استعادت قوات أمن موزمبيق ورواندا مدينة موسيمبوا دا برايا الساحلية، معقل مسلّحي تنظيم داعش، لتضاف إلى قائمة البلدات والقرى التي تمّت استعادتها من التنظيم. وتقع هذه المدينة على بعد 60 كيلومتراً جنوب منطقة مشاريع الغاز، كما استعاد الجيش السيطرة على أواسي، وهي منطقة صغيرة لكنّها استراتيجية أيضاً، تقع بالقرب من موسيمبوا دا برايا.
- تصاعدت الإضطرابات فيي موزنبيق حيث سيطر داعش على مدن بأكملها
- وجود داعش تهديد ليس فقط لأمن موزنبيق بل لمصالح كبرى الشركات العالمية للطاقة
- اهتمامات الفاغنر الروسية في موزنبيق الثروات الهائلة الموجودة وليس داعش
- واشنطن غير متحمّسة لمواجهة داعش في شمال موزمبيق وفرنسا تتفرج
- رواندا تملك خبرة طويلة بحفظ السلام لكنّها المرة الأولى التي تنضمّ فيها لتحالف يتصدّى لمتمردين
- موزنبيق تتحول إلى مركز لتحالف عسكري من دول مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية
- الوضع ليس مؤاتياً لكي تكون قوات سادك والقوات الرواندية في موقع دفاعي، فقواعد الإشتباك مختلفة للغاية
- من الأهمية أن يكون هناك تعاون بين القوات المنتشرة تجنباً لرصاصات صديقة
ويأوي إقليم كابو ديلغادو، الواقع في أقصى شمال موزمبيق، والذي توجد فيه مشاريع للغاز تبلغ قيمتها نحو 60 مليار دولار، “الجهاديين” منذ العام 2017. ومذ العام الماضي، تصاعدت الإضطرابات حيث سيطر داعش على مدن بأكملها، بما في ذلك منطقة موسيمبوا دا برايا الساحلية ذات الأهمية الإستراتيجية.
والشهر الماضي، نشرت الحكومة الرواندية قوّة قوامها ألف جندي في موزمبيق، للقتال إلى جانب قوات موزمبيق وقوات مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي (سادك) المكوّنة من 16 عضواً.
وقال الكولونيل عمر سارانجا، المتحدث باسم وزارة الدفاع الموزمبيقية، في مؤتمر صحافي إنّ القوات سيطرت على البنية التحتية العامة والخاصة، بما في ذلك المباني الحكومية والميناء والمطار والمستشفى والأسواق ومؤسسات التموين. وأضاف أنّ العمليات استمرت في تعزيز السيطرة على المناطق الحرجة، بما في ذلك المنطقة التي توجد فيها منشأة لمعالجة المياه.
ويعتبر وجود داعش في هذه المناطق أكبر تهديد ليس فقط لأمن واقتصاد البلاد، بل لمصالح كبرى الشركات العالمية للطاقة، سواء الأمريكية منها أو الفرنسية والإيطالية والصينية وحتى اليابانية، والتي استثمرت مجتمعة نحو 60 مليار دولار، لاستغلال حقول الغاز.
تجدر الإشارة إلى أنّ موزمبيق، التي استقلت عن البرتغال في العام 1975، وجدت نفسها أمام حرب أهلية استغرقت 15 سنة، لم تتوقف إلّا بعد اتفاق السلام في العام 1992، سمح لها بتحقيق الإنتقال الديمقراطي، قبل ظهور أنصار السنة أو حركة الشباب في 2017، وانضمامها رسمياً إلى داعش في العام 2019.
الجيش الموزمبيقي تمكّن من مواجهة داعش بين عامي 2017 و2018، لكن منذ العام 2019، صعّد التنظيم هجماته بشكل غير مسبوق، وهنا بدا الجيش الموزمبيقي مدوهشاً أمام الضربات التي يتلقاها على يد ولاية داعش في وسط أفريقيا، ما اضطر حكومة مابوتو للإستعانة بمرتزقة فاغنر الروس، التي وجدت في ذلك فرصة مهمّة قدّمت للروس على طبق من “الذهب الأسود”، إلى جانب الإستعانة أيضاً بشركة أمنية من جنوب أفريقيا تدعى “دايك ادفايزوري غروب”.
لكن المرتزقة الأجانب ورغم امتلاكهم أسلحة نوعية وتجهيزات حديثة وتدريب خاص، لم يتمكّنوا من إيقاف هجمات مسلحي داعش المتحصّنين في الأدغال والغابات الإستوائية الكثيفة، خصوصاً أنّ اهتمامات الفاغنر هناك الثروات الهائلة في هذا البلد الأفريقي.
وفي المقابل، لم تبد واشنطن حماسة في تشكيل تحالف دولي لمواجهة داعش في شمال موزمبيق، على غرار ذلك الذي تشكل في العراق وسوريا، وضمّ 83 دولة لمحاربة التنظيم الإرهابي. أمّا فرنسا فتراقب الوضع في موزمبيق من دون أن تحرك ساكناً، رغم أنّها تستثمر عبر شركتها توتال 23 مليار دولار في بالما، ويعود ذلك إلى عدم رغبتها في الضياع بأدغال أفريقيا الجنوبية.
وهكذا تتحول موزنبيق اليوم على ما يبدو إلى مركز لتحالف عسكري من دول مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية، التي تضمّ 15 دولة في جنوب القارة السمراء، لمواجهة داعش شمال البلاد.
المشكلة في موزمبيق هي أنّه منذ العام 2017 كان هناك وجود لداعش – ولاية غرب أفريقيا، والتي هي كناية عن مجموعة جهادية محلية تطلق على نفسها إسم السنّة والجماعة، فيما يطلق عليهم السكان المحلّيون اسم الشباب، بالرغم من عدم وجود ارتباط مباشر مع الشباب الصوماليين.
كانت هذه المجموعة تنفذ عملياتها بشكل حصري في شمال الموزمبيق في مقاطعة كابو دلغادو وكل الدوائر، بما فيها الأراضي القريبة جدّاً من شبه جزيرة فونغي، وهي إحدى المناطق الأثرى بالغاز الطبيعي في العالم. وقد نفّذ “الجهاديون” هجمات عديدة على القوّات المسلّحة الموزمبيقية، وقطعوا رؤوس بعض السكان المحليين الذين لم يدعموهم، وفرضوا توقف الكثير من العمليات الخاصة باستخراج الغاز وتعليقها، وقد طالت شركات نفطية مثل إكزون موبيل وتوتال الشركة النفطية الفرنسية.
أعتقد أنّ كلّ الهجمات التي حصلت في كابو دلغادو تثير قلقاً كبيراً ليس فقط بالنسبة إلى موزمبيق التي عانت الأمرّين من عنف هذه المجموعات الجهادية، لكن أيضاً بالنسبة إلى الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي، المعروفة باسم سادك، وجمهورية جنوب أفريقيا هي من أبرز الدول الأعضاء في سادك، لكن علينا أيضاً أنّ نتذكر أنّ موزمبيق شريك قوي لمجموعة شرق أفريقيا، ويُنظر إليه أيضاً كعضو في هذه المجموعة، وبالتالي يشكل وجود هذه المجموعات الجهادية الناشطة في شمال موزمبيق تهديداً ليس فقط لها، ولكن للدول الأفريقية الجنوبية والشرقية.
لذلك يُعتبر تشكيل تحالف جنوبي – شرقي لمواجهة الجهاديين في الموزمبيق فكرة مرحّب بها، لأنّ الجهاديين قد يؤثرون ليس فقط على اقتصاد الموزمبيق، بل على باقي المنطقة. لذا شهدنا اتفاقاً نفّذته سادك لنشر نحو 3000 جندي في المنطقة.
هناك أيضاً رواندا التي وقّعت على اتفاق ثنائي الجانب مع الموزمبيق من أجل نشر ألف جندي، مقسّمين بين 700 جندي و300 مسؤول عن تنفيذ القانون. وقد حصل ضمن اتفاق قديم بين العامين 1990 و2018 وقّعت عليه رواندا لدعم القوات الموزمبيقية المتصدّية للجهاديين.
وذلك يعتبر سابقة لأنّها المرة الأولى التي نرى فيها دولاً أفريقية تعقد اتفاقات ثنائية الجانب لمواجهة الجهاديين. وهنا لنتذكر أنّ رواندا تملك خبرة طويلة في حفظ السلام وتحديداً شاركت في 14 مهمّة لحفظ السلام، لكنّها المرة الأولى التي تنضمّ فيها رواندا إلى تحالف يتصدّى للمتمردين، وهي المرّة الأولى أيضاً التي تنخرط فيها الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي في تحالف ضدّ داعش، لذلك فلننتظر لنرى كم سيكون هذا المجهود فعّالاً ومفيداً على المدى البعيد.
أعتقد بأن أحد الأمور التي لم يتمّ الإفصاح عنها عن عملية الإنتشار الحالية لقوات من الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي ومن رواندا، هو ما إذا كانت ستؤدّي إلى تدخل للمرتزقة الروسية أو من دولة جنوب أفريقيا، أم إلى مغادرتها المنطقة.
وهنا لا بدّ أن نذكر أنّ معظم هؤلاء المرتزقة يعملون لصالح ليس فقط الدولة، بل بعض الشركات لحماية موظفيهم وأصولهم، لذلك نحن نجهل حالياً إنْ كانت الشركات العسكرية الخاصة ستغادر الموزمبيق بعد وصول قوات الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي المتصدّية لداعش.
وتشير التوقعات إلى أنّ ذلك سيكون رهن الإتفاقات التعاقدية، وإذا كانت القوات المنتشرة ستتمركز في المناطق نفسها التي تنشط فيها الشركات العسكرية الخاصة، وهنا يجدر بنا أن نتذكّر أنّ منطقة كابو دلغادو تتألف من 15 أو 16 دائرة، وهي منطقة كبيرة تضمّ غابة شاسعة وتطل على المحيط الهندي، ما يحوّلها إلى موقع مهم.
لا بدّ من القول إنّ التحالف الحالي لم يختبر أبداً هذا النوع من الحروب، وكما ذكرت سابقاً عن رواندا. لقد شاركت في 14 مهمّة حفظ سلام، لكن المهمّة الحالية لا تهدف لحفظ السلام بل هي كناية عن عملية لردع المتمرّدين. فالوضع ليس مؤاتياً لكي تكون قوات سادك والقوات الرواندية في موقع دفاعي، فقواعد الإشتباك مختلفة للغاية.
لذلك عليهم أن يقوموا بالهجوم، وعليهم أن يدخلوا المناطق التي تقع تحت سيطرة الجهاديين، وأن يختلطوا مع السكان المحليين، وأن يختبروا تعرّضهم لهجمات للمرّة الأولى، أي للأسلوب الجهادي في الهجوم الذي قد يضمّ سيارات مفخّخة مركونة إلى جانب الطريق وانتحاريين وتكتيكات صادمة مثل قطع الرؤوس. بالتالي حتى لو كان الأمر يتعلق بالتحضير لعمليات نشر القوات، أعتقد أنّ عملية الإنتشار هذه ستكون صعبة للغاية على التحالف الجنوبي – الشرقي.
إنّ سر نجاح هذا التحالف يكمن في مدى التعاون والتنسيق مع القوات الموزمبيقية، فهم مجبرون على ذلك وعليهم أن يخططوا للعمليات معهم وينفّذوها معهم أيضاً، لأنّ هذه القوات لا تملك معلومات عن المنطقة، ولا تعرف السكان المحليين ولا تفهم اللغة المحلية.
هكذا ستواجهم تحدّيات متعلّقة بكيفية تنفيذ عملياتهم اللوجستية، وبالتالي لا بدّ من أن يركّز التحالف الجنوبي – الشرقي على تنسيق عملياته بتروٍّ مع القوات الموزمبيقية. وعليهم أن يتفادوا أن يظهروا بصورة تبرزهم كمنافسين لهذه القوات، وعليهم أن يحرصوا مهما فعلوا، أنّه عليهم أن يتركوا القوات الموزمبيقية في سبيلها كي لا يكون هناك أي نوع من التنافس السلبي بينهم.
أظن أن تحدّياً أكبرآخر بناءً على التجربة قد يواجهونه، هو أنه عندما تكون القوات الموزمبيقية غير مجهّزة جيّداً، ستبدأ المنافسة وسننظر إلى هذه القوات قائلين إنّهم مجهزون بشكل أفضل ولديهم معدّل عيش أفضل، وربما يقبضون أجراً أعلى من أجرنا.
يمكن لهذا الجو أن يخلق نوعاً من التنافس غير الضروري بين القوات الأجنبية والقوات المحلية. لذلك أرى أن التحدّي سيقع على عاتق القوات الموزمبيقية التي يجب أن تفكر بكيفية إدارة القوات الأجنبية الجديدة التي وصلت على الأرض، وأتمنى ألا يؤدي التنافس إلى موقع يجعل من الدولة ضعيفة للغاية، ما سيمنح فرصة للجهاديين.
هناك بعد آخر مهم أيضاً هو أنّه يجب أن يتفادوا ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، لأنّهم بحاجة إلى دعم السكان المحليين لأنّه إنْ رأى السكان أنّ القوات الأجنبية تنتهك حقوق الإنسان سيكون الأثر سلبياً ليس فقط على القوات المنتشرة هناك، بل على الدول التي أتت منها، لذلك من المهم حماية حقوق الإنسان وتقديم أكبر قدر من المعلومات للسكان المحليين، والحرص على عدم حصول انتهاكات، لكن أيضاً لأن الحرب ستكون طويلة ولن تنتهي الآن وعليهم أن يتوقعوا أنّه عندما تنشر دولة قواتها يكون التحدي الأكبر لها كما تعلمنا من تجربة أفغانستان، أنّه من السهل إرسال مهمّات عسكرية إلى دولة معينة، ولكن من الصعب جدّاً المغادرة.
هناك احتمال أن تحصل اشتباكات على الأرض، خصوصاً إنْ لم تتم المهمّات بالتنسيق بين مختلف الفرقاء. هناك احتمال قوي أن يحصل ما يسمى بأزرق على أزرق، أي التعرّض لنيران صديقة. كما على الحكومة الجنوب أفريقية أن تحرص على عدم نشوب اشتباكات على الآرض، لكن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الحكومة الموزمبيقية، فهي صاحبة القرار وعليها أن تتسلّم زمام قيادة التحالف الجنوبي – الشرقي، وتحرص على أن تكون مهمة التحالف واضحة، وأن تكون عمليات الشركات العسكرية الخاصة سواء كانت روسية أو جنوب أفريقية في غاية الوضوح أيضاً، ما سيتيح فرصة تفادي اشتباكات على أرض المعركة بين القوات العسكرية الصديقة.
أعتقد أنّه من الأهمية البالغة أن يكون هناك تعاون دائم بين القوات المنتشرة التابعة للجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي، التي تضم جنوب أفريقيا وتنزانيا وبوتسوانا وسائر الدول الأخرى التي ترسل قوات لها إلى الموزمبيق. عليها أن تنسّق دائماً ليس فقط مع القوات الموزمبيقية، بل الرواندية أيضاً، وعلى عدوّها المشترك أن يكون دائماً الإرهابيين، ولا بدّ أن يضعوا جانباً السياسة ونزاعاتهم ومصالحهم المختلفة لكي يكون الهمّ الأساسي للتحالف الجنوبي الشرقي، هزم قدرة جهاديي داعش، ولكي تحرص أن تكون كل الإستراتيجيات المتعلقة بالإيديولوجيا والتجنيد وعوامل الشدّ والجذب قيد الدرس من قبل كلّ المؤسسات، ولكن ما هو واضح هو أنّ الردّ لن يأتي من جانب الجيش، بل بفضل تضافر الجهود بين التحالف الجنوبي – الشرقي والقوات الموزمبيقية، وكل استراتيجيات الحوكمة، ما سيتيح الفرصة للقضاء على الظروف المؤاتية للمنظمات الإرهابية وقضيتها.