في رسالته الأخيرة إلى بوكو حرام الذي أعاد إعلان الولاء لداعش إثر مقتل زعيمه أبي بكر شيكاو، قبل الناطق الإعلامي باسم زعيم التنظيم أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، بيعة تنظيم بوكو حرام التي أعلنها الزعيم الجديد باكورا، وحثّهم على المضي في طريق “الجهاد”، لكنّه لم يذكر أيّ كلمة عن شيكاو. هذا التجاهل من قبل داعش المركزي يؤكّد من جهة مقتل أبي بكر شيكاو، ومن جهة ثانية يظهر مدى ازدراء قادة داعش العراقي لقادته وأفراده في أفريقيا، أو الأجانب بشكل عام.
- داعش طلب من فصيله في غرب أفريقيا أن ينفذوا هجوماً على بوكو حرام.
- أفريقيا تحوّلت اليوم إلى ملاذ آمن لمعظم المجموعات الجهادية.
- داعش العراق يعتبر أنه أسس دولة الخلافة وله الحق بزعامة الإسلام.
بالنسبة إلى واقعة انتحار شيكاو، فقد أوضحتها المجموعة بنفسها، أيّ فصيل بوكو حرام السابق التابع لشيكاو، ولكن أكّدها أيضاً فصيل الدولة الإسلامية في العراق وسوريا أو داعش. أمّا بالنسبة إلى ما جاء على لسان فصيل شيكاو، فإنّه كان محاصراً من قبل مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، وخلال المفاوضات التي أجريت معه لكي يستسلم ويعلن ولاءه للتنظيم، قرّر أن يفّجر سترته المفخخة.
من بين الأشخاص الذين قتلوا في التفجير إلى جانب شيكاو، كان هناك بعض القادة المقرّبين منه، وأيضاً بعض القادة الكبار في تنظيم الدولة الإسلامية الذين تواجدوا هناك خلال المفاوضات معه.
أمّا رواية تنظيم الدولة الإسلامية أي ولاية غرب أفريقيا، فهي مشابهة، لكنّها قالت إنّ شيكاو قتل نفسه إلى جانب قادته المقرّبين منه فقط، من دون أن يسقط أي قائد من تنظيم الدولة الإسلامية. وأضافت الرواية أنّ التعليمات التي جاءتهم من التنظيم شدّدت على أن لا يقتلوا شيكاو، لكن أن يعملوا على دمج الفصيلين المتنافسين، وأن يسمحوا لفصيل شيكاو بإعلان ولائه للتنظيم.
وبحسب فصيل الدولة الإسلامية، فإنّ أساليب شيكاو في القمع وقتل القادة المقرّبين منه وقتل المسلمين واستغلال النساء والأطفال في التفجيرات الإنتحارية، لم تكن تحظى برضى الدولة الإسلامية، التي كانت تريده أن يسير في خطّها ويعتمد بعض خطاباتها ونشاطاتها، لذلك أرسل التنظيم بعض أعضائه ليطلبوا منه أن يستسلم وأن يعلن ولاءه لزعيمه الجديد، وهو أبو إبراهيم القرشي، الذي جاء بعد أبي بكر البغدادي.
بنظر التنظيم، لم يرُد شيكاو أن يعلن ولاءه له وأن يصبح تابعاً لفصيل الدولة الإسلامية في إقليم غرب أفريقيا، وبالتالي قرّر أن يفجّر نفسه. نحن نجهل أيّ رواية هي الصحيحة، ولكن ما نحن مؤكّدون منه هو أنّ شيكاو قد مات.
الإرهاب يتصاعد في أفريقيا
إن الإرهاب في أفريقيا يتصاعد، وأحد الأسباب هو أنّ جماعة بوكو حرام تنشط منذ أحداث 11 سبتمبر العام 2001 لأنّ المجموعة وُلدت تحديداً في ذاك العام، أي منذ اتهام تنظيم القاعدة بتنفيذ الهجمات على برجي مركز التجارة العالمي في الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك لطالما كان هناك فصيل تابع للقاعدة في أفريقيا منذ زمن، وبالتالي لم يبرز تنظيم الدولة الإسلامية قبل العام 2014، وذلك بعد انشقاقه عن تنظيم القاعدة في العراق ليشكّل ما يعرف باسم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.
إنْ عدنا بالزمن إلى الوراء، أي إلى مرحلة هزيمة الدولة الإسلامية في العراق والموصل من حيث القدرة، رأينا حينها تدفّق أكثر من 5 آلاف مقاتل أجنبي لديهم الخبرة في المعارك على الجبهات، كانوا في ليبيا ومنها عبروا إلى أفريقيا، لذلك رأينا ازدياداً في عدد المقاتلين الأجانب ذوي الخبرة الذين انضمّوا إلى مجموعة بوكو حرام وفصيل الدولة الإسلامية، وكذلك انضم كثيرون منهم إلى فرقة الشباب في تنظيم الدولة الإسلامية. كما أنّنا رأينا ولادة فصائل جديدة في الموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
ومن أجل ذلك السبب عقد مؤتمر مؤخراً في روما حول التحالف الدولي بمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، وشهدنا تطوراً جديداً هناك تمثّل بدعوة دول جديدة إلى التحالف مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية التي لم تكن عضواً في التحالف وتمّت دعوتها، كذلك الأمر بالنسبة إلى موريتانيا، وكذلك حضرت الموزمبيق المؤتمر.
ويظهر ذلك تصاعد نشاطات الدولة الإسلامية في القارة الأفريقية، ولكن إلامَ يُعزى التنافس بين الدولة الإسلامية وفصائل القاعدة؟
السبب هو الإنشقاقات التي حصلت. إنّ مجرّد فشل القاعدة في إرساء خلافة، اعتُبر من قبل الدولة الإسلامية ضعفاً، من ثمّ جاءوا بفكرة أنّهم أسسوا خلافة بأنفسهم، وبسبب ذلك رأينا عدداً كبيراً من المجموعات التي كانت تتبع القاعدة رسمياً، تعلن ولاءها لتنظيم الدولة الإسلامية لأنّهم اعتبروا أن عقيدة 3-” أي الدين الواحد والإله الواحد والزعيم الواحد، قد تحققت على يد الدولة الإسلامية، لأنّ هذه الأخيرة أصبحت تتبع الوهّابية السلفية المتطرفة، وأصبح أحد خلفائها البغدادي، وقد أسست خلافة الدولة الإسلامية، لذلك رأينا كيف سيطرت الدولة الإسلامية على هذه الديناميات، فبدأت مجموعات كثيرة تابعة رسمياً لتنظيم القاعدة تعلن ولاءها للدولة الإسلامية، وإحدى هذه المجموعات كانت مجموعة بوكو حرام بزعامة أبي بكر شيكاو، وبالطبع تتذكرون أبو وليد الإبراهيمي الذي كان يتبع أحد فصائل القاعدة، والذي كان في جاو وكان ينضوي تحت لواء المرابطون ثمّ أعلن ولاءه لتنظيم الدولة الإسلامية، وأسس ما يعرف باسم الدولة الإسلامية في الساحل الكبير، لذلك لطالما كان هناك منافسة بين الدولة الإسلامية منذ بروزها في العام 2014 وبعض الفصائل العربية التابعة للقاعدة، ويعزى سبب هذه المنافسة إلى نزعة المجموعتين إلى التقاتل على السلطة والتنازع على المناطق، وأن كلاهما يريد أن يُنظر إليه على أنه الفصيل الأكثر استمرارية، فأدّى ذلك التنافس إلى تشرذم الفصائل في أفريقيا ولكنهما ما زالا موجودين على الأرض.
مع تنامي الحركات الجهادية في أفريقيا.. القارة السمراء إلى أين؟
أعتقد أنّ مستقبل أفريقيا بشكل عام يتوقف على صحوة الدول الأفريقية الضرورية من أجل تأسيس تحالف بقيادتهم لمواجهة، ليس فقط الدولة الإسلامية بل القاعدة أيضاً. كما عليها أن تكون قادرة على وضع استراتيجية مشتركة، ولكن الأهم هو أن يتزعم هذا الجهد الإتحاد الإفريقي الذي يعتبر الناطق باسم أفريقيا.
لا أعتقد أنّه ليس من مصالح الدول الأوروبية والولايات المتحدة ودول أخرى، أن تهزم الدول الأفريقية الإرهاب. برأيي هذا شأن أفريقيا، ولكن إذا كان العالم جدياً في ضمّ أفريقيا إلى التحالف من أجل خدمة مصالحها بعكس ما رأيناه خلال تشكيل التحالف في العام 2016، لا بدّ من انضمام كلّ دولة إلى التحالف، ولكن حتى التحالف الدولي بمواجهة الدولة الإسلامية لم يضم معظم الدول الأفريقية.
ما شهدناه اليوم هو تحرّك للمقاتلين الأجانب الذين حاربوا في العراق وسوريا إلى ليبيا، ثم عبروا الصحراء الكبرى واستقروا اليوم في معظم الدول الأفريقية، ففي شرق أفريقيا مثلاً ولدت مجموعة جديدة في شمال الموزمبيق في كابو دلغادو، وأعلنت المجموعة ولاءها لتنظيم الدولة الإسلامية، وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية الواقعة أيضاً في شرق أفريقيا، هناك مجموعة جديدة أعلنت ولاءها للدولة الاسلامية، وفي الغرب هناك بوكو حرام في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، حيث ما زال هناك وجود للقاعدة والدولة الإسلامية وكذلك في الصومال.
التنافس بين داعش العراق وداعش أفريقيا يتعلق في جانب منه بتفوّق الواحد على الآخر
بصراحة تحولت أفريقيا اليوم إلى ملاذ آمن لمعظم المجموعات الجهادية هذه، لذلك من الضروري أن تضع الدول الأفريقية استراتيجية طويلة الأمد للتعامل مع هذه المجموعات. أعتقد أنّ التوتر بين القاعدة والدولة الإسلامية بارز لأنه يُظهر أنّ هذه المجموعات لا تتقاتل من أجل خير كل المسلمين كما تزعم، ولا من أجل إيديولوجيا معينة، لكن التوتر أظهر أنّ كلّ ما يهم القاعدة والدولة الإسلامية هو السلطة، لأنها مهتمة بالسيطرة على المناطق وتوظيف المقاتلين، ويمارسون التمييز في الداخل سواء تجاه العرب أو كل المجموعات.
رأينا مثلاً مع بوكو حرام كيف فضّلوا المقاتلين الذين يتكلمون اللغة العربية على حساب المقاتلين الذين يتحدثون لغة هوسا، وعلى حساب المقاتلين الذين يتحدّثون اللغة الإنكليزية.
لقد رأينا في أحد الفيديوهات التي نشروها مؤخراً أنّ بوكو حرام انضمت إلى الدولة الإسلامية، وكيف يتحدث المقاتلون 4 لغات هي الفورفودي وهي لغة فلانية محلية، ويتحدثون بالفرنسية والإنكليزية والعربية أيضاً، ولكن عندما يطلقون حملة، يبرعون في محاولة استقطاب جمهور أكبر، لكن بالنسبة إلى العمليات نرى كيف أنّهم ما زالوا يمارسون تمييزاً بين الذين يتحدثون العربية والذين يتحدثون لغات أخرى. وهكذا نرى أن التنافس بين الدولة الإسلامية والقاعدة متجذّر جدّاً، لكنّه لا يعود إلى اهتمامهم بتأسيس خلافة بل يدور حول استلام السلطة والعدد الأكبر من المقاتلين والمال، لذلك برهنت هذه المجموعات في النهاية أنها سيئة مثل الحكومات التي دفعتها إلى تأسيس خلافتها.
نعم، أتحدث عن النزاع بين داعش العراق وداعش أفريقيا ولكن هذا الإنشقاق يعود إلى الكتائب المحلية، فمثلاٌ حتى لو كان داعش العراق يزدري بعض فصائل داعش في أفريقيا ويراهم غير تابعين له، هم يزعمون بأنهم أسسوا خلافة وبأنّ زعامة الإسلام في العالم موجودة في العراق وسوريا بزعامة أبو ابراهيم القرشي.
لذلك فالتنافس بين المجموعتين يتعلق في جانب منه بتفوّق الواحد على الآخر، لذلك أوضحت في الحوار أن تنظيم الدولة الإسلامية طلب من فصيل التنظيم في غرب أفريقيا أن ينفذوا هجوماً على بوكو حرام إن رفض إعلان ولائه لتنظيم الدولة الإسلامية إذاً كان هناك توتر ونزعة إلى السيطرة بين داعش وفصائله في الأقاليم التي ينظر إليها كتابعة له، ولكن أعتقد أنّه على الأرض تُرجم الوضع بظهور تنافس أكبر وهذا هو جوهر الموضوع.
شاهدوا أيضاً: داعش أفريقيا صراع داخلي محتدم والتصفية الذاتية مسار محتم