الطريق السريع في مونتينيغرو شكّل ومازال محط جدل كبير وواسع، ليس فقط في تلك الدولة إنّما في أوروبا ككل، وقد يصلح ذلك المأزق أن يكون مثالاً واضحاً لما يمكن أن ينتظر دول العالم، وتحديداً دول حوض البحر المتوسط، من مخاطر فيما لو وقع الخيار على الشركات الصينية المملوكة بأكملها من الدولة الصينية.
- القرض الصيني لبناء الطريق السريع وضع مونتينيغرو تحت دين تاريخي ستتحمّله الأجيال القادمة
- الوضع يتغيّر عندما تعيد مونتينيغرو جدولة الدين مع جهة مقرضة أخرى، جهة أوروبية على سبيل المثال
- أرقام متفاوتة في تكلفة الطريق السريع وفق دراسة الجدوى التي أجرتها شركة استشارية هندسية بريطانية
- محكمة بودغوريتسا قضت مؤخراً بوجوب دفع شركة البناء الصينية 200 ألف يورو كتعويض على الأضرار البيئية
- الشركة الصينية دمّرت 6.7 كيلومترات من المناطق التي يتدفق فيها نهر تارا
أعلنت وزارة الإستثمار الرأسمالي أنّ الأعمال النهائية للقسم الأوّل من طريق بار بولغار ستكتمل في 30 نوفمبر، لكنّها لم تحدد موعد فتح الطريق أمام حركة المرور. هي صفقة مغمّسة بفساد الحكومة السابقة، والذي لم يحرّك أحد في تلك الدولة ساكناً بشأنه حتى الآن، نظراً لأنّه أوقع البلاد في مأزق كبير، وكذلك ألجيال القادمة بدين عظيم.
يعتبر طريق بار بولغار السريع من أكبر مشاريع البنية التحتية في مونتينيغرو، وتتولى الشركة الصينيةChina Road and Bridge Corporation (CRBC) بناء هذا الجزء من الطريق السريع، وقد يتمّ تغطية 85 في المئة من القسم الأول بقرض بقيمة 944 مليون دولار أمريكي من بنك Exim الصيني.
وزير الاستثمارات الرأسمالية ملادن بويانيتش صرح بأنّ الدولة قد دفعت حتى الآن 724 مليون يورو للمموّلين للأعمال الأساسية و38 مليون يورو أخرى للأعمال الإضافية.
معظم أعمال البناء ستنتهي على الأرجح، لكن الإنتهاء من تلك الأعمال لا يعني اكتمال القسم الأخير من الطريق، فذلك لن يحصل بالتأكيد مع نهاية هذا العام.
وقد أشارت إيناس مردوفيتش، وهي من منظمة العمل من أجل العدالة الإجتماعية غير الحكومية، إلى أنّ الأمر سيستغرق بعض الوقت حتى يتم استعمال المواد المخزنة، مضيفةً: نتوقع أن تخصص ميزانية العام المقبل مبلغاً يقارب الـ 70 مليون يورو لذلك القسم، وذلك بحد ذاته دليل على أنّ العمل لم ينتهِ.
النيابة العامة في مونتينيغرو تطلق أوّل تحقيق حكومي بالأضرار البيئية التي لحقت بنهر تارا: الشركة الصينية بدأت بناء الطريق من دون الحصول على تصاريح بيئية
لقد وضع ذلك القرض من بنك EXIM الصيني، دولة مونتينيغرو تحت دين تاريخي، لكن ليس ذلك فحسب، بل أنّ هناك مشكلة كبرى تبرز، وهي التأثير البيئي لهذا الطريق.
في هذا السياق، دعت الهيئة التعليمية والثقافية التابعة للأمم المتّحدة الأونيسكو في تقريرها الصادر في يونيو العام 2019، سلطات مونتينيغرو إلى مراقبة تأثير بناء ذلك الطريق السريع على نهر تارا.
مؤخراً زار وزير البيئة راتكو ميتروفيتش موقع بناء الطريق السريع وكذلك المواقع المتضررة بيئياً، والتي تمّ إعداد خطط الإصلاح الخاصة بها، وقال إنّ الأعمال يجب أن تتكثف لأنّ تصنيف منظمة الأونيسكو لنهر تارا يرتفع، والوزارة حدّدت الأضرار وتتم معالجتها عبر خطط إصلاحية. وأضاف أنّه لم يتم إيلاء اهتمام كاف للجودة أثناء إعداد وثائق مشروع تنظيم نهر تارا.
يوم الثلاثاء الفائت، قضت المحكمة الأساسية في بودغوريتسا بأنّه يتعين على شركة البناء الصينية CRBC دفع 200 ألف يورو، كتعويض جرّاء إلحاق أضرار بالأسماك الموجودة في نهر تارا المحمي من قبل الأونيسكو أثناء بناء الطريق السريع. ويأتي ذلك بعد فترة من تقديم نادي الصيد المحلي تارا وموراكا من بلدة كولاسين، دعوى قضائية ضدّ CRBC في أبريل 2018.
لقد استخدمت شركة البناء الأنابيب لتصريف المياه الإسمنتية والأوساخ الأخرى من الطريق السريع، إلى 3 أحواض أصغر تقع على ضفاف نهر تارا. وتم تصريفها في النهر من دون أيّ تنقية، وفق ما جاء في حكم المحكمة.
في مارس أطلقت النيابة العامة في مونتينيغرو أوّل تحقيق حكومي في الأضرار البيئية التي لحقت بالنهر المحمي من قبل منظمة الأونيسكو، ميشرةً إلى أنّ الشركة بدأت في بناء الطريق من دون الحصول على تصاريح بيئية. وقال ممثلو الإدعاء في كولاسين إنّ ذلك ألحق أضراراً بالبيئة المحلية إلى حدٍّ كبير وعلى مساحة واسعة.
ناتاشا كوفاسيفيتش: تبدو محاولة إعادة تأهيل 500 متر من مجرى نهر تارا مزحة سيئة فيما تمّ تدمير 6.7 كيلومترات من المناطق التي يتدفق فيها النهر
وطلبت شركة China Road and Bridge Corporation تحت ضغط الرأي العام في مايو من الحكومة، الحصول على إذن لإصلاح أحد الأجزاء المتضرّرة، والذي يبلغ طوله 500 متر من ضفة نهر تارا، لكنّ الجهة التنظيمية المسؤولة عن الشؤون البيئية والمجموعات البيئية في مونتينيغرو، رفضت اقتراح الشركة السابق المقدّم في أغسطس الماضي لأنّه برأيهم لم يتضمن حلّاً فعلياً لتلك المشكلة.
“تبدو إعادة تأهيل 500 متر من مجرى النهر وكأنّها مزحة سيئة، حيث تم تدمير 6.7 كيلومترات من المناطق التي يتدفق فيها النهر ومنطقة التنوع البيولوجي الرئيسية في السهول، التي يفيض النهر فيها وعلى الطرق المؤدية إلى أعلى المجرى”، وفق ما قالت ناتاشا كوفاسيفيتش من منظمة Green Home البيئية غير الحكومية لـ”أخبار الآن”.
وقد كافحت منظمة Green Home لسنوات من أجل تعليق العمل في الطريق السريع وأعمال البناء الأخرى التي تؤثر على نهر تارا، إلى أن يتم وضع خطة أفضل لحمايته.
التأثير الصيني
المشكلة الأخرى التي حذّر الخبراء منها، هي الخوف من وضع الصين يدها على مونتينيغرو بسبب هذا القرض. وزارة الإستثمار الرأسمالي نشرت يوم الثلاثاء الفائت دراستي جدوى دوليتين سرّيتين سابقتين تظهران أنّ مبلغ 944 مليون دولارالذي وضع لبناء المرحلة الأولى من الطريق السريع بار بولغار، كان مبالغاً فيه.
وفقًا لدراسة الجدوى التي أجرتها شركة URS Infrastructure and Environment، وهي شركة استشارية هندسية بريطانية، فإنّ المرحلة الأولى من الطريق السريع يجب أن تكلّف 803 مليون يورو، في حين قالت دراسة أجرتها شركة استشارية بريطانية أخرى، Scott Wilson Group، إنّه يجب أن تكلف 570 مليون دولار.
وأجريت دراسات الجدوى في عامي 2009 و 2012، لكن الحكومة السابقة التي أطلقت مشروع الطريق السريع صنفتها بالسرّية. وقد وقّعت حكومة مونتينيغرو في يوليو اتفاقية “تحّوط” مع ثلاثة بنوك غربية لحماية العملة من المخاطر التي قد تتعرض لها بسبب القرض الصيني الكبير لتمويل الطريق السريع.
تلك الإتفاقية خفّضت سعر الفائدة على الديون لبنك إكسيم الصيني من 2 في المئة إلى 0.88 في المئة، بحسب ما قال سباجيتش لوسائل الإعلام، وأضاف: “على هذا الأساس، سنوفر 8 ملايين يورو سنوياً”. لكنّ الخبراء يعتقدون أنّه إلى جانب اتفاقية “التحوط”، لا يزال هناك اعتماد كبير على الصين.
وقالت إيناس مردوفيتش إنّ الوضع سيتغيّر عندما تعيد مونتينيغرو جدولة الدين مع جهة مقرضة أخرى، جهة أوروبية على سبيل المثال. وأوضحت أنّ الموعد النهائي التقريبي للتحوّط هو 14 عاماً، ولكن يتم التعاقد عليه لمدة عامين وبعد تلك الفترة، يتم إعادة التفاوض.
على المقترض دفع أيّ مبالغ مستحقة بغض النظر عن تغيّر الحكومات أو السياسات في دولتي المقرض أو المقترض
إنّ قيمة القرض الصيني لم تتغير لكن خلال عامين، تقلّصت نسبة المخاطر التي قد تتعرض لها عملة مونتينيغرو، لأنّ الإتفاقية حدّدت نسبة اليورو والدولار. لذلك، بعد عامين ستحصل جولة مفاوضات جديدة، لكن هذه المرة يجب التشديد على أنّ الحل الوحيد يكمن بتغيير عملة القرض من الدولار الى اليورو، وفق مردوفيتش التي قالت: حينها فقط ستكون عملتنا بأمان، ووزارة المال كانت قد أعلنت عن تلك الخطوة لكن عدم موافقة الأغلبية النيابية عليها منعت تنفيذها.
وسبق أنّ قال نائب رئيس الوزراء دريتان أبازوفيتش لـ”أخبار الآن“، إنّ مونتينيغرو كانت ضحية قرارات خاطئة من الحكومة السابقة، وطلب مساعدة الإتحاد الأوروبي، لكن الأخير لم يتجاوب.
إنّ مونتينيغرو مرشحة لعضوية الإتحاد الأوروبي، وبروكسل ترغب في مساعدتها. في الوقت نفسه، تجدر الإشارة إلى أنّ كلّاً من أوروبا وأمريكا لديهما مصالح جيو-استراتيجية للحد من نفوذ الصين في غرب البلقان.
إنّه مشروع صيني لجنوب شرق أوروبا، وصلت تكلفته إلى 10 ملايين يورو لكن للحصول على قرض من الصين لمشروع بناء بنى تحتية، كان شرط الصين أن تكون شركات المقاولة الأساسية صينية، ومونتينيغرو كانت إحدى الدول التي وافقت على ذلك الشرط، وفق مردوفيتش.
وأضافت أنّ العديد من الخبراء اقترحوا إنشاء طرق سريعة في مونتينيغرو، وليس طريقا واحداً لأنهّ غير مجد إقتصادياً. ومع ذلك، فقد أصرّت حكومة مونتينيغرو السابقة على ذلك الطريق السريع، وتحديداً لأنّ الصين لم تكن مهتمة بما إذا كان المشروع مبرراً إقتصادياً أم لا، فقد طُلب منها الحصول على قرض.
أظهر الوقت أنّ المقاول الصيني الرئيسي ترك أكثر من 40 في المئة من العمل لشركات محلية – وهو ما وافقت عليه الحكومة السابقة – في الواقع شركة محلية واحدة استفادت من ذلك المشروع، وأثبت الوقت أيضاً أنّ ذلك المشروع غير مربح وشعب مونتينيغرو هو الوحيد الذي سيشعر بذلك.
اتفاقية القرض غير مؤاتية للغاية لأنّه يمكن للجانب الصيني المطالبة بأيّ جزء من أراضي الدولة، باستثناء البعثات الديبلوماسية والقنصلية أو الممتلكات العسكرية، في حال حصول أيّ تأخّر في سداد الديون، مع الإشارة هنا إلى أنّ البعثات الديبلوماسسية والقنصليات على سبيل المثال، ليس ملك دولة مونتينيغرو.
لقد تقدّمت مونتينيغرو بطلب للحصول على تمويل مشترك للقسم الثاني من الطريق السريع ضمن إطار مشروع الإستثمار في غرب البلقان، لكنّ ذلك الطلب ينتظر حتى انتهاء تحليل التكلفة والفائدة لذلك المشروع، والذي سيموّله الإتحاد الأوروبي بالكامل، كما أظهر تقرير لجنة الإتحاد الأوروبي.
كما أنّه يجب التشديد على وجوب اكتمال بناء الطريق السريع، على الرغم من نتائجه لن تظهر إلّا في الأجيال القادمة التي ستعاني بسبب هذا الأستثمار غير المربح. لا يوجد حل آخر، وإلّا فإنّ قسم سموكوفاك ماتيسيفو سيبقى طريقاً “من لا شيء إلى لاشيء، وفق مردوفيتش.