ليس من السهل أن تسمح الصين لأيّ وفد أممي أن يدخل شينجيانغ، المقاطعة المحظورة على أيّ زائر ما لم يلتزم بالخطوط الحمراء التي تضعها السلطات. فما تهرّب الصين من إعطاء الأمم المتحدة الإذن بزيارة الإقليم والتحدّث إلى الإيغور، للتحقق عن قرب ممّا يجري، إلّا تأكيد لكلّ ما يصلنا من انتهاكات لحقوق الإنسان.
- المفوضية السامية لحقوق الإنسان سعت لدخول شينجيانغ منذ نحو 3 سنوات
- المنظمة الأممية تسعى لإجراء تحقيق بمعزل عن موافقة الصين
- رايتس ووتش: حان الوقت لنتصرف وأيّ قرار يدين بكين يتطلب دعماً دولياً أكبر
منظمات حقوقية دولية عديدة وثّقت تلك الإنتهاكات التي ترقى إلى مستوى الجرائم ضدّ الإنسانية، إضافةً إلى وسائل إعلامية كثيرة، وأخبار الآن واحد منها، أحصت الكثير من الشهادات والروايات التي تؤكّد تلك الانتهاكات بحق أقلية الإيغور.
ميشيل باشليت، مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، قالت في تصريح لها إنّها تأمل في الإتفاق على شروط الزيارة التي طال انتظارها إلى الصين هذا العام، للنظر في مزاعم الإعتقال الجماعي والتعذيب والعمل القسري.
الصين في طبيعتها غير متعاونة في معالجة الملفات، وباشليت في الأغلب لن تحصل على الموافقة إلّا مشروطة،مع الإشارة إلى أنّ المفاوضات مع الصين بشأن الزيارة متعثّرة أصلاً. الأمر اليوم بات يحتاج إلى خطوة عملية، وفي ظلّ التعنّت الصيني، هل تذهب مفوضة الأمم المتحدة إلى شينجيانغ من دون موافقة الصين؟
3 سنوات وتزيد لم تكن كافية لإقناع الصين بالسماح لبعثة الأمم المتحدة لإجراء زيارة إلى إقليم شينجيانغ الذي يقطنه غالبية مسلمة تعاني الأمرين على يد السلطات هناك، وفق عشرات التقارير الحقوقية. وقد اعتبرت مسؤولة ملف الصين في منظمة حقوق الإنسان صوفي ريتشاردسن، في حديث لـ”أخبار الآن”، أنّ مماطلة بكين حول السماح لبعثة الأمم المتحدة لزيارة شينجيانغ لم تعد مقبولة، مشددّة على أنها قد تذهب إلى الصين من دون موافقة السلطات هناك، بالتزامن مع قيام مكتب البعثة بتقييم الانتهاكات الممارسة بحق الإيغور القاطنين في ذلك الإقليم.
“الحكومة الصينية أبلغتنا أنّه مرحّب بنا شرط أن يتحكّموا بالزيارة”
وكشفت صوفي ريتشاردسن، في مقابلة مع “أخبار الآن“، أن “مكتب مفوضة الأمم المتحدة حاول مراراً وتكراراً الحصول على موافقة السلطات الصينية لإجراء زيارة إلى شينجيانغ لكن من دون جدوى، رغم تعرّض الأقلية المسلمة هناك إلى جرائم ضدّ الإنسانية”. وأضافت: “طلبت المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان مراراً من الحكومة الصينية أن تسمح لها وللمحققين العاملين معها، بإجراء زيارة للمنطقة الواقعة غرب الصين، حيث نصف السكان من المسلمين ويتعرض العديد منهم لما نعتبره اليوم جرائم ضد الإنسانية وهذه الجرائم هي من أخطر الجرائم بحق حقوق الإنسان”. وأوضحت أنّ “الحكومة الصينية أبلغتنا أنّه مرحّب بنا شرط أن يتحكّموا بالزيارة، بمعنى آخر، السلطات هناك تحاول أن ترينا فقط االأمور التي لا تعود بعواقب سلبية على الحكومة”.
وتابعت: “بناءً على ما سبق، طالبنا الحكومة الصينية أن يتولى مكتبنا في الخارج هذا التحقيق، أسوةً بباقي حالات انتهاك حقوق الإنسان في مناطق عدة حول العالم… اعتقد أنّ المفوضية تمنح اليوم الصين فرصة أخيرة للتعاون قبل أن تفكر بأنّه لا بد من الإنتقال إلى التفكير بحلول أخرى لأزمة خطيرة، تتعلق بحقوق الإنسان في بلد، هو عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”.
تواصل انتهاك حقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ، دفع منظمة “هيومن رايتس ووتش” لإطلاق تصريحات جديدة حول الأزمة هناك، على لسان رئيسها كينيث روث، الذي أكّد أنّه “لا يوجد تقييم رسمي للأمم المتحدة لما يحدث في شينجيانغ، مضيفاً أنّ الوقت قد حان لتتصرف الأمم المتحدة بمعزل عن موافقة الصين”.
على مفوضة الأمم المتحدة أن تتوخى الحذر كي لا تحولها الصين إلى آداة بيدها
تصريحات روث التي أوردتها وكالة رويترز للأنباء، أيّدتها ريتشاردسن خلال حديثها مع “أخبار الآن“، وقالت: “طبعاً، زيارة الصين من قبل أيّ بعثة أو منظمة حقوقية يجب أن تكون مدروسة، ويجب كذلك أن تتوخى الحذر كي لا تحوّلها الحكومة الصينية إلى آداة بيدها، وأن تسمح لها كذلك بأن تقابل ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان وتتحدث إليهم”. وأوضحت: “الحكومة الصينية سبق أن أدارت زيارات كثيرة قام بها ديبلوماسيون وصحافيون من أجل التأكّد من أنّ الأوضاع على ما يرام هناك، وهذه الزيارات مقيّدة بضوابط صارمة”.
وتابعت: “في الوقت الحالي بدلاً من الوقوف مكتوفي الأيدي حول انتهاكات حقوق الإنسان في شينجيانغ، أرى أن نعمل على إجراء تحقيق خارج البلاد، وهي استراتيجية ناجحة في ظل الظروف الحالية.. نأمل أيضاً أن يقدّم مجلس حقوق الإنسان بنفسه الدعم لهذا النوع من التحقيقات عبر حثّ الصين على التعاون كما يجب، على اعتبار أنّها دولة عضو في مجلس الأمن”. وقالت إنّ “التحديات الحقيقية تكمن في عدم وجود دعم حقيقي من قبل بعض الدول مثل دول في أمريكا اللاتينية أو أفريقيا أو الشرق الأوسط، نحن نعتبر أنّه طالما أن مجموعة الدول الداعمة لا تريد أن تمارس مزيداً من الضغوط على الصين، فإنّ ذلك المسعى سيبقى محدوداً بعض الشيء”.
“نعرف أنّه من المستحيل أن تسمح الحكومة الصينية بحصول زيارة كهذه”
زيارة مسؤولين في الأمم المتحدة في وقت سابق إلى شينجيانغ، لم تكن كافية لإظهار حجم الجرائم هناك، خصوصاً أنّ بكين عمدت إلى طمس الحقائق وتزويرها عبر قنواتها الوطنية، وهو السيناريو الذي يمكن أن تكرره الصين مرةً أخرى في حال زيارة بعثة المفوضية السامية لحقوق الإنسان الإقليم.
وفي السياق السياق، قالت ريتشاردسن: “المهم في الأمر أن يتمكن فريق البعثة من زيارة أيّ مكان يريدون في المنطقة، والتحدّث إلى مَن يودّون من دون أن يُخشى على هؤلاء من أيّ إجراءات إنتقامية تمارسها السلطات بحقّهم، وبالتالي يجب على الفريق أن يتمتع بحرية زيارة مخيمات إعادة التثقيف كما تسميها السلطات هناك، والمصانع التي يطبق فيها العمل القسري، وكذلك زيارة الأشخاص الذين اعتقلوا تعسّفياً لمدّة أشهر أو سنوات في السجون الرسمية، من دون أن يخشوا أيّ انتقام من قبل السلطات”.
وأضافت: “المشكلة الحقيقية تكمن أنّنا نعرف أنّه من المستحيل أن تسمح الحكومة الصينية بحصول زيارة كهذه، لذلك نحن نناشد لإجراء التحقيق خارج الصين مع أشخاص فرّوا من القمع في شينجيانغ ممن كانوا قد اعتقلوا هناك وتمكّنوا من مغادرة البلاد، إضافةً إلى التدقيق في وثائق حكومية مسرّبة وفي تقارير صدرت عن منظمة هيومن رايتس واتش التي أتبع لها ومنظمات أخرى، وتفصّل هذه الأنواع من الجرائم بحق حقوق الإنسان”.
وأردفت: “هناك كمٌّ هائلٌ من المعلومات، ومن المعتاد إجراء تحقيق خارج البلاد كما حصل مؤخراً مع مسلمي الروهينغا، لأنّ حكومة ميانمار لم تسمح لمحقّقي الأمم المتحدة دخول البلاد، فقابل المحققون المعنيون مسلمي الروهينغا بمعظمهم في بنغلادش”.
“رايتس ووتش”: الحكومة الصينية لا تريد الإعتراف باقترافها انتهاكات لحقوق الإنسان
الصين حاولت التنصل من مطالبات المفوضية السامية لحقوق الإنسان لزيارة إقليم شينجيانغ، مدّعية أنّ تلك المطالبات تنتهك سيادة بكين وتنضوي تحت دوافع سياسية. وفي هذا السياق، قالت ريتشاردسن إنّ “الصين رفضت تصريح مكتب المفوضية، معتبرةً أنّه تدخل يرتكز على دوافع سياسية، إلّا أنّها أبدت ترحيبها بأيّ زيارة تهدف إلى التشجيع على التبادل والتعاون بدلاً من إجراء تحقيق يرتكز على افتراض الإدانة”.
وتابعت: “حالياً الصين عضو في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وبالتالي يترتّب عليها بكلِّ وضوحٍ بموجب القانون، أن تكون دولة عضو تحترم كامل معايير حقوق الإنسان، ولكن بعد الردّ الذي ذكرته وبعض ردّات الفعل التي شهدناها وحتى داخل مجلس حقوق الإنسان، أعتقد أنّ الحكومة الصينية تريد أقل تعاون ممكن مع الأمم المتحدة”. وأضافت: المفارقة أنّ الصين دعمت قرارات في مجلس حقوق الإنسان حول تلك الحقوق في دول أخرى، فعلى سبيل المثال، دعمت بكين إنشاء لجنة تحقيق مدعومة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حول التمييز العنصري وعنف الشرطة ضدّ أشخاص لديهم جذور أفريقية، مع العلم أنّ هذا التحقيق يتناول الولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى.. هنا الصين رحّبت بهذه المبادرة التي دعت إليها في الأساس منظمة هيومن رايتس ووتش، وهو أمر مثير للإهتمام لأنّ وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن رحب ليس فقط بقدوم لجنة التحقيق تلك إلى الولايات المتحدة، ولكن أيضاً بقدوم خبراء آخرين في مجال حقوق الإنسان وذلك بعكس بكين”. وأردفت: “الصين تدعم إجراء تحقيق في دول أخرى حول الجرائم، لكنّها لا تدعم الموقف نفسه في الداخل؟! بكل بساطة لأنّ الحكومة الصينية لا تريد أن تعترف باقترافها انتهاكات لحقوق الإنسان أو أن تقبل حتى بتوصيات لوقف هذه الانتهاكات”.
وعن الفائدة من انتظار الأمم المتحدة موافقة الصين لإجراء زيارة رسمية للمفوضية السامية إلى شينجيانغ، خصوصاً أنّ الكثير من الأدلّة والإثباتات التي تدين بكين ظهرت وتمّ الكشف عنها من قبل ناشطين إيغور تمكّنوا من الفرار إلى دول أخرى، قالت المسؤولة الأممية: “أعتقد أنّ مجلس حقوق الإنسان الذي يُعتبر أرفع هيئة سياسية معنية بحقوق الإنسان في العالم يتمنّى أن يتمكن مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة من إصدار تقرير. هكذا يجب أن تحدث الأمور بالتسلسل بصورة تقليدية، ولكن ما يمكن لمجلس حقوق الإنسان فعله هو دفع المفوضية السامية لإجراء تحقيق خارج الصين، وبالتالي تكمن إحدى الخيارت المتاحة في أن يحاول مجلس حقوق الإنسان اعتماد قرار يطلب بموجبه إجراء تحقيق، لكن من المرجح ألا يحصل ذلك قبل أن نرى مجموعة أكبر من الدول تدعم مثل هذا القرار على الملأ”.
سيفشل أي قرار يصدر من خلال التصويت إذا لم تدعمه حكومات من الشرق الأوسط ومناطق أخرى
وختمت ريتشاردسن بالقول لـ “أخبار الآن“: “ربّما من المثير للإهتمام أن تعرفوا إنّنا تحدثنا مع حكومات مختلفة في نيويورك وجنيف حيث يقع المقر الرئيسي لمجلس حقوق الإنسان، وأثناء هذه المحادثات التي شملت دولاً كثيرة من الشرق الأوسط، أُبلغنا أنّها لا توافق على سياسات الحكومة الصينية في شينجيانغ، وأنها قلقة خصوصاً حيال القيود المفروضة على حرية الإيغور في العبادة، كما أنّهم قلقون حيال التدمير الثقافي للمساجد وللمقابر، لكنّها لا تعتزم انتقاد الحكومة الصينية علناً”.
وأوضحت: “في الحقيقة سيفشل أي قرار يصدر من خلال التصويت إذا لم تدعمه حكومات من الشرق الأوسط ومناطق أخرى، لذا ما نحن بحاجة إليه هو أن تدين هذه الحكومات تحديداً الإنتهاكات التي تحدّث عنها ناشطون إيغور بكلّ شجاعة، ما يشكل خطراً على أقربائهم في الصين وأن يصوّتوا لصالح مثل هذا القرار.. هذا ما نحتاج إليه حقاً لاخضاع الحكومة الصينية للمساءلة”.