طرق متعددة ونهاية واحدة تنتظر الظواهري وتنظيمه
لا تزال القاعدة وسياساتها الأيدولوجية تمثل حتى الآن، لغزا في كثير من الجوانب على الرغم من الضعف والتآكل الذي لحق بالتنظيم بعد قتل زعيمه أسامة بن لادن عام 2011، وتولي أيمن الظواهري قيادة القاعدة خلفاً له.
أخبار الآن، كانت سلطت الضوء في تقرير وثائقي سابق، على أبرز المتغيرات التي قد تصيب التنظيم استناداً إلى بيانات الظواهري الأخيرة وخاصة بيان “صفقة القرن أم حملات القرون” الذي بثته مؤسسة سحاب التابعة للقاعدة في سبتمبر 2020، وبيان “جرح الروهينغا هو جرح الأمة” الذي صدر في شهر مارس الماضي، والتي يمكن تلخيصها – أي تلك المتغيرات – بمحاولة الظواهري إرسال رسائل خفية إلى اتباعه مفادها، أن القاعدة تعيش آخر أيامها، وربما يتم حلها وخلق كيان جديد تحت اسم آخر وأيدولوجية تميل أكثر نحو الليونة خلافا لما كان يتبعه التنظيم.
ولكي نحيط أكثر بما تضمنته بيانات الظواهري الأخيرة، وما قد يشهده التنظيم خلال الفترة المقبلة، التقت أخبار الآن، مع العضوين السابقين في القاعدة، نبيل نعيم وأيمن فايد، لاستيضاح أرائهما حول البيانات الأخيرة، وفيما إذا كانت تتقاطع مع تحليلنا في التقرير الوثائقي الذي أوردناه سابقا.
غزل مفاجئ لجماعة الإخوان
أحد أبرز المتغيرات التي باح بها زعيم القاعدة، غزله المفاجئ تجاه لجماعة الإخوان، رغم ما بين الجماعة والتنظيم من عداء تاريخي، فالظواهري استعان في خطابه بمقطع فيديو يظهر محللين فرنسيين وهم يكيلون الانتقادات إلى جماعات الإسلام السياسي وخاصة جماعة الإخوان، ليلعب على وتر ضرورة اتحاد المصالح رغم الاختلافات لمواجهة الأعداء المشتركين.
القيادي السابق في التنظيم، نبيل نعيم، قال لأخبار الآن: “كما أشرنا سابقا، فإن أغلب المحللين يرجحون أن الظواهري يستعد لحل القاعدة، وليس أدل على ذلك من التناقض بين بياناته الأخيرة وأيدلوجية التنظيم المبنية على التشدد والعدائية الشديدة للجماعات الأخرى، بل تكفيرهم في مناسبات عدة وهنا أتحدث تحديدا عن جماعة الإخوان”.
وأضاف: ” الظواهري في كتابه الحصاد المر، كاد أن يكفر الإخوان.. وذات يوم طلب مني أن أقوم بطباعة الكتاب وقراءته.. الكتاب يحتوي على فظائع جماعة الإخوان الأخلاقية والسياسية والفقهية على مدار ستين عاما، طبعا وفق نظر أيمن الظواهري”.
وأردف: “مجرد طباعة ونشر كتاب الحصاد المر يعتبر موقفا عدائيا للغاية من قبل الظواهري تجاه جماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من دعم الجماعة للظواهري أثناء تواجده في مصر، وبالتالي أن يأتي بعد تلك المدة ليستميل الإخوان، فهنا تثار العديد من التسؤلات عن ذلك التحول المفاجئ”.
من جانبه، اعتبر القيادي السابق في تنظيم القاعدة، أيمن فايد، أن الظواهري بطبعه يعشق السلطة، وبالتالي فإن تقيمه لأي أمر يعتمد على مدى استفادته منه، وقال:
الظواهري براغماتي.. يعشق السلطة ويتنفسها، وعلى هذا الأساس لا يستند في تقييمه للأمور على مقاييس علمية، بل على نظرية البراغماتية، أي المصلحة
وأوضح: “ما يستفيد منه الظواهري يعتبره حقيقة لا يجوز نقضها، وما لايستفيد منه يعتبر باطلاً ولا يجوز الأخذ به، وذلك السلوك يمثل الحالة البراغماتية بكشل تام”.
انخفاض خطابات الظواهري
من الملاحظ أن بيانات الظواهري بدأت بالانخفاض في السنوات الأخيرة وخاصة خلال هذا العام والعام المنصرم، وكنا في تقريرنا الوثائقي، أشرنا عبر رسم بياني، إلى الانخفاض الحاد في خطابات زعيم القاعدة، وهو مؤشر له دلالته الواضحة وليس بالأمر الذي يمكن تفويته لمن يتابع شؤون التنظيم.
وضمن هذا السياق قال نعيم: “انخفاض خطابات الظواهري له مدلول سلبي جدا على التنظيم”.
وأوضح: “من شأن ذلك أن يؤدي إلى تزايد تشرذم القاعدة، ولاحقاً سيؤدي هذا التشرذم إلى نشوء مجموعات أي خلايا متفرقة، منها ما ستعمل على تمويل نفسها بشكل مستقل، ومنها ما ستعجز عن إيجاد مصادر للتمويل وبالتالي ستتلاشى مع مرور الوقت”.
قضايا جانبية بدلاً من مشاكل عميقة
في بيان الظواهري الذي حمل اسم “جرح الروهينغا جرح الأمة كلها”، حاول زعيم التنظيم أن يركز على قضية الروهينغا وما يتعرض له المسلمون هناك من إبادة جماعية منظمة، إلا أنه في الوقت ذاته بدا متناسيا لمشاكل القاعدة العميقة، والتي تهدد وجودها بشكل واضح، وهو ما يدل على أن الظواهري يحاول صرف أنظار اتباعه عن مشاكل التنظيم إلى قضايا جانبية، يفترض أن لا تشكل الأهمية ذاتها مقارنة بمشاكل قد تنهي وجود التنظيم. وقال فايد: “إن لم يكن هناك أزمة للمسلمين في أي مكان، سيحاول الظواهري لفت الأنظار إلى أي مشكلة ولو كانت صغيرة وتحويلها إلى أزمة ليستثمر فيها ويحاول إثبات وجوده عبرها”.
وأوضح: “المسلمون هذه الأيام يتعرضون لكثير من المشاكل، ويمرون بأزمات مختلفة، وبالتالي يسهل على الظواهري الاستثمار بتلك المشاكل والأزمات لصالح نفسه وتنظيمه”.
وأردف: “رغم ما سبق، يجد الظواهري في الوقت الحالي صعوبة في استقطاب مزيد من المؤيدين والمناصرين، فالشعوب نضجت، وعرفت أن أهم أسباب محنها يكمن في الجماعات المتشددة. هذه الجماعات التي جُربت أكثر من مرة وفشلت فشلاً ذريعاً ولم تعط أي نتائج إيجابية للشعوب العربية والإسلامية، بل على العكس من ذلك، باتت تلك الجماعات تخدم مصالح من تدعي أنها تحاربهم، من خلال تقديم حجج لهم لاحتلال بلدان بأكملها.. وبالتالي، فإن الظواهري حاليا يلعب بالرقم صفر”.
أقوال بلا أفعال
بات معروفاً للقاعدة وأنصارها، أن الظواهري رجل أقوال من غير أفعال، وخطابات من دون تنفيذ، على عكس ما كان يتمتع به الزعيم المؤسس للقاعدة أسامة بن لادن، من شخصية ذات كاريزما وحضور وقدرة على جذب الاتباع، والأهم أقوال مقترنة بأفعال، ما جعل الظواهري يظهر بمظهر العاجز أمام منتسبي القاعدة مقارنة بسلفه بن لادن، وقال نعيم: “خطاب الروهينغا للظواهري لم يقدم أي جديد.. خطاب مكرر لأزمة يعرفها القاصي والداني.. ما هي الفائدة التي قدمها زعيم القاعدة بتطرقه إلى تلك القضية؟!.. وهل ما تحدث به بُني عليه أي عمل؟ بالتأكيد لم يُبنى عليه أي شيئ.. أكرر أقوال بلا أفعال”.
خطاب الظواهري عن الروهينغا مكرر لأزمة يعرفها الجميع وعبارة عن أقوال بلا أفعال
العلاقة مع طالبان
لعل من أبرز المشاكل التي تؤرق القاعدة، العلاقة مع طالبان، ومصير البيعة، وكما هو معروف فإن طالبان، أبرمت اتفاقا مع كابل والقوات الأمريكية لتقاسم السلطة داخل البلاد مع الحكومة، متعهدة بعدم السماح للتنظيم أو أي جماعة أخرى بشن هجمات من الأراضي الأفغانية تهدد مصالح واشنطن وحلفائها، وهنا يبقى التساؤل الأبرز، ما مصير التحالف بين طالبان والقاعدة؟
فايد أجاب عن التساؤل السابق بقوله: “القاعدة تكونت عام 1988، فيما نشأت طالبان عام 1994، وبدأت نشاطها الفعلي عام 1996، وعليه فإن هناك فجوة زمنية ما بين نشأة التنظيم وتكوينه ونشأة طالبان وتكوينها، فمعظم أعضاء طالبان عاشوا في بيوت القاعدة قبل إنشاء الجماعة بشكل فعلي، وبالتالي فإن العلاقة بين الجماعتين متينة ويمكن القول إنهما وجهان لعملة واحدة”.
وأوضح: “الإشكالية تكمن في مأزق علاقة القاعدة مع طالبان بعد الاتفاق الذي أبرمته الأخيرة مع الحكومة الأفغانية، فإما أن تطيع القاعدة طالبان في هذا الاتفاق وبالتالي تخسر وجودها وإمكاناتها داخل أفغانستان، أو أن تعارض الجماعة، وهنا سيقع التنظيم بمشكلة أخرى لا تقل فداحة عن المشكلة السابقة”.
طرق متعددة ونهاية واحدة
وقال نعيم: “طالبان قبلت بالاتفاق وتعهدت بأن لا تسمح للقاعدة باستخدام الأراض الأفغانية لشن هجمات ضد غرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فإن التنظيم لن يجد مناصا إلى أن يقبل بما قبلت به طالبان، وستؤول العلاقة بينهما إلى علاقة إيواء فقط من منظور إسلامي دون أن تسمح الجماعة للقاعدة بممارسة أي نشاط يقوض الاتفاق المبرم مع الحكومة الأفغانية وواشنطن”.
وأوضح: “بناء على ما سبق، فإن العلاقة بين طالبان والقاعدة في الوقت الحالي، يمكن وصفها بأنها علاقة حماية وليست علاقة تعاون كما كانت أيام أسامة بن لادن“.
ملخص ما سبق، فإنه مهما تعددت الطرق أمام القاعدة، فإن مصيرها بات واضحا على ما يجمع عليه المحللون المتابعون لشؤون التنظيم، أي النهاية الحتمية، فالظواهري فشل في قيادة القاعدة، وأفغانستان تعيش على وقع متغيرات متعددة، وكل الظروف السياسية والعسكرية انقلبت ضد التنظيم.