ثلاثمئة وخمسة وثمانون مليار دولار رقم مخيف للديون الخفية المترتبة على عدد من الدول الإفريقية لصالح الصين، فاستنادا إلى دراسة نشرت مؤخراً لمركز الأبحاث Air data تؤكد وجود ثلاثة عشر ألف مشروع ممول من خلال الديون والمساعدات بقيمة تزيد عن 843 مليار دولار في 165 دولة لأكثر من 18 عامًا حتى نهاية عام 2017 فقط.
هذا الواقع دفع بابطال عدد كبير من الصفقات مع الصين بعد أن لاحظت هذه الدول أن هذه المشاريع ترهق كاهل الإقتصاد ولا تعود بالفائدة المرجوة.
المشكلة تكمن في:
- انّ الديون الدول الإفريقية لصالح الصين تخطت كل التوقعات، وهذه الديون لا يمكن فصلها عن التزامات الحكومة رغم اعتبارها ديوناً على شركات خاصة فهناك ضمانات حكومية مباشرة وغير مباشرة وبالتالي فإن الدين هو دين وطني.
- الحكومات غير مطلعة على حقيقة الأرقام والتي تشكل مجموع المبالغ والديون، وبالتالي فان كل الإحتمالات مفتوحة امام استغلال دائن و هو هنا في هذه الحالة الصين، هذا الواقع رتّب واقعاً جديداً قاد عدداً من البلدان إلى إلغاء عدد كبير من الصفقات.
فبعد أن ألغت غانا عقد شركة Beijing Everyway Traffic and Lighting Tech، التي كانت تهدف إلى تطوير نظام ذكي لإدارة حركة المرور للبلاد، دعا رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى مراجعة عقود التعدين التي تم توقيعها مسبقًا مع وقال المنشور الصين في عام 2008.
وعبّر رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية إنه يريد الحصول على صفقات أكثر عدلاً لبلاده، وقال إنه غير راضٍ عن النزعة الاستغلالية للصين، مشيراً إلى أن “أولئك الذين وقعت معهم بلاده عقودًا يزدادون ثراءً بينما يظل شعب جمهورية الكونغو الديمقراطية فقيرًا”.
فلماذا تشعر هذه البلدان بضرورة الغاء العقود مع الصين؟ وما هي المخاوف التي تحيط بمثل هذه الصفقات؟ أخبار الآن حاولت التقصي من خلال مشروع سكة الحديد في كينيا.
تجد الصين نفسها في مأزق أمام اتجاه العديد من الدّول الأفريقيّة إلى إلغاء العقود التي وقّعتها معها، ومن أبرز تلك الدّول الكونغو وغانا وكينيا، فماذا في تفاصيل تراجع كينيا عن أبرز وأضخم اتفاقاتها مع الصين؟ ولماذا يؤثر ذلك في الخطط الصينيّة؟
• أصدرت المحكمة العليا في كينيا خلال شهر تمّوز من العام الماضي قراراً بإلغاء عقداً بقيمة 3.2 مليار دولار أميركي كان مخصصاً لبناء خط سكة الحديد القياسيّة.
• وصفت المحكمة المشروع بأنه “غير قانوني”، مشيرة إلى أن السكك الحديدية الكينية التي تديرها الدولة فشلت في الامتثال لقانون البلاد في شراء سكك الحديد.
• نقلت Singapore Post عن دراسة نشرتها جامعة John Hopkins أنه بين عامي 2000 و2019 وقعت الصين 1,141 تعهداً بقيمة 153 مليار دولار مع الحكومات الأفريقيّة التي وجدت نفسها عاجزة عن سداد هذه القروض الضخمة للصين التي فاقم الوباء من أعبائها وتداعياتها على الدول الإفريقيّة الفقيرة، نتيجة لذلك اتجهت تلك الأخيرة إلى تعليق تلك المشاريع المثيرة للجدل مع الصين أو إلغائها.
• معظم المشاريع الصينية التي يتم إلغاؤها في إفريقيا هي جزء من مبادرة الحزام والطريق الطموحة في بكين وهذا ما يقلق السلطات الصينية بالتحديد.
فما هو هذا المشروع وكيف ساهم بتراكم ديون كينيا؟
مشروع طريق الحرير حوّل كينيا أكبر الشركاء التجارييين للصين إلى بلد يدين للصين بنحو 6.5 مليار دولار ما يمثل 22 % من اجمالي الديون الخارجية.
كينيا أخذت، في العام 2014 قرضاً بقيمة 3.8 مليار دولار، من أجل مشروع تشييد خط سكة حديدية بين العاصمة نيروبي ومدينة مومباسا الساحلية، فيما يصل إجمالي القروض الصينية للحكومة الكينية إلى 5.5 مليار دولار.
وجدت كينيا نفسها تكرر سيناريو سيرلانكا، بعدما عجزت عن سداد قيمة القرض للحكومة الصينية، بعد أن سجل خط السكة الحديدية في عامه الأول خسارة قدرها 90 مليون دولار، وأكثر من 200 مليون دولار بعد ثلاثة أعوام من انطلاقته، فقامت الحكومة الكينية برهن ميناء “مومباسا”، أكبر الموانئ في الدولة.
تضم قائمة فخ الديون دولا آسيوية كثيرة، فباكستان أكبر الدول الحاصلة على القروض الصينية، فقد ضخت الصين استثمارات في باكستان بقيمة 62 مليار دولار، لوجود الممر “الاقتصادي الصيني الباكستاني” في المبادرة الصينية، قبل أن تستحوذ إحدى الشركات الصينية على ميناء “جوادر” الاستراتيجي لمدة 40 عاما، علاوة على امتلاك الشركة 85 في المائة من إيرادات الميناء طوال هذه المدة.
طاجيكستان اضطرت بعد أن استمرت، منذ 2006 في الاقتراض من الصين، إلى التنازل عن أراض مساحتها 1158 كيلو متراً مربعاً من جبال بامير لمصلحة الصين.
ووجدت جزر المالديف نفسها مدينة بأكثر من ربع إجمالي الناتج المحلي السنوي للصين، ما دفعها إلى إجارة بكين إحدى جزرها لمدة 50 عاماً، مشروع وُصف بمشروع “الاستيلاء على أراضي الدولة”.
دول أخرى وقع في مأزق ضائقة الديون مثل قيرغيزستان ولاوس ومنغوليا والجبل الأسود وجيبوتي وجزر المالديف وباكستان وطاجيكستان ودول أخرى تحاول التفلت كالنمسا وفيتنام وميانمار وفانواتو، بعدما أدرك الجميع أن خطة التنين الصيني تقوم على إثقال كاهل الدول الفقيرة بالديون، بدءاً برفض إعادة التفاوض بشأن الشروط، وانتهاء بالسيطرة على البنية التحتية.
فمن يراقب كينيا عن كثب يدرك أن مشروع بناء خط سكة الحديد الذي يصل أحد أهم موانئها مومباسا بالعاصمة نيروبي وأخيراً ما تبقى من شرق أفريقيا، يهبط باقتصاد البلاد واستقرارها المالي، كما يجعلها ترزح تحت الديون التي كان من المتوقّع أن يفي المشروع بسدادها، وتحقيق إيرادات مرتفعة، من شأنها أن تساهم بتعزيز مكانة كينيا كأكبر اقتصاد في المنطقة. غير أن نتائج المشروع عاكست التوقّعات لتجد كينيا نفسها في موقع حرج.
فما هو هذا المشروع الذي راهنت عليه الحكومة الكينيّة؟ لماذا فشل؟ وأي دور لعبته الصين في دفع كينيا نحو الإنهيار المحتمل؟
يشكّل مشروع خط سكة الحديد المشار إليه غالباً بـSGR أكبر مشروع للبنية التحتيّة في كينيا منذ الإستقلال عن بريطانيا في العام 1963، ويقوم المشروع على ربط ميناء مومباسا الكيني بالعاصمة نيروبي على أن يمتدّ مستقبلاً إلى رواندا وجنوب السودان وأوغندا. (Graphic 1) وقد تمّ تنفيذ المشروع بقرض حصلت عليه كينيا من بنك EXIM الصيني، فيما تولّتChina Roads and Bridges تنفيذ أعمال بناء خط سكة الحديد بطول 120 كيلومترًا باستثمار بلغ 1.5 مليار دولار. (Graphic 2) ويتصل هذا الامتداد الجديد بخط سكة حديد أخرى بناها الصينيون (Graphic 3)، وهي سكة مومباسا – نيروبي القياسية، والتي تبلغ قيمتها 3.2 مليار دولار.
فشل المشروع في تحقيق الإيرادات المتوقعة، فما يجنيه لا يغطي التكاليف التشغيليّة فيما تدفع كينيا مليارات الشلنات من الديون الصينيّة مقابل مشروع يُجمع كثر من منتقديه على وصفه بسخرية بأنه “السكة التي تقود إلى لا مكان”، فيما يتكبّد دافعو الضرائب الكينيون نتائج هذا الفشل من جيوبهم.
مؤشرات الفشل في المشروع الكيني الطموح
دافع الرئيس الكيني أوهورو كينياتا بحماس عن مشروع SGR مشيراً إلى أنه من المتوقّع أن “يؤدي الإنتهاء من الجزء الذي يصل نيروبي بسوسوا في مشروع خط سكة الحديد إلى إحداث ثورة في تطوير المناطق المحيطة، إن الخدمات التي ستقدّمها Madaraka Express بين نيروبي وسوسوا لن توفّر النقل بأسعار معقولة لمناطق غونغ الشعبيّة فحسب، بل ستساهم أيضاً بتحفيز السياحة في وادي ريفت العظيم”.
تعقيباً على تصريح كينياتا، يجد مجموعة منتقديه أن ثمّة نقطة واحدة مضيئة في المشروع، وهي أن خط مومباسا – نيروبي قد حقق نجاحاً كبيراً مع المسافرين بسبب سرعته وراحته، إذ تستغرق رحلة بالقطار حوالي أربع ساعات ونصف مقارنة مع الرحلة البريّة التي تستغرق 12 ساعة. غير أن خدمة الركاب تعمل لمرتين فقط في اليوم، وتحقق مبيعات تصل إلى أقل من 17 مليون دولار، وهو رقم صغير مقارنة بما تجلبه البضائع. وفي تعليق لها على هذا الوضع تقدّم مجلة الإيكونوميست خلاصة موجزة وواضحة تفيد بأن “نقل الركاب ليس هو ما تم بناء الخط الجديد له”.
ولأن الأهداف التي بني خط سكة الحديد لأجلها لم تتحقّق، تلاشت آمال النجاح بالمشروع بعد أن بدأت مؤشراته السلبيّة تظهر الواحدة تلو الأخرى:
• الإيرادات التي يتمّ تحقيقها من الركاب والبضائع لا تكفي لتغطية التكاليف التشغيليّة.
• لم يؤد المشروع إلى خلق عشرات اللآلاف من فرص العمل التي أعلن عنها، لا بل على العكس من ذلك فقد آدّى إلى فقدان الكثير من العمّال لوظائفهم، وقد شكا صموئيل جيتونجا الذي يملك شاحنة ويعمل كسائق في نقل البضائع من أن “العمال في الآونة الأخيرة يواجهون الكثير من التحديات بسبب خط سكة الحديد والقواعد التي وضعتها لنا الحكومة بشأن البضائع التي سيتم نقلها محليًا هنا في كينيا، تواجه 75% من الحاويات في مومباسا القيود حالياً التي تفرض نقلها بالقطار، فقد تأثر عملنا في الغالب، وبسبب ذلك لم يعد في استطاعتنا دفع تكاليف احتياجاتنا الأساسية كعائلة وأيضًا كعمّال شاحنات فنحن نواجه أوقاتاً صعبة”.
وأضاف “عندما بدأت قيادة الشاحنات، أذكر أنني كنت أعمل وأتعاون مع الكثير من الأشخاص، هم الآن عاطلون عن العمل… هناك مستودع واحد للحاويات الداخلية تابع للحكومة في نيروبي، لا يوجد ازدحام كما يقولون، عادة ثمّة شاحنات كثيرة تأتي لنقل البضائع من مستودع الحاويات الداخليّة الذي يتضمن بوابتان فقط، ويحتاج السائق بين 5 و 10 دقائق للدخول والخروج عبرها، وبالنظر إلى أن هناك ما بين 3000 و4000 وحدة في اليوم، فإن بوابة الخروج تتطلب الكثير من الوقت بالنسبة للسائقين كما تتطلب عمّال كثر”.
ويوضح جيوتنجا بالإستناد إلى الأوضاع التي يعاينها على الأرض أن “خط سكك الحديد هذا لا يقود إلى أي مكان، لأن معظم البلدان في EAC (مجتمع شرق إفريقيا) لم تدعم الحكومة بتفعيل تلك المحطة كي يتمكنوا من الحصول على البضائع عبرها… أعتقد أننا كبلد لا نكسب من ذلك”.
إلى ذلك انتشرت العديد من الشكاوى بسبب الأجور وظروف العمل مع الشركة الصينيّة.
• واجهت سكة الحديد صعوبة في جذب البضائع لأن تكلفتها أغلى من نقل البضائع براً، وقد قدّرت وكالة أنباء رويترز تكلفة نقل حاوية بالشاحنات من مومباسا إلى نيروبي بنحو 800 دولار، فيما تبلغ الكلفة في سكك الحديد 1100 دولار، ويرجع ذلك أساسًا إلى الرسوم الإضافية لنقل البضائع من المستودع الداخلي في نيروبي.
نتيجة لذلك، تنقل سكة الحديد أقل من نصف الشحن الذي تحتاجه سنويًا لجعلها مربحة، ففي أول عام كامل من عمليات الشحن حتى شهر مايو 2019، حققت مبيعات بقيمة 57 مليون دولار، وهو رقم أقل بكثير من تكاليف التشغيل السنوية البالغة 120 مليون دولار وأقل بكثير من التوقعات الأصليّة، وفقًا لموقع Business Daily الإخباري في كينيا.
• أجبر الجدل الدائر حول نقل البضائع بعض شركات النقل على الانسحاب أو اختيار النقل البري على الرغم من الشكاوى الكثيرة من المضايقات وارتفاع تكلفة تخليص البضائع في مستودع مومباسا الرئيسي.
• أمام كل تلك التحديات تمّ تجميد العمل بخط سكة الحديد بين كينيا وتنزانيا، ما وضع العمال والتجار في مأزق بعد أن أصبح غالبيّتهم عاطلون عن العمل، إذ كانوا يقصدون تنزانيا للقيام بنشاطاتهم وأعمالهم التجاريّة وقد توقفت الحركة التجارية بين البلدين بعد تجميد العمل بخط سكة الحديد. ويعود ذلك القرار بحسب Kenya Railways إلى أن الأعمال القائمة بين البلدين غير قابلة للإستمرار والتقدّم. وكان لتعليق العمل بخط سكة الحديد بين كينيا وتنزانيا تداعيات إقتصاديّة سلبيّة على القرى المحيطة بالسكة، فقد نمت تلك المناطق وازدهرت عندما كانت السكة ناشطة لكنها اليوم تشهد تراجعاً مع تجميد العمل بها ما يدفع الناس أكثر باتجاه الفقر.
ثمّة مساع جديدة تعمل على حث السلطات الكينيّة على إعادة تشغيل خط سكة الحديد بشروط جديدة ومدروسة لما لذلك من دور مساعد في إعادة إحياء التجارة مجدداً بين كينيا وتنزانيا، وتخفيف الإزدحام في ميناء مومباسا، بالإضافة إلى تحسين أوضاع المجتمع المحلي الكيني.
هل ستتمكن كينيا من تسديد القروض الصينيّة؟
يبلغ إجمالي الدين العام في كينيا حاليًا نحو 60 مليار دولار أمريكي، أو 61% من الناتج المحلي الإجمالي ما يعني أن كينيا مدينة بأكثر من نصف قيمة ناتجها الاقتصادي، أمام عبء الرقم الكبير للدين العام الكيني، تتفاقم المخاوف والأسئلة حول جدوى مشروع خط سكة الحديد خصوصاً وأنه لم يؤت بنتائجه المتوقعة فيما فاقم مشاكل الدّولة الإقتصاديّة بسبب القروض الضخمة التي سيكون على كينيا إعادتها للصين.
فقد بلغت القروض الخاصة بمشروع SGR 4,7 مليار دولار حصلت عليها كينيا من مصرف EXIM الصيني، وهي ليست قروض البنية التحتية الوحيدة في كينيا من الصين، فقد حصلت على 9.8 مليار دولار على الأقل بين عامي 2006 و 2017، مما يجعل كينيا ثالث أكبر متلق للقروض الصينية في إفريقيا، بحسب مجلّة الإيكونوميست.
ومع عجز مشروع خط سكة الحديد عن تحقيق الأرباح، ثمّة تحوّف كبير لدى الكينيين من عجز الدّولة عن تسديد القروض، يواجه الرئيس كينياتا كل تلك التساؤلات المتخوّفة والمحذرة بشيء من السخرية والثقة في آن إذ قال: “يقولون إلى أين ستأخذون هذا الطريق وإلى أين ستصل هذه السكة الحديديّة؟ إنه لأمر فظيع لشخص بهذا التفكير الأحمق! لأولئك الذين يحبّون الكذب… إذهبوا واستمرّوا بالشكوى فلا أحد لديه مشكلة مع من يشكون، لكننا بالسلام والإيمان نعلم أين نريد أن تكون كينيا بعد 50 عاماً من اليوم فاتركوا ذلك لنا”.
تصاريح كينياتا لا تلغي كون كينيا تجد نفسها اليوم عالقة تحت وطأة ديون مروعة مرتبطة بقرض خط سكة الحديد لصالح بنك EXIM الصيني خلال السنة الماليّة الحاليّة. علماً أن الصين تعتبر واحدة من أكبر الدائنين الأجانب لكينيا (Graphic 4) بعد أن أقرضتها 758 مليار شلن كيني أي ما يعادل 7.02 مليار دولار في أبريل 2021 لبناء خطوط السكك الحديدية والطرق ومشاريع البنية التحتية الأخرى في العقد الماضي.
بدأ تأثير الصين على تطوير البنية التحتية للبلاد بشكل جدي مع إنشاء طريق ثيكا السريع (Graphic 5) بين يناير 2009 ونوفمبر 2012 بتكلفة تقارب 32 مليار شلن خلال فترة ولاية الرئيس مواي كيباكي الأخيرة، لم يكن واضحاً خلال ذلك الوقت إذا ما كان قرار التعجيل بتسليم بعض مسؤوليات مشروع خط سكة الحديد من Afristar لـKenya Railways هو جزء من محادثات إعادة هيكلة الديون الجارية التي يُزعم أنها قائمة بين الصين وكينيا.
وقد أثيرت مخاوف كثيرة حول فقدان كينيا لملكيّة ميناء مومباسا في حال عجزها عن سداد القرض الصيني، وقد طالب ناشطون في كينيا الحكومة بإعلان شروط القروض الصينية المستخدمة في إقامة خط سكة الحديد. فيما أوضح وزير الخزانة أوكور ياتاني في بيان أنه “لا يوجد أي خطر على الإطلاق من الصين أو أي بلد آخر في الاستيلاء على ميناء مومباسا”، مضيفاً أن الحكومة “لا يمكنها ولم تقم مطلقاً برهن الأصول العامة ضماناً لدين ما، لأن مثل هذا الإجراء لن ينتهك فقط الشروط الموضحة في القرض الحالي الخاص بالاتفاقات الثنائية المبرمة مع الدائنين الآخرين، ولكن الأهم من ذلك، لأن كينيا تعامل جميع دائنيها على قدم المساواة”.
وكان قد تحدث رئيس الوزراء الأسبق رايلا أودينغا خلال مقابلة مع صحافيين من بينهم مراسل أخبار الآن خلال لقاء مع محطات الراديو المحليّة في كينيا، تحدث عن ضخامة المبالغ المستحقة وآليّة تنظيم الدفع مشيراً إلى أن “قروض مشاريع البنية التحتية هذه تحتاج إلى وسيلة دفع طويلة الأجل مع فترة سماح، لذلك لن يكون هناك عبء على السداد، ولكن إذا قلت إن الدفع يجب أن يتم خلال 7 سنوات، فسيكون ذلك مرتفعًا جدًا.
مضيفا: “لقد كلفنا مشروع خط السكة الحديدية الكثير من المال، كنا انا وكيباكي (الرئيس السابق) من بدأنا المشروع، كان ذلك مشروعنا، لقد منحنا عقداً بقيمة 2.7 مليار دولار لكنه ارتفع الآن إلى 4 مليارات دولار… ولهذا السبب إن قيمة الدفع مرتفعة، إنها كلفة مرتفعة لنقل الضائع من مومباسا إلى نيروبي”.
ويزداد التخوّف من العجز عن دفع القروض وسط عجز المشروع عن تحقيق الأرباح وارتفاع تكلفة تشغيله. فقد أعرب أصحاب البضائع والمستوردون والمشرعون عن مخاوفهم بشأن التكاليف والتعرفات الإضافية بالإضافة إلى رسوم الشحن، بما في ذلك رسوم نقل الحاويات في مستودع الحاويات الداخلية، وتكاليف التخزين ومعدلات النقل إلى الوجهة النهائية، لقد أوصوا بأن تعيد الحكومة التفاوض بشأن اتفاقية تشغيل سكة الحديد، من خلال التخطيط لخفض تكاليف التشغيل بنسبة لا تقل عن 50٪، وقد اضطر مشغلو سكة الحديد إلى إيقاف خدمة الركاب لمدة ثلاثة أشهر تقريبًا بسبب المخاوف من الانتشار المحتمل للوباء.
ما الذي تريده الصّين في كينيا؟
تملك الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ومن الواضح بحسب أنشطتها في الأعوام الآخيرة أنها تعمل على توسيع استثماراتها في القارة الأفريقية، خصوصاً على مستوى مشاريع البنى التحتية التي تعتمد الصين في تنفيذها على العمالة الصينية، ما يعتبر بحسب منتقديها مؤشراً إلى أنها تولي اهتماماً لاستنزاف المواد الخام الأفريقية أكثر من اهتمامها بنقل الخبرات لسكان القارة.
ومن أبرز مشاريع البنى التحتيّة التي استثمرت الصين فيها هي مشاريع سكك الحديد، فقد بدأت منذ العام 2007 بالاستثمار بكثافة في هذا القطاع، وأنشأت شبكة قطارات سريعة تخدم التجارة الداخلية وحركة التصدير والاستيراد بما يخدم الاقتصاد الصيني بشكل عام، لكن الصين لم تكتف بذلك، بل قررت مساعدة العديد من الدول على بناء خطوط سكك حديدية، غير أن هذه السكك الحديديّة لا تحمل الركاب والبضائع فحسب لكنها تحمل النفوذ الصيني أيضاً إلى حيث ترغب الصين ببسط وجودها ونفوذها السياسي والدبلوماسي.
ويأتي المشروع الذي وقّعته الصين مع كينيا، والذي يقوم بشكل أساسي على ربط ميناء مومباسا بالعاصمة نيروبي، كجزء من الاستراتيجيّة الصينيّة المدروسة لتعزيز الوجود الصيني السياسي والإقتصادي في تلك الدّول. وترتفع أصوات كثيرة منتقدة الدّور الصيني، متهمة الصين بأنها تستثمر في مشاريع البنية التحتية، في الدول النامية في مقابل موارد الطاقة، وفي مقابل مزايا تجارية لبضائعها إذ تسعى من خلال بناء سكك الحديد إلى فتح أسواق جديدة لتسهيل نقل بضائعها داخل هذه البلدان التي قد تقلل سوء حالة البنية التحتية فيها من قدرتها على الاستيراد.
للوهلة الأولى تبدو مشاريع السكك الحديدية بأنها ضرورية ومفيدة لتسهيل حركة الأشخاص والبضائع حول العالم، ما يمكن أن يعزز نشاط السوق ويدفع بالتنمية الاقتصادية، لكن بالنسبة للصين، فإن الأمر يتجاوز ذلك لتصبح “دبلوماسية السكك الحديدية” آلية رئيسية تستخدمها بكين لتطوير البنية التحتية للسكك الحديدية في جميع أنحاء العالم، لتمنح الصين فرصة فريدة لتعزيز علاقاتها الإقليمية وجني فوائد اقتصادية وسياسية في آن.
تعتبر الصين أن الإستثمار في قطاع السكك الحديدية مهم وأساسي في إنجاح مبادرة الحزام والطريق، لما لذلك من دور حيوي وأساسي لربط الإقتصاد الصيني باقتصادات الدول المشاركة في هذا المشروع العملاق، الذي يضم 138 دولة يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لها مجتمعة 29 تريليون دولار، ويمثل عدد سكانها 4.6 تريليون نسمة. ويعتقد عديد من الخبراء أن نجاح سياسة السكك الحديدية الصينية على المستوى الخارجي سيعزز النفوذ الجيوسياسي والجيوإقتصادي للصين، وسيمكنها من دعم اقتصادها المحلي، سواء عبر زيادة التدفقات السياحية أو فتح أسواق جديدة للشركات الصينية.
وأمام اندفاع الصين إلى خلق وضمان نفوذ سياسي وإقتصادي لها في العالم، تجد الدّول النامية نفسها كما دائماً مسرحاً للإستعمار والإستنزاف الاقتصادي، وإن كان يلبس قناع التطوّر والإنماء وتحقيق الرخاء الاقتصادي والتمدّن.
خبير اقتصادي تونسي: الصين تهدف الى التأثير السياسي من خلال استثماراتها
وعن تبعات مثل هذه الصفقات على دول شمال افريقيا و تحديدا تونس سألنا الخبير الإقتصادي عز الدين سعيدان الذي قال لأخبار الآن انّ طمع الصين بالمواد الأوليّة الأفريقيّة جعلها تتبع أسلوباً جشعاً في استخراجها ومصادرتها بحيث لا يعود ذلك بأي نفع على بلد المنشأ وقد أوضح سعيدان ذلك بالإشارة إلى أن “الإستثمارات كانت في غالب الأحيان تقتصر على استخراج المواد الأوليّة ومن ثم نقلها مباشرة إلى الصين وتصنيعها هناك ولذلك طبعاً انعكاسات سيئة جداً على اقتصاد الدول المعنيّة في إفريقيا بما فيها شمال إفريقيا طبعاً، وذلك لأن آلية استخراج المواد الأوليّة تسبّب أولاَ ضرراً كبيراً على البيئة، وثانياً لأنها لا تترك إلا قيمة مضافة ضئيلة جداً للبلد الذي يتم الإستثمار فيه كون عمليّة التصنيع برمّتها تتم في الصين. المطلوب هو أن يتم تحويل هذه المواد وتصنيعها إلى أقصى حد ممكن في بلد المنشأ حتى يستفيد ويخلق فرص عمل لمواطنيه وينتج ثروة، ولا يتكبد فقط ما تخلفه هذه الإستثمارات من مشاكل بيئيّة”.