لا تتفق شخصيات بارزة وصناع الرأي في باكستان مع القيادات المدنية والعسكرية بشأن تبرئة عضو القاعدة البريطاني المولد، “أحمد عمر سعيد شيخ” ورفاقه الثلاث الذين يُزعم أنهم اختطفوا وقطعوا رأس “دانيال بيرل” الصحافي العامل في صحيفة “وول ستريت جورنال”، في العام 2002.
ويرى هؤلاء أنّ الدولة فشلت في مقاضاة قتلة بيرل المزعومين، عبر ترك العديد من الثغرات القانونية في القضية، ما دفع القضاء الأعلى إلى إصدار أمر بالإفراج عن المتهمين.
ومن أبرز ما يستند عليه بعض كبار الشخصيات في باكستان، حول عدم عدالة الحكم الصادر عن المحكمة وفق رأيهم، عدم تقديم الإدعاء أشلاء من الضحية يمكن الإعتماد عليها في القضية. كما أنّ الادعاء لم يقدم أدلّة شفهية أو وثائقية أو حقيقية لا تقبل الجدل، يمكن أن تدين الجناة في قضية القتل، وبدلاً من ذلك، سعوا جاهدين لإضعاف عناصر القضية وتقديمها ضعيفة وهشة لا يمكنها تحمل حجج المراجعة القضائية في محكمة قانونية.
وألمحوا إلى تصوّرات مختلفة لوكالة الإستخبارات الأولى في البلاد والحكومة المدنية، قائلين إنّ الإنكار كان يعمل على الروابط المزعومة والإرتباط بين الوكالة الأمنية وشبكة القاعدة عندما تمّ اختطافه وقطع رأس الصحافي في ميناء بمدينة كراتشي الباكستانية.
ويزعم بعض المراقبين الذين يراقبون عن كثب التطوّرات في هذا الصدد، أنّ باكستان قدّمت تأكيدات للإدارة الأمريكية بأنّ عمر شيخ وغيره من المتهمين في قضية قتل بيرل، لن يتم الإفراج عنهم على الرغم من أمر المحكمة. وبحسب ما ورد، قدّم وزير الخارجية شاه محمود قريشي هذا التأكيد لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، الذي اتصل به للمطالبة بالعدالة لبيرل.
كما أعرب بلينكين عن مخاوف الولايات المتحدة بشأن إطلاق سراح الشيخ عمر، وقال حينها: “شعوري العام هو أنّ باكستان أكّدت للولايات المتحدة أنّها سوف تجد طرقاً لإبقاء عمر قيد الإحتجاز في المستقبل المنظور، وأنّ حكومة الولايات المتحدة توافق على ذلك على مضض”.
“ما الذي حدث للجزء الأكبر من أدلة الإدانة”؟
وضمن هذا السياق، قال أسفانديار مير، وهو زميل ما بعد الدكتوراه في مركز الأمن الدولي بجامعة ستانفورد. والذي تركز أبحاثه على قضايا الأمن الدولي وسياسة مكافحة الإرهاب الأمريكية والقاعدة والشؤون الأمنية في جنوب آسيا: “شعوري العام هو أنّ باكستان أكّدت للولايات المتحدة أنها ستجد طرقاً لإبقاء عومر قيد الإحتجاز في المستقبل المنظور، وحكومة الولايات المتحدة موافقة على ذلك على مضض”، وسأل: “ما الذي حدث للجزء الأكبر من أدلة الإدانة التي كانت السلطة تدعي أنها في يدها”؟
وأضاف: “وفاءً بالتزامها مع السلطات الأمريكية، بدلاً من الإفراج عن الرجال بعد أمر البراءة، تمّ وضعهم في السجن لمدّة 90 يوماً بموجب قانون الحفاظ على النظام العام (MPO)، واعتبروا أنّ إطلاق سراحهم يشكل تهديداً للأمن. ثمّ تمّ تمديد أمر الإعتقال إلى ثلاثة أشهر أخرى بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، ومدّد كذلك لاحقاً إلى 90 يوماً أخرى”.
من جانبه، قال برويز هودبهوي، العضو السابق في المجلس الاستشاري للأمين العام للأمم المتحدة بشأن نزع السلاح، لـ”أخبار الآن“: “الإدعاء لم يهتم بهذه القضية، وقد تمّ حذف أو إتلاف العديد من الأدلّة المهمة التي كان من الممكن أن تعزّز جانب الإدعاء خلال الثمانية عشر عاماً الماضية”.
وتابع: “من المعروف أنّ التعليمات المخفية التي يتمّ تلقيها من كبار المسؤولين غالباً ما تحدّد النتائج القضائية في نظام العدالة الجنائية المعيب بشدّة في باكستان. يبدو أنّ الأدلّة في قضية عمر شيخ وفيرة للإدانة، لكن في ظروف غامضة، تلاشت هذه الأدلّة عندما بدأت جلسة الإستماع. ومن الصعب أن نتخيل أنّه كان يمكن تبرئته لو أنّه قتل ضابطاً عسكرياً باكستانياً وليس صحافياً أمريكياً”.
هودبهوي، شرح الفرق بين المدانين المحظوظين وغير المرغوب فيهم، وقال إنّ “المخالفين غير المرغوب فيهم في السجون الباكستانية يُعاقبون مرتين أكثر من العقوبة المفضلة”.
وأضاف: “المخالفون العاديون أو غير المرغوب فيهم يتعرّضون للسجن في مدن مختلفة. في بعض الأحيان على بعد مئات الأميال من بلدتهم الأصلية. في المقابل، يحصل المدانون المفضلون على السجن الذي يختارونه. وكشف أنّ عمر شيخ يحظى باستضافة مريحة في لاهور، خصوصاً أنّ العناصر المتعاطفة مع القاعدة يمكن أن تمارس نفوذاً حتى داخل السجون”.
الخبير الأممي السابق، انتقد بشدّة سياسة رئيس الوزراء عمران خان، متهماً إيّاه بالتعاطف مع متشددي اليمين المتطرف، وقال: “سلوكه لم يتغيّر منذ أن أصبح رئيساً للوزراء. ومع ذلك، فهو حريص على عدم تنفير الولايات المتحدة وأوروبا، ولهذا سارع إلى رفع دعوى مراجعة في المحكمة العليا ضدّ تبرئة عمر شيخ وغيره من المتهمين”.
وبرّأت المحكمة العليا شيخ أثناء نظرها التماساً من عائلته في 2 أبريل 2020، كما برأت شركاءه الثلاث وهم فهد نسيم أحمد وسيد سلمان ساقيب والشيخ محمد عادل، الذين كانوا يقبعون في السجن منذ العام 2002، وأمرت المحكمة السلطات بالإفراج عنهم إذا لم تتم إدانتهم في قضايا أخرى.
وشعرت حكومة خان بالذعر من قرار لجنة السجون، ولخوفها من استياء الإدارة الأمريكية، سارعت إلى تقديم استئناف في المحكمة العليا (SC) في وقت مبكر من هذا العام، مطالبة بمراجعة أمر الإفراج، ومع ذلك، رفضت المحكمة العليا استئناف الحكومة وأيّدت قرار اللجنة العليا.
وقال فيصل صديقي، محامي عائلة بيرل، لـ”أخبار الآن“، إنّ “السبيل القانوني الوحيد بعد قرار المحكمة، الذي يؤيّد إطلاق سراح أحمد عمر سعيد شيخ، هو طلب مراجعة القرار الصادر عن تلك المحكمة”. ولفت إلى أنّ المراجعة ستجريها المحكمة نفسها التي أيّدت الإستئناف، والتي كانت في هذه القضية المحكمة العليا الباكستانية، وقال: “من الناحية العملية، لا توجد خيارات قانونية أخرى متاحة لمحامي الدفاع لمتابعة القضية في باكستان”.
وأوضح: “قرار المحكمة بالإفراج عن ناشطي جماعة متشدّدة عالمية شكّل ضربة للعدالة.. الإفراج عن هؤلاء القتلة سيعرض الصحافيين للخطر في كلّ مكان بالإضافة إلى أنّه يشكل تهديداً حقيقياً للشعب الباكستاني”.
مطالبة أمريكية لباكستان بمراجعة خياراتها
واتخذت الإدارة الأمريكية موقفاً جاداً من قرار المحكمة، معربةً عن استيائها من تبرئة شيخ ومساعديه، وطلبت من باكستان مراجعة خياراتها القانونية على وجه السرعة، بما في ذلك السماح للولايات المتحدة بمقاضاتها لتأمين العدالة لعائلة بيرل. كما طلبت من الحكومة الباكستانية ضمان معاقبة المتورطين في مقتل بيرل بموجب القانون.
وزعمت تقارير إعلامية، نقلاً عن مسؤولين باكستانيين كبار، بأنّ تبرئة أحمد عمر سعيد شيخ ورفاقه الثلاث أدّت إلى تدهور العلاقات بين واشنطن وإسلام آباد، مع الإشارة إلى أنّ المحكمة برّأت الشيخ في وقت أدّى فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن اليمين الدستورية على منصبه.
وقد قوبل أمل باكستان في إحياء علاقاتها القديمة مع الولايات المتحدة بردّ فاتر من واشنطن. ولم يتحدث جو بايدن إلى رئيس الوزراء عمران خان منذ توليه السلطة. وفضّل مبعوث بايدن الخاص لتغير المناخ، جون كيري، الذي زار الهند وبنغلاديش هذا الشهر، عدم التوقف في إسلام أباد. وبالمثل، فإنّ وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، الذي ذهب مؤخراً إلى الهند وأفغانستان، لم يأت إلى باكستان واختار بدلاً من ذلك التحدّث إلى قائد الجيش الجنرال قمر جاويد باجوا عبر الهاتف أثناء وجوده في كابول.
وبشكل غير لائق، تجاهل بايدن أيضاً باكستان في القمّة الأولى لحكومته حول تغيّر المناخ التي عقدت في 22 و 23 أبريل، فيما دعا 40 رئيس دولة وحكومة، بما في ذلك قادة الهند وبنغلاديش وبوتان من منطقة جنوب آسيا، لكنّه أرسل دعوة متأخّرة إلى موظف منخفض المستوى إلى مستوى مساعد خاص لرئيس الوزراء بشأن تغير المناخ.
وعلى الرغم من أنّ الحكومة أخّرت بطريقة ما تبرئة الشيخ بسبب الضغط الأمريكي، لكنها نقلت المشتبه به الرئيسي من كراتشي إلى لاهور في منزل الضابط الخاص في سجن “كوت”، كما تقوم عائلة شيخ بمقابلته في لاهور بعدما سمحت لهم السلطات بلقائه خلال النهار.
تجدر الإشارة إلى أنّ بيرل (38 عاماً) كان مراسلاً لصحيفة “وول ستريت جورنال” عندما اختطف بينما كان يحقق في أنشطة متشددين إسلاميين في كراتشي عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة.