طالبان تضاعف معاناة الشعب الأفغاني
هل سيطرةُ طالبان على أفغانستان أمرٌ لا مفرَّ منه؟ هذا هو السؤال الذي طرحه أحد المراسلين على الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل أيّام، في مؤتمر صحافي حول الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان.
- طالبان توسّع من رقعة سيطرتها على مناطق أفغانية عديدة
- تقييم إستخباراتي قدّر أنّ الحكومةَ الأفغانية قد تسقطُ بغضون 6 أشهر
- رئيس أفغانستان: طالبان ربحت في بعض المعارك لكنّ كسْبَ المعارك لا يعني كسْبَ الحرب
- محمد شكيب واحد من الأفغان الذين عادوا 20 عاماص إلى الوراء بسبب طالبان
بايدن ردّ بالقول: لا ليس كذلك، مشيراً إلى أنّ عددَ القوات الحكومية الأفغانية يفوقُ بكثيرٍ عدد عناصر طالبان، وأنَّ القوات الحكومية مجهزة تجهيزاً جيّداً، مثل أي جيش في العالم. هذا الكلام مختلفٌ عمّا يجري على الأرض، فقد وسّعت حركةُ طالبان بشكل سريع من سيطرتِها الإقليمية الأسبوع الماضي، وهي تقتربُ من العاصمة كابول. وقد ورد قبل أيّام أنّ أكثر من 1000 جندي أفغاني، فرّوا إلى طاجيكستان المجاورة، هرباً من تقدّم طالبان.
في الواقع، الخوفُ واضحٌ لدى السكان، وقد تمّكنت “أخبار الآن” من الوصول إلى تسجيلاتٍ مصورة، تُظهرُ عناصرَ من طالبان، يعاقبونَ سيداتٍ بالجلد، لأنّهن خرجن من المنزل بمفردهن، وكذلك هناك أفردٌ من طالبان ينهالونَ على رجلٍ أفغاني عجوز، بالضرب، فقط لأنه رقصَ في أحدِ الأعراس.
من الفيديوهات أيضاً أنّ أفراد طالبان يستولون على الأسلحةِ والمعداتِ التي تعودُ للقواتِ الحكومية، كما يَظهرُ في تلك الفيديوهات، كما أنهم تمكّنوا من السيطرة على بعضِ القوعد العسكرية.
تقييمٌ إستخباراتي أمريكي قدّرَ أنّ الحكومةَ الأفغانية قد تسقطُ في غضونِ 6 أشهر، بمجردِ مغادرةِ القواتِ الأمريكية والقوات الدولية الأخرى. وكلُّ ذلك يجري وسطَ توقعاتٍ بأنّ الأمور متجهةٌ إلى المزيد من التدهور، وأنَّ القواتِ الحكوميةَ الأفغانية ستتكبدُ الخسائرَ نفسَها، التي مرت عليها في الأيّام الماضية.
فماذا سيحدثُ إذا وصلت طالبان إلى العاصمة، وحاولت السيطرة عليها. هنا من الجدير بنا أنّ نفكّر بما يعنيه ذلك، إنْ حدث فعلاً، فلا شك أنّ الوضع معقّدٌ للغاية.
تقدم طالبان المتسارع أثار مفاجأة لدى الأوساط الأمريكية، وفي المقابل أشارت معلومات أمنية أفغانية لـ”أخبار الآن“، إلى أنّ الأمور ستنهار سريعاً في أقل من 3 أشهر على انسحاب القوات الأجنبية من البلاد. ومؤخراً، استولى مقاتلو طالبان على المقر الصيفي لحاكم ولاية سربل، وهي إحدى ولايات أفغانستان الشمالية، وذلك وفق ما يظهر في الصور التي تمكّنت “أخبار الآن” من الحصل عليها.
“كسب المعارك لا تعني كسب الحرب”
الرئيس الأفغاني أشرف غني صرّح أنّ القوات الأفغانية، ستنتصر على طالبان، التي أقرّ بأنّها ربحت في بعض المعارك حتى الآن، لكّنه قال إنّ كسْبَ المعارك لا يعني كسْبَ الحرب. وقال الرئيس الأفغاني إنّه سيبقي الحوار مفتوحاً مع كلٍ من إسلام أباد، ولمفاوضات الأفغانية الأفغانية مع طالبان.
وعندما سئل عن مكاسب طالبان الأخيرة، خصوصاً على الحدود مع باكستان عند معبر بولداك – شامان، حيث قُتل المصور الصحافي الهندي دانش صديقي الاسبوع الماضي، قال إنّ هناك حاجة لإعادة التوازن للوضع لكسب الحرب عسكرياً، لكن الهدف الأكبر لحكومته هو التوصل إلى تسوية سياسية في أفغانستان. وشدّد الرئيس الأفغاني على أنّه يريد تجنب مصير دول مثل الجزائر والعراق وسوريا ولبنان واليمن، التي ما زالت تشهد فتنة.
بكلّ الأحوال وبعيداً من معارك الكر والفر التي تجري في المناطق الأفغانية، والشد في الأروقة السياسية، الواقع أليم جداً، فالأفغانيون ظلوا طوال سنوات يناضلون من أجل استعادة حرياتهم وحياتهم الطبيعية، كأيّ شعبٍ في العالم، خصوصاً النساء اللواتي عبرن عن مخاوف كبيرة جراء عودة طالبان.
“أخبار الآن” كانت أجرت مقابلةً مع الناطق باسم طالبان سهيل شاهين، قال في أحد مقتطفاتها: لا مشكلة لدى طالبان مع النساء إذا أردن أن يتعلمن أو يعملن، ليس ذلك فحسب ما تبيّن أنّ طالبان تدلل المرأة.
في المحصلة يخسر الأفغانيون مساحتهم من الحرية والحياة الطبيعية، التي سعوا إليها طيلة السنوات الماضية. فما هو الواقع على الأرض راهناً؟ أي هواجس يعيش الأفغانيون اليوم؟ ما هي مساحة الأراضي الأفغانية التي تسيطر عليها طالبان؟ ما هي نسبة السكان الخاضعين الآن لحكم طالبان؟ ماذا عن المركبات والأسلحة العسكرية التي استولت عليها طالبان من الجيش الوطني الأفغاني؟ كيف تخطط طالبان لتقاسم السلطة مع حكومة كابول؟ا هو احتمال أن تحكم طالبان جزءاً من أفغانستان وأن حكومة كابول ستحكم أجزاء أخرى؟ متى تتوقع أن يقوم جيش طالبان بخطوة للسيطرة على كابول؟
الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية في أفغانستان حسين أحساني، يقول لـ”أخبار الآن“، إنّ طالبان تتقدم بسرعة خصوصاً في شمال البلاد، وهي لا تبحث تقاسم السلطة أو الاندماج بها، بل تريد الإستقلال وإنشاء إمارتها.
عام في سجن طالبان
محمد شكيب، واحد من الشباب الأفغانيين الذي عانوا من ممارسات حركة طالبان. فتجربة هذا الرجل مع هذه الجماعة مريرة للغاية على الصعيد الشخصي، لكّنها أكثر تعبيراً عن كيفية تعامل طالبان مع كلّ شخص لا يتماشى مع أهوائها وسياساتها. حكاية هذا الرجل مع طالبان بدأت في منطقة موكور بولاية غزني، حين كان في طريقه من هيرات إلى العاصمة الأفغانية كابول، من أجل دراسته الجامعية، لكنّ بسبب إجراءات العزل وتدابير كورونا، أضطر للعودة برّاً، وكان ذلك في العاشر من يوينو العام الماضي.
يروي محمد شكيب لـ”أخبار الآن” تفاصيل هذه التجربة، موضحاً أنّه في كلّ مرةً كان يتمّ نقله فيها إلى مكان آخر، كان يشعر أنّ نهايته اقتربت. ويقول: “أثناء تواجدي في السجن الثاني الذي كان يقع على عمق 11 متراً عن سطح الأرض حيث لم يكن هناك من ماء أو أوكسيجين، كانوا يقدّمون لي الطعام مرّة في اليوم. لم أرَ الشمس قط في ذلك الحين لأنني كنت دائماً أعيش في الظلام. يمكنك أن تتخيّل سوء الوضع بما أنني كنت أتناول الطعام مرة في اليوم. لقد مكثت في سجن طالبان لمدة 76 يوماً لم أخرج فيها إلّا 3 مرات لمدة ساعة واحدة”.
وتابع: “كنّا 35 سجيناً في حفرة بعرض 6 أمتار وطول 6 أمتار أيضاً من دون وجود صرف صحيّ أو عناية ملائمة. كنا نتعرّض للضرب يومياً، وكنت أعجز عن النوم في أيّام كثيرة بسبب الضرب الذي كنت أتلقاه. كان مقاتلو طالبان عنيفين ومتوحشين ولا يعرفون الرحمة البتة”.
في 18 مايو \ أيار من العام 2021، عصبوا عينيّ فظننت أنّهم يقتادونني لكي يقوموا بقطع رأسي، ومهما طرحت عليهم من أسئلة لم يعطوني أي جواب. اقتادوني إلى سيارة واصطحبوني إلى مكان ما بعينين معصوبتين ويدين مكبّلتين. بعد 3 ساعات، رموني خارج السيارة وعندما فتحت عينيّ وجدت أنّهم أخلوا سبيلي على طريق كابول هيرات السريع، وأنني أصبحت حراً.
هي تجربة مريرة عاشها محمد شكيب طوال هذا العام، انتهت نعم، لكنّه خرج منها حاملاً انطباعاتٍ وذكرياتٍ قاسية، ستبقى معه طيلة حياته، وسيبقى اسمُ طالبان بالنسبة كابوساً، يراوده من وقت إلى آخر. تجربة محمد شكيب ترسم بعضاً من معالم الحياة في ظل سيطرة طالبان، فيما يسعى شعب أفغانستان إلى حياة أفضل، خصوصاً الشباب الذين يحاربون من أجل حرياتهم وعيشهم بسلام.