عندما أطبقت حركة طالبان سيطرتها على أفغانستان في أغسطس العام 2020، صرّح الناطق باسمها ذبيح الله مجاهد قائلاً: “عندما كنّا في الماضي في السلطة، كان إنتاج المخدرات منعدماً”، وأضاف: “سنقضي على زراعة الأفيون مجدّداً”. وزعم أنّه لن يكون هناك أيّ عمليات تهريب.
- نحو 80 % من الأفيون في العالم يأتي من أفغانستان وطالبان تجني منه أرباحاً تصل لنحو 3 مليار دولار سنوياً
- تعتبر حركة طالبان أنّ تجارة الميثامفيتامين أكثر ربحاً بكثير من الأفيون وتدر أموالاً طائلة عليها
- تقرير صادر عن الأمم المتحدة: حركة طالبان تواصل الإعتماد على خشخاش الأفيون لدرّ المداخيل عليها
- تقرير أممي: أفغانستان سجلت ارتفاعاً قدره 37 % في زراعة خشخاش الأفيون في العام 2020
لكنّ البيانات التي جُمعت من مصادر عديدة، أشارت إلى أنّ طالبان تشجّع ليس فقط تجارة الأفيون الشهيرة، بل تضطلع على نحو متزايد بإنتاج الميثامفيتامين. في الواقع، تمّ العثور مؤخراً على ميثامفيتامين أفغاني في بضعة مناطق في أفريقيا الجنوبي،ة وبحسب بعض المصادر، فقد يبدأ قريباً بإغراق أوروبا.
“الميثامفيتامين هو نوع من أنواع المخدرات التي تسبب الإدمان السريع، وينتهي الأمر بتدمير حياة متعاطيه، إذ يسبب زيادة في معدّل ضربات القلب، ارتفاعاً في ضغط الدم، وتلفاً في الأوعية الدموية الصغيرة في الدماغ، وقد يؤدّي إلى سكتة دماغية. ويشير الخبراء الصحيون إلى أن الإستخدام المنتظم للميثامفيتامين يمكن أن يؤدّي إلى التهاب بطانة القلب والصمامات، والالتهاب الرئوي وأمراض الكلى. كذلك له بعض التأثيرات النفسية كسلوك العنف والقلق والإرتباك والأرق، وأعراض ذهنية أخرى قد تستمر لأشهر أو سنوات حتى بعد توقف الشخص عن تعاطي ذلك النوع من المخدّر”.
تبيّن لـ “أخبار الآن” في ذلك التقرير، أنّ ذلك الواقع لا يتعارض بشكل صارخ فقط مع تصاريح طالبان عن الحرب على المخدرات، بل يشير إلى تورّط الحركة في إنتاج المخدرات وتسهيل مرورها عبر الحدود على حدٍّ سواء.
فما هو حجم أرباح طالبان من تجارة الأفيون؟
من المعلوم أنّ قرابة 80 % من الأفيون في العالم يأتي من أفغانستان. ووفق المعلومات، فإنّ حركة طالبان تجني منه أرباحاً ترتفع إلى نحو 3 مليار دولار سنوياً، من خلال الإتجار بالأفيون والهيرويين الذي يُنتج في أفغانستان لا سيما في جنوبها. وبحسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، تساهم تلك التجارة بـ11 % تقريباً من إقتصاد أفغانستان.
تذهب معظم تلك الأرباح المتأتية من الإتجار بالمخدرات غير المشروعة، إلى جيوب طالبان التي تدير زراعة الأفيون في مناطق تقع تاريخياً تحت سيطرتها. ذلك ما وثّقه تقرير صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، جاء فيه أنّ “طالبان تواصل الإعتماد على خشخاش الأفيون لدرّ المداخيل، وتضيف إليه التعدين غير المشروع وعمليات الإبتزاز والبيع غير القانوني والهبات الخارجية”.
يظهر الرسم البياني أدناه ما هو حجم الأرباح التي تجنيها حركة طالبان في ولاية نمروز بشكل إجمالي، بملايين الدولارات الأمريكية، من خلال أعمال غير شرعيى متعددة، منها المخدرات والتهريب غير الشرعي…
وتوازياً، فقد أصدر مركز أبحاث] مستقل، مركزه في كابول ويعرف باسم وحدة التقييم والبحث في أفغانستان، تقريراً في العام 2008، ورد فيه أنّ طالبان تفرض ضريبة بقيمة 10 % على كلّ حلقة من حلقات شبكة إنتاج المخدرات التي تشمل المزارعين الأفغان الذين يزرعون الخشخاش، المكوّن الرئيسي للأفيون، إلى جانب المختبرات التي تقوم بتحويله إلى مخدّر، وصولاً إلى التجّار الذين ينقلون المنتج النهائي إلى خارج البلاد.
الأهم هو أنّ مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدّرات والجريمة، كشف أنّ أفغانستان سجلت ارتفاعاً قدره 37 % في زراعة خشخاش الأفيون في العام 2020. وبشكل إجمالي، فقد بلغت مساحة الأراضي المزروعة بخشخاش الأفيون 224 ألف هكتار في العام 2020، وهي المساحة الأكبر في السنوات القليلة الماضية.
إلّا أنّ طالبان وجدت أنّ تجارة الميثامفيتامين أكثر ربحاً بكثير من الأفيون وتدر أموالاً طائلة. وقد نقلت مؤخراً مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية أنّ أستراليا واليابان يشكلان سوقين رئيسيين للمنتج الأفغاني الجديد. ويُقدّر سعر كيلوغرام الأفيون الأفغاني بـ250 ألف دولار أميركي تقريباً. وعلى سبيل المقارنة، فإنّ سعر كيلو الميثامفيتامين يبلغ نحو 700 ألفاً، كما أنّ إنتاجه يُعدّ أقل كلفة.
وتظهر البيانات أيضاً أنّه خلال السنوات الأربعة الماضية، ارتفع إنتاج الإيفيدرين والميثامفيتامين في أفغانستان، مع الإشارة إلى أنّ الإيفيدرين مادة تُستخلص من نبتة الإيفيدرا التي تنمو بشكل طبيعي في أفغانستان.
من ثمّ تستخدم مادة الإيفيدرين تلك في تصنيع المثيامفيتامين. كما نقلت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية عن ضابط كبير في مكافحة المخدّرات في العالم قوله، إنّ عمليات التجارة الإلكترونية التي أخذت بالتزايد في الأشهر الـ 18 الماضية منذ تفشي وباء كورونا في العالم، قد منحت تجّار المخدرات منفذاً إلى أسواق جديدة. وهنا يبرز الحديث عن أفريقيا.
فبحسب تقرير صادر في نوفمبر من العام 2020 عن مركز المراقبة الأوروبي حول المخدرات والإدمان عليها EMCDDA، وهو كناية عن وكالة مستقلّة تتخذ من مدينة لشبونة البرتغالية مركزاً لها، فقد بدأت أفغانستان بتصنيع الميثامفيتامين جدياً فقط منذ 4 سنوات.
طرقات قديمة ومنتجات جديدة
على مرّ عقود، تمّ نقل شحنات الهيرويين المستخرج من الخشخاش المزروع في أفغانستان من مرافىء واقعة على طول سواحل ماكران الإيرانية والباكستانية، على متن مراكب شراعية عابرة للمحيطات، وعلى نحو متزايد على متن سفن كبيرة معدّة لنقل الحاويات. ويتمّ نقل شحنات الهيرويين لتسليمها إلى شبكات اتجار ناشطة في مدن ساحلية، لديها مرافىء على طول الساحل الأفريقي الشرقي.
في الأصل، كانت تلك المرافىء بمثابة محطّات محلية متناثرة على طول الساحل الشرق أفريقي للإتجار بالهيرويين، ونقله إلى أسواق المستهلكين الأكثر يسراً في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، إلّا أنّ تطوّرات كثيرة طرأت على ذلك الواقع. فقد برزت أسواق استهلاكية للهيرويين في مدن وبلدات في كافة أنحاء شرق أفريقيا وغربها، بعدما استفادت من تغذية طرق برية للإتجار بالمخدّرات.
في ذلك السياق، تشير بيانات أظهرتها “المبادرة الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية” GIATOC وهي منظمة مستقلة من منظمات المجتمع المدني تتخذ من مدينة جنيف السويسرية مركزاً لها، إلى أنّ طالبان قد تكون تستخدم طرقات الأفيون القديمة والمعروفة لنقل الاميثامفيتامين أيضاً. وقد كشفت المبادرة كذلك أنّ الميثامفيتامين الأفغاني الذي يصل إلى المنطقة إلى جانب شحنات الهيرويين المعتادة، أصبح متوفراً في أسواق المخدّرات الحضرية في جنوب أفريقيا منذ أواسط العام 2019.
حتى الآن، لم يتم اعتبار الميثامفيتامين كمصدر خطر كبير في أفريقيا، غير أنّ كميات المخدرات المضبوطة مؤخراً قبالة السواحل الشرقية للقارة الأفريقية، تظهر أنّ سوق الميثامفيتامين ينمو في المنطقة بشكل لافت لا سيّما في الموزمبيق.
وتظهر عمليات ضبط المخدّرات الأخيرة وجود طلب قوي ومتزايد على مخدر الكريستال ميث في أفريقيا، ولا شك في أنّ الميث الأفغاني يساهم في تلبية تلك الحاجة.
بشكل متوازٍ، توقّع مركز المراقبة الأوروبي حول المخدّرات والإدمان عليها EMCDDA في تقريره الصادر في نوفمبر من العام 2020، أنّ هناك احتمالاً أن تصبح أوروبا إلى جانب أسواق دولية أخرى، وجهة أهم للميث الأفغاني.
استبعاد احتمال أن تضع طالباً حداً لانتاج المخدرات
ثمّة سببان رئيسيان يرجحان بأنّ تواصل طالبان السماح لتجارة المخدرات بأن تزدهر في البلاد. أوّلاً إنّ الإقتصاد الأفغاني متعثّر للغاية. وسبق أنْ أعلنت الأمم المتحدة أنّ أفغانستان تقف على شفير أسوأ أزمة إنسانية في العالم وسط تقديرات لبرنامج الغذاء العالمي بأن نصف الشعب الأفغاني يواجه جوعاً حاداً.
يُعزى السبب الرئيسي في ذلك إلى أنّ أفغانستان لم تعد تتلقى مساعدات خارجية، بينما كانت تعتمد بقوّة عليها حتى سقوط كابول بيد طالبان. بالإضافة إلى ذلك، تمّ تجميد الإحتياط الخارجي في البلاد المقدّرة قيمته بـ9 مليارات دولار بغية منع طالبان من وضع يدها عليه.
في الحقيقة، لا تتوفر السيولة في البلاد لتسديد أيّ دفعات بما فيها دفع أجور الموظفين الحكوميين، واستيراد أصناف إستهلاكية خارجية. على سبيل المثال، منذ ذلك الحين لم يتم دفع أجور 220 ألف معلّم في البلاد.
على خط مقابل، توقّع صندوق النقد الدولي مؤخراً أنّ إجمالي الناتج المحلّي قد يتقلّص بنسبة 30 % في الأشهر المقبلة.
لقد استخلصت طالبان حتماً العبر من تجربتها السابقة في منع زراعة الخشخاش في العام 2000. إذ كان قرارها مستهجناً وقد أغرق المجتمعات المحلية التي تعتاش من زراعة الخشخاش في الفقر، ما يشير إلى أنّ وعود طالبان بوقف إنتاج المخدّرات قد تكون مجرّد خطوة لذرّ الرماد في عيون الأسرة الدولية.
لقد استخلص التقرير العالمي حول المخدّرات الصادر عن الأمم المتحدة في العام 2019، بأنّ “استخدام الميثامفيتامين يثير القلق في مناطق مختلفة، إذ أنّ كميات الميثامفيتامين المضبوطة في شرق آسيا وجنوب شرقها، ارتفعت بنسبة تزيد على 8 أضعاف بين العامين 2007 و2017”.
كما قال مركز المراقبة الأوروبي حول المخدّرات والإدمان عليها EMCDDA، إنّ “هناك حاجة ملحّة لتقييم الخطر الذي يمثله الميثامفيتامين الذي يتمّ إنتاجه في أفغانستان على البلد بحدِّ ذاته وعلى البلدان التي تقع على طول طرقات الإتجار بالهيرويين المعروفة”.
العام 2020، سجّلت الولايات المتحدة الأمريكية أعلى ارتفاع سنوي للوفيات الناجمة عن تناول الميثامفيتامين. كما لاحظت السلطات الأسترالية ازدياد عمليات ضبط الميثامفيتامين الآتي من أفغانستان، بما في ذلك تمّ ضبط كميّة كبيرة من المخدّر المذكور في أبريل الماضي مذوّباً ومعبأً في زجاجات مياه معدنية، بقيمة سوقية تزيد على 50 مليون دولار أميركي.
ومع ازدياد انعدام الإستقرار في البلاد، من المتوقع أن تزداد كميات الميثامفيتامين المنتج، والوفيات التي ستحصدها في المستقبل المنظور.