تنظر الصين إلى الوضع في أفغانستان من منطلق أمني، فمصلحتها الأولى تكمن في أن تكون المجموعات الإرهابية الموجودة هناك، تحت سيطرة طالبان، خصوصاً تلك التي تعادي الصين.
- الصين تريد أن تبقى المجموعات الإرهابية في أفغانستان تحت سيطرة طالبان
- بالنسبة للحزب الشيوعي الصيني، فإنّ طالبان تخفف المخاطر فيما مصالح الأفغان بمرتبة متدنية
- الصين تتعامل مباشرةً مع طالبان وهي حافظت على علاقة عادية معها منذ العام 1999
- طالبان قطعت وعوداً عديدة للصين لكن الأخيرة تعي أنّ طالبان لا تفي بوعودها غالباً
- تملك أفغانستان ثروة معدنية هائلة وشهية الصين مفتوحة للغاية
من هذه الجماعات حركة تركستان الشرقية الإسلامية، تنظيم القاعدة وتنظيم داعش الذي كان يدعم حركة تركستان الشرقية الإسلامية، وما تريده الصين أن تبقى هذه المجموعات تحت سيطرة طالبان، إذ لا يجب السماح لها بالتسلل إلى إقليم شينجيانغ أو إلى مناطق آسيا الوسطى، كما لا يجب السماح لهذه المجموعات بالتأثير على مشاريع الصين ومصالحها وطواقمها العاملة في باكستان ودول آسيا الوسطى، وإلى ما هنالك.
ما سبق يعتبر أبرز مخاوف الصين التي تقول إنّ أفغانستان يجب أن يكون لها حكومة أكثر شمولية وتمثيلاً، وأن تنعم بالمزيد من السلام والإستقرار، وإنْ تمكّنت أفغانستان من تحقيق ذلك، فتكون الصين أكثر فرحاً لتستثمر أكثر في مجال استخراج النفط والمعادن ومشاريع التعاون الإقتصادي الأخرى. هذه هي أهداف الصين بالإجمال، بالطبع لديها أهداف أخرى لكنّنا نتحدث هنا عن الأهداف الرئيسية.
تعمل استراتيجية الصين بشكل رئيسي على 3 أو 4 مستويات:
على المستوى الأوّل تتعامل الصين مباشرةً مع جماعة طالبان، فهي حافظت على علاقة عادية مع طالبان منذ العام 1999، أي منذ عهد الملاّ عمر عندما توصلت إلى خلاصة بأنّ طالبان ستلعب دوراً مهمّاً في حكومة أفغانستان المقبلة، وبالتالي منذ ذلك الحين حافظت الصين على علاقتها مع طالبان ومع الحكومات الحديثة مثل حكومة غاني أو الحكومات السابقة. لقد حاولت الصين أن تحافظ على علاقات طيبة مع كلّ الأحزاب المهمّة والزعماء المحليين وزعماء القبائل المحلية.
وقد رأت الصين أنّ من مصلحتها أن تتفاوض مباشرةً مع طالبان، وفي هذا الصدد وجّهت الصين دعوةً لوفد من طالبان بزعامة الملاّ برادار إلى الصين، قبل أيّام من احتلال طالبان العاصمة كابول، وفي ذلك اللقاء حدّدت الصين شروطها بوضوح، وبالطبع قطعت طالبان وعداً للصين بأنّها لن تسمح لحركة تركستان الشرقية الإسلامية بالتسلل إلى الصين، وبأنّها سترحّب بالإستثمارات الصينية في أفغانستان.
قطعت طالبان كلّ هذه الوعود للصين، لكن هذه الأخيرة تعي أيضاً أنّ هذه الوعود لم تفِ بها غالباً طالبان، وبعد ذلك اللقاء أصدر وزير الخارجية الصيني وانغ يي أمراً بسحب غالبية المواطنين الصينيين من أفغانستان. إذاً لم يكن واثقاً جداً من تلك الوعود لكن في الوقت نفسه كان يحاول.
بالنسبة للحزب الشيوعي الصيني، فإنّ طالبان تخفف المخاطر فيما مصالح الأفغان بمرتبة متدنية
على مستوى آخر تحاول الصين التعاون مع شقيقتها باكستان، وتحاول التوصّل معها إلى تدابير للتعاون بين الصين وباكستان وأفغانستان. كما تواصل تعاونها مع روسيا وقد تحسّنت علاقات الصين مع روسيا بشكل ملحوظ. ومؤخراً نفّذ البلدان مناورات عسكرية مشتركة في مقاطعة أيشا شمال غرب الصين في ظروف مشابهة للواقع في أفغانستان ودول آسيا الوسطى. وبالتالي تحاول الصين تحقيق أهدافها على عدة مستويات.
وعلى الأرض تعزز الصين اتفاقاتها الأمنية في رواق واخان، وهي المنطقة الحدودية بين الصين وأفغانستان. لقد عززت استعداداتها الأمنية هناك. إذاً تحضّر الصين نفسها على قواعد مختلفة لكي يكون لها دائماً نفوذ اقتصادي إلّا أنّ الوضع في أفغانستان لا يتطوّر دائماً كما تبغي الصين.
تملك أفغانستان ثروة معدنية هائلة، ولكن من أجل استغلال هذه الثروة المعدنية لا بدّ من وجود سلام واستقرار في البلاد، فإنْ كانت هناك نزاعات، وثمّة انعدام استقرار وتوتر، وإنْ كان السفر غير آمن، فكيف يمكن استخراج هذه المعادن، وتلك كانت المشكلة الكبرى في الماضي حتى عندما كانت حكومة غاني تحكم البلاد.
قطعت الحكومة الصينية وعداً باستخراج هذه المعادن، لكن هذه الوعود لم تُنفّذ قط وكانت تنتظر الوقت المناسب. أعتقد أيضاً أنّ الصين كانت مترددة بعض الشيء ولم تكن متحمسة جدّاً لدعم الحكومة الأفغانية المدعومة من الأمريكيين، فكانت لها تحفظاتها على ذلك، وكانت تنتظر وقتاً مناسباً أكثر. أظنّ أنّ الحكومة الصينية مستعدة لمتابعة جهودها إنْ تمكنت أفغانستان من إحلال السلام والاستقرار.
تواصل الصين اتصالاتها مع كلّ الأحزاب الكبرى، فقد كانت على اتصال دائم بحركة طالبان وحكومة الرئيس غاني السابقة وكل اللاعبين الرئيسيين، وحتماً مع حليفتها المباشرة باكستان ومع روسيا أيضاً وإيران ودول آسيا الوسطى. إذاً واصلت الصين اتصالاتها مع الجميع.
إذاً تواصل الصين اتصالاتها مع كل اللاعبين الرئيسيين وستراقب تطوّر الوضع في أفغانستان عن كثب، سواء تمكنت أفغانستان من إحلال السلام والاستقرار، وسواء ستفي طالبان حقاً بوعودها بتشكيل حكومة جامعة. فإنْ فشلت طالبان في تشكيل حكومة أكثر شمولية وتمثيلاً، فهذا يعني أنّ المجموعات الإثنية الكبرى مثل الهزارة والطاجيك لن تشارك في هذه الحكومة، وعلى ما يبدو تميل أكثر إلى المعارضة بمساعدة دول مجاورة مثل إيران وروسيا إلى ما هناك.
أعتقد أنّ جهاز الاستخبارات الباكستانية الذي يوجّه أو يساعد طالبان بعدة طرق، يحاول إقناعهم بتشكيل حكومة جامعة نوعاً ما تضمن على الأقل مشاركة هذه المجموعات الإثنية الكبرى. ولكن إلى أيّ مدى ستصغي طالبان لباكستان؟ وحده المستقبل كفيل بالإجابة.
إنّ الموضوع معقّد بعض الشي. مثلاً تنظيم القاعدة موجود في ولايات عديدة في أفغانستان. وقد قطعت طالبان وعداً للأمريكيين بأنّها ستفصل نفسها عن القاعدة، وأنّها لن تسمح لها بأن تنمو هناك، لكنّ الجميع يعلم أنّ طالبان لم تحرّك ساكناً وأنّ كلّ ما فعلته هو قطع الوعود التي لم تُنفّذها قط.
من الصعب جدّاً أن تفك طالبان ارتباطها بالجماعات الأخرى المتواجدة في أفغانستان
وهذا الأمر ينسحب على حركة تركستان الشرقية الاسلامية والاتحاد الاسلامي في أوزبكستان وجماعات إرهابية أخرى. لقد أفلحت طالبان في قطع الوعود لكن المشكلة هي أنّ التجنيد لهذه الجماعات الإرهابية يأتي من المنطقة نفسها، أي من المنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان، وقد قاتل أهل هذه المنطقة معاً لسنوات طوال.
كما أنّهم يأتون من العائلة نفسها ومن المنطقة نفسها ولديهم علاقات قربة قوية، وقد عملوا معاً وقاتلوا معاً القوى الأجنبية، لذلك يصعب على طالبان أن تنقلب عليهم فجأة.
ففي الماضي كانت طالبان تحاول أن تستغل باكستان والصين وتقول لن يفعلوا ذلك ولكن باكستان فشلت في تصوّر ما سيفعله الطاجيك وطالبان لوقف هجومهم على القوى المسلحة الباكستانية وعلى الشرطة، فلم يستطع الطاجيك وطالبان منع الهجوم على المصالح الصينية في باكستان.
لذلك من الصعب أن نبدأ الإعتقاد بأنّ كلّ شيء سيتغير فجأة عند الطاجيك وطالبان والمجموعات الأخرى مثل حركة تركستان الشرقية الاسلامية، وأنّ طالبان ستتمكن من منعهم من التحرك، ولا أظن أنّ هذا أمر ممكن في هذه المرحلة.