص رموز تنظيم الإخوان في البلاد على إبراز مواقفهم المؤيدة للكرملين والرافضة لدعوى استقلال الجمهوريات الإسلامية عن الاتحاد الروسي بدعوى أن تلك الأفكار انفصالية وإرهابية، وهو نفس الأمر الذي تؤكده وكالة الأنباء الإسلامية الروسية (إسلام نيوز) التي تقول في تعريفها المختصر على موقعها الناطق باللغة الروسية إنها تهدف لمواجهة التطرف والإرهاب والإنعزالية.
إلى ذلك، تحرص جماعة الإخوان على الاستثمار في علاقتها مع موسكو، عبر ممارسات براجماتية فريدة من نوعها، فيتبنى الفرع المحلي للحركة الرواية الروسية تجاه القضايا الخلافية، لاسيما في ما يخص الأوضاع الداخلية في روسيا والعلاقة مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يظهر في اللقاءات الصحفية والإعلامية لقادة الإخوان- كوسام البردويل- والتي تتضمن تشديدًا على ضرورة رفض الأخبار والروايات الغربية عن الأوضاع في روسيا لأنها قائمة على الدعاية غير الموضوعية، من وجهة نظره.
فيما تنتهج المنصات الدعائية الإخوانية طريقة الاغتيال المعنوي في التعامل مع بعض معارضي الرئيس فلاديمير بوتين، وتحاول إسقاط رمزيتهم عبر وصمهم بأنهم أعداء للإسلام ويتبنون أيدولوجيا قومية متشددة مناهضة للدين ولشعائره، وهو ما حدث مع المعارض الشهير “أليكسي نافالني” الذي روجت منصات تابعة للحركة أنه يرفض بناء المساجد في العاصمة الروسية، وينتقد حجاب المسلمات في مقابل دعم المثليين ومزدوجي الميول الجنسية.
ومن الواضح أن الممارسات السابقة تتم في إطار تحالف الإخوان- موسكو الحرج، إذ تسعى الجماعة في كل مناسبة ممكنة لإثبات أن هامش الحرية المرن الذي أتاحته لها أجهزة الأمن والاستخبارات الاتحادية، كان في مصلحة الطرفين، وأن الحركة ستخدم الدب الروسي ومصالحه طالما ضمن لها البقاء والاحتواء الذي يسمح للأخطبوط الإخواني بالتواجد والانتشار على الأراضي الروسية.