عبد الحميد المطر هو أحدث قيادي كبير يتم تصفيته في سوريا. منذ انفصال الجولاني عن تنظيم القاعدة، تكبد التنظيم خسائر كبيرة مستمرة على شكل اغتيالات وضربات طائرات بدون طيار، لكن لماذا انفصل الجولاني عن القاعدة بالمقام الأول؟ إليكم القصة المثيرة من البداية…
لم يكن مفاجئا كشف زعيم تنظيم جبهة النصرة الفاتح أبو محمد الجولاني عن وجهه لأول مرة خلال مقطع مصور في تموز- يوليو من عام ٢٠١٦ بقدر ما كان إعلانه عن حل جماعته وفك ارتباطها بتنظيم القاعدة الأم، والذي كان قد بايعه في أبريل من عام ٢٠١٣ للتخلص من سطوة أميره السابق وصاحب الفضل الأكبر في تأسيس جبهته زعيم تنظيم الدولة الإسلامية حينها أبو بكر البغدادي.
ظهر الجولاني خلال المقطع المصور متوسطا كل من شرعيه المفضل السوري الجنسية عبد الرحيم عطون الملقب بأبي عبد الله الشامي وأحد قادة القاعدة الكبار في سوريا أبو الفرج المصري للإعلان عن تشكيل فصيل جديد يحمل اسم جبهة فتح الشام. وكأنه أراد وضع حجر الأساس لمشروع سياسي وعسكري محلي التركيز لكن بموافقة، أو على الأقل، دون اعتراض تنظيم القاعدة رائد السلفية الجهادية وصاحب الفضل الأكبر في تشكيل بعدها العالمي.
منذ هذه اللحظة سيبدأ الرجل رحلته الطويلة من أجل البقاء على قيد الحياة وفرض سيطرته على شمال غرب سوريا، حتى لو تطلّب الأمر تغير المسميّات والتحالفات بما في ذلك محاباة أعداء الأمس والقضاء على رفاقه.
من جبهة فتح الشام إلى هيئة تحرير الشام
في بداية الأمر، كانت الخطة أن يكون الطلاق من القاعدة مشروطا بموافقة أميرها الظواهري الذي لطالما صعب الوصول إليه، وأن يكون شكليا للتخلص من وصمة الإرهاب وتذليل العقبات أمام الاندماج مع الفصائل المحلية، بحسب عطون وأحد أهم شرعييها السابقين سامي العريدي.
غير أن نتائجه التي ظهرت على شكل انقسامات داخلية حادة وانشقاق شخصيات قاعدية وازنة مثل أبو جليبيب الأردني أحد أصهر زعيم تنظيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي، وأبو خديجة الأردني، وأبو همام الشامي، وأخرين بدت غير محسوبة وزرعت بذور الخلاف مع تنظيم القاعدة مستقبلا. (لاحقا في فبراير من عام ٢٠١٨، سيشكل هؤلاء الثلاثة مع آخرين ممن يدينون الولاء للقاعدة فصيل جديد يعرف باسم حراس الدين، ليضم بين صفوفه أولئك الرافضين الرحيل من مظلة القاعدة والناقمين على سياسات الجولاني البراغماتية).
إضافة إلى ذلك زادت رسالة الظواهري المعلن عنها في سبتمبر من ٢٠١٦ من حدة الاستقطاب والتي أكد من خلالها أنه لا يحق لأي من فروع القاعدة فك الارتباط بها إلا عند تأسيس خلافة إسلامية “شرعية” أو توحيد الساحة الشامية بالإضافة إلى موافقة مجلس شوراها.
جرت الرسالة خلفها الكثير من الردود، وكان أهمها رد أبو محمد المقدسي الذي كان مناصرا لقرار الانفصال بشرط موافقة الظواهري، مما دفعه للتراجع عنه متهما الجولاني بـ “تمييع ثوابت المنهج“.
لم تستطع هذه التطورات أن تثني دائرة صنع القرار داخل جبهة فتح الشام عن سعيها بالاستقلال عن القاعدة. إلا أن المجتمع الدولي استمر في تصنيفها على قوائم الإرهاب، كذلك رفضت معظم الفصائل المحلية الاندماج معها خشية العزلة الدولية وتوتر العلاقة مع الدول الداعمة. بحسب تشارلز ليستر فإن رفض أحرار الشام أكبر الفصائل المحلية الاندماج مع جبهة فتح الشام في يناير ٢٠١٧ كان الشعرة التي قصمت ظهر البعير والتي أدت إلى قتال دموي بين الفصيلين الأكثر تأثيرا على الساحة السورية.
خلال نفس الفترة سعت جبهة فتح الشام إلى فرض سيطرتها على مناطق واسعة من محافظتي إدلب وحلب من خلال مهاجمة فصائل محلية أخرى بتهمة المشاركة في محادثات أستانا التي تقودها كل من روسيا وإيران وتركيا.
وجدت الجبهة نفسها أمام مشهد عالي الاستقطاب يتطلب وضوحا أكثر فيما يتعلق بالتحالفات المحلية والارتباطات الخارجية. الأمر الذي تبلور في يناير ٢٠١٧ في الإعلان عن حل نفسها وتشكيل هيئة تحرير الشام والتي ضمت بالإضافة للجبهة كل من لواء الحق وجيش السنة وأنصار الدين وحركة نور الدين الزنكي.
علاقة الجولاني مع القاعدة
يمكن القول إن تأسيس هيئة تحرير الشام بتوجهاتها وارتباطاتها المحلية شكل قطيعة لا رجعة عنها مع السلفية الجهادية العالمية وتحديدا مع عرابها الأول تنظيم القاعدة. وبالفعل، بعد أقل من شهر عن إعلان تشكيل الهيئة انهالت ردود الأفعال الرافضة لها، وتوالت الانشقاقات بين شخصيات موالية للقاعدة مثل سامي العريدي وأبو هاجر الشامي اعتراضا على الرحيل عن فضاء القاعدة دون سبب شرعي.
كتب العريدي في فبراير منتقد قيادة الهيئة ومذكرا بموقفها من عصيان تنظيم الدولة في العراق لأوامر القاعدة الأم عام ٢٠١٣:
“ورأينا الطعن في البغدادي وجماعته ﻷنهم نكثوا العهد والبيعة بغير طرقها الشرعية ووصفوهم وقتها بأشد اﻷوصاف، واليوم لما صدر الفعل نفسه من القوم وأنصارهم وأحبابهم أصبح سياسة شرعية ومصلحة أمة وجهاد”.
أما زعيم القاعدة أيمن الظواهري، فقد تدرج في هجومه على هيئة الجولاني الحديثة التأسيس وخياراتها السياسية ذات التوجه المحلي. في كلمة صوتية بثت في أبريل ٢٠١٧ حذر الظواهري من تحويل الجهاد في سوريا لحرب وطنية، وفي أخرى صدرت في أكتوبر من نفس العام انتقد الظواهري سلوك الهيئة دون ذكرها بالاسم.
ازدادت حدة الخلاف وحاولت شخصيات ورموز جهادية مثل أبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني طرح مبادرات للصلح كان أهمها مبادرة “أهل العلم للصلح بين المجاهدين” والتي فشلت بسبب تجاهل الهيئة، الأمر الذي فسر حينها على أنه عدم قبولها بالمبادرة.
بعيدا عن التصريحات الإعلامية الصادرة عن الهيئة والتي أكدت من خلالها على شرعية فك الارتباط لما فيه من “مصلحة للجهاد الشامي”، لم يسع قادتها بشكل ملموس للتخفيف من حدة الخلاف ولمنع الاصطدام مع التيار القاعدي داخلها. بل على العكس قامت باعتقال ثلة من رجالات القاعدة ومن بينهم العريدي وأبو جليبيب الأردني وأخرين قبل أن تطلق سراحهم نتيجة لضغط شخصيات جهادية مثل أبو همام الشامي وأيمن الظواهري.
الأخير، بدا نافذ الصبر، وفي كلمة بثتها مؤسسة السحاب التابعة للقاعدة بعنوان “فلنقاتلهم بنياناً مرصوصاً”، هاجم هيئة تحرير الشام بالاسم واتهم الجولاني “بنكث” البيعة الملزمة شرعا وذكر بأن الهيئة لم تحقق أي من الشروط التي تسمح لها بفك الارتباط والمتمثلة بتوحيد صف الفصائل أو بقيام دولة إسلامية، وبما أن فك الارتباط لم يفض إلى أي منهما فهو باطل.
حراس الدين
بدأ إدراك القاعدة الأم متأخرا بأنها باتت عبأ على الهيئة بعد أن كانت سببا في استقلالها عن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وتمكينها في الشام. وفي محاولة لإنقاذ ما تبقى لها من نفوذ في الساحة الشامية، أعلن مجموعة من الموالين لها والمنشقين عنها تشكيل تنظيم حراس الدين في فبراير ٢٠١٨.
شمل التنظيم الجديد أسماء مهمة لها وزنها مثل أبو القسام الأردني وخلاد المهندس اللذين كانا معتقلان مع قادة أخرين في إيران قبل أن يتم إطلاق سراحهما ضمن صفقة تبادل أسرى لقاعدة اليمن وطهران عام ٢٠١٥، وأبو همام الشامي وسامي العريدي وأبو خديجة الأردني وأبو عبد الكريم المصري وآخرين. وتمكن من ضم ما يقارب ١٥ فصيلا ممن ينتهجون نهج القاعدة ويؤمنون بجهادها الأممي مثل جيش الملاحم، وجيش البادية، وسريا كابل وآخرين.
وفي حين كانت هيئة الجولاني منشغلة في حروبها مع الفصائل المحلية المنضوية تحت مظلة “جبهة تحرير سوريا” (المشكلة حديثا من قبل حليف الهيئة السابق أحرار الشام وأحد الفصائل المنشقة عنها حركة نور الدين الزنكي)، من أجل تعزيز هيمنة الهيئة على إدلب وريفها، حاول تنظيم حراس الدين أن ينأى بنفسه عن حروب الفصائل المحلية ودعا في بيانه الأول إلى وقفه اقتتالها وتوجيه البندقية حيث النظام السوري لتخفيف الضغط عن الغوطة الشرقية والتي كانت تخضع حينها لحصار شديد من قبله.
ركز الفصيل الجديد والمصنف في سبتمبر من عام ٢٠١٩ على قوائم الإرهاب العالمية، ركز جهوده على استهداف قوات النظام السوري في المناطق المجاورة لريف إدلب ولجبال اللاذقية. وحاول منذ البداية جذب الجماعات الجهادية الأخرى الموجودة على الساحة السورية والتي قد لا تشاركه التوجه العالمي، ولكنها حتما تتقاطع معه في رفضها للتفاهمات الدولية حول سوريا مثل سوتشي وأستانا، والتي تسعى إلى تحجيم دور الجماعات الراديكالية المسلحة وإيجاد حل سياسي للحرب السورية.
أضف إلى ذلك أن سلوك هيئة الجولاني التغلبي أدى إلى زيادة العداء لها وبالتالي وجدت بعض الفصائل نفسها أمام خيارين، إما الانضمام للهيئة أو إيجاد حلف جديد يحميها من بطش الجولاني. ظهر ذلك من خلال تأسيس حراس الدين لعدة غرف عمليات مشتركة في أوقات مختلفة، كان أهمها غرفتي عمليات “وحرض المؤمنين” و “فاثبتوا”.
تم تشكيل الأخيرة في يوليو ٢٠٢٠ من قبل حراس الدين بالاشتراك مع كل من أنصار الدين وأنصار الإسلام المعولمين، إلى جانب جماعتي لواء المقاتلين الأنصار وتنسيقية الجهاد المحليتين. الأخيرتان تشكلا على يد أبو العبد أشداء وأبو مالك التلي وهما شخصيتان مهمتان كانا قد انشقا عن هيئة تحرير الشام نتيجة سياسات الجولاني البرغماتية.
خلافات مفتوحة
شعر الجولاني بالخطر الذي قد تشكله غرفة “فاثبتوا” ليس لأنها تنافسه على قيادة مشروعه المحلي، بل لكونها جامعة لأعدائه الأكثر ضراوة والأشد صرامة على الصعيد الأيديولوجي. لذلك شنت الهيئة هجمات واسعة على فصائل الغرفة، واعتقلت العديد من قياداتها مثل أبي يحيى الجزائري وأبو ذر المصري مما اضطر الأخيرة إلى إغلاق قواعدها العسكرية في كل من عرب سعيد وأرمناز وحارم، وتم الإعلان عن منع تشكيل أي فصائل أو غرف عمليات جديدة.
وبذلك يكون الجولاني قد ضرب عصفورين بحجر واحد؛ حيث رسم خطوطا حمراء جديدة لمنافسيه، وأظهر أهميته للمجتمع الدولي في حربه على الإرهاب. من الجدير بالذكر أنه خلال الحرب السورية تمكنت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة من قتل العشرات من قادة القاعدة في سوريا من خلال هجمات طائرات مسيرة.
كان منهم أبو خديجة الأردني وأبو أحمد الرقاوي أبو القسام الأردني والكثير ممن لحقوا بهم خلال عامي ٢٠١٩ و٢٠٢٠. وبينما لا يزال مصدر المعلومات التي استندت إليها ضربات التحالف مجهولا، يسعى الجولاني إلى ضمان مقعد لهيئة تحرير الشام على الطاولة في سوريا المستقبلية بأي ثمن، مما يشير إلى أنه قد يضحي برفاق الأمس للتكفير عن ماضي جماعته الراديكالي.
شددت هيئة الجولاني قبضتها الأمنية على حراس الدين وضيقت عليه الموارد الاقتصادية بغية إخضاعه وتحييد خطره. غير أن الأخير لم يتوقف عن محاولات العودة مجددا إلى الواجهة من خلال عمليات صغيرة خارج حدود إدلب التي يحكمها الجولاني ويخضعها للاتفاقات الدولية.
وفي ظل ارتفاع وتيرة الضربات الجوية الأمريكية ضد قادة حراس الدين والحملة الأمنية المفتوحة ضدهم من قبل هيئة تحرير الشام، دخل فصيل القاعدة في سوريا في مرحلة ما يعرف بفقه الاستضعاف غير مختلف عن التنظيم الأم الذي أصبحت معاناته وأزمات قيادته الغير منتهية سرا معلوما لدى الكثيرين. ولجأ من تبقى من كوادر الحراس إلى الاختباء دون الكف عن إصدار بيانات هزيلة تلعن الجولاني وهيئته حينا أو تدعوه حينا آخر إلى النزول لمحكمة شرعية مستقلة بقيادة شخصيات معروفة مثل أبو قتادة الفلسطيني.
ومع مرور الوقت أصبح رفض الجولاني طلبات التحاكم أمرا روتينيا، وجاء أخرها من قبل مجلسها الشرعي العام الذي جادل أصحابه أن لتحكيم الشريعة أنواع مختلفة من ضمنها “رفع الدعاوى إلى المحاكم الشرعية صاحبة ولاية القضاء”، ملمحا إلى أن قضاء الهيئة هو القضاء الشرعي الوحيد الذي يجب القبول بحكمه.
يقال بإن التاريخ يعيد نفسه وأن الأحداث نفسها تتكرر، لكن ضمن سياقات سياسية-اجتماعية مختلقة. تلخص هذه المقولة حكاية الجماعات الجهادية في سوريا التي تهادن في ضعفها وتتغلب في مراحل قوتها.
يعيد جدل تحكيم الشريعة إلى أذهاننا صراع جبهة النصرة وتنظيم داعش خلال عامي ٢٠١٣-٢٠١٤. حينها كان الجولاني “مستضعفا” ولذلك تجنب الاصطدام مع البغدادي مؤكدا:
“نحن كجبهة النصرة نضعُ قيادةَ الدولةِ مِن جديدٍ أمامَ أتباعها أولًا وأمامَ الأمة ثانيًا على محكِّ الشرعِ الحنيفِ لنحكِّمَ شرعَ اللهِ على أنفسنا قبل أن نحكِّمه على الناس دونَ أي شرطٍ أو قيدٍ مُسبق”.
غير أن رد داعش حينها لم يختلف كثيرا عن رد الهيئة على الحراس اليوم: ” للدولة الإسلامية محاكم شرعية لا يمكن الاحتكام لغيرها.”
بعيدا عن المبررات الفقهية والتي تحرص الجماعات الجهادية على توظيفها لخدمة خياراتها السياسية والعسكرية، فإن حراس القاعدة اليوم، وعلى الرغم من حداثة تشكيله، في طريقه للاندثار. وكما وصفه حسن أبو هنية ومحمد أبو رمان بأنه “الرهان الفاشل الأخير للقاعدة في المشرق العربي على الأقل على المدى القصير وضمن هذه التوازنات الدولية والإقليمية والمحلية”.
الطالبان نموذجا
تزامنت جهود الجولاني في تحويل جبهة النصرة القاعدية إلى هيئة تحرير الشام المحلية مع تنامي صعود حركة طالبان في أفغانستان وسيطرتها على الحكم بعيد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية المتعثر من البلاد. وبدا نجاح النموذج الطالباني المحلي التركيز محط إعجاب الكثير من الجماعات الجهادية المحلية مثل هيئة تحرير الشام.
على سبيل المثال بارك أبو ماريا القحطاني، أحد أبرز قادة هيئة تحرير الشام، “للأمة الإسلامية انتصارها” مضيفاً أنه “انتصار للمسلمين ولأهل السنة ولجميع المظلومين”. تبرز أهمية النصر الطالباني ليس فقط في قدرته على إحياء آمال الإسلاميين الذين يرون في الطالبان رمزا للأمة الإسلامية المكلومة منذ سقوط “الخلافة” العثمانية، إنما أيضا لكونه مثالا يمكن للجماعات الإسلامية المحلية الراغبة في توطيد حكمها الاحتذاء به.
وإذا كان إصرار طالبان على قتال القوات الأمريكية على طول عقدين من الزمن يكرس جدوى الجهاد بمفهومه العنفي، فإن رغبة الحركة في الانضمام إلى قطار الأمم المتحدة، والذي تراه السلفية الجهادية كفريا، يشكل رحيلا غير معلنا من فضائها. وإذا كانت هيئة الجولاني وصلت إلى نقطة اللاعودة مع القاعدة، فإن الطالبان لا تبدو مستعدة للتضحية بمكتسباتها وطموحاتها المحلية من أجل أي هدف أممي.
للمفارقة، لم تغير القاعدة الأم موقفها المناصر لطالبان على الرغم من مفاوضات الأخيرة مع الحكومة “الكافرة” في أفغانستان والولايات المتحدة الأمريكية عدوة القاعدة الأهم. لا يملك الظواهري رفاهية الاختيار في وقت لم يبق لديه الكثير من الحلفاء بعد اندثار فرعه الشامي وتخبط اليمني، بالإضافة لاستقلالية الأفرع الأخرى والتي تحمل اسم القاعدة احتراما لماضيها الجهادي لا رغبة في السير على نهجها.
اليوم، تبدو القاعدة هزيلة بعد عشرين عام من الحرب على الإرهاب وموت زعيمها السابق صاحب الشخصية الكاريزماتية أسامة بن لادن في عام ٢٠١١، بالإضافة إلى ثورات الربيع العربي التي أحرجت أطروحة تيارها الفكري، التي تؤمن بالجهاد المسلح كوسيلة وحيد لقلب الأنظمة الاجتماعية والسياسية في البلدان الإسلامية.
يمكن القول إن القاعدة الأم لم تفقد قوتها فقط، بل أيضا رمزيتها العالية والتي لطالما أكسبتها الاحترام بين الجماعات الجهادية. في بداية الربيع العربي القاعدة عملت على مراجعة وتقييم دورها في الصراع وحاولت أن تتكيف مع التغيرات الدولية والإقليمية من خلال التقرب من المجتمعات المحلية. غير أنها لم ولن تتمكن من السيطرة على الأفرع وتحديدا تلك التي يقودها أشخاص برغماتيين كالجولاني، الذي ضحى برجالاتها وطموحاتهم العالمية من أجل مشروع محلي يشبه ذلك الذي تسعى إلى تحقيقه حركة طالبان الأفغانية.