الإحتمالات تشير إلى أن روسيا والصين وإيران تقف خلف تلك الهجمات المعلوماتيّة
يخوض العالم اليوم حرباً جديدة، وهي حرب من نوع آخر تقوم بشكل أساسي على المعلومات المضللة والدعاية التي تلجأ إليها الدول الإستبداديّة في محاولة لزعزعة إستقرار الدول الديمقراطيّة تحقيقاً لأهداف معيّنة دون أن تتكبّد خسائر في المال أو الأرواح.
وتواجه السويد اليوم حرباً من ذلك النوع، فتعمل عبر وكالة الدفاع النفسي السويديّة على مكافحة المعلومات المضللة والمزيّفة التي تبثها بعض الحكومات الأجنبيّة وأبرزها روسيا والصين وإيران في محاولة لزعزعة استقرار السويد والتأثير في المواطن السويدي وربما توجيه خياراته في الانتخابات المقبلة.
فما هي تلك الوكالة الجديدة التي أطلقتها السويد وما هي أهدافها؟ كيف تحمي المواطنين من الهجمات المعلوماتيّة التي تشنها تلك الدول؟ وما هي الأهداف المحتملة لتلك الحرب المعلوماتيّة التي تشنّها روسيا والصين وإيران وربما غيرها على السويد؟
حصل تلفزيون الآن على إجابات لتك الإستفسارات في مقابلة مع رئيس قسم في وكالة الدفاع النفسي السويديّة ماغنوس هورت الذي شدّد على أن “هدف الوكالة هو حماية مجتمعنا الديمقراطي المنفتح وصون حريّة التعبير”. وأضاف “تتمثّل إحدى مهماتنا الرئيسيّة في تحديد المعلومات الأجنبية الخبيثة وتحليلها ومكافحتها، بالإضافة إلى مكافحة التأثير الذي قد تتسبّب به تلك المعلومات المضللة وغيرها من المعلومات المزيّفة الموجّهة ضدّ السويد أو المصالح السويديّة. لذلك نعمل على قيادة تنسيق وتطوير الدفاع النفسي للسويد بالتعاون مع آخرين أيضًا”.
خطوات عمليّة لمقاومة المعلومات المضللة
يقع مقرّ الوكالة في كارلسباد ولديها مكتب في سولنا ويتولّى رئاستها المدير العام هنريك لاندرهولم، وهو سفير سابق كما تضمّ 45 موظفاً.
وتشرح الوكالة على موقعها الإلكتروني أن المعلومات المضللة قد تهدف “إلى إضعاف مرونة الدولة وإرادة السكان للدفاع عن نفسها أو التأثير غير المبرر على تصورات الناس وسلوكياتهم وعملية صنع القرار”.
وتشدد على ضرورة تعزيز الدفاع النفسي أيضًا و”قدرة السكان على اكتشاف ومقاومة حملات التأثير والمعلومات المضللة”. فالدفاع النفسي يساهم في “خلق المقاومة والاستعداد للدفاع بين سكاننا وفي المجتمع ككل”.
أما عن الخطوات العمليّة التي تطبقها الوكالة في سبيل مكافحة المعلومات المضللة قال هورت: “نقوم أوّلاً وقبل كل شيء بمراقبة ما تقوم به الحكومات الأجنبيّة ضدّ السويد، نراقب اتصالاتهم وأنشطتهم فيما يتعلق بالسويد، ومن ثم نشارك على مستوى واسع في بناء القدرات والإمكانيّات داخل الدولة. نحن ندعم الوكالات الحكوميّة والبلديّات والجهات الفاعلة الإقليميّة والمنظمات والشركات من أجل نشر الوعي حول المعلومات المضللة والكاذبة من قبل الجهات الفاعلة الأجنبيّة”.
ولفت إلى أن الوكالة ستقوم بـ”حملة من أجل زيادة الوعي حول قضايا المعلومات المضللة، لدينا تمارين تدريبية، ولدينا دورات للصحفيين، لذلك فإن مهمتنا هي زيادة الوعي ونشر المعلومات لإعلام الناس من أجل حماية انتخاباتنا لذلك إن نشر الوعي هو ما نقوم به حقًا. لم تنطلق حملتنا بعد ولكننا نخطط لها الآن وسنرى ما سيحدث”.
وعن الأنظمة التي تحاول زعزعة استقرار السويد قال هورت “إنها الأنظمة الإستبدادية بشكل أساسي وهي تلجأ إلى استخدام المعلومات المضللة كإحدى الأدوات الرئيسية لتحقيق أهدافها والتأثير على الجهات التي تقوم باستهدافها. من المعروف تاريخياً أن روسيا والصين تستخدمان تلك الأدوات، ولكن من الممكن أن تلجأ إلى ذلك دول أخرى أيضاً”. أما عن التأثير الذي يمكن أن تتركه تلك المعلومات في المواطن السويدي قال: “إن الهدف من تلك المعلومات طبعاُ هو زعزعة الاستقرار، يمكن أن ينشروا معلومات مضللة حول كيفية عمل الكوفيد أو اللقاحات من أجل زعزعة استقرار السويد، يمكن أن يكون الهدف التأثير على الناس لعدم التصويت في الانتخابات المقبلة”. وشدد على أن “حماية الانتخابات ستكون إحدى مهماتنا الرئيسية هذا العام فبالنسبة لخصم أجنبي قد يكون من المثير جدًا التأثير على انتخاباتنا وذلك طبعاً بالإعتماد على القضايا التي قد تعرّض انتخاباتنا المقبلة للخطر والتي لا نعرفها بعد، من الممكن عبر الإعتماد على الموضوعات التي تتناولها الحملات، قد يكون الأمر أكثر إثارة للاهتمام بالنسبة لخصم أجنبي أو لدولة إستبدادية تحاول التأثير علينا”. وأضاف ” نحن نريد طبعاُ إقبالًا كبيرًا على الانتخابات، في ديمقراطية حيوية مثل السويد قد يكون من الأشياء المثيرة لخصم أجنبي أن يقنع الناس بعدم التصويت، يمكن أن يكون ذلك أحد تلك الأشياء التي قد يهتم بها خصم أجنبي”.
وكان موقع فوربز قد لفت مؤخراً إلى أن قلق السويد من التدخل في انتخاباتها في العام 2018 هو ما أدّى إلى إنشاء الوكالة الجديدة. وقد أشار مسؤولون سويديون في الماضي بحسب فوربز إلى روسيا والصين وإيران كمصادر لحملات التضليل واستشهد لاندرهولم بالمحاولات الروسية للتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
هذا ويقال بحسب فوربز أيضاً، إن حوالي 10% من السويديين يقرأون موقع الأخبار الروسي سبوتنيك الذي يوصف عادة بأنه خدمة دعاية، والذي ينتقد في كثير من الأحيان المواقف الليبرالية في السويد ويهدف وفق لاندرهولم إلى زعزعة الإستقرار أو تقويض الثقة في الوكالات الحكوميّة.
المنصات المعتمدة للتضليل
يعتقد هورت أن كل الدول الغربيّة قد قامت بواجبها على مستوى حماية نفسها من المعلومات المضللة منذ العام 2014 أو 2015 “لكنني أعتقد أن عددًا قليلاً من البلدان لديها وكالة لهذا الأمر فقط، لدى الفرنسيين وكالة جديدة تسمى Vision (رؤيا) وقد انطلقت في خريف العام 2021 وهي تعمل بطريقة مشابهة لوكالتنا، لكن كل الدول لديها طرقها لمعالجة هذا الأمر اعتمادًا على التقاليد السياسية وما إلى ذلك، لكنها ظاهرة عالمية يتعين علينا جميعًا معالجتها حقاً”.
ويعتبر هورت أن “نشر المعلومات المضللة والقيام بهجمات إلكترونية يمكن أن يكون وسيلة رخيصة لتحقيق جدول أعمال معيّن أو تحقيق أهداف معيّنة أو ربما تحقيق نوع من الفوز في الحرب دون إطلاق الرصاص في حرب واسعة النطاق، وهو شيء تريد معظم الدول تجنّبه إذا كان بإمكانها تحقيق أهدافها باستخدام مجال المعلومات إن ذلك أفضل بكثير على مستوى إنقاذ الأرواح والوقت والمال. لذلك فإن ذلك يعتبر أداة مفيدة جدًا في صندوق أدوات الأنظمة الاستبدادية”.
أما عن المنصات التي يتم عبرها ترويج تلك المعلومات المضللة قال: “طبعاً إن وسائل التواصل الاجتماعي تستخدم كثيرًا لنشر المعلومات المضللة، لكن يمكن أن يتم ذلك عبر وسائل إعلام تقليدية أيضًا، قد يكون عبر نشر مقالات في الصحافة أو من خلال التلفزيون أو الراديو أيضًا”.
وأضاف “أعتقد أن الخصم الأجنبي الذي يريد التأثير علينا لا يميز بين المنصات التي يستخدمها، يستخدمون المنصات التي يعتقدون أنها أكثر فعالية وحيث لدينا نقاط ضعف. لكن بالطبع وسائل التواصل الاجتماعي هي الأحدث والرغبة في استخدامها تعود إلى أنه يصعب مراقبتها على ما أعتقد. وأيضًا هناك المستخدمين، فالجميع يستخدمون الهواتف ويمكن للجميع نشر تلك المعلومات المضللة دون معرفة ذلك، لذلك يمكن استخدام كل الوسائل الإعلاميّة”.
حتى الآن تبدو الانتخابات السويديّة وديموقراطيّتها هدفاً محتملاً للأنظمة المعادية للسويد والتي تصفها الأخيرة بحسب هورت أنها أنظمة إستبداديّة، فهل تنجح الأخيرة عبر معلوماتها المضللة بضرب الانتخابات السويديّة والتأثير في خيارات الناخبين، أم تنجح وكالة الدفاع النفسي السويديّة عبر خططها الإستباقيّة بحماية الديمقراطيّة السويديّة؟