الوضع الأمني مقلقٌ للغاية في منطقة تيلابيري الواقعة جنوب شرقي النيجر حيث تسيطر العديد من التنظيمات المسلحة، ومنذ مطلع العام الجاري، قُتل أكثر من أربعمئة شخص نتيجة أعمال العنف التي تقوم بها هذه التنظيمات مستهدفةً المدنيين الأبرياء، فهذا القلق الممزوج بالخوف يسيطر اليوم على الأهالي الذين نزحوا من تلك المنطقة، هذا الخوف تسبب به برنامج إعادتهم إلى قراهم.
قناة “الآن” جالت في مخيم لهم في قرية والّام المحاذية للحدود مع جمهورية مالي، هناك التقت بعضهم فماذا قالوا لها وما هي رؤية المسؤولين الرسميين لهذا البرنامج.
منذ عامين تتزايد الهجمات التي تقوم بها المجموعات المسلحة على منطقة تيلابيري الواقعة جنوب شرقي النيجر، وقد استهدفت هذه المجموعات السكان المحليين ومواشيهم وأرزاقهم، ومنذ بداية العام الجاري فقط قُتِل أكثر من 400 شخص ونزح الآلاف غيرهم، فوصل عدد منهم إلى قرية والّام القريبة من الحدود مع جمهورية مالي.
في هذا المخيم للنازحين يعيش اليوم ما يقارب 700 شخص، إنهم ينظرون بخوف إلى برنامج حكومة نيامي الرامي لإعادتهم وغيرهم من النازحين إلى قراهم في منطقة تيلابيري، وذلك قبل نهاية العام الجاري.
كيف نعود إلى مساكننا ولا أمن فيها؟
وخلال جولتها في هذا المخيم، تعرفت قناة “الآن” على صافي عبدو الذي شدد على رغبة الجميع بالعودة إلى ديارهم لكن الخوف يسيطر عليهم بسبب الأوضاع الأمنية التي لم تتحسن وإنما تتراجع من سيء إلى أسوأ كما يقول «إلى أين نذهب، وكيف نعود إلى مساكننا ولا أمن فيها، وقد خرجنا منها بسبب إنعدام الأمن».
وشرحت لنا هارونا سيدي، وهي واحدة من ضحايا هذه الاعتداءات العنيفة أن المجموعات المسلحة غيّرت أساليب عملياتها في العام 2020 إذ بدأت تشن غاراتها الدموية على المدنيين الأبرياء العزّل بعد أن كان عناصرها يقومون بخطف «رؤساء القرى والقتل خاصة خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2019.
تجدر الإشارة إلى أن نهر النيجر يعبر منطقة تيلابيري، كما يطلق على هذه المنطقة اسم منطقة الحدود الثلاث وذلك بسبب قربها من حدود جمهوريتي بوركينا فاسو ومالي، وفي هذه المنطقة وتحديدًا منذ العام 2017، أخذت تتزايد هجمات المجموعات المسلحة التي تصفها السلطات النيجرية « بالعصابات »، فهذه المجموعات المسلحة تنتمي إما لتنظيم « داعش في الصحراء الكبرى » وإما لـ « جماعة نصرة الإسلام والمسلمين » الموالية لتنظيم القاعدة، فكلا هذين التنظيمين ناشطين في منطقة الساحل الإفريقي.
ولمواجهة هذه الأزمة الأمنية، أعلنت الحكومة النيجرية حالة الطوارئ في غالبية محافظات تلك المنطقة، فبالنسبة للمسؤولين الرسميين كمحافظ والّام، مارسادو سومايلا، فإن الحياة صعبة جدًا في منطقة تيلابيري نتيجة ممارسات التنظيمات الإرهابية التي تشن هجماتها على المدنيين الأبرياء دون مبرر أو احتياجات يطلبون توفيرها لهم، ويضيف « نذكر من أسباب تفاقم الوضع الأمني في المنطقة ظهور الاختلافات السياسية والاجتماعية ونوع من الأفكار الجديدة لم نكن نعرفها من قبل، فلم نكن نعرف إلّا التمرد، والآن تحوّل الأمر لإجرامٍ بالغ لم يعرف مثله الشعب أو الحكومة ».
وفق أرقام رسمية، حرمت هذه الأزمة الأمنية أكثر من 22 ألف تلميذ من الذهاب إلى المدارسة، كما أدت لانعدام الأمن الغذائي لحوالى 511332 شخص.
وزير الداخلية: مقتل أبي وليد الصحراوي.. لا يعني نهاية للإرهاب
ويرى وزير الداخلية ألكاش ألهادا المكلف بتنفيذ عمليات عودة النازحين إلى ديارهم، أن القمة التي جرت في مدينة بو الفرنسية ساهمت بشكل كبير بنجاح العمليات العسكرية التي شنّها الجيش النيجري بالتنسيق مع قوة باركان والقوات المسلحة النظامية في مالي وبوركينا فاسو وتشاد، والنتيجة هي إضعاف المجموعات الإرهابية الموجودة في تلك المنطقة، وما يشير إلى ضعف هذه المجموعات والتنظيمات هو وقف اعتداءاتهم على القوات المسلحة وحصروها بالسكان العزّل الأبرياء، لكنه استطرد مشيرًا إلى أن مقتل أبي وليد الصحراوي « لا يعني نهاية للإرهاب، للإرهاب هيكلية وقدرة كبيرة على عودة ظهوره، إنهم ضعفاء لكننا سنبقى متيقظين ومقتنعين بأننا، في الأخير، سنربح هذه الحرب ».
كما شرح لنا الوزير ألهادا رؤية الرئيس محمد باروم، حيث قال إن محاربة الإرهاب لا تتطلب فقط معركة عسكرية وانما العمل أيضًا على أن تكون الدولة موجودة على الأرض، وأن يعود السكان النازحين إلى مناطقهم وقراهم.
وأضاف وزير الداخلية أن برنامج عودة النازحين الذي اعتمده رئيس الجمهورية يهدف لعودة 300 ألف نازح إلى قراهم، وحتى اليوم، سمح هذا البرنامج بعودة 115 ألف نازح إلى 22 قرية في منطقة ديفا، و 102 ألف نازح آخرين إلى منطقة تيلابيري.
وأضاف ألهادا أن هذه العملية «تتطلب الكثير من التدابير الداعمة لها: بداية على الصعيد الأمني، يتدخل الجيش من أجل السماح للسكان بالعيش بأمان ومن أجل خلق حزام أمني، وهذا ما يقوم به الجيش في أنزورو بمنطقة تيلابيري وفي باروا بمنطقة ديفا».
كما تتطلب هذه العملية الكثير من التنظيم لأنها تدخل في إطار برنامج استقرار مناطق النزاع، حيث تمكنت الحكومة الرسمية، كما أعلمنا وزير الداخلية، من تأمين الخدمات العامة في مجالات الصحة والتعليم والأمن والحصول على مياه الشفة.
وختم الوزير لقاءه مع قناة «الآن» مؤكدًا على حاجة النيجر لدعم شركائها التقليديين وغير التقليديين «كما تعلمون، نحن بلد مسلم ونحتاج لأن يدعمنا شركاؤنا الآخرون من الدول المسلمة».
هذا ومن ناحيتها، ترى منظمة الأمم المتحدة أن مليونين و300 ألف شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية بسبب تفاقم أزمة الغذاء نتيجة النزوح السكاني، نصف هؤلاء يعيشون في ثلاث مناطق طالتها نشاطات إرهابية، ويواجه النيجر تحدٍ كبير في محاربته للإرهاب، ورغم التعزيزات التي أرسلتها حكومة نيامي إلى المناطق المستهدفة لكنها لم تتمكن من حماية الأهالي، إذ أن الجيش النظامي يحتاج للعتاد والتدريب ويبلغ عدد عناصره قرابة 25 ألف عسكري، كما أنه غير قادر على مواجهة الاعتداءات المتكررة في المناطق الواقعة غربي وجنوبي شرقي البلاد.