مع مقتل 9 مهندسين صينيين في يوليو/تموز الماضي في مصنع داسو للطاقة الكهرومائية في إقليم كوهستان الجبلي النائي في باكستان، تزداد ضغوط بكين وإسلام أباد على قيادة طالبان في أفغانستان لكي تنأى بنفسها عن حركة تركستان الشرقية الإسلامية وتحريك طالبان باكستان.
- تزايد استهداف الصينيين وهشاشة باستثمارات الصين بباكستان منذ بدء هجوم طالبان
- نجاة السفير الصيني في باكستان من تفجير تبنّته مجموعة تحريك طالبان باكستان
- إسلام أباد: الهند وحكومة غني أرادتا زرع الفتنة بين الصين وباكستان
- اعتراف دول العالم بحكومة طالبان يتوقّف على تعاونها لطرد الحركات الإرهابية الأجنبية
- الصين حثّت زعيم طالبان السياسي برادار على قتال حركة تركستان الشرقية الإسلامية بفعالية
- التوقّع بتخلي طالبان عن حركة تركستان الشرقية الإسلامية ومجموعات أخرى حلم لن يتحقق
- من المستبعد أن تفي طالبان بالتزاماتها وتتوقف عن إيواء مجموعات إرهابية أجنبية
- بابار: عدد المقاتلين الإرهابيين الأجانب في أفغانستان يُقدّر ما بين 8 آلاف و10 آلاف
وقد ارتفعت وتيرة استهداف المواطنين الصينيين مع هشاشة الإستثمارات الصينية في باكستان، منذ أن بدأت طالبان هجومها على الحكومة الأفغانية. حتى أنّ الأسبوع الماضي تعرّضت آلية تقلّ مهندسين صينيين إلى ميناء غوادار البحري في إقليم بلوشستان المتوتّر، لهجوم إنتحاري دموي أدّى إلى مقتل طفلين وجرح 3 مواطنين صينيين بحسب ما جاء على لسان مسؤولين أمنيين.
وقد تبنّى جيش تحرير بلوشستان المحظور الهجوم الإنتحاري المذكور الذي حصل يوم الجمعة الماضي، مع الإشارة إلى أنّ جيش تحرير بلوشستان هو مجموعة متمرّدة تستهدف الجيش الباكستاني والمصالح الصينية. إلّا أنّ المجموعة زعمت وقوع 9 قتلى في أوساط المواطنين الصينيين في الهجوم الإنتحاري.
وذلك الهجوم هو الرابع من نوعه على مواطنين صينيين في باكستان منذ بدء طالبان بتحقيق مكاسب عسكرية في أفغانستان.
وفي أوائل الشهر الماضي، وفي عملية إنتحارية تعد الأقوى من نوعها، قتل 9 مواطنين صينيين و3 حراس أمنيين باكستانيين بهجوم على آليات كانت تقلّ مهندسين صينيين إلى مشروع بناء سدّ داسو للطاقة الكهرومائية في منطقة كوهستان النائية.
وفي أواخر شهر أبريل/ نيسان الماضي، هزّ انفجار سيارة مفخّخة فندق سيرينا في مدينة كويتا الباكستانية الواقعة في جنوب غرب البلاد، موقعاً 5 قتلى و12 جريحاً بحال حرجة. وقد تبنّت مجموعة تحريك طالبان باكستان التفجير الذي نجا منه ديبلوماسي صيني رفيع المستوى بأعجوبة، إذ أنّ السيارة التي كانت محمّلة بالمتفجرات، انفجرت قبل دقائق من دخول السفير الصيني في باكستان نونغ رونغ إلى ردهة الفندق.
وتدّعي باكستان تورّط جناح التحليلات والبحوث في وكالة التجسس الهندية والمديرية العامة للأمن الوطني الأفغانية في الهجمات الإرهابية الأخيرة على المنشآت الصينية. فإسلام أباد تعتبر أنّ الهند وحكومة الرئيس الأفغاني الذي فرّ من أفغانستان، أرادتا أن تزرعا الفتنة بين الصين وباكستان بهدف تعطيل مشروع الرواق الاقتصادي الباكستاني الصيني المكلف، والذي تقدّر كلفته بمليارات الدولارات.
وقال الناطق باسم وزراة الخارجية الباكستانية في المؤتمر الصحافي الأسبوعي، إنّ باكستان كانت تمنّت عدم حصول مجموعة تحريك طالبان باكستان على أيّ بقعة أرض في أفغانستان لكي تشنّ عملياتها منها. وأضاف أنّ باكستان لطالما عارضت وستعارض دائماً أيّ دعم لأيّ مجموعة محظورة تتورط في نشاطات إرهابية داخل باكستان.
ويُعتقد أنّ باكستان قد وجّهت تحذيراً لحركة طالبان الأفغانية، مشدّدة على أنّ اعتراف دول العالم بـ”حكومة طالبان في كابول” يتوقّف على تعاونها لطرد الحركات الإرهابية الأجنبية، بما فيها مجموعة تحريك طالبان باكستان من المناطق التي تقع تحت سيطرتها.
وشكّل العنف المتكرّر الذي يستهدف مواطنين صينيين في باكستان مصدر قلق لبكين، ولذلك عقد القادة الصينيون في الشهر الذي سبق سقوط كابول بيد طالبان 4 لقاءات مع قيادة حركة طالبان الأفغانية. وأرادت بكين أن تغضّ طالبان النظر عن معاناة ما يزيد على مليون مسلم من الإيغور في إقليم شينجيانغ، مقابل تعاون الصين وتدفّق الاستثمارات الإقتصادية إلى البلد الممزّق، علماً أنّ الصين لديها حدود مشتركة مع أفغانستان في رواق واخان الضيّق في شمال شرق البلاد.
وهذا السيناريو هو نفسه الذي اعتمدته الصين مع القادة العسكريين والمدنيين الباكستانيين قبل التوقيع على اتفاق CPEC في العام 2015. وجاء ذلك الإتفاق كردّ للمثل بالمثل مكافأةً لصمت إسلام أباد على تصرفات بكين غير الإنسانية في هونغ كونغ وشينجيانغ وتايوان.
وقد حثّ وانغ يي وزير خارجية الصين في أواخر شهر يوليو/ تموز الماضي زعيم طالبان السياسي الملاّ عبد الغاني برادار في تيانجين، على أنّه عليهم “أن يقاتلوا بفعالية” حركة تركستان الشرقية الإسلامية بهدف تأمين ظروف مؤاتية للأمن والإستقرار والتنمية والتعاون في المنطقة.
وجاء هذا التطوّر قبل أسابيع من سقوط كابول، لكنّهم كانوا قد بدأوا النقاش حول آليات تعزيز “مناخٍ مؤاتٍ للإستثمارات” وحول دور طالبان في عملية “السلام والمصالحة وإعادة البناء” في أفغانستان.
على مستوى موازٍ، حثّت بكين وفداً زارها من طالبان الشهر الماضي على تأنيب حركة تركستان الشرقية الإسلامية التي تعتبرها الصين “خطراً مباشراً على أمنها القومي”، لناحية تسبّبها باضطرابات في إقليم شينجيانغ الصيني الواقع غرب البلاد.
في حديث لـ “أخبار الآن“، صرّح أفراسياب ختّاك، وهو سيناتور سابق وناشط في الدفاع عن حقوق الباشتون، أنّ ما تأمله الصين من طالبان لن يتحقق. وأضاف أنّ التوقّع بأن تتخلى طالبان عن حركة تركستان الشرقية الإسلامية ومجموعات إرهابية أخرى كرمةً للإستثمارات الصينية، هو حلم كاذب لن يتحقق يوماً.
وتابع: “تأمل إسلام أباد حقّاً أن تنقضّ حركة طالبان على مجموعة تحريك طالبان باكستان، إلّا أنّها أطلقت سراح مئات المساجين من المجموعة فور سيطرتها على كابول. فطالبان لم تفعل ذلك مع تنظيم القاعدة وحركة أوزبكستان الإسلامية وتحريك طالبان باكستان في الماضي. فلماذا تفعل ذلك الآن مع حركة تركستان الشرقية الإسلامية أو تحريك طالبان باكستان؟ فوعدها هو أشبه بوعد شخصية فالستاف في أحد أعمال شكسبير؛ فما هو ذلك الوعد؟ إنّه كالهواء”.
لقد شهد تواصل الصينيين مع طالبان تطوراً الشهر الماضي، عندما أشار فريق التحقيق الصيني الباكستاني المشترك الذي يحقق في حادثة داسو، إلى الدور المتنامي لحركة تركستان الشرقية الإسلامية في ضرب المصالح المالية والتجارية الصينية، بما فيها مقتل المهندسين الصينيين في الإعتداء على الحافلة في داسو، وذلك بالتعاون مع مجموعات إرهابية أخرى.
على إثر عملية عسكرية في العام 2014، تركت المجموعات الإرهابية المحلية والأجنبية، بما فيها حركة تركستان الشرقية الإسلامية وتحريك طالبان باكستان، المناطق الجبلية في شمال وزيرستان الباكستانية، وانتقلت إلى المناطق الحدودية الأفغانية.
فالعملية العسكرية “زارب- أزب” أُطلقت لتنقية شمال وزيرستان من مجموعات عسكرية مختلفة، بما فيها تحريك طالبان باكستان وحركة أوزبكستان الإسلامية وحركة شرق تركستان الإسلامية وحركة لشكار جانغفي وتنظيم القاعدة وجندالله وشبكة حقّاني. أمّا اليوم فتنعم القيادة المركزية لهذه المجموعات الإرهابية بملاذات آمنة وبدعم في أفغانستان التي وقعت في قبضة طالبان.
وصرّح فرحة الله بابار، وهو سيناتور سابق والناطق باسم حزب باكستان الشعبي، في حديث لـ””أخبار الآن” أنّه من المستبعد أن تفي طالبان بالتزاماتها وتتوقف عن إيواء مجموعات إرهابية أجنبية.
وقال إنّ الصين قد حدّدت الخطوط العريضة، وعلى طالبان أن تطرد كلّ المجموعات الإرهابية التي وجدت مأوى في المناطق التي تسيطر عليها قواتها. إلّا أنّه من المستبعد أن تفي طالبان بالتزاماتها ووعودها بما أنّ تاريخها حافل بعدم الإيفاء بالوعود التي تقطعها.
وأشار بابار إلى تقرير الـ25 من يوليو/ تموز الصادر عن منظمة الأمم المتحدة، الذي زعم أنّ القاعدة تنشط في 15 ولاية أفغانية تقع تحت حماية طالبان، بما فيها قندهار وهلمند ونمروز. وقال إنّ “التقرير حدّد أنّ أكثر من 600 مقاتل من مقاتلي تحريك طالبان باكستان موجودون منذ زمن في المناطق الشرقية لولاية ننغرهار القريبة من الحدود مع باكستان.
وأكّد بابار إنّ عدد المقاتلين الإرهابيين الأجانب في أفغانستان يُقدّر ما بين 8 آلاف و10 آلاف، يأتون بغالبيتهم من دول آسيا الوسطى والمنطقة الروسية الواقعة شمال القوقاز وباكستان وإقليم شينجيانغ، الذي ينعم بالحكم الذاتي والذي تتواجد فيه غالبية من الإيغور.
وكشفت مصادر مطلعة على التحقيق أنّ فريق التحقيق الباكستاني – الصيني المشترك، استنتج أنّ حركة تركستان الشرقية الإسلامية وتحريك طالبان باكستان قد تواطأتا لكي تصطدم سيارات مفخخة بالحافلة التي كانت تقلّ 30 شخصاً إلى موقع داسو للطاقة الكهرمائية في 14 يوليو/ تموز.
وكان هذا الحادث الأخير الذي ذهب ضحيته 9 مهندسين صينيين، من ضمن سلسلة هجمات لتنظيمات مسلّحة على المنشآت والمصالح الصينية في باكستان، وقد وجّهت أصابع الإتهام إلى حركة تركستان الشرقية الإسلامية التي تتمركز في إقليم شينجيانغ.
ولطالما كانت حركة تركستان الشرقية الإسلامية على اتصال بحركة طالبان الباكستانية، التي أمّنت لهم الملاذ الآمن ومراكز التدريب في منطقة شمال وزيرستان القبلية على طول الحدود الأفغانية الباكستانية.
وكان حسن محسوم، وهو مؤسس حركة تركستان الشرقية الإسلامية، وأوّل زعيم لها وهو من أقلية الإيغور ويتحدّر من منطقة كاشغار في إقليم شينجيانغ الصيني، قتل بطلقات نارية أطلقتها قوات باكستانية في العام 2003 خلال هجوم على مخبأ مزعوم لتنظيم القاعدة بالقرب من الحدود الأفغانية. وبعد مقتله تزعّم عبد الحق التنظيم المسلّح إلى حين تصفيته على يد وكالات الإستخبارات الباكستانية في العام 2010.
في العام 2007، نفّذت حركة تركستان الشرقية الإسلامية هجوماً على صالون تدليك صيني في إسلام أباد واعتقلت 3 عاملات صينيات اتهمتهنّ بالقيام بأعمال دعارة على حدّ قولها.
وقد ادّعت التقارير الإعلامية بأنّ المقاتلين هرعوا للإختباء في “المسجد الأحمر” بعد هجومهم على صالون التدليك في العاصمة الباكستانية إسلام أباد. وقد أدّت الحادثة إلى اعتراض صيني قوي نفّذت على إثره مجموعات كوماندوس باكستانية هجوماً على المسجد الأحمر في إسلام أباد في العام 2007، ما أوقع أكثر من 100 مقاتل، بمن فيهم مؤدّو الصلاة ومساعد إمام المسجد المذكور عبد الرشيد غازي.
وكشف الكاتب أندرو سمول في كتابه “المحور الصيني الباكستاني: الجغرافية السياسية الجديدة في آسيا”، الصادر في العام 2015، أنّه لدى انتهاء الهجوم على المسجد، تمّ العثور على جثث 14 إرهابياً من الإيغور في عداد الأموات، وأن لا أحداً علم في باكستان أنّ الهجوم على المسجد قد جاء نتيجةً لتظاهرات صينية.