حالة غضب من إدارة حماس لغزة التي دفعت الشباب إلى الهجرة
شارك آلاف الفلسطينيين في 14 تشرين الثاني/نوفمبر، في تشييع جثمان الشاب أنس أبو رجيلة الذي غرق في البحر أثناء هجرته إلى اليونان بداية الشهر الجاري، كما عثر على جثمان نصر الله الفرا وتم دفن جثمانه في الأراضي التركية، فيما فقد آثار ثالث، وتم إنقاذ نحو 8 آخرين، جمعيهم من غزة.
ربط الكثير من سكان القطاع مشاركة الآلاف في تشيع الجنازة بالتعبير عن حالة الغضب من إدارة حماس لغزة، التي دفعت الشباب إلى الهجرة والبحث عن حياةٍ كريمة بعيداً عن عنها، إذ بلغت معدلات الفقر في القطاع ما يزيد عن 85%، بينما بلغت معدلات البطالة في غزة نحو 65%، وهي تعد النسبة الأعلى في الأراضي الفلسطينية.
وهاجمت عائلة أبو رجيلة القائمين على إدارة غزة، متهمين إياهم بدفع الشباب للهجرة إلى المجهول، هرباً من الأوضاع الاقتصادية المتردية فيها.
كما عبر الكثير من النشطاء عن غضبهم لحادثة الغرق، عبر المشاركة في وسم “#بدنا_نعيش” للتعبير عن غضبهم من الأوضاع في غزة الذي تديره حماس، وتصدّر هذا الوسم، منصات التواصل الاجتماعي، حيث عمد مئات الشباب على نشر تدوينات ومقاطع مصورة، تطالب بالخروج بمسيرات حاشدة في مختلف محافظات قطاع غزة للمطالبة بتوفير العيش الكريم، خلال الأيام القادمة.
فيما اتهمت مجموعات إخبارية مقربة من حماس عدداً كبيراً من أنصار حراك “بدنا نعيش” بالتعاون مع إسرائيل والانسياق وراء أجندات خارجية تهدف إلى التحريض ضد المقاومة، وشنت حملة تشهير واسعة ضدهم، عبر نشر مقاطع فيديو ممولة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وكان الحراك الشعبي الفلسطيني “بدنا نعيش”، أصدر بياناً بعد الحادثة، يحمل تحذيراً لحماس في غزة بسبب سوء الأوضاع المعيشية التي يعانيها أبناء القطاع.
وقال الحراك في بيانه، عبر “فيسبوك”: “إن الممارسات المستمرة من حماس في غزة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن الحاكم لا يرى الشعب من برجه العاجي وقد انفصل تماماً عن واقعهم”.
وأضاف: “إن إحصائيات الفقر والبطالة وسوء المستوى المعيشي ليست أرقاماً للتباكي عند عتبات الداعمين دون أن يستفيد المواطن من دعمهم دون أن تتغير حياته للأفضل”.
وختم الحراك بيانه بتذكير قائد حماس في غزة بحق التظاهر السلمي وحرية التعبير عن الرأي، مهدداً بعودة تلك التظاهرات التي قمعتها حماس عام 2019.
وكانت بداية الحراك في 14 آذار/مارس 2019، إذ خرج مئات الفلسطينيين في غزة الجائع إلى الشوارع في عدة مدن حاملين شعار “بدنا نعيش”، داعين إلى “المساواة والكرامة والغذاء وفرص العمل”، فيما هاجمت عناصر شرطة حماس تلك التظاهرات، واعتدت على المشاركين بها بالضرب والاعتقال والإهانة، ولم يسلم من تلك الاعتداءات حتى العاملين في المؤسسات الحقوقية بالقطاع والتي حاولت التدخل لتهدئة الأوضاع.
كما شنت حينها حملة اعتقالات واسعة ضد القائمين على الحراك، تعرضوا خلال الاعتقال للتعذيب الجسدي والنفسي العنيف، كما وجهت إليهم تهماً خطيرة تلقيهم في السجن سنوات طويلة، ولولا تدخل الوسطاء من الفصائل والمؤسسات الحقوقية الذين تعهدوا ألا يعود الشباب لمثل هذه المطالب أو الخروج في تظاهرات ضد إدارة حماس، لما رأوا النور إلى يومنا هذا.
بهذا خفت بريق الحراك إلى أن أشعلت حادثة الغرق وتزايد أعداد المهاجرين في غزة، بسبب تدني الأوضاع المعيشية، موجة الغضب من جديد ضد حماس.
فيما ذكرت صحيفة “الأيام” الفلسطينية في 14 تشرين الثاني/نوفمبر، أن حماس تستعد لاندلاع الاحتجاجات في الأيام المقبلة في قطاع غزة، بحجة أن تلك الاحتجاجات الشعبية “مدفوعة من جهات خارجية” بهدف زعزعة الأمن والاستقرار الداخلي الذي يخيم على قطاع غزة.
وذكرت أن حماس تتابع عبر أجهزتها تحركات هذه الجهات ورصدت العديد منها، ومن ثم قامت بإحباط تحركاتها نهاية الأسبوع الماضي عبر استدعاء عناصرها إلى مقار الأمن وتحذيرهم وإنذارهم.
كما أبلغت حماس بعض التنظيمات وخصوصاً اليسارية منها بأنها رصدت انخراط بعض عناصرها في الحراك، وطلبت منها وضع حد لهذه العناصر.
من ناحيته، أكد المحلل السياسي إبراهيم أبراش لـ”أخبار الآن” أن هناك حالة تعاطف مع كل من يتوفى بالغربة بسبب حالة الفقر والجوع والقهر في غزة، فضلاً عن أن كل أسرة تتوقع أن يكون أي فرد من أفرادها مكان هذا الشاب، الذي اضطر إلى الهجرة وترك الوطن والذهاب للبحث عن حياةٍ كريمة، وإن كانت طريق الهجرة مليئة بالمخاطر.
وعن محاولات تشويه حماس لمشاركة الشباب في حراك “بدنا نعيش” شرح أن حماس تعي أن ذلك الحراك وحالة الغضب من قبل الشباب ما هي إلا تعبير عن الاحتجاج عن واقع غزة، وموجه ضد حماس التي تزعم أنها حررت غزة، وتقدم للسكان وعود بتحسين الأوضاع، مبيناً أن الغزيين لم يشهدوا سوى الحروب التي نجم عنها الخراب والدمار.
قال: “حماس تتحدث عن تهدئة ووعود بحل المشاكل الاقتصادية، بعد نهاية كل حرب تندلع بينها وبين إسرائيل، لكن في الواقع فإن الأمور تزداد سوءاً”.
وأكد أن حماس تزعم أنها ستجلب الرخاء والخير للغزيين، بينما في الواقع هي لا تملك القرار، إذ لا يدخل دولار أمريكي أو كيس طحين للقطاع دون موافقة إسرائيل أو التنسيق معها.
وبين أن أكثر من مسؤول في حماس، صرح أن الأموال التي تدخل لحماس عن طريقها، يذهب للحركة وابنائها، ما خلق في القطاع طبقتين، طبقة حماس وأبناءها الذين لا يعانون من فقر أو جوع ولا يضطرون إلى ركوب البحر والمغامرة بحياتهم، لأن كل شيء متاح لهم، أما الطبقة الثانية التي تعاني وليس لديهم شيء، لذا تلجأ قيادة حماس إلى الوعود المتكررة أنها تسعى لتحسين حياتهم.
وأضاف: “حماس تخشى أن تبدأ حالة الغضب والاحتجاج بكرة ثلج صغيرة، ثم تتطور إلى غضب هائل ضدها يهدف لإسقاطها”.
وقال: “حماس تدرك أن شعبيتها متدنية في غزة، إن أتيح الأمر للناس فلن يتركوا أي محاولة لإنهاء سلطة حماس، لذا تُسارع إلى قمع الأمور في بدايتها”.
من ناحيته، أكد الناشط الشبابي حازم أبو حميد لـ”أخبار الآن” أن ضياع فرص العمل وضبابية المستقبل دفعت الشباب للبحث عن فرص أخرى في المهجر، ودفعتهم للذهاب تجاه الهجرة حتى وإن كانت غير شرعية، إذ يضطرون إلى تحمل المخاطر من أجل الوصول إلى تحقيق أحلامهم ويحصلوا على فرص عمل، وحياة آمنة، مؤكداً أن هذه الدوافع كافية للإنسان أن يغير مكانه ويترك وطنه للبحث عن مكان أفضل.
عن محاولات حماس إسكات الأصوات المطالبة بالحياة الكريمة في القطاع، أوضح أن الأنظمة العربية التي تمارس الظلم على شعبها، تلجأ دائماً إلى انتقاد الأصوات المعارضة واتهامهم بالعمالة واتباع أجندة خارجية، شارحاً أن على الحكومة إفساح المجال للناس للتعبير عن آلامهم والمطالبة بتحسين أوضاعهم، متمنياً ألا يتكرر مشهد القمع الذي شنته حماس ضد الحراك عام 2019.
وتساءل لماذا تخشى حماس تعبير الناس عن غضبهم وآمالهم، إذ كانت هي المسؤولة عن القطاع وبيدها زمام الأمور، مؤكداً أن إدارة حماس تسببت في خلق طبقتين، الطبقة الحاكمة التي تنعم بالرفاهية، والطبقة المسحوقة وهي غالبية الشعب.
وقال: “إذا قمعت حماس هذا الحراك هذه المرة، لن يسكت الناس، وسيحاربون بقوة ولن يتنازلوا عن مطالبهم”.
من جانبه، قال المحامي والناشط الحقوقي مؤمن الناطور أحد القائمين على حراك بدنا نعيش عام 2019 أن حادثة غرق الشباب خلال رحلة هجرتهم إلى اليونان، فجرت الأصوات الغاضبة ضد الأوضاع المعيشية في غزة والتي تدفع الشباب للهجرة، مؤكداً أن الأوضاع الاقتصادية تزداد سوءاً دون إحداث إي اختراق أو تغيير منذ أن سيطرت حماس على قطاع غزة عام 2007، إذ توالت الأزمات والحروب على غزة.
بين أن مطالب الحراك الحالية لا تختلف عن المطالب السابقة، المتمثلة في تخفيض الضرائب من قبل الحكومة، وتشغيل الشباب في القطاع الحكومي، ودعم القطاع الخاص الذي يعاني بسبب الحروب المتكررة على غزة، مشدداً أن تلك المطالب لم تجد أذاناً صاغية، بل قوبلت العنف والاتهامات بالتخابر مع جهات خارجية، وإثارة النعرات الفكرية والطائفية ومحاولة قلب نظام الحكم.
وقال: “هذه التهم كانت كفيلة بإخماد أي صوتٍ معارض أو مطالب بالتغيير”.
ولفت إلى أن آمال الشباب في إحداث أي اختراق أو تغيير تلاشى، وأصبحت أكبر أحلامهم هي الهجرة،
بينما توجه حماس التهم الباطلة للشباب المطالبين بالحياة الكريمة، طالب الناطور حماس بتحمل مسؤوليتها تجاه سكان القطاع، وتحاول حل الأزمات التي تعاني منها بدلاً من التهرب من منها وتحميلها للغير.
وتساءل: “كيف يمكن لمواطن فقير شراء كيلو عدس بـ8 شواكل بعد أن كان بـ4 شواكل فقط؟”
وأوضح أن حماس تحاول تشويه أصوات الشباب والحراك، قائلاً: “هذا كلام باطل وعبث، إذ كيف لشباب تنادي بالوظيفة والعيش الكريم، أن تكون مدفوعة من جهات خارجية”، مضيفاً الشباب وصلت لسن الـ40 دون وظيفة أو بيت أو زواج.
وقال: “يجب أن يكون التغيير داخل الوطن دون أن يتم تشويه الأصوات التي تطالب بالتغيير، فأوطاننا أولى بنا”.
كما عبر الناطور عن تعجبه من تصريحات ووعود حماس المتكررة بتوفير حياة كريمة ورغيد للشعب الفلسطيني، الذي لا يجد بعد تلك التصريحات سوى النقيض تماماً.