قد يصبح انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان من دون أيّ تسوية سياسية بين الجماعات الأفغانية، كابوساً للأفغان والمجتمع الدولي. كما قد تعود أفغانستان ومنطقتها إلى الفترة التي سبقت هجمات 11 أيلول/سبتمبر العام 2001. ووفقاً لتصريحات طالبان وعملياتها خلال الأسابيع القليلة الماضية، تعتبر طالبان الإنسحاب الأمريكي المعلن حديثاً بمثابة تأخير وانهيار لاتفاقات الدوحة، وربّما تسعى إلى فصل دموي جديد في تاريخها من الفظائع.
توجهت قوات الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو إلى أفغانستان بعد تنظيم القاعدة في أعقاب الهجمات الإرهابية على مركز التجارة العالمي، التي راح ضحيتها 3 آلاف شخص تقريباً، وأصيب 25 ألفاً بجروح.
وعلى الرغم من أنّ طالبان لم تتورط مباشرةً في هجمات 11 أيلول/سبتمبر، إلّا أنّ القيادة العليا للقاعدة بما في ذلك أسامة بن لادن، استضافتها طالبان وحمتها وكان ومقرّها في أفغانستان. وعلى الرغم من المناشدات من الدول الموالية لطالبان، إلّا أنّهم رفضوا تسليم أسامةبن لادن إلى الولايات المتحدة وضحّوا بدلاً من ذلك بنظامهم.
أمّا اليوم، فيشعر الأفغان بعدم اليقين ويقلقون بشأن مستقبلهم بعد قرار الولايات المتحدة بسحب القوات بحلول 11 أيلول \ سبتمبر 2021، من دون أيّ تسوية سياسية بين الحكومة الأفغانية وطالبان.
تقول طالبان إنّها شعرت بالإهانة بسبب قرار جو بايدن أحادي الجانب بشأن جدول انسحاب من أيار/مايو إلى 11 أيلول/سبتمبر.
يفتقر إصرار طالبان على الإنسحاب الفوري للقوات الأميركية إلى الصدق. فقد أظهرت طالبان عدم صدقها تجاه التوصّل إلى اتفاق مع حكومة أشرف غني والجماعات الأفغانية الأخرى، الأمر الذي شكّل نقطة تحوّل والسبب الرئيسي لقرار الرئيس بايدن.
القرار أذهل طالبان
ماذا ستكون عواقب القرار الأمريكي على طالبان؟ هل تهتم حركة طالبان بعلاقاتها مع المجتمع الدولي؟ تقلق قلّة من الأشخاص المهتمين في صفوف طالبان، بشأن مستقبل طالبان ويصرّ أحدهم في المحادثات الخاصّة على أنّ الرحلة الفردية قد تجلب الوضع الذي كان عليه الحال في العام 2001 لطالبان، حين طُردت من القصر الرئاسي وانتهى بها الأمر في عزلة وقوقعة تامة للمجتمع الدولي.
أخرج المجتمع الدولي طالبان من مخابئها في باكستان نحو المفاوضات في قطر. وعلى الرغم من كونها مدرجة في قوائم عقوبات الأمم المتحدة والولايات المتحدة، إلّا أنّ طالبان سُمح لها بالسفر بهدف “إعادة التأهيل” من خلال أسلوب حياة فاخر في الدوحة. وعلى الرغم من التفاعل مع المجتمع الدولي لمدّة 8 سنوات في الدوحة، إلّا أنّ عقلية طالبان لم تتغيّر أبداً، بل ملابسها فقط هي التي تغيّرت.
كان المجتمع الدولي ولا سيّما الولايات المتحدة يتوقع أنّه في يوم ما، إن لم تنتقد طالبان علناً القاعدة وأسامة بن لادن، فستظل تنأى بنفسها عن القاعدة. لكن لا تزال طالبان تعتبر أسامة بن لادن قديساً وقد لا تندم أبداً على قرارها بالتضحية بإمارتهم من أجل أسامة بن لادن في عام 2001.
وفي آب \ أغسطس العام 2019، وفي خضمّ محادثات طالبان والولايات المتحدة، لم يكن عضو بارز في الفريق السياسي لطالبان في الدوحة السيد شاهين، (المتحدث باسم طالبان سهيل شاهين)، مستعداً حتى للإعتراف بأنّ القاعدة كانت وراء أحداث 11 أيلول/سبتمبر. وكان أفاد شاهين لشبكة “سي بي أس نيوز”، بأنّه “من غير المعروف مَنْ يقف وراء أحداث 11 أيلول/سبتمبر”.
والآن السؤال الذي يطرح نفسه حول مستقبل الأفغان والقاعدة في المنطقة.
سيشكّل بقاء الحكومة الأفغانية من دون دعم الولايات المتحدة وقوات الناتو مصدر قلق. إذا أراد الدكتور أشرف غني صدّ هجوم طالبان على المدن الكبرى، فينبغي عليه أن يخرج من القوى المسيّطرة ويتقاسم السلطة مع أمراء الحرب المناهضين لطالبان.
وكان قادة المجاهدين السابقين وأمراء الحرب، ولا سيّما غير البشتون مثل الطاجيك والهزارة والأوزبك، قد قاتلوا ضدّ طالبان إلى جانب الولايات المتحدة قبل هجمات 11 أيلول/سبتمبر وبعدها. وقد لعب أمراء الحرب هؤلاء دوراً مهماً في طرد طالبان من السلطة.
على الرغم من السمعة السيئ لأمراء الحرب في مجال حقوق الإنسان، فإنّ الدكتور أشرف غني لا يملك خياراً آخر سوى تقاسم السلطة معهم وتزويدهم بأسلحة لمحاربة طالبان، ويُحتمل أن تظهر قضايا حقوق الإنسان في مثل هذا السيناريو. ويمكن أن تستأنف دول المنطقة الحرب بالوكالة في أفغانستان من خلال تمويل أمراء الحرب المفضلين لديها.
لا توجد مقاومة محلية أو شخصية مقاومة في وجه طالبان في جنوب أفغانستان، حيث تعيش المجموعة العرقية البشتونية الرئيسية. لكن طالبان ستواجه مقاومة في المنطقة الشمالية غير البشتونية، ولن تحظى بدعم السكان المحليين.
بغية محاربة طالبان، تحتاج القوات الأفغانية إلى دعم قوي من جميع الأعراق الرئيسية في أفغانستان، حيث من شأن ذلك أن يعزز ثقة القوات الأفغانية ويبعث برسالة إلى طالبان مفادها، أن هذه ليست أفغانستان الـ 1996، هي الآن في حقبة جديدة ولن تستسلم بسهولة.
ويقول زعيم حزب الجمعية الأفغانية صلاح الدين رباني إنّ الخيارات مفتوحة أمام طالبان. وكانت الجماعة قد قاتلت ضد طالبان والروس فيالماضي.
يعتمد الأمر على أشياء عديدة. هل تريد طالبان الإنتصار عسكرياً أم قد تقبل بتسوية؟ إذا اختاروا القتال لهم ذلك، لكن إذا ركّزوا على المفاوضات فإنّ فرص ذلك جيّدة أيضاً بين الجماعات المناهضة لطالبان. الأمر الجلي أن أحداً لن يقاتل في سبيل غني، فهو ليس برهان رباني أو أحمد شاه مسعود، حسب ما صرح به رباني.
اعترف وزير سابق في طالبان بأنّ الإستيلاء على كابول لن يكون ميسراً لطالبان هذه المرّة. وأضاف قائلًا إنّه إذا استمرت الحرب في كابول فمن شأن ذلك أن يرهق طالبان التي قد تسعى خلف استحصال دعم القاعدة والجماعات الجهادية الأخرى عبر القوى البشرية والأموال.
لم يستبعد قائد القيادة المركزية بالجيش الأمريكي الجنرال كينيث ماكنزي إعادة تجمع داعش والقاعدة في أفغانستان، الأمر الذي يستدعي القلق من قبل دول المنطقة، خصوصاً باكستان.
وتابع الوزير أنّ “طالبان لم تعد ملزمة بإبعاد نفسها عن القاعدة لأنّ اتفاق الدوحة في 29 فبراير/شباط قد أصبح طي النسيان بعد رفض الولايات المتحدة سحب القوات بحلول الأول من مايو/أيار 2021”.
ويرجح أن “تمتد الحرب إلى مرحلة أخرى” في حال سحبت الولايات المتحدة قواتها، بحسب توقّع الوزير السابق. وأردف أنّ الدكتور غني وإدارته لن يسعهما مقاومة هجوم طالبان لفترة طويلة. كما أنّ الأمر لن يكون بالنسبة لطالبان بسهولة التسعينيات عندما استولوا على المدن بأغلبها من دون مقاومة.
أمّا في ما يخص ردّ فعل المجتمع الدولي على تحركات طالبان، فعلّق قائلًا إنّ “طالبان لا تبالي بالعقوبات والتشريعات السياسية في المستقبل. إذا واجهت طالبان مقاومة شديدة من الحكومة الأفغانية والجماعات العرقية وبدأت تفقد القوة البشرية والموارد لتمويل حربها، فقد تهبّ القاعدة والجماعات الإرهابية الدولية الأخرى لنجدتها. هكذا وضع يمثل فرصة ذهبية للقاعدة لدعم طالبان على أرض الواقع بعد فترةطويلة”.
وفقاً لمصادر استخباراتية ومصادر طالبان، لا يزال زعيم القاعدة أيمن الظواهري في المنطقة ويبدّل أماكنه في المناطق الحدودية بين إيران وأفغانستان وباكستان. وختم وزير طالبان قائلًا إنّه “طالما أنّ الظواهري موجود في هذه المنطقة، فإنّ عودة القاعدة إلى أفغانستان واردة في أي وقت”.