- المتحدث باسم سوريا الديمقراطية يكشف تفاصيل الحملة الأمنية لتفكيك خلايا داعش.
- المعلومات الاستخبارية أجهضت مخططات لتنفيذ عمليات للتنظيم.
- عمليات القبض المتتالية على قادة التنظيم أفسدت مخططاته.
- داعش يعترف بوجود “جواسيس داخلية”.
“لن نسمح لتنظيم داعش بتحقيق أي خطوات تقوّي موقفه الميداني، رغم الظروف الموجودة، حاليًا، على الأرض”.. بهذه الكلمات استهل آرام حنا، المتحدث الرسمي باسم قوات سوريا الديمقراطية حديثه لـ”أخبار الآن”، حول التطورات الميدانية في مدينة الحسكة السورية بعد المحاولة التي قام بها تنظيم داعش لاقتحام سجن “غويران“، وكذلك جهود التصدي للتنظيم في سوريا.
فخلال الأيام الماضية، شنت مفارز التنظيم هجومًا مفاجئًا على مقر سجن “غويران” بحي الصناعة في محافظة الحسكة السورية، قبل أن تقوم قوات سوريا الديمقراطية، بالتعاون مع التحالف الدولي لحرب داعش “قوات المهام المشتركة- العزم الصلب”، بتطويق الحي والاشتباك مع عناصر داعش ومنعهم من الفرار.
وفي حين سعى التنظيم لتصوير هجوم غويران على أنه عملية استثنائية ومفاجئة ضمن حملة “هدم الأسوار” التي تستهدف السجون التي يُحتجز فيها عناصره، أكد المتحدث الرسمي باسم قوات سوريا الديمقراطية لـ”أخبار الآن”، أن القوات الكردية كانت لديها معلومات جمعتها عبر مصادر استخبارية مختلفة، حول سعي التنظيم لكسب الزخم عبر ضرب أهداف حسّاسة بما فيها مخيمات احتجاز الإرهابيين وعوائلهم وكذلك السجون التي يتواجدون بها، بجانب السعي إلى احتلال رقعة جغرافية صغيرة والسيطرة عليها لاستغلالها في اطار اثبات الوجود و ضم أعضاء جدد .
ووفقًا لـ”آرام حنا” فإن القوات الكردية كان لديها معلومات استخبارية مركزة عن استراتيجية داعش القتالية، وساهمت تلك المعلومات في استباق الهجوم الداعشي، وشن حملة أمنية وقائية ضد خلايا داعش النائمة في شمال وشرق سوريا، ونجحت، خلالها، في رصد وتعقب وإسقاط مجموعة من القادة والخلايا الداعشية النشطة، وإجهاض مخططات ومؤامرات لتنفيذ هجمات إرهابية داخل مناطق متفرقة” كما يقول آرام حنا.
ويضيف “حنا”أن جهود مكافحة الإرهاب، التي سبقت هجوم داعش على “غويران“، شملت مجموعة خطوات متلاحقة بدأت بالكشف عن الخلايا الإرهابية النائمة وتعطيل مخططاتها إلى جانب استهداف عدد من الخلايا النشطة و إلقاء القبض على عدد من قادة التنظيم الإرهابي، إضافةً إلى تجفيف البيئة الداعمة/ الحاضنة لداعش ضمن مختلف مناطق الإدارة الكردية الذاتية.
وبدورها، تقول ليلى موسى، ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية بالقاهرة، إن قوات سوريا الديمقراطية وأفرعها كمكافحة الإرهاب والأسايش (الأمن الداخلي)، نجحت في هزيمة الخلايا الداعشية في غويران، وأثبتت قدراتها على هزيمة كل من يحاول العبث بأمن واستقرار المنطقة، مضيفًا أن جاهزية القوات الكردية مكنتها من التصدي للهجوم الداعشي وإلحاق خسائر موجعة بمفارز التنظيم الإرهابي.
ومثلت الجهود الاستخبارية والعمليات الأمنية والعسكرية التي شنتها قوات سوريا الديمقراطية، جزءًا من سلسلة أكبر من جهود التصدي للتنظيم في مناطق نشاطه وخاصةً داخل سوريا والعراق، بهدف تقويض القدرات العملياتية للتنظيم ومنعه من إعادة بناء شبكاته أو تعويض خسائره والنزيف القيادي الذي يُعاني منه بشكل واضح، مؤخرًا، علاوة على دحض دعايته الموجهة لأنصاره والتي تحاول تصويره كمنظمة إرهابية صلبة وقوية، لا سيما بعد هجومه الأخير في مدينة الحسكة السورية.
ونجحت تلك العمليات في إفراغ رسائل التنظيم الدعائية من مضمونها وبالتالي حرمانها من إحداث التأثير المطلوب على الشباب لاستقطابهم، وكذلك الحيلولة دون حصول التنظيم على الدعم المادي الذي سيدعم نشاطه الإرهابي، وخصوصًا في مناطق الرقة ودير الزور السورية المحاذية للحدود العراقية، كما يوضح المتحدث الرسمي باسم قوات سوريا الديمقراطية.
مخططات داعش في مواجهة النزيف القيادي
لكن تلك المخططات الداعشية تعرضت لضربات قوية أدت لتعطيلها وإعاقة تنفيذها، وذلك بعد القبض على مجموعة من القادة الفاعلين، والذين تولوا الإشراف على تنفيذ تلك المهمات، ومن بينهم “محمد عبد العواد” الذي ألقت وحدات المهام الخاصة التابعة لقوات سوريا الديمقراطية القبض عليه بدعم ومشاركة من قوات التحالف الدولي لحرب التنظيم “عملية العزم الصلب”.
وتزامن سقوط “عبد العواد”، مع القبض على مجموعة قادة التنظيم البارزين وفي مقدمتهم “حجي حامد العراقي” المسؤول المالي له ونائب أبو بكرا البغدادي (السابق)، بالإضافة لتفكيك خلايا التنظيم في أكثر من بقعة جغرافية داخل دول: (العراق، وسوريا، والسودان، وكوسوفو، والمغرب)، وإسقاط العديد من أفراده، وهو ما يوحي بوجود اختراق داخلي ساهم في انكشاف أفراد تلك المجموعات وتوصل أجهزة الأمن إليهم.
وعلى الصعيد التنظيمي، بدا داعش حريصًا على إرسال رسائل محددة لمن يصفهم بـ”الجواسيس”، وذلك من خلال منصاته الدعائية الرسمية كـ(وكالة أعماق الإخبارية، وصحيفة النبأ الأسبوعية، وكذلك في الإصدرات المرئية التي تنشرها مكاتبه الإعلامية المختلفة)، محاولًا شن حملة “إرهاب نفسي ودعائي” لتخويف العناصر المتعاونة مع أجهزة الأمن والاستخبارات، أملًا أن يؤدي ذلك لوقف جزء من النزيف القيادي الذي يُعاني منه.
ففي عددها الصادر، منتصف يناير/ كانون الثاني الجاري، أشارت أسبوعية النبأ الداعشية إلى 3 عمليات نفذها مقاتلوا التنظيم في سوريا ووسط إفريقيا ضد “الجواسيس المفترضين” من أصل 35 عملية بمعدل 8.5%، ناشرةً صورة لطبيب مدني سوري ذبحه مقاتلوا التنظيم بحجة التعاون مع القوات الكردية في إسقاط أحد عناصر داعش.
وحذر داعش المدنيين من التعاون مع الأجهزة الأمنية ضد التنظيم، مطالبًا إياهم بدعم مفارزه وأفراده وعدم إبلاغ أجهزة الأمن بشأن تحركاتهم، كما أقدم سابقًا على إعدام سيدات (3 في سوريا وواحدة في العراق) بدعوى عملهن جاسوسات في خطوة تحمل رسالة ضمنية لنساء داعش وأرامل مقاتليه بألا يتعاون مع أجهزة الأمن لكي لا يواجهن مصيرًا مشابهًا.
داعش يعترف بالجواسيس ويهددهم
ولم تكن تلك الإشارة استثنائية أو جديدة على “أسبوعية النبأ” التي تُولي اهتمامًا خاصًا بنشر صور عمليات ذبح أو قتل “الجواسيس”، فعلى سبيل المثال تضمن العددين السابقين من الصحيفة 5 أخبار عن عمليات قتل أو ذبح جواسيس بواقع 3 عمليات في العدد 320، و2 في العدد 319، بمعدل 10، و5% من إجمالي عمليات داعش في الأسبوعين، على الترتيب.
وفي المجمل، تتراوح نسبة هجمات التنظيم التي يقول إنه ينفذها ضد الجواسيس نحو 6: 8 % من إجمالي الهجمات التي يشنها سنويًا، وتتزايد تلك الهجمات في المناطق التي تنخفض فيها قدرات التنظيم على شن هجمات ضد قوات الأمن أو الجيش مباشرة، وهو ما حدث في شبه جزيرة سيناء المصرية التي يُعاني فيها التنظيم بشكل واضح.
وتعني النسبة السابقة، أن التنظيم وأذرعه الدعائية يوليان أهمية كبرى لعمليات “مكافحة التجسس”، وهو ما يعكس الهاجس الموجود لدى التنظيم من الاختراق الذي أسهم في خلخلة داعش وتقويضه من الداخل.
الاختراق الذي ينخر “جسد داعش”
وفي نفس السياق، يحاول التنظيم منح أعضاءه إحساسًا بالأمن الذاتي عبر التركيز على قدراته في اكتشاف الجواسيس أو الوصول إليهم، كما تُظهر الرسائل التي تتضمنها صحيفته الأسبوعية (النبأ)، لكن التدقيق في واقع التنظيم يكشف زيف هذا الإحساس ويُثبت وجود اختراقات على المستويات العليا في داعش.
فعلى سبيل المثال، أدت المعلومات التي أدلى بها قادة داعش البارزين لاعتقال أو اغتيال أمراء التنظيم وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي، الذي نجحت الولايات المتحدة في التوصل إلى مخبأه في شمال غربي سوريا، أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2019، بعد تعاون أبو زيد العراقي “إسماعيل العيثاوي” الذي شغل مناصب تنفيذية وشرعية بارزة في داعش وكان مساعدًا لخليفته المقتول، قبل أن يختلف معه ويهرب إلى تركيا بسبب إصدار “البغدادي” قرارًا بإعدامه.
ومن الواضح أن الخلافات بين مجموعات القادة الداعشيين ولا سيما المجموعات العراقية، كانت أحد أهم الأسباب في ضعف وتآكل تنظيم داعش، وبالتالي سقوطه وخسارته لمناطق سيطرته.
إلى ذلك، تتشابه عملية سقوط “أبو بكر البغدادي” مع العمليات التي جرت، مؤخرًا، والتي أدت لاعتقال قادة داعش البارزين (كمحمد عبد العواد، وحجي حامد العراقي)، وأعقبها تساقط خلايا داعش في البلقان والسودان كقطع الدومينو.
هل يتآكل داعش بفعل خيانات الداخل؟
وتُشير الخبرة السابقة في التعامل مع التنظيم إلى أن سقوط وانكشاف مجموعات بعينها، قد يرتبط بسقوط واعتقال قادة ونشطاء عملياتيين، وذلك لأن هؤلاء السجناء يختارون، في أحيان عدة، الاستسلام والتعاون مع أجهزة الأمن والاستخبارات لإنقاذ حياتهم، وهو ما حصل، مئات المرات سابقًا، منها اعتراف ووشاية أمير عبد المولى الصلبي (حجي عبد الله قرداش)، الذي يُعتقد أنه خليفة داعش الحالي، بزملائه في تنظيم القاعدة، وهو ما أدى لقتل واعتقال عدد منهم.
وعلى صعيد الأفرع الخارجية، ساهمت وشايات قادة داعش في إسقاط خلايا وشبكات كاملة للتنظيم، فمثلًا اختار القيادي السوداني بفرع داعش في مصر “حسام السوداني” (مكنى بأبي الفرقان)، مسؤول تسفير الشباب لداعش، التعاون مع أجهزة الأمن المصرية في استدراج قادة وخلايا التنظيم الآخرين، وهو ما أدى لإسقاط مجموعات كاملة من خلايا داعش في منطقة الوادي (القاهرة والمحافظات خارج سيناء)، من بينها مجموعة من صعيد مصر (جنوب) خططت لتنفيذ هجوم إرهابي بمعبد الكرنك الشهير بالأقصر.
وبحسب اعترافاته أمام نيابة أمن الدولة العليا، فإن “السوداني” قرر التعاون مع جهاز الأمن الوطني (الاستخبارات الداخلية) في القبض على مجموعات وعناصر إرهابية أخرى، وذلك بعد استدراج بعضهم من دول أخرى كالسودان إلى داخل مصر، بناءً على خطط أمنية وضعت لاصطياد هؤلاء الإرهابيين.
ويؤكد، عباس صالح المحلل السياسي السوداني والباحث في الشئون الإفريقية، أن طبيعة عمل التنظيم تجعل من الممكن اختراقه من قبل الأجهزة الاستخباراتية الدولية والإقليمية على حد سواء، وبالتالي فإن سقوط قادته وخلاياه يكون ناجمًا عن أكثر من سبب منهم التركيز الأمني ضد تلك الخلايا بجانب الوشايات الداخلية، مضيفًا أن تلك الوشايات لا يمكن اعتبارها السبب الرئيس وراء سقوط كل الخلايا وخاصةً في خلية السودان التي سقطت أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي.
“باحث” يتوقع سقوط خلايا داعشية جديدة في السودان
ويوضح “صالح” في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن” أن الشبكات الداعشية موضوعة نصب أنظار الأجهزة الأمنية في العالم ويتم تتبعها بشكل دائم، كما أن تتبع هذه الشبكات يعد ورقة مهمة للحكومات والأنظمة لنيل القبول من قبل دوائر الأمن والاستخبارات العالمية وهي مسألة مهمة لشرعية بعض الأنظمة، كما هو الحال مع نظام الحكم الحالي في السودان الذي تعتبر ورقة مكافحة الإرهاب مصدر شرعية لمكونيه الرئيسين(العسكر والمدنيين) فضلا عن الحاضنة السياسية الداعمة او المتحالفة مع النظام.
وتوقع الباحث في الشئون الإفريقية، أن يتم الكشف عن مزيد من الخلايا النائمة في السودان، قائلًا إنه أمر يتوقف على تماسك أجهزة حفظ القانون والنظام بالبلاد والتي صارت في خضم صراع سياسي بسبب التطورات المتلاحقة في السودان، مضيفًا أن اهتمام التنظيم بالسودان يأتي في سياق اهتمامه بالقارة الافريقية وتحديدًا بمنطقة حوض بحيرة تشاد التي ركز التنظيم عملياته فيها بشكل مكثف، ونجح في إيجاد موطئ قدم له هناك، علاوة على أن الهشاشة التي يمر بها السودان تجعل من البيئة الداخلية في البلاد عاملا محفزا لتواجد التنظيم فيها ومن ثم التحرك والعمل، وذلك لأنه يوظف “الفراغات” والمناطق الرخوة في إستراتيجياته بشكل فعال ويعتبر السودان منطقة فراغ أمني كبير على كافة الأصعدة.
مقاربة خطرة لمواجهة الاختراقات الأمنية
في المقابل، يدفع السقوط المتكرر لقادة وعناصر التنظيم، جهازه الأمني إلى اتباع إجراءات أكثر تشددًا في التعاطي والتعامل مع أفراد وعناصر التنظيم، وذلك في ظل توجس التنظيم من الاختراق الاستخباري وتخوفه من تسرب المعلومات الخاصة به.
ويعتمد التنظيم على ديوان الأمن العام “الأمنيين” في عمليات مكافحة الجاسوسية والاختراقات، ويتم اختيار “أمنيي التنظيم” بناءً على ثقة قادة التنظيم بهم والتزكيات (توصيات يحظون بها من مقاتلين وقادة موثوقين)، ويتم وضع شروط خاصة لهم، واختبارهم لضمان ولائهم للتنظيم.
واعتمد الأمنيون على مقاربات استقوها من أجهزة الأمن والاستخبارات في حقبة الرئيس الأسبق صدام حسين، وتقوم على تجنيد أكبر قدر من المصادر الاستخبارية وتوظيف عناصر التنظيم في جمع المعلومات عن بعضهم البعض، بالإضافة إلى تجنيد حراس القادة الكبار لداعش للتجسس عليهم، وذلك لشك قيادة التنظيم في جميع العناصر والقادة داخله.
ونجح الأمنيون، في إمساك التنظيم من الداخل بقبضة حديدية، وإسكات الأصوات المخالفة لقيادته عبر إجراءات استئصالية شملت التخلص من المخالفين بإرسالهم إلى الجبهات أو زرع شرائح التعقب الإلكترونية التي ضبطها الأمنيون بحوزة جواسيس التحالف الدولي لهؤلاء المخالفين لكي تقصفهم طائرات التحالف، بالإضافة لسجن وتعذيب آخرين.
وعلى الرغم من أن نجاح “القبضة الحديدية الأمنية” في إعطاء قيادة التنظيم شعورًا بالأمن والسيطرة عليه، إلا أنها ساهمت في تشظى داعش من الداخل وتصاعد الصراعات القيادية والإثنية في داخله، وبالتالي فشل مخطط تلك القيادة في صنع “هوية جهادية موحدة” لأفراده الذين فقدوا الثقة في تلك القيادة، وآثروا الفرار أو الاستسلام لخصوم التنظيم، والتعاون مع الأجهزة الاستخبارية لضمان البقاء والحفاظ على حياتهم بعدما اكتشفوا “وهم داعش”.