ما بين أزمات اقتصادية وضبابية في المشهد السياسي.. إلى أين تسير إيران
- توحيد السلطة الحاكمة يمنح حكومة رئيسي وقتًا محدودًا للعمل بسرعة لمعالجة المشاكل الكبيرة، لا سيما التضخم.
- رئيسي سيكون على استعداد للمضي قدمًا في الاتفاق النووي أيضًا.
- المشكلات في إيران حادة وعاجلة لدرجة أن الحكومة لا يمكنها التصرف إلا بعقلانية.
- شرعية رئيسي تحت الضغط.
احتجاجات خوزستان تحدث هزة في أركان النظام الإيراني، هكذا يصف المتابعون للشأن الإيراني، تلك التظاهرات التي اندلعت منتصف يوليو، احتجاجات على نقص المياه وتردي الخدمات المعيشية أو التهميش المتعمد لسكان الأحواز.
أزمات عدة تشهدها إيران مؤخرا، بعد انقطاع الكهرباء والمياه بصورة متكررة، أو الاحتجاجات العمالية المتكررة، وسط ضبابية المشهد السياسي في البلاد بعد وصول إيراهيم رئيسي لرئاسة إيران، وسط كل ذلك، تتزايد التساؤلات في الشارع الإيراني عن مصير هذه البلاد.
أخبار الآن أجرت حوارا مطولا مع الاقتصادي الإيراني سعيد ليلاز، للنقاش حول عدة قضايا هامة، أصبحت تتزايد تعقيدا في الآونة الأخيرة، وخاصة أزمة انقطاع الكهرباء.
انقطاع الكهرباء.. أزمة أخرى تخلق معاناة للإيرانيين
ويعدد سعيد ليلاز أسباب أزمة انقطاع الكهرباء، أهمهم قلة الاستثمار الكافي في البلاد، بسبب العقوبات الأمريكية الذي أدت إلى خسائر كبيرة بين ثمانية إلى عشرة مليارات دولار شهريا في إيران على حد وصفه.
ويوضح ليلاز أن السلطات الإيرانية لم تتمكن من الحصول على استثمارات كافية في قطاع الكهرباء في البلاد، كما يشير إلى سبب آخر وهو تدخل الحكومة في التسعير ما أثر على أداء الاستثمار.
دور تعدين العملات الرقمية في أزمة كهرباء إيران
يوضح ليلاز أن التوجه نحو تعدين العملات الرقمية منذ سنة تقريبا أحد الأسباب المؤثرة بصورة كبيرة على إستهلاك الكهرباء.
ووفقا لخبراء إيرانيين، فإن تعدين العملات الرقمية أثر بصورة كبيرة على حجم استهلاك الكهرباء، حيث يؤكد سعيد أن زيادة الإقبال على تعدين تلك العملات من أسباب الاستهلاك الرئيسي والمتزايد للكهرباء في إيران.
ويرجع الأزمة أيضاً إلى بعض المشاكل المؤقتة أيضًا، قائلاً: “على سبيل المثال، لدينا قدرة 40 ألف ميغاواط لإنتاج الطاقة الكهرومائية”.
ويتابع قائلأ: “العنصر الآخر الذي تسبب في هذا النقص من كمية الطاقة، هو أن النمو الاقتصادي وخاصة في القطاع الصناعي كان أعلى بكثير من العام الماضي في نفس الوقت”.
كيف يتم حل أزمة الكهرباء في إيران؟
أما عن حل الأزمة، فيوضح سعيد ليلاز، أنه على الأقل تحتاج إيران إلى استثمارات من 15 إلى 20 مليار دولار أمريكي لتغطية جميع حالات النقص. إذا افترضنا أنه مقابل إنتاج ميجاوات واحد، فإننا نحتاج إلى مليون دولار أمريكي على الأقل.
ويتابع قائلاً: “النقص في الاستثمار بقطاع الكهرباء يبلغ حوالي 15 إلى 20 مليار دولار أمريكي وهو مبلغ ضخم من المال. على وجه الخصوص، يجب أن يكون لدينا استثمار في إنتاج طاقة كهربائية نظيفة، ولكن ليس بالطريقة التقليدية، وهي أغلى ثمناً ولكنها أنظف”.
أما بخصوص الجدول الزمني لحل هذه الأزمة، فيؤكد سعيد أن الأمر سيستغرق وقتا موضحا أن المشكلات الهيكلية في إيران تحتاج إلى ما لا يقل عن 3 إلى 4 سنوات لجذب المزيد من الاستثمار في البلاد، ولإنتاج المزيد من القدرات التي تحتاج على الأقل ما بين 3 إلى 4 سنوات.
أما ما يخص ضبط الأسعار، يؤكد الاقتصادي الإيراني إلى ضرورة اتخاذ قرارات شجاعة، كما يشير إلى ضرورة خفض استهلاك المنازل من الكهرباء في البلاد على المدى القصير، وهو أمر صعب للغاية بالنسبة للسلطات في إيران التي تمارس الحكومة ضغوطًا هائلة على القطاع الصناعي مما يضر بنمو الناتج المحلي الإجمالي، موضحا أن لتوفير الكهرباء للمنازل، تقوم السلطات بقطع كهرباء المصانع والمراكز في البلاد.
هل تعدين العملات الرقمية في إيران ساهم في الأزمة أم مجرد حجة؟ وكيف تصبح وسيلة للالتفاف على العقوبات المفروضة
يوضح الخبير الإيراني أنه لا يوجد تأكيدا حول هذا الأمر، فيما يلقي باللوم على الأشخاص الذين يقومون بتعدين تلك العملات المشفرة، وكذلك الذين يستخدمونها.
وأضاف ليلاز: “لا توجد نسبة مؤكدة لمقدار العجز الذي تتسب به عملايات تعدين العملات الرقمية في أزمة الكهرباء، ولكن تم استخراج حوالي مائتي عامل تعدين حتى الآن من المنازل والمصانع، أي ما يعادل إنتاج 750 ميغاواط. هذا ضخم. تقترح الحكومة أننا نستهلك في الوقت الحالي أكثر من ألفي ميغاواط في عمليات التعدين بالبلاد، وهو ما يعادل، في رأيي، 20 إلى 25 في المائة من النقص الكلي في البلاد.”
ويشير ليلاز إلى أن إستمرار تعدين العملات الرقمية بكثافة، يرجع إلى إنخفاض أسعار الكهرباء في إيران، ما يدر على هؤلاء الأشخاص قدرا هائلا من الأرباح.
كما يشير الاقتصادي الإيراني إلى أن النقود الرقمية كانت إحدى طرق تلقي العملة الصعبة لإيران منذ عام أو عامين، وقد استطاعت في التغلب على بعض العقوبات.
في ذات الوقت، يوضح ليلاز أن الوضع الدولي لإيران أصبح لديها المزيد من البوابات لتلقي الاموال وتصدير النفط منذ أكثر من عام.
هل الحرس الثوري الإيراني متورطا في التعدين واستخدام العملة المشفرة؟
يؤكد الاقتصادي الإيراني أن ما يثار حول ذلك شائعات ليس متأكد من صحتها، قائلاً: ” لكن ما نعرفه هو أن بعض الشركات الصينية كانت نشطة رسميًا في هذا المجال، ولديهم صناعة ضخمة لإنتاج النقود الرقمية ولكن يبدو أنهم أغلقوا وأوقفوا أنشطتهم حتى الأول من أكتوبر على الأقل”.
أما بخصوص لجوء إيران لاستخدام العملات المشفرة في علاقاتها الخارجية، مثلا على سبيل المثال فنزويلا أو الميليشيات في العراق وسوريا ولبنان، يقول سعيد ليلاز: “في رأيي لن يصبح ذلك منطقيًا إذا كانت الحكومة تعاني من صعوبة توفر العملة الصعبة وتساعد حزب الله اللبناني ماديا في نفس الوقت، تظهر لي الوثائق أن إيران هي أولوية في الوقت الحالي”.
رغم ذلك، يقول ليلاز أن القائمين على تعدين العملات يسيطرون على 1٪ فقط من إجمالي استهلاك الدولة، قائلاً :”أعتقد أنه لا ينبغي المبالغة في ذلك لأننا فقدنا ما بين 8 إلى 10 آلاف ميغاواط من طاقة إنتاج الكهرباء فقط بسبب الجفاف ونقص الطاقة الكهرومائية. قد يكون هناك نشاطا في تعدين العملات لكن مشاركتهم في الاقتصاد ليس كبيرا”.
ثلاث أزمات تضرب الاقتصاد الإيراني
ويصرح الإيراني سعيد ليلاز خلال المقابلة مع أخبار الآن إلى وجود نمو اقتصادي لإيران منذ الأشهر العشرة الماضية، على حد وصفه.
رغم ذلك، يؤكد أن هناك مستويات مختلفة من المشاكل الاقتصادية في إيران:
المستوى الأول هو هيكلي، وهو أهم جزء من المشاكل الاقتصادية في إيران. بالدرجة الأولى تتكون المشكلة الهيكلية بسبب 3 عوامل:
- الفساد الذي يضرب الاقتصاد الإيراني.
- الافتقار إلى التوحيد، حيث أن هناك الكثير من الفجوات بين اليمين واليسار، حيث يضرب سعيد ليلاز مثالا، ما حدث بين حكومة روحاني والنظام القضائي والأجهزة والمنظمات الأخرى التابعة للبرلمان، وبسبب هذا، فقدت إيران وأهدرت الكثير من الطاقة والمال والمرافق بسبب هذا التقاتل على حد وصفه.
- نقص الإنتاجية. حيث تؤدي تلك المشكلات إلى زيادة نسبة التضخم. على سبيل المثال، في الوقت الحالي، يبلغ معدل التضخم في إيران أكثر من 40٪
ويتابع ليلاز قائلاً : “أولوية حكومة رئيسي هي خفض التضخم، الأمر الذي يتطلب المزيد من الاستثمار لأن المشكلة الأخرى في هيكل إيران هي قلة الاستثمارات، هذه المشكلة كانت موجودة قبل العقوبات أو جائحة فيروس كورونا حيث لم تكن هناك شجاعة للاستثمار في البلاد. نتيجة لذلك، لدينا معدل بطالة مرتفع، ونتيجة لذلك نعاني من مشكلة هيكلية واستراتيجية في الاقتصاد الإيراني”.
ويعد المعدل الرسمي للبطالة هو 12 إلى 13 % لكنه أعلى من ذلك بكثير، بحسب الخبير الإيراني، حيث فقدت إيران خلال الوباء فقط حوالي 1.5 إلى 2 مليون وظيفة وهو ما يعادل 8 إلى 9 في المائة من إجمالي الوظائف.
ماذا عن مستقبل الاتفاق النووي؟ وسياسات رئيسي القادمة؟
يشير سعيد ليلاز إلى استعداد طهران في الوقت الحالي للتوقيع مرة أخرى على الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة ولكن بسبب الاقتتال السياسي بين الفصائل المختلفة، فإنهم ينتظرون الأسابيع المقبلة.
ويوضح ليلاز: “إذا وقّعوا على الصفقة مرة أخرى بين إيران والولايات المتحدة وعلى سبيل المثال اتفاقية مجموعة العمل المالي المصدق عليها، فسترى إجماليًا هائلاً من دولارات النفط القادمة إلى إيران وستكون الحكومة الجديدة القادمة قادرة على الاستثمار في عدة مجالات. من خلال هذه الاستثمارات، سنرى معدل تضخم أكثر احتمالًا ووضعًا اقتصاديًا أفضل من خلال استثمار أفضل ومعدل بطالة أقل.”
وبالنسبة للاختلاف بين الحكومة الجديدة وحكومة روحاني المنتهية ولايتها، فتوقع ليلاز أن تكون القرارات الجديدة أكثر عقلانية، وسيكون هناك ضغط أقل على حكومة رئيسي على الأقل على المدى القصير أو المتوسط فقط. أي توحيد يتم إجراؤه من خلال الانتخابات سيكون مؤقتًا ولن يدوم إلى الأبد. ويمكننا تذكر تجربة أحمدي نجاد كمثال، كان هناك توحيد للسلطة في حكومة نجاد ولكن بعد أربع أو خمس سنوات أصبح المجتمع المتحضر في إيران أقوى وأقوى من أي توحيد للسلطة، حسب رأيه.
وفيما يتعلق بسياسات رئيسي تجاه الاقتصاد، يقول إن ينبغي أن حكومته ينبغي ان تصبح أكثر عقلانية، مؤكدا أنه ليس لديهم خيار آخر، كما يشبه الأمر بالبونابرتية.. أو الأطروحة الاستراتيجية وهي عندما تكون هناك أزمة ووضع حرج في حين لا توجد قوة سياسية أخرى قادرة على التغلب على القوة الحالية في البلاد، يخرج شخصا لحل الازمات الاقتصادية. الوضع شبيه بالمملكة العربية السعودية، والشرق الأوسط القديم كله، يمكن اعتبار محمد بن سلمان “بونابارت” المملكة العربية السعودية لحل المشاكل الاقتصادية للمملكة.
ويتابع قائلاً: ” إيران بحاجة نموذج مشابه للتجربة السعودية، نظرًا لحقيقة أننا إذا أردنا العودة إلى وضع عام 2010، فنحن بحاجة إلى الحصول على 250 مليار يورو كدخل سنوي. هذا مستحيل في حالة إيران. يجب أن يكون سعر النفط 200-300 دولار أمريكي للبرميل. من ناحية ليس لدينا دخل مرتفع من العملة الصعبة، ومن ناحية أخرى فإن الأزمة كبيرة ويجب أن نكون عقلانيين. لهذا، أنا متأكد من أن رئيسي سيكون أكثر عقلانية من أحمدي نجاد”.
وفيما يسعى البعض إلى تصور سيناريو لمستقبل الاتفاق النووي، يرى سعيد ليلاز أن التنبؤ بذلك صعبا قائلاً: ” أنا متفائل بأن إيران ستعود إلى اتفاقها مع الولايات المتحدة لأن كونها قوة ذرية لا فائدة منه من وجهة النظر الجيوسياسية.
وضع المرأة وحقوق الانسان وحرية الصحافة في عهد رئيسي
يوضح سعيد ليلاز أن تلك الأطروحة الاستراتيجية “البونابرتية”، تراعي أيضاً الجوانب الاجتماعية والثقافية لإيران، حيث يؤكد أنه بدون تكنوقراط وطبقة وسطى حضرية لن يتمكنوا من حكم البلد. لهذا السبب، فإن رضا الطبقة الوسطى مهم لتحقيق الاستقرار في إيران على حد قوله.
أما بشأن حرية الإعلام، يؤكد أن المجتمع المدني في إيران أقوى بكثير في الوقت الحالي مقارنة بقمع عام 2009.
الاقتصاد أولوية قصوى ويحتاج لحلول جذرية
وبحسب الصحفي والاقتصادي الإيراني، يؤكد أن أهم قضية بالنسبة لحكومة رئيسي هي الاقتصاد، قائلاً: ” مرشحو الانتخابات الرئاسية لم يتحدثوا عن الثقافة والقيم والقواعد الإسلامية لأن المجتمع الإيراني يحتاج إلى أفعال حقيقية وليس مجرد أقوال فقط فيما يخص الإقتصاد. الأولوية الأولى لـ رئيسي هي خفض معدل التضخم. هذا التخفيض صعب لأن نفقات الحكومة مرتفعة والنظام المصرفي فاسد”
ثانيًا، عليه أن يتلقى مبالغ ضخمة من العملة الصعبة من كوريا الجنوبية والصين وأوروبا وغيرها (وهو حظر في الوقت الحالي) لإطعام الناس وجذب الاستثمارات مرة أخرى
رغم ذلك، يؤكد ليلاز أن المراقبين للشأن الإيراني يشعرون بالتفاؤل بشأن الأسابيع المقبلة، حيث ستحصل طهران على اتفاق جديد مع الولايات المتحدة.
كما يشير إلى أهمية خفض معدل البطالة وتقليل الضغط على الفقراء الذين يتعرضون لضغوط هائلة في الوقت الحالي، مؤكدا أن حوالي 40 إلى 50 % على خط الفقر في إيران. هم ما بين 32-50 مليون شخص في الوقت الحالي. رئيسي لديه خطوة أساسية يجب القيام بها في هذا المجال. أعتقد أننا سنرى بعض الاستقرار في الأشهر الـ 12 المقبلة في الجوانب الثقافية والاجتماعية في إيران لأن رئيسي لا يريد إثارة قلق الطبقة الوسطى أو غضبها. إنه يحتاج إلى دعمهم في العام أو العامين القادمين من عهده الرئاسي. قام على الفور بحل المشكلة الرئيسية وهي مجموعة 5+1 وخاصة الولايات المتحدة بالإضافة إلى FATF. خلال ذلك، عليه أن يحل المشاكل مع الجيران، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
ضعف الإقبال على الانتخابات يضع شرعية رئيسي تحت الضغط
يؤكد سعيد ليلاز: “إقبال 40٪ فقط من الإيرانيين في الانتخابات أظهر تأييدا ضعيفا، ويجب على رئيسي أن يفعل شيئًا للتعويض عن هذا الموقف، أنا شخصياً لست قلقاً بشأن الأنشطة النووية في إيران لأن طهران مستعدة للعودة إلى الاتفاق النووي الذي تم توقيعه في عام 2015، على الطرفين اتخاذ قرارات صعبة.”
يستكمل ليلاز: “شرعية رئيسي تحت الضغط. على سبيل المثال ، حصل روحاني بالانتخابات الأخيرة على 25 مليون صوت وفي أول انتخابات له حصل على 18 مليون صوت. حصل رئيسي على 17 مليونًا، ولكن هذه حقيقة مهمة وهي أن حوالي 25 بالمائة من الأشخاص الذين صوتوا في الانتخابات السابقة، لم يصوتوا الآن. ماذا يعني ذلك؟ يعني أنهم غاضبون من الحكومة والنظام ويبحثون عن إجراءات فورية. لا أعتقد أنه ليس لديهم فرصة أو خيار لتعويض هذا الوضع لأن عامل مهم لهذا النقص في المشاركة، في رأيي، يرجع أساسًا إلى ضغوط لا تصدق من الولايات المتحدة على الإيرانيين. لمدة أربع سنوات، لا يمكن تخيل الضغط الهائل على إيران وعلى حياة الناس العادية.”
الخلافات السياسية بين حكومة روحاني والمتشددين تفاقمت بقوة
وبعد أن ظهرت في الأشهر الماضية في وسائل الإعلام الإيرانية، تفاصيل عدة حول خلافات قوية تضرب المشهد السياسي الإيراني، يضرب سعيد ليلاز مثالا لتأكيد هذا الأمر قائلاً :”إذا نظرت إلى الإذاعة والتلفزيون الرسميين للبلاد، ستشاهد كل ساعة انتقادًا لروحاني بسبب قلة الإدارة والإجراءات رغم أنهم كانوا يعلمون أن معظم هذه المشاكل جاءت من العقوبات، ماذا يعني ذلك؟ هذا يعني أن اليمين المتشدد يتابع أهدافه ومستعد لفعل أشياء كثيرة لجعل حكومة روحاني غير قادرة على حل المشكلة. يعني أن اليمين في إيران مستعد لتحقيق أهدافه بأي وسيلة حتى لو كانت ضد البلاد.
ويؤكد أن روحاني كان ناجحا خلال سنواته الأربع الأولى، وعاد الناتج المحلي الإجمالي لإيران إلى معدلات 2011 الذي كان مثالياً، ويتابع قائلاً: “ولكن بعد الدورة الثانية مباشرة من الانتخابات، تسبب اليمين في مشاكل كبيرة للحكومة بما في ذلك اضطرابات مشهد في عام 2017 وبعد ذلك ربما يفترض روحاني أنه إذا عاد إلى الوراء. إلى اليمين سوف يستعيد الدعم. برأيي ارتكب خطأ فادحا لأنه عاد لليمين وخسر دعم اليسار، وهو ما يعني الإصلاحيين والشعب، ومع ذلك لم يحظ بدعم اليمين. لقد فقد كليهما. بعد ذلك مباشرة، فرضت عقوبات أمريكية على البلاد، بعد ذلك بعامين، واجهنا الوباء.”
منذ 800 عام بعد أن هاجم المغول إيران والعراق وغرب آسيا، لم نشهد مثل هذا الضغط الهائل على الإيرانيين
ماذا يعني توحيد السلطة بالكامل في يد المتشددين
يرى سعيد ليلاز أن هذا التوحيد للقوة لن يستمر إلى الأبد، سيدوم لمدة سنتين إلى ثلاث أو أربع سنوات كحد أقصى. وستكون الولاية الثانية لحكومة رئيسي مختلفة كثيرًا عما هي عليه الآن. وبما أن النظام بأكمله معرض لخطر كبير بسبب المشاكل المتراكمة، فيجب أن يكونوا منتجين وموحدين للسلطة. يجب أن تكون الحكومة مفيدة وفعالة. يجب أن تمارس شرعيتها ضد الناس لأنه عندما لا يكون لديك دخل من النفط “بترودولار” فيجب أن تلجأ لفرض ضرائب، ولتقبل الشعب فرض الضرائب فيجب أن تستمع الحكومة لمشاكلهم وتقوم بحلها.”
وتوقع ليلاز أن حكومة رئيسي ستكون أقوى من حكومة روحاني، على الأقل خلال السنتين أو الثلاث سنوات القادمة. ومع ذلك، لم يوجد تفويض مطلق لرئيسي. تجربة حكومة أحمدي نجاد، الذي كان يتمتع بتفويض مطلق في جولته الأولى من فترة الرئاسة، لن تتكرر مرة أخرى. سيكون الجميع حذرين بشأن رئيسي، لكنني أعتقد أن الوضع الخارجي سيجبر النظام بأكمله على أن يكون أكثر توحيدًا وأن يدعم بعضه البعض، وأن يكون أكثر كفاءة وإنتاجية.
مكونات المشهد السياسي الإيراني وولايه الفقيه
“خلال السنوات الـ 32 الماضية، تعرضت علاقاتنا الدولية في إيران مع جيراننا خاصة الدول العربية لضغوط الصراع المحلي بين الفصائل السياسية.” على حسب وصف ليلاز.
ويرجع ليلاز ذلك إلى الصراع بين اليسار واليمين والذي تبعه التضحية بعلاقتهما مع السعودية. ويضيف: “لا نرى مثل هذا الوضع في الأشهر المقبلة. ولهذا أرى أن الوضع أفضل مع توتر أقل بين إيران والمجتمع الدولي بأسره وخاصة الدول العربية والخليجية جيراننا. التوتر أقل بكثير.”
وتظهر ثلاث فصائل رئيسية في إيران في الوقت الحالي. حيث يمثل الجناح اليميني المتشدد الذي يمثله رئيسي. والثاني هو الأشخاص الذين يعيشون في الضواحي خارج المدن وقد تم تجاهلهم على مدار العشرين أو الثلاثين عامًا الماضية. حيث يعد أحمدي نجاد هو ممثل هذا الشعب ونسبته أكبر من فصيل رئيسي، اما الفصيل الثالث هو الأكبر وهو الحركة الاصلاحية.
ويختتم ليلاز تصريحاته قائلاً: “إن المجتمع المتحضر في إيران يتغير بسرعة، وتغيير شكل أو حكم البلاد أمر لا مفر منه في المستقبل، إنني أتطلع إلى تغيير طريقة حكم البلاد وحتى شكل ولاية الفقيه بشكل كبير في المستقبل. ستكون الطبقة المتحضرة أكثر قوة في المستقبل. على سبيل المثال، خلال الانتخابات الأخيرة، رأيت كيف كان عدم المشاركة ضارًا ومؤثرا حيث ينتخب 20-30٪ من الأشخاص من الدولة بأكملها فقط”.
ومع أزمات عدة تواجه إيران، سواء الملف النووي، أو الاحتجاجات الشعبية في خوزستان، أو تأثر البلاد سلبا بانتشار فيروس كورونا، أو حتى الأزمات الاقتصادية التي تتفاقم جراء ارتفاع معدلات التضخم، ونقص العملات الأجنبية، تذهب إيران نحو مصير يزيد من وطأة المعاناة للإيرانيين، مالم يتم تغيير السياسات وهو أمر حتمي وضروري، فليس أمام حكومة رئيسي خيارات سوى التصرف بعقلانية.