القاعدة اعتبرت ليبيا صومالاً ثانية
كشفت وثائق أبوت آباد التي جرت بين زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن وعدد من معاونيه وأفراد عائلته، عن معلومات وحقائق كان لها ارتباط كبير بما آلت إليه الأوضاع في ليبيا بعد ثورة 17 فبراير على نظام معمر القذافي في 2011، وخلال مقابلة لأخبار الآن حول ما كشفته الوثائق بشأن ليبيا، رأى الخبير الليبي في شؤون الإرهاب محمد الشعافي أن القاعدة مهتمة بليبيا وتعتبرها صومالاً ثانية.
أوضح الشعافي، “أغلب الناس الذين قرأوا وثائق أبوت آباد لا يعلمون أن 90 % من هذه المراسلات وقعت ما بين جمال ابراهيم اشتيوي الزوبي، الذي كان يكنى عطية الله الليبي أو محمود، وأسامة بن لادن، جمال اشتيوي الزوبي هو الشرعي الأول في تنظيم القاعدة، وبيّنت وثائق أبوت آباد الكثير من من السياسات التي انتهجتها القاعدة في ليبيا، أول نقطة أظهرت أن القاعدة مهتمة بليبيا وتنظر لها كأنها الصومال رقم اثنين”.
وأضاف الشعافي أن وثائق أبوت آباد كذلك، “كشفت عن عدة شخصيات وأدوارها في تنظيم القاعدة من حملة الجنسية الليبية، منها أبو أنس الليبي، واسمه أنيس الرقيعي، وقد قبضت عليه الولايات المتحدة في عام 2013 في طرابلس، ومات قبل أيام من موعد محاكمته في أمريكا عام 2015 لمشاركته في هجمات كينيا وتنزانيا، وكشفت عن شخصية ودور لأبو يحي الليبي وهو شقيق عبد الوهاب قايد، وكشفت عن شخصيتين هما أبو الورد وهو سالم نور الدين الديبسكي الذي تواجد في طرابلس وسيطر على وزارة العدل هناك وأصبح الحاكم الفعلي لمدينة طرابلس من 2011 إلى حين مقتله في 2017 بعد 5 أيام من هجوم مانشستر أرينا، طبعاً لأنه كان له دور كبير في هجوم مانشستر في بريطانيا الذي نفذه سلمان العبيدي”.
مركز تجمع للإرهابيين في شمال أفريقيا للانطلاق منه
وتابع أن الوثائق أيضاً “كشفت عن شخصية عروة واسمه عبد المنعم المدهوني، الذي قتل في البريقة في 2011، ويوجد توثيق مرئي لمقتله في مدينة البريقة، طبعاً القاعدة أسست وأدخلت الكثير من الإرهابيين إلى ليبيا، فضلاً عن الإرهابيين الذين ينتمون لها داخل ليبيا، وكشفت وثائق أبوت آباد أن ليبيا يراد لها أن تكون مركز تجميع للإرهابيين في شمال أفريقيا للانطلاق نحو أفريقيا”.
عدد كبير من أبرز قادة القاعدة الليبيين عادوا إلى ليبيا خلال الثورة، وتمكنوا من الوصول إلى مراكز القرار، حتى أنهم قبضوا على مفاصل الدولة وسيطروا على كثير من ميزانياتها بفعل مناصبهم، ما أسهم بسهولة تمويلهم للجماعات المتطرفة، وفق ما أوضح الخبير الشعافي.
في ذلك بيّن الشعافي أن “الشخصيات المتطرفة التي عادت إلـى ليبيا بعد 2011 كثيرة طبعاً، نذكر منها خالد الشريف وسامي الساعدة وعبدالحكيم بلحاج وعبد الوهاب قايد، وهؤلاء تركز عملهم في مدينة طرابلس، بالإضافة إلى سالم نور الدين الديبسكي أبو الورد، وطارق درمان، والغناي، وأبو ذر الصغير، وفي المنطقة الشرقية محمد الغرابي وزياد بلعم ومحمد الزهاوي وسفيان بن قمو وعبد الحكيم الحصادي وعبد الباسط عزوز، وهكذا كثير من الشخصيات”.
وتابع، “سأركز على عبد الحكيم بلحاج، وهو من المقاتلين السابقين في أفغانستان وأحد مؤسسي الجماعة الليبية المقاتلة، التي هي فرع القاعدة ليبيا، طبعاً بعد 2011 أصبح هو المسيطر على القرار السياسي في ليبيا، وأنشأ حزب سماه حزب الوطن وضم إليه الكثير من الشخصيات المتطرفة والشخصيات السياسية بحكم سيطرته على المال في ليبيا، وأنشأ عدة شركات من بينها شركة طيران الأجنحة، وأنشأ عدة قنوات فضائية من بينها قناة النبأ وقناة سلام، وشركات في تركيا وحول أموال كثيرة إلى تركيا وأصبح يتخذ من العمل المدني واجهة للعمل الإرهابي”.
وأضاف الخبير في شؤون الإرهاب، “طبعًا عبد الحكيم بلحاج الآن موجود في تركيا، وبعد 2017 أصبح مطلوبًا للنائب العام بعد مشاركته أو شبهات بمشاركته في تفجيرات مانشستر بحسب تفسيرنا نحن، هرب إلى تركيا هو وخالد الشريف وعبد الوهاب قايد وطارق درمان وهؤلاء من كبار قادة تنظيم القاعدة في طرابلس، كثير من قادة تنظيم القاعدة في طرابلس هربوا بعد هجوم مانشستر بخمسة أيام، عبد الحكيم بلحاج أصبح جزءاً من المشهد السياسي، وأصبح لديه حتى من يمثله في آخر حكومة وهو الوزير وليد اللافي (وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية بحكومة الوحدة الوطنية)، وهو من مؤسسي حزب الوطن وفي وزارة الخارجية”.
كما أشار إلى أن “الإسلام السياسي أصبح هو المسيطر، وبالإضافة إلى سيطرته على المصرف المركزي عبر الإخوان المسلمين، أصبح الإسلام السياسي والراديكالي شبه مسيطر في غرب ليبيا، بالنسبة للإسلام السياسي والجماعات الراديكالية في شرق ليبيا والجنوب والوسط، تنوعت الجماعات هذه بين تنظيم أنصار الشرعية وتنظيم الدولة والقاعدة وجماعة الشهداء والتكفير والهجرة، طبعاً اتخذت مسميات أخرى، مثل مجلس شورى ثوار درنة، ومجلس شورى ثوار بنغازي، بينما خرج تنظيم داعش بوجهه الصحيح في درنة وبنغازي وسرت”.
ولفت إلى أن “تنظيم داعش جاء إلى ليبيا عبر تركي البنعلي الإرهابي البحريني، الذي توجد له تسجيلات كثيرة في سرت، وكذلك عن طريق الإرهابي حسن الشاعري الذي كان مسجوناً في العراق ويكنى أبو حبيبة، الإسلام السياسي أصبح الآن محصوراً في غرب ليبيا، أما بالنسبة للشرق والجنوب والوسط فأصبح تحت سيطرة الجيش الليبي، وأصبحت الأجهزة الأمنية أكثر فاعلية في مواجهة المتطرفين أو جماعات الإرهاب السياسي، الآن بحسب ما ترون، يتركز الإسلام السياسي في غرب ليبيا، ومن بعد التطورات الأخيرة في تونس وقبلها مصر، أصبح شبه محاصر في مدينتين أو ثلاثة، في الزاوية وطرابلس، ومصراتة”.
وحول ما فعله كل الذين المتطرفين من القاعدة وغيرها ممن عادوا إلى ليبيا، قال محمد الشعافي إن “أغلب المتطرفين شكلوا كتائب مسلحة، بعد أحداث 17 فبراير في 2011، التي تمكنوا إبّانها من السيطرة على الدولة، نجد فيها عبد الحكيم بلحاج ومهدي الحاراتي، وسالم نور الدين الديبسكي وعبد الحكيم البشري وهؤلاء شكلوا مع آخرين، منهم طارق درمان، ما يسمى مجلس شورى ثوار طرابلس، بينما في الزاوية شكل أبو عبيدة الزاوية ما يسمى غرفة ثوار ليبيا، وهو من أكبر وأخطر الإرهابيين القادمين من اليمن، طبعاً شخصية معروفة ومتهم حتى في عدة قضايا خارجية، وبسببه تم خطف ديبلوماسيين مصريين بعد القبض عليه في مصر في 2013″.
الشعافي: التنظيمات الإرهابية تلقت دعماً من “قاعديين” بوزارة الدفاع
كما أشار إلى أنه، “بالمجمل، اندحرت جميع الكتائب الإرهابية في المنطقة الشرقية والمنطقة الوسطى أمام الجيش الليبي بعد حرب طالت 3 سنوات، وأصبحت بقاياها تتجمع في غرب ليبيا، ولم تبقَ إلا كتيبة واحدة التي هي كتيبة مالك التي أسسها عروة، أي عبد المنعم المدهوني والتي يقودها الآن الإرهابي زياد بلعم. في مدينة طرابلس، كانت كتيبة الإحسان التي يقودها طارق درمان من أشهر الكتائب، وبعد هجوم مانشستر في 2017، حُلت الكتيبة وتمت السيطرة على موقعها في طرابلس وانتهت بهروب قائدها طارق درمان الذي أصبح مطلوباً للنائب العام في طرابلس بتهم قضية خلية حماس، وهي قضية إرهابية في طرابلس. بالمجمل كل المتطرفين، كانت عندهم أذرع عسكرية حاولوا فيها السيطرة على ليبيا. في الجنوب، كانت السيطرة لعبد المنعم الحسناوي وعبد الوهاب قايد. بالنسبة لعبد المنعم الحسناوي، تمكن الجيش اللليبي في 2017 من قتله بعد عودته من سوريا، خلال محاولته إحياء داعش في الجنوب وعبد الوهاب قايد الآن هارب في تركيا”.
من الشخصيات المتطرفة الأخرى التي لعبت دوراً كبيراً في ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي، هو خالد الشريف كما أوضح الخبير محمد الشعافي. إذ قال، “خالد الشريف هو أحد قادة الجماعة الليبية المقاتلة الذي وصل لأن يكون وكيل وزارة الدفاع بحكومة علي زيدان (الحكومة الليبية المؤقتة عام 2012)، وسيطر على وزارة الدفاع، وأصبح التنظيمات الإرهابية في جميع مناطق ليبيا، بحسب الوثائق الموجودة والمتابعة الأمنية، تتلقى دعمًا عن طريق وزارة الدفاع بفضل وجود خالد الشريف كوكيل وزارة الدفاع، وبفضل وجود التهامي بوزيان أيضاً وكيل وزارة الدفاع، وهو إرهابي قادم من أفغانستان والآن مرشح لمنصب سفير في دولة أفريقية. الشخصية الأخرى سامي الساعدي، وهو مساعد الصادق الغرياني في دار الإفتاء وشرعي في تنظيم القاعدة ولديه أشرطة فيديو في أفغانستان أيام وجوده هناك. الآن أصبح مساعد الصادق الغرياني في دار الإفتاء، وأصبحت دار الإفتاء تتكون جلها من المنضمين إلى تنظيم القاعدة. الشخصيتان هاتان محوريتان في السيطرة على القرار الديني والعسكري في ليبيا”.
ورداً على سؤال عما يعني وصول هؤلاء لمناصب الحكم في ليبيا والهدف من وراء ذلك، اعتبر الشعافي أن، “صانع القرار الدولي في العالم كان يسعى للتخلص من تركة التيارات الراديكالية الإسلامية وخاصة الموجودة في الغرب، والمقصود في الغرب أوروبا والولايات المتحدة. فمن الواضح أن هذه الدول شاركت أو حاولت أن تعيد ههؤلاء الإرهاببين إلى أصولهم أو مناطقهم. نحن لاحظنا في ليبيا عودة مئات الإرهابيين خاصمة من بريطانيا وسويسرا، وكثير منهم قتلوا في معارك، أسماءهم موجودة ويحملون جنسيات سويسرية وبريطانية، وهم ليبيو المولد أو الأصل ولكن في الحقيقة جنسياتهم غير ليبيية.ومع بعض الدول التي تؤيد في تيار الإسلام لاسياسي مثل تركيا وقطر، اجتماع مشروع معين بعد 2011 خرج منه هذا المشهد المشوه وهو عودة الإسلاميين”.
وأشار إلى أن، “عودتهم كانت قد صدمت الشعوب التي قامت بما يسمى بثورات الربيع العربي. هذه الشعوب كانت تبحث عن الديموقراطية والحرية ووجدت أمامها شخصيات متحكمة في المشهد تحاول إرجاعم إلى عصور الظلام، مثلما يقال. أصبحنا نشاهد ونرى مشاهد مروعة مثلًا، عندنا في مدينة بنغازي مشاهد لقطع الرؤؤس والإعدامات والاغتيالات، ما اعطى شيئًا عكسيًا، لاحظناه في مصر في 30 يناير عندما انتفض الشعب المصري أمام الإسلام الراديكالي، ولاحظناه أخيرًا في تونس، كما عشناه واقع في شرق ليبيا في عام 2014، عندما خرجت الناس تطالب بقيام الجيش والأجهزة الأمنية والشرطة”.
الشعافي: ليس لدى المتطرفين مشروع دولة ولا أتوقع لهم مستقبلًا سياسياً
وأضاف أنه، “عندما وصل تيار الإسلامي السياسي الى السلطة أخرج أسوأ ما عنده ما زاد الطين بلة. هذه الدول التي كانت تبحث عن التقدم والحرية، وجدت نفسها محرومة من الكهرباء ومن أبسط الخدمات، ولذلك نحن نقول أن التيار الإسلامي في المنطقة إلى اندخار، سينتهي، لأن مشكلته أساسًا أنه ليس لديه مشروع دولة يتقدم به للناس. هذا تيار يتكلم عن أشياء دينية فقط، ولا أفق لدولة مدنية لديه، لأن ذلك يتعارض مفهومه للإسلام السياسي”.
بسؤاله عما قد يحدث في ليبيا مع تغير المشهد في أفغانستان، وما إذا كان يتوقع نهوضًا للفكر المتطرف وقدرة على توليه مناصب في كيانات الدولة من جديد، أكد الخبير في شؤون الإرهاب محمد الشعافي أنه، “أصبح هناك في ليبيا أصبحت في نهضة عكسية ضد التطرف خاصة بعد الأحداث الأخيرة في السنوات العشر الماضية. وأصبحت الناس تبغض التطرف الديني الذي عاشوه وصار لديهم رد فعل عكسي. فإذا تكلمنا عن الديموقراطية في ليبيا، يمكن أن يقبل التيار المتطرف بالديموقراطية لأنها تتعارض مع أفكاره. لقد لاحظنا ردة الفعل الشعبية في ليبيا في الحرب ضدهم، فقد كان أغلب المقاتلين الذين يقاتلون مع الجيش الليبي مدنيين، رأيناهم في مدينة بنغازي ودرنة واجدابيا وجنوب ليبيا. كان الجيش الليبي في بداية نشأته، وكان هناك 70 في المية ممن يقاتلون مدنيين، وهذا تعلمه حتى قيادة الجيش. 80 في المئة من قتلى الجيش الليبي ضد هذه التنظيمات كانوا من المدنيين”.
وتابع قائلاً، “إذاً هناك رفض ووعي من الشعوب العربية والشعوب الإسلامية لهذا الفكر المتطرف، وعي بأن هؤلاء عندما وصلوا إلى السلطة في عدة بلدان، عوض أن يصلحوا ما أفسده الحكام السابقين وجدناهم هم أكثر فساداً منهم، ولذلك لا أتوقع أي مستقبل سياسي للإسلام السياسي في ليبيا. إذا وقعت انتخابات، والمتطرفون أو الراديكاليون يعلمون بالطبع، أنه وقعت انتخابات في ليبيا فلن يكونوا جزءاً من السلطة. لقد رأينا حزب الوطن اللي يديره عبد الحكيم بلحاج وحزب الوسط الذي يديره سامي الساعدي، وهما حزبان محسوبان على المتطرفين، حصلوا مقعد واحد في الانتخابات، مقعد واحد، ما يعني أنه في الانتخابات القادمة ما الذي سيحصولن عليه؟ لا شيء. يبقى التيار الأقل عنفاً فيهم هو تيار الإخوان المسلمين، وبالرغم من أن تيار الإخوان المسلمين يتحالف مع هذه التيارات المتطرفة ويجعل منها ذراعاً عسكرياً له ليساوم بها على السلطة، فإنه بذلك أصبح تياراً غير مقبول في ليبيا أو تيارًا بدأ ينحسر”.