مناهضة حكم شي جين بينغ شكليّة داخل الحزب وأي معارضة حقيقيّة له يتم سحقها بلا رحمة
حاولت الصين على مرّ تاريخها الحديث تدعيم ركائز قوّتها الإقتصاديّة بما يساعدها في التحوّل إلى دولة عظمى تفرض نفسها كلاعب أساسي على الساحة الدوليّة.
وقد نجحت بتحقيق ذلك بالإستناد إلى نظام دكتاتوري انتهج القوّة والبطش والتسلط والدبلوماسيّة الماكرة في الخارج ضدّ شعوب الدول الضعيفة للسيطرة على ثرواتها، وأيضاً في الداخل ضدّ الشعب الصيني نفسه عبر استغلاله بالعمل القسري وقمعه والحد من حريّاته وصولاً إلى استعباده، حتى بات العالم كله يستنكر انتهاكات الصين لحقوق الإنسان عبر كمّ أفواه الصحافيين وسجنهم والقضاء على مجموعات المدافعين عن حقوق الإنسان وكل معارضي النظام، هذا عدا المجازر المرتكبة بحق أقليات الإيغور التي ينظر إليها دولياً بأنها عمليات إبادة جماعيّة.
فماذا في وضع النظام اليوم؟ هل هو أكثر تماسكاً أم أن ركائزه تتزعزع على وقع الأصوات المعارضة لحكم شي جين بينغ داخل الحزب الشيوعي الصيني؟ وهل من جديّة يمكن أن يعوّل عليها في تلك المعارضة أم أنها معارضة شكليّة؟
تفتخر الصين بنظامها، كمدير المعهد الصيني في جامعة SOAS في لندن اعتقد أنّ الحزب الشيوعي الصيني الحاكم في الصين يحبّ أن “يقدّم نفسه على أنه مؤسّسة ميريتوقراطيّة (أي تقوم على الجدارة بحيث تكون السلطة فيها لأشخاص يتمتعون بالجدارة والكفاءة) على أساس أن الحزب يعرف ما هو الأفضل وهو يتصرّف بناء على ذلك دائماً.
و الحزب إذا نظرت إلى كيف تُحكم الصين، وكيف تواجه الصين تحدياً مثل الكوفيد19 وكيف يقوم بقية العالم بذلك، وبنوع خاص ما يسمى بالديموقراطيات الغربيّة، فإنهم عندئذ سيقولون أن الصين تُقارن بشكل أفضل وأن النظام الصيني أثبت تفوّقه على الأنظمة الديموقراطيّة للغرب”.
القمع وفرض الطاعة
المعارضة ممنوعة في الصين وإن حصلت فهي شكليّة، عندما يتعلق الأمر بالمعارضة الداخلية “يتم دائمًا قمعها أو احتواؤها، لا يُسمح للمعارضة الداخلية بكل بساطة بالتطور والتماسك. ولكن على مدى فترات زمنية مختلفة، كان حجم ومدى القمع مثيراً للقلق، على سبيل المثال في عهدي جيانغ زيمين وهو جينتاو كانا يسمحان ببعض الانتقادات للحكومة والحزب الشيوعي، فقد سمحا بوجود مجموعات مثل محامي حقوق الإنسان، وسمحا للإيغور في شينجيانغ على سبيل المثال أو التبتيين في التبت أن يعيشوا حياتهم وفقًا لأحكامهم الخاصة طالما أنهم لا يقومون بأي شيء ضد الحزب أو يقولون أي شيء ضدّه.
لكن في السنوات التسع الماضية تغيّر كل ذلك في عهد شي جين بينغ، إذ لا يُسمح لك حتى بالتفكير تفكيراً خاطئاً أو التفكير بأي فعل خاطئ سواء كنا نتحدث عن الأقليات في شينجيانغ أو التيبت أو في أي مكان آخر، أو حتى التيار الرئيسي لشعب الهان الصيني في الصين أو في هونج كونغ. كلهم مطالبون بالطاعة، وإذا لم يسمعوا ويطيعوا فسيتم إجبارهم على اتباع خط الحزب، وقد تمّ القضاء على محامي حقوق الإنسان فعلياً بحسب ما قرأت”.
أما عن الجوانب الرئيسيّة المكوّنة لمعارضة شي جين بينغ داخل الحزب الشيوعي الصيني فلا توجد معارضة لقيادة شي جين بينغ داخل الحزب الشيوعي، هناك مقاومة، هناك أشخاص داخل الحزب الشيوعي بما في ذلك ضمن المستويات العليا للحزب وفي اللجنة المركزية وربما مكتب النائب يحاولون مقاومة بعض السياسات التي يفرضها شي جين بينغ لأنهم يعتقدون أن تلك السياسات خاطئة ومن المحتمل أن تكون ضارة بالصين.
لكن المقاومة السلبية ليست مثل المعارضة العلنيّة، فالمعارضة العلنيّة يتمّ سحقها بدون رحمة، ولا شك أن الجميع، ولا سيما من هم في مستويات عليا في الحزب الشيوعي يعلمون ذلك جيداً، وبالتالي لن يجرؤ أي منهم على معارضة شي جين بينغ علنًا ومواجهة العواقب الوخيمة التي يعتقدون أنها ستحلّ بهم في حال فعلوا ذلك”.
وعن القضايا السياسيّة الخلافية التي تشكل أسباباً رئيسيّة للمعارضة داخل الحزب مثل شيانجيانغ وهونغ كونغ وتايوان، أرى أنه “عندما ننظر إلى قضايا مثل شينجيانغ أو هونغ كونغ أو تايوان، ثمّة معارضة قليلة جداً داخل الحزب الشيوعي لما يدعو إليه شي جين بينغ. لا يتبنى الآخرون داخل الحزب الشيوعي انتهاك حقوق الإنسان الذي يحدث في شينجيانغ تمامًا، لذلك يؤمنون في الغالب بالدعاية الخاصة بهم ويعتقدون أنهم يقومون بالفعل بعمل جيد في شينجيانغ على الرغم من أن بقية العالم ينظرون إلى ذلك كجريمة ضد الإنسانية وحتى يقولون أنها تلتقي إلى حدّ ما مع تعريف الأمم المتحدة لمفهوم الإبادة الجماعية. قلة قليلة من أعضاء الحزب الشيوعي الصيني يرون في ذلك انتقادًا صحيحًا. وبالنسبة لأولئك الذين ينتمون إلى المستويات العليا في الحزب فإنهم يرون أيضًا أن هونغ كونغ تجنح إلى حد ما وتتصرّف بشكل سيء وبالتالي فإن حكومة شي جين بينغ ستنهض لفرض الانضباط على هونغ كونغ، وهم ينظرون أيضًا إلى تايوان على أنها غير وطنيّة بسبب عدم رغبتها بأن تكون جزءًا من الصين، وبالتالي فهم لا يقاومون كثيرًا فيما يتعلق بما يفعله شي جين بينغ في كل تلك الأماكن”.
حملة جين بينغ على الفساد
وأؤكد أن أكثر الأشخاص تضرّراً بسبب الفساد هم شعب الصين نفسه وليس أعضاء الحزب الشيوعي أو القادة داخل الحزب فهؤلاء لن يشعروا بالخسارة ويجب التوضيح أنه “كان هناك مشكلة منهجيّة على مستوى الفساد عندما تولى شي جين بينغ السلطة، وعندما بدأ حملته لمكافحة الفساد كان يتمتع بدعم كبير للغاية سواء داخل الحزب أو من عامة الناس على وجه الخصوص.
الآن داخل الحزب الشيوعي، وعلى الرغم من أن معظم كبار المسؤولين إن لم يكن جميعهم منفتحون على التطهير من الفساد، فقد رأى الكثيرون أنه إذا فشل الحزب في فعل شيء حيال الفساد فقد يؤدي ذلك إلى إضعاف النظام بشكل أساسي واسقاطه. وهكذا كان هناك قدر لا بأس به من الدعم لشي جين بينغ للقيام بذلك.
لكن عندما أوضح الأخير أن حملة مكافحة الفساد لم تكن في الحقيقة تتعلق فقط بمكافحة الفساد، ولكنها تتعلق أيضًا بما يسمى في لغة حزبهم بعملية تصحيحية للحزب – ما يعني أن شي جين بينغ يستخدم حملة مكافحة الفساد للقضاء على خصومه السياسيين داخل الحزب – بات لديه دعم أقل بكثير داخل الحزب الشيوعي تجاه حركة مكافحة الفساد، لكن في البلاد عمومًا لا تزال حملة مكافحة الفساد تحظى بشعبية كبيرة لأن الناس في الصين مستاؤون وغاضبون من حجم الفساد”.
وفيما خص سبل إنفاق أموال الناس التي ينتهجها الفاسدون فنحن نعلم أن المسؤولين الفاسدين جدًا يحاولون أحيانًا إخراج أموالهم من البلاد إلى حيث يمكنهم ذلك ويستخدمونها غالباً للإستثمار في الغرب وفي العقارات وفي جميع أنواع الإستثمارات في أمريكا الشمالية وكندا والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا بالإضافة إلى وجهات أوروبية أيضًا. لكننا نعلم كذلك أن الكثير من الفاسدين يقومون فعليًا بتخزين كميات ضخمة من النقود والأشياء الثمينة في ممتلكات يمتلكونها في جميع أنحاء الصين، وقد شهدنا حالات لمسؤولين فاسدين تم إسقاطهم وقد أوضحت وسائل الإعلام الحكومية مقدار الثروة التي حصلوا عليها بشكل سيء وقد تمّ استردادها من هؤلاء الفاسدين. لذلك يحدث أن يتم تخزينها في الصين وتهريبها خارج الصين.
وعن نوع المعارضة التي يتوقعها تسانغ داخل الحزب والدولة بسبب بعض القرارات الاقتصادية الأخيرة مثل الضريبة على العقارات والحد من المباني الشاهقة، أؤكد أن “شي جين بينغ لن يواجه معارضة جادة داخل الحزب الشيوعي حول مسائل سياسيّة محددة. كان الناس قلقين بشأن معارضة شي جين بينغ ومن ثمّ دفع ثمن معارضته علنية. إن الاقتصاد الصيني في تباطؤ الآن وهو لا يسير إلى حيث يرغبون لكنه ليس في أزمة، وما لم يمرّ الإقتصاد الصيني بأزمة خطيرة يمكن أن تزعزع استقرار النظام من غير المحتمل أن يجرؤ أولئك داخل الحزب الشيوعي الذين يقاومون بشكل سلبي على الخروج والعمل معًا لمحاولة إسقاط شي جين بينغ. تعتبر معارضة شي جين بينغ الآن مسألة خطيرة للغاية ولذلك على الذين يريدون معارضته أن تنجح معارضتهم بإسقاطه ونحن لسنا قريبين من موقف ما يمكّن أي مجموعة من القادة داخل الحزب الشيوعي في الوقت الحالي أو في المستقبل المنظور من القيام بذلك بأمان”.
كما “أتذكر قول بيل كلينتون هل الاقتصاد غبي؟ هذا ما قاله عن الانتخابات الأمريكية. إن الصين ليست دولة ديمقراطية ولكن في النهاية لا يزال الأمر يتعلق بالاقتصاد. إذا كان الاقتصاد الصيني في حالة انهيار خطير لفترة طويلة من الزمن فعندئذٍ مهما كان حجم سيطرة شي جين بينغ والحزب الشيوعي على وسائل الإعلام، فلن نكون أقوياء بما يكفي لإقناع الناس في الصين بأنهم لا يعيشون في دولة رهيبة وأن الحزب الشيوعي قد فشل في تنفيذ جانبه من الصفقة مقابل قبول الناس واحتضان ديكتاتورية الحزب الشيوعي. وعند هذه النقطة، أعتقد أننا سنرى المقاومة داخل الحزب الشيوعي تخرج وتحاول التخلص من شي جين بينغ واستعادة الحزب الشيوعي ومحاولة عقد صفقة جديدة مع الناس في الصين. لذلك أعتقد أنه علينا انتظار أزمة اقتصادية كبيرة للغاية في الصين ليتم ذلك”.
وعن تحوّل الصين اليوم عن خط دينغ بسبب نهجها الاستبدادي فإن الهدف من ما يسمى بخط دينغ شياوبينغ السياسي للصين كان رفع القدرات والطموحات الصينيّة “لم يكن هناك من التزام حقيقي من جانب دينغ بالقول إن الصين ستندمج بشكل كامل في بقية المجتمع الدولي وستلتزم وتحترم بالكامل النظام الدولي والقواعد التي يقوم عليها. كانت القضية تدور حول الإنتظار حتى تصبح الصين غنية وقوية كي تتمكّن من فرض شروطها. الفرق بين شي جين بينغ واثنان من أسلافه هو أنه في حين لم يعتقد جيانغ زيمين وهو جينتاو أن لحظة الصين قد حانت، يشعر شي جين بينغ أن لحظة الصين هي الآن وبالتالي ليس هناك من حاجة للصين لزيادة قدراتها وطموحاتها، على الصين ببساطة أن تخرج الآن وتطالب بقية العالم باللعب وفق القواعد الصينية وإبداء الاحترام لثروة الصين وقوتها. وهذا هو السبب الأساسي في ما نراه من تحوّل وتغيير في نهج الصين العدواني في السياسة الخارجية، ولهذا السبب أيضًا رأينا بقية العالم يتغير في كيفية استجابته مع الصين بطريقة مختلفة عن عهد دنغ شياو بينغ، عندما لم يكن بقية العالم قلقًا بشأن صعود الصين فحسب، بل كانوا يساعدونها بشكل استباقي عبر تحديثها وإظهارها كقوة عظمى على مستوى العالم، هم الآن قلقون بشأن صعود الصين وما يعنيه ذلك بالنسبة لهم وماذا يعنيه ذلك بالنسبة للنظام الدولي”.
يمكنكم أيضا مشاهدة: كيف يسعى الحزب الشيوعي الصيني الى الإبقاء على تحكمّه في السلطة؟