أرقام خلّفها غرو المنتجات الصينية للأسواق التونسيّة فمتى تتحرّك الدّولة؟
ترتفع أصوات الإستغاثة في تونس من قبل الخبراء الإقتصاديّين والصناعيّين والعمّال طالبين وقف زحف البضائع الصينيّة التي تغرق أسواقهم وتضرب قطاعاتهم وتقضي على مستقبل عمّالهم ومهنهم وحرفهم، فالوضع بحسب هؤلاء لم يعد يحتمل والإقتصاد التونسي على شفير الإنهيار التام ما لم تتحرّك الحكومة على الفور لوضع حدّ لهذا الغزو الاقتصادي وإنقاذ ما تبقّى، فما هي أوضاع القطاعات المختلفة في تونس اليوم؟ وكيف يمكن مواجهة الغزو الصيني لأسواق تونس ووقف تداعياته على مختلف أوجه حياتها الإقتصاديّة؟
يقدّم رئيس المنظمة الوطنيّة لروّاد الأعمال ياسين قويعة توصيفاً دقيقاً للحالة الإقتصاديّة فيعدّد بالأرقام أوضاع المؤسسات والقطاعات في تونس مشيراً إلى أن النسيج الإقتصادي التونسي يتكوّن من حوالي 39000 مؤسسة أي أكثر من 80% من النسيج الإقتصادي التونسي وهي من المؤسسات الصغرى والمتوسطة، واليوم تقف حوالي 60% منها على حافة الإفلاس، وبحسب الإحصاءات الأخيرة أغلقت 130 ألف مؤسسة أبوابها نهائياً وبالتالي نحن نتحدّث عن حوالي 650 ألف عاطل عن العمل خرجوا من هذه المؤسسات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة”.
البضائع التونسيّة تقلّد في الصين وتدخل إلى تونس
يصف قويعة الأوضاع بأنها “كارثة إقتصادية بكل ما للكلمة من معنى خصوصاً وأن تلك المؤسّسات تعاني منذ عقود، ومعاناتها هذه هي نتاج لصراعات وأزمات إقتصادية، وسياسية، وإجتماعية، بالإضافة إلى أزمات سوء تقدير وإدارة سيّئة وأزمات مهنيّة وأيضاً بسبب عدم جديّة الحسم في بعض الملفات كما ملفات البضاعة اليوم التي تأتينا من الصين”.
وشدّد على أن “الغزو الصيني في العشرية الأخيرة أضرّ كثيراً بالمؤسسات التونسيّة والإقتصاد والصناعيين والحرفيّين وبتنا نجد في أسواقنا منتجات الصناعة التقليديّة تأتينا من الصين، الشيشة التونسيّة تأتينا من الصين وتدخل بشكل عادي في موانئنا ونظام حياتنا بشكل طبيعي وهذا شيء غير معقول، فضتنا ونحاسنا وجلودنا والأحذية كلها تقلّد في الصين وتغزو أسواقنا.. أعتقد أن ما حصل هو نتاج للجهل وعدم الدراية بمخلفات كل ذلك”.
في ظل كل تلك الظروف يعيش الصناعيّين والعمّال اليوم في خوف كبير على مستقبلهم فقد أطلق هؤلاء بحسب قويعة “صرخة فزع كبيرة جداً.. ونحن كمنظمة نحاول بكل ما لدينا من قوة إنعاش وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وقد دعا “الدولة والحكومة الجديدة إلى التركيز في مخططاتها المقبلة على عملية إنقاذ هذه الشريحة الكبيرة من المؤسسات التي خلقت الثروة في تونس يوماً ما وساهمت في النمو الإجمالي ووظفت العديد من الكفاءات التونسية المختصة”.
وتصارع هذه المؤسسات التونسيّة اليوم الغزو الصيني للأسواق التونسيّة ضمن معركة بقاء شرسة وخطيرة تنتظر تدخّل الدولة برؤيا واضحة وعمليّة ترجّح كفّة مواطنيها وعمالها ومؤسساتها ضدّ المنتجات الغريبة التي تحتل أسواقها وتطيح بقطاعاتها، ويؤكد قويعة أن “أصحاب المؤسسات الصناعية في تونس وأصحاب المهن الحرة وأصحاب الصناعة التقليدية في حد ذاتها دخلوا اليوم في صراع كبير للبقاء والوجود في خضم إغراق السوق بالمنتجات الصينية”.
وأضاف” يعرف القاصي والداني أن المنتجات الصينية في تونس ضربت اليد العاملة التونسية كما ضربت صاحب المؤسسة في حد ذاته ضمن منافسة غير نزيهة وهذا ما نندّد به اليوم كمنظمة. فمن غير المعقول أن التونسي الذي يستثمر في عقار ما وفي آليات وبحوث ودراسات وفي يد عاملة مختصة ويخرج منتوج تونسي بكل ذلك المجهود، يجد أن ثمة منتوج آخر مماثل ينافسه في السوق منافسة غير متكافئة علماً أن لا مجال لمقارنته بالمنتوج التونسي لا من حيث النوعية ولا من حيث النواحي الصحية”.
ويؤدي ذلك بحسب قويعة إلى “تعطيل ديمومة المؤسسة التونسية كما وتعطيل طموح رواد الأعمال وأصحاب المؤسسات، إن منتجاتنا قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية ولدي ثقة كاملة أنه مع مجهود كل المنظمات والجمعيات اليوم سنخرج من الأزمة”.
لماذا نجحت البضائع الصينيّة بغزو السوق التونسيّة؟
توصّف صرخات أصحاب المؤسسات والخبراء الواقع في تونس، وتصف كل تداعيات غزو المنتجات الصينيّة للأسواق التونسيّة على القطاعات المختلفة، لكن ما الذي ساعد الغزو الصيني على تحقيق أهدافه الإقتصاديّة؟ وكيف تمكنت تلك البضائع المقلّدة من الإطاحة بقطاعات تاريخيّة عمرها من عمر الدولة وأكثر؟
تشرح الأمينة العامة المساعدة للإتحاد العام التونسي للشغل نعيمة الهمامي تلك الأسباب فقد طغت بحسب قولها “السلع الصينية على السلع التونسية كما وعلى المنتوج التونسي وحتى على كل السلع المستوردة من البلدان الأخرى، وذلك لعدة أسباب أولا بسبب ارتفاع أسعار المواد سواء كانت مصنوعة في تونس أو مستوردة من بلدان أخرى، ونظرا لقلة ذات اليد أصبح المواطن التونسي يلجأ الى الأرخص ثمناً أو يلجأ إلى البضاعة المستعملة، أو يستنجد بالبضائع الرخيصة الثمن… والبضاعة الصينية هي بأبخس الأثمان وبالتالي يمكن أن يشتري ملابس وطعام وقطع غيار وغيرها لذلك تنجح البضاعة الصينية بغزو تونس والعالم”.
أنتجت تلك الأوضاع بحسب الهمامي خللاً تجارياً في تونس ما تسبب بإقفال العديد من المؤسسات الصناعيّة وتسريح عمالها، كما أدت الأوضاع الإقتصاديّة إلى خفض عدد العمال وخفض رواتبهم كلّ ذلك فاقم من الأزمة التي لا تزال بلا حلول.
ولفتت إلى أن “الخلل التجاري هذا ازداد حدة بسبب جائحة كورونا، وقد أدى ذلك إلى إغلاق بعض المؤسسات الصناعية التي لا تستطيع أن تصدّر أو تبيع منتجاتها، كما وإلى طرد العمال أو إغلاق المؤسسة أو الإنقاص في اليد العاملة فيها أو تخفيض أجور الموظفين… وقد أدى كل ذلك في النتيجة إلى أن المواطن التونسي أصبح غير قادر على أن يشتري البضائع التونسيّة وهذا سيكون له انعكاسات كبيرة على الخلل التجاري في البلاد”.
لذلك شدّدت الهمامي على التحرك السريع للدّولة لوضع خطة استرتيجيّة معدّدة الإقترحات العمليّة لتلك الخطة: “أولا لا بد من محاولة صدّ اللوبيات التي ربما تستسهل الاستيراد لأن لها في ذلك غنيمة وهي تغرق السوق بتلك البضائع لأن في ذلك ربحاً وفيراً لها، ثانياً يجب أن يكون هناك دعم لهذه السوق ولهذه المنتجات وللمؤسسات الصغرى كي تستطيع مواجهة البضائع الأخرى ومنافستها، حتى وإن كان ذلك الدعم مرحلياً كي تستطيع هذه المؤسسات أن تقف على رجليها كما يقولون وتنافس غيرها”.
تضع كل تلك المطالبات والمناشدات الدّولة التونسيّة أمام استحقاق الإستجابة والتحرك السريع لإنقاذ اقتصادها، فلماذا هذا التقاعس الرسمي وهل تتحرّك الدّولة التونسيّة قريباً لوضع حدّ لهذا الإستنزاف الصيني لقطاعاتها؟
أخبار الآن التقت بشير النصيبي ميكانيكي يشرح لنا باختصار نسب الضرر الذي لحق القطاع الذي يعمل فيه: